العنصرية.. بين إنفاذ القانون والعنف الأمني..! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

العنصرية.. بين إنفاذ القانون والعنف الأمني..!

العنصرية كمصطلح تتلخص في ممارسة التمييز ووضع فوارق بين الأفراد على أساس اللون أو العرق أو الإنتماء أو المعتقد.. وتعد الممارسات العنصرية هي أحط أنواع الجرائم الإنسانية لجنوحها دائماً إلى الإهانة والإقصاء والتعذيب وصولاً إلى القتل العمد دون أدنى مراعاة لضوابط حقوق الإنسان..!

  نشر في 07 يونيو 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

بقلم/ محمد أحمد فؤاد

لا شك أن مظاهر العنف الأمني تجاه أنماط المعارضة المتعددة لا ولن تتوقف عند ما حدث مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية، بل أنه يتجاوزها إلى أغلب بلاد العالم من أقصاه إلى أقصاه.. وقد شهد التاريخ وشهدنا هذا في مصر خلال الثورة الشعبية المجيدة في 25 يناير 2011 وما تلاها من مواجهات غير متكافئة بين قوات الأمن والمعارضين لتشتيت مسار التغيير السلمي، والمطالبين بتشكيل مجلس رئاسي مدني حينها ليضم كافة التيارات السياسية تجنباً للفوضى.. وشهدناه أيضاً في ساحة تيان إن مِن في العاصمة الصينية بيكين عام 1989 حين تظاهر آلاف الطلاب والمفكرين والعمال للمطالبة بمزيد من الإصلاحات السياسية والإجتماعية وبوقف الفساد والتضخم الفاحش لثروات كبار موظفي الحزب الحاكم، وظهر أيضاً في الهند 2019 حينما قمعت الشرطة إحتجاجات الملايين في ولايات متعددة بسبب إعتراضهم على القانون العنصري الذي أقره البرلمان الهندي بشأن منح الجنسية لمواطني دول الجوار غير المسلمين.. سأكتفي بتلك النماذج لأنها تمثل بوضوح كيف يتم التعامل مع المعارضة من قبل أنظمة الحكم الشمولية التي تعني فقط بالتربح الفاحش والبقاء في السلطة أكثر مما تجدها تعتني بواجباتها تجاه مواطنيها..!

مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد على يد شرطي في مدينة مينيابوليس بولاية منيسوتا لم يكن هو حادث العنف الأول من قبل الشرطة تجاه مواطنين أمريكيين من أصول إفريقية، لكنه ربما كان صفعة الإفاقة على وجه المجتمع الأميركي الذي يحتضن الكثير من أفكار التمييز العنصري ويأبى الإعتراف بذلك.. هذا ليس إتهاماً بقدر ما هو تفسير لواقع يتم التعتيم عليه دائماً لأسباب سياسية واقتصادية وإجتماعية تدخل في صميم تكوين هذا المجتمع الذي أظهر مؤخراً هشاشة مدهشة في قدرته على إحتواء مشاعر الكراهية غير المعلنة بين مواطنين من المفترض أنهم جميعاً يخضعون لدستور واحد وقانون واحد وعدالة واحدة..!

العنصرية كمصطلح تتلخص في ممارسة التمييز ووضع فوارق بين الأفراد على أساس اللون أو العرق أو الإنتماء أو المعتقد.. وتعد الممارسات العنصرية هي أحط أنواع الجرائم الإنسانية لجنوحها دائماً إلى الإهانة والإقصاء والتعذيب وصولاً إلى القتل العمد دون أدنى مراعاة لضوابط حقوق الإنسان.. وتلك الممارسات لا حدود لها ولا تقتصر على فئة أو طائفة بعينها، وهي أيضاً لا ترتبط بمكان أو موقع جغرافي محدد.. بل هي تمارس أينما إزداد طغيان الإستبداد والديكتاتورية، ومتى حلت السخرة والإستغلال محل القانون والشرائع..!

ربما هكذا تكونت نواة العنصرية في أرض العالم الجديد حيث أرسى العم سام دعائم دولته الأقوى حالياً بحسابات القدرة على السيطرة وليس بحسابات العدالة والمساواة.. فالحقيقة الدامغة تاريخياً هي أن العنصرية والبلطجة السياسية أضحت جزء لا يتجزأ من الموروث الشعبي للرجل الأبيض منذ وطأت أقدامه أرض العالم الجديد بقيادة فرانشيسكو بيثارو جونزاليس 1478 : 1541.. هذا الجزار الأسباني الذي قاد حملة من ثلاث سفن ومائة وثمانين رجلاً وسبعة وعشرين حصاناً بدعم وتأييد من كارلوس الخامس الذي منحه كل صلاحيات وامتيازات نائب الملك، وجعله قائداً عاماً وحاكماً لقشتالة الجديدة لمسافة 200 فرسخ (وحدة قياس قديمة تعادل ثلاثة أميال) على طول الساحل المكتشف حديثاً، مما مكنه من إستخدام البارود والأسلحة النارية الحديثة من الاستيلاء على إمبراطورية الأنكا والتنكيل بشعبها، وأسر أوتاوا ألبا إمبراطور الأنكا والحكم بإعدامه بتهمة قتل أخيه، وتقول الأسطورة أن أوتاوا ألبا إفتدى نفسه بغرفة مليئة بالذهب لكن بيثارو إستولى على الذهب وأعدمه..

كان من المفترض أن يحمل الرجل الأبيض معه الحضارة والخير للعالم الجديد، فإذا به مستعمر عنصري ومغتصب وشرير.. وهكذا ظل التاريخ يسجل تفاصيل جرائم العنصرية بين مذابح تصفية وإبادة السكان الأصليين، وبين التمييز العنصري على أساس اللون والعرق بين ابناء الدولة الواحدة هناك إلى يومنا هذا، الأمر الذي تجلى بوضوح منذ صعود الرئيس الحالي لسدة الحكم هناك، وإصراره الدائم على أنه الوحيد الذي يعرف الحقيقة.. وأيضاً تماديه في إستخدام مصطلحات ومفردات تعزز من فرص الإنقسام داخل المجتمع الأمريكي إلى نحو ما أسماه "نحن وهم" واصفاً بذلك لكل من يعارض سياساته سواء داخلياً أو خارجياً..

دونالد ترامب بتصرفاته يعكس إزدواجية مفرطة في التركيبة النفسية للمجتمع الأمريكي على الأقل سياسياً.. فالمواطن الأمريكي ربما تعود على مبدأ رفض الأخر نتيجة لقسوة وضراوة الصراع بين طرفي المعادلة السياسية هناك الجمهوري والديموقراطي، والذي يملك كل منهم أدوات دعاية وسيطرة إعلامية مرموقة وشديدة التأثير لحد القدرة على التحكم في مصائر دول كبرى بحكوماتها، وأيضاً تحديد بعض المسارات الإقتصادية الدولية.. وفي هذا أظن أن الأجيال الحالية هناك لم تنعم في حياتها بأكثر من خيارين لا ثالث لهما فيما يتعلق بالأمور السياسية وأمور أخرى تمس الجانب الإجتماعي، فهناك الكثيرين ممن لا تعنيهم قضايا التمييز العنصري وتأثيرها النفسي على الأفراد والأقليات بقدر ما يهتمون بوجود تمايز إقتصادي وحقوقي لهم مصحوب بسيطرة أمنية حتى ولو إتسمت بالعنف تجاه هؤلاء ممن ينادون بالمساواة والعدل.. بينما المصالح الأمريكية الكبرى وإستراتيجيات السيطرة الإستعمارية في الصراع مع القوى العظمى الأخرى التي لا يجب أن يكون هناك خلاف داخلي عليها تظل ثابتة لا تُمس.. ودائماً تتراوح طرق حمايتها بالوسيلة الجهنمية الأكثر نجاحاً وهي: "صرح البيت ألأبيض / نفى الكونجرس" ..!   



  • mohamed A. Fouad
    محمد أحمد فؤاد.. كاتب حر مؤمن بحرية الفكر والمعتقد والتوجه دون أدنى إنتماء حزبي أو سياسي.. مهتم بشأن الإنسان المصري أولاً..!
   نشر في 07 يونيو 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا