تهويدة على مهد دافيء

تمنحه سبل الراحة والأمان، تُصغّر العالم حوله كي يتلائم مع إدراكه المحدود. يبكي لأبسط الأسباب فتحضنه فيتناثر ما أزعجه وتتلاشى آلامه الصغيرة. يصرخ ليلا ونهارا فتحوم حوله كنحلة دؤب تطارد الذباب بعيداً عنه.. فتشهده يتحول من شتات إلى كتلة واحدة مستجمعة أجزاءها. كأن بيدك عصا سحرية تعيد ترتيب أجواء حجرته لكي يذهب عنه هلعه. يلتئم كل جرح ولا أبسط من ذلك.. صغيرٌ وعالمه صغير.. ما زال بإمكانك الحفاظ عليه.. مملكة وأنت حاكمها حيث يلعب ويزهو في حدائقها، ربما لا يعاني ولا يحزن مُطلقاً، لأنه في جنة أنت صانعها .

تتسع المملكة الصغيرة شيئاً فشيئاً.. تكثر العثرات أمامه وتكبر الآلام لتتراكم فوق بعضها.. حتى لا تجد عصاك السحرية قدرة على الشفاء من تلك الضربات، لا جدوى مما تعمله، لم تعد تلك مملكتك حتى!! لا سلطة لك على شيء هنا. ربما كانت صغيرة منذ القدم لكنك ظننتها كبيرة لأنها استطاعت أن تأويه. 

كلّي أسفٌ يا صغيري! فأغنيتي لك لا تكتمل.

ولاكتمالها غياب طويل. يُسمى الموت، ويأتيك في كل مكان ومن كل المخارج والمهالك، فبعد كل نار تحرقك تموت شيئا ثم تنبعث بضع مرات، في الكون الفسيح حتى تتهالك ولا يبقى فيك ما يموت بعد. وأشد ما سينتزع منك روحك مثل ملك الموت مصائب عظيمةتحني ظهرك وتفتُّ عضدك. أخاف عليك من ذي بأس بأنياب مفترسة؛ يتسلط كشيطان آتيك من جحيم بسوط لا يرحمك. دعني أكذب عليك بنهاية خيالية أن الفارس الشجاع سيهرب وينتصر وتعود الوحوش إلى جحورها، لكن حتماً سيرديك الواقع قتيلا ليصير موتك موتين؛ مرة حين خاب ظنك ومرة حين نال منك جلادك. لا أُكذِبُك حين أقول لا مهرب هنا إذ أنه أمر محتوم أن تكون مُهانا وأن يكونوا جلادين.

كلّي أسفٌ يا صغيري! فأغنيتي لك لن تكتمل.

ستخفت التهويدة ويعلو النحيب تبعاً، إذ أن وراء كل بذرة أرويها فيك سنين عجاف تحرق كل ما نبت وأزهر. ربما تمنيتُ لو أنني زرعت شوكاً لا تقدر عليه حرائق العالم. ولن تعرف سوى الخوف بقدر ما كنت تشعر بالأمن.. لهذا أُسمِعُك قانون الغاب، مَن صار أسداً لا تأكله الكلاب.