الجامعة في بلدي الجزائر
الحياة الجامعيّة بين صورة مسبقة و واقع محبط
نشر في 10 يونيو 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
في مرحلة الثانويّة يكون طالب العلم قد وصل إلى درجة لا بأس بها من رقيّ في المستوى ، إلى غاية السنّة النّهائية و التي سيحصل فيها على الشّهادة التي تُعادل ذلك - البكالوريا - و التي ستجعله يؤكّد و يجسّد هذا المستوى فيما بعد .
كانت هذه مقدّمة عن الطالب ، عربيا كان أم أجنبيا ، لأنّ هذه هي الطريق المعهودة ، لكن سأتحدث قليلا و هذه المرّة بلسان التّخصيص ، فالطّالب الجزائريّ يَزوَرُّ عن دائرة طلب العلم المعروفة عند جميع النّاس ، فيُمضي مرحلة الثانويّة و النّشاط يغمره ، كونه يطرق مرحلة الشّباب ، إلى أن يصل إلى المرحلة النّهائيّة و هي البكالوريا التي يهدف إلى أن يتحصّل عليها ليكون ضمن فئة النّخبة ، أو الطّبقة المثقفة في المجتمع كما هو معروف على العموم .
و بعد جهد جهيد في السّنة الثالثة ، ينال الطالب الجزائريّ مرغوبه ، و ينجح في شهادة البكالوريا ليفرح كثيرا و يُفرِح معه أناساً أكثر ، و قد تستمرّ السّعادة لأكثر من شهر ، وهو يتخيّل هذا العالم الرّائع الذي سيطرق بابه بعدما كان يكتفي بمشاهدته من وراء الشّاشات ، و الوزارة التي سيصبح تحت غطائها ، إذ سينتقل إلى وِزارة التّعليم العالي و البحث العلميّ بعدما أحرز شهادة التّربية و التّعليم على اختلاف درجاتها .
تمرّ سحابة ذلك الصّيف مليئة بالخير ، و مُذهِبة للحرّ المعتاد في تلك الفترة ، و في كلّ ليلة يتخيّل نفسه و هو يتجوّل داخل أسوار الصّرح الجامعيّ ، و يجسّد فكرة أنّ العلم و قضاياه و متطلّباته ستكون كل المواضيع التي سيناقشها الطّلبة داخل الجامعة ، و تكون محورا لمواضيع جلساتهم التي ستزاحمهم فيها الكتب لكثرتها .
إلى غاية بداية الموسم الجامعيّ ، تبدأ نبضات القلب في تسارع ، إلى أن يبصم الطّالب الجديد على أولى خطواته في الجامعه ، و تمضي الأيّام و يشرع الطّالب الحديث في البحث عن تلك التّصوّرات التي لم يرها إلى حدّ الآن ، فيقوم بجولة داخل المكتبة بعدما استشار عن مكانها ، ليتجلّى له بعض ما تخيّله يوما أن يكون ذلك دَيدَن الطّالب الباحث فتقابل عينيه لأوّل مرة الطلبة و هم يتحاورون بطريقة علميّة .
ومع مرور الأيّام تبدأ هذه الظاهرة في التناقص تدريجيّا إلى حدّ كادت تكون نادرة و تحلّ محلّها تفاهات و ترّهات هي كل ما يخرج من أفواه الطلبة الباحثين - إلّا من رحم ربّك - .
و بعدما رأى عكس ما تخيّل ، يحاول هذا الطالب الجامعيّ الجديد أن يكون مختلفا عن سابقيه ، فيبدأ بملازمة المكتبة و مجالسة الكتب ليزيد من رصيده العلميّ و يجسّد جملة "البحث العلمي" ، فيجد حلاوة لم يذق لها مثيلا ، تقابلها غربة لا يلقي لها بالاً ، فأشباهه من هم جدد في الجامعة كثيرون على قلتهم .
و يمرّ أسبوع و أسبوعان ، فشهر و شهران و صديقنا يحاول أن يواصل على نفس النّهج ، لكنّ بعض الكلمات التي تصادفه من قبل بعض الطلبة كقولهم مثلا : "نراجع فقط عند قرب الامتحانات، أو "عندما يكون لدينا بحث " فهذان السببان كافيان لجعل صورة الطّالب الجامعيّ في الجزائر تظهر على حقيقتها ، أمّا غيرها من الميزات فقد ألفناها قبل الجامعة بداية من اكتظاظ الحافلات إلى غاية عدم وجود المآزر -وإن كان هذا الأخير لدى البعض لا الكل - .
إلى غاية الآن الحياة الجامعية روتينيّة ، فالمحاضرات لا يأتيها إلا الطلبة الجدد الذين لا يدرون مدى سفاهتهم في نظر من سبقهم إلى الجامعة بسبب دخولهم للمدرج لحضور محاضرة في مقياس ما ، و إمّا طلبة مجتهدون حُقَّ لهم حمل اسم طالب جامعي ، و غير المحاضرة ماهو إلا تطبيق يُختصَر اسمه في حرفين من اللغة الأجنبيه (TD) و هذا ما يواظب عليه الكل - ليس لوجود تطبيق حقيقة - بل لوجود المناداة بالأسماء و تسجيل الغياب لا أكثر و لا أقلّ ، فإثبات الحضور أهمّ ما يسعى إليه جلّ الطلبة ، خوفا من الاقصاء .
و تأتي فترة امتحانات السّداسيّ الأوّل ، و يشرع الطلبة في البحث عن المحاضرات مكتوبة أو ما يصطلح عليها ( بوليكوب) فيجدونها عند من كانوا محلّ تهكّم و سخرية وهم أصحاب المحاضرات ، فتبدأ ملامح الجديّة و العزيمة و الاجتهاد و المثابرة لفترة لا تتجاوز 15 يوما على الأكثر ، تُلَخَّص فيها كلّ ما حمله السّداسيّ ، فبضع سهرات بين الكتب و الأوراق هي كل ما يخسره الطالب لنيل مبتغاه ، فحتى طرق الغشّ لا زالت تلازم بعض الطلبة بعدما كان يُظَنُّ أنّ هكذا أساليب بقيت في المرحلة الثانوية .
و بعد كلّ ما رآه صاحبنا ، يبحث عن تصنيف جامعات بلده مقارنة مع بقية دول العالم ، فيتجاوز الرقم و لا يصادف -و لو خطأً - اسم جامعة من الجامعات .
فهل هذا الحال في بلدي فقط ، أم في كل الجا
-
عبد الحق عمرانيشاب عشريني ، أحبّ القراءة و الكتابة و أحبّ من يحبّهما