رائحة الأمس (3)
ذوقها الغريب في التفكير ، شعرت بخوف من هذا التشتت الذي يدور حول هالتها لأن الأمور تتشابك حولها بطريقة تُعجزها عن المواجهة، لم تستطع أن تجتاز شوقها بسهولة.
نشر في 22 نونبر 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
انتهى وقت العطلة.
أصبحت "أمارلس" تتجهز للذهاب إلى عملها، وفي طريقها للعمل غفوت في الحافلة لبعض الوقت ثم أفاقت على صوت طفلاً ً يصرخ على شقيقته بسبب أخذها مصروفه، وما إن مرت لحظات وإذ بفتاة الأمارلس تصرخ بصوت مليء بالقلق والحنان قائلة: ما هذا ! وكيف ذلك.
رأت جملة مكتوبة بالحبر على يدها اليسرى محتواها: (تسريحة شعرك لا تليقُ بكِ كفتاة) ورائحة القرنفل تنبعث من يدها، وقفت لتبحث بالحافلة عن كاتب هذه الجملة ولكنها لم تجد من كان في بالها، ولم تجد حتى شيء مبهم.
تسريحة شعرها عبارة عن كعكة مرتفعة، وبعد قراءتها لهذه الجملة فكت شعرها بكل راحته على ظهرها، هو يعلم أن تسريحتها في قمة الجمال والأنوثة ولكنه قال ذلك لتغطي رقبتها بشعرها لأنها بتلك التسريحة تعتبر مغرية نوعاً ما أو ربما هكذا كان يظن.
إنها الغيرة يا سادة.
بقيت "أمارلس" جالسة في الحافلة برهة من الوقت، غير مكترثة للعالم الخارجي من حولها، ربما ذلك بسبب ذوقها الغريب في التفكير، ثم شعرت بخوف من هذا التشتت الذي يدور حول هالتها لأن الأمور تتشابك حولها بطريقة تُعجزها عن المواجهة، لم تستطع أن تجتاز شوقها بسهولة.
جاء فصل الربيع وجاء يوم الثلاثاء الذي لم يُدون في كتب التاريخ ولا حتى في كتب الفلسفة، دُق باب منزل "أمارلس" في الساعة السابعة مساءً.
فُتح الباب.
هو.. نعم هو صاحب رائحة القرنفل، هو ذكريات "أمارلس" وماضيها وأحزانها وهذيانها، جاء مرتدي بدلة سوداء جميلة يحمل في يده باقة ورد من نوع الأمارلس، ثم قال لها: هذه الورود لك يا جميلة.
دمعت عينتا "أمارس" من السعادة، ثم بدأت جروح قلبها تغلق شيئاً فشيئاً ، كما بدأ اللون الرمادي للحياة بالهروب من أمام عينيها، ثم قالت في ذاتها " الحمد لله جاء لخطبتي وأخيراً تخلى عن جبنه وتكبره وجنونه وهوسه".
قالت لصاحب رائحة القرنفل: لما زلت واقفاً على الباب تفضل إلى الداخل.
قال لها: أعذريني لا أستطيع سوف اتأخر على صاحب محل الورد، فقد بدأت بالعمل عنده حديثاً حيثُ قال لي أوصلها بسرعة لأن هناك طلبيات أخرى مستعجلة.
أغلقت "أمارلس" الباب بطريقة نرجسية ثم نظرت إلى البطاقة المرفقة مع الورد وكان محتواها (حبي لك يسبق جميع الأزمنة ويبقى إلى ما لا نهاية ولكن نحن خطان متوازيان من المستحيل أن يلتقيان في نقطة واحدة).
وضعت الورود مع البطاقة في سلة المهملات، وكأن غيمة مليئة بالغباش زالت عن قلبها هي الآن فهمت قدسية الشجاعة وتناقض الصدق مع الجبن، أو هكذا ظنت.
-
سهام السايحمؤلفة كتاب كأنه سديم وكتاب عمر مؤجل