أنا بخير الآن، لستُ أعلم ما إن كانت هذه لحظة مؤقتة ولستُ أعلم ما إن كانت لحظات الفراق والألم والخسارات قريبة ، لكنني أعلم أنّ الحياة بطبيعتها حقيرة ! ، لذا أنا فقط سآخذ احتياطاتي كلها و أعيش لحظاتي الطويلة وحيدة كي لا أخشى الفراق بعدها و ليسَ تشاؤماً مني ..
نعم، إنني أنظر إلى نفسي الآن كما تنظر أنت، هل تدور بعض الأسئلة في رأسك الآن ؟ ، إنها أيضا تدور في رأسي .. لستُ أقرأ افكارك التعيسة و السعيدة الآن، إنني فقط أشعر بكل تفاصيل هذا الكون و أعلم أن كثيرون يشبهونني في هذه اللحظة !
لا تخف ، كما أقول لنفسي الآن - لا تخافي- بعد ثوانٍ قليلة سيبدأ الصمت و تبدأ ذآكرتي بالبوح و ستبدأ روحي بالركض أمامي و الذكريات من خلفي تحتضر ..
أنا هنا ، مثلك تماماً ، لن أكذب .. إنني أشعر بشيء من الخوف و البرد و لكنني أعلم أن لعبة عقارب الساعة قاسية و مُربِكة ، لذا سأواجهها قليلاً قبل صعودي للسمآء و قبل حوآري معها -لنصمت هكذا- دقيقة .. و نصف.. ساعة .. و خمسُ ثوانٍ !
ها أنا ، أحاول كسر الجليد ما بيني و بين الموقف ، لأجلكم ..
هل تشعر بما أشعر ؟ .. كأنّك في بداية فكرة مجهولة ؟
كأنك تحاول قول شيء ما لنفسك أو تذكّر حدث مهم ولكنه في أقصى مكانٍ في ذاكرتك الذآبلة ؟
كأنك على وشك رؤية شيء ما في مخيّلتك هربتَ منه لفترةٍ طويلة؟ ..
هل تشعر بالبرد ولكنّه سلاحك الوحيد؟ و هل تشعر بأنّ الكثير من عمرك قد مضى دون أن تبتسم صادقاً ولو لمرّة؟ و هل تشعر بأنه فاتك الكثير من نفسك و أحلامك؟
لا تحاول الصمود كثيراً أمام هذا الأمر ، لأنك ستعجز عن تفسير ماهِيّته ، و لن تستطيع اللحاق بلسانِ قلبك ، سيتحدث بدلاً عنك و سيجبرك على الإنصات ..
بأنك ربما لم تعش سعيداً ، لأنك كنت دائما تعيش لاجلهم- تماماً الذين حضروا إلى ذهنك الآن- لتلقي نظرة سريعة إلى تلك المنطقة و من ثم ستهزّ برأسك موافقاً على الإجابة ..
إنني أحاول أن لا أكترث لنفسي و حوارات رأسي و لكل تلك الأمور و لكنها بشكلٍ ما .. تنهال على أجزاء جسدي و بقايا أفكاري ، و الروحُ لم تعد كافية لإسعاف الضجيج من خلفي ..
لا تقلق، ستجد الكثير حينما تسأل نفسك ما كنت دائما تخاف أن تسأله ، إهدم كل تلك الجسور و الحواجز ما بينك و بين الحقيقة ، لأن العمر يمضي و السنين تأكل منك بين الحين و الآخر و لأنك في سباقٍ لا بدّ منه مع عمرك ، يزداد الرقم و تتناقص الفُرَص ، و الشبابُ في أعيُننا لن يدوم طويلاً، لتركن نفسك في مكانٍ ما و تنظر قليلاً إلى ما كسبت و ما خسرت ، ريما كل الذي خسرته كان بسبب خوفك و برودة أطراف مشاعرك التي تركتها جانباً لسنةٍ و نصف و ربما أكثر ...
يالهُ من مأزق، صدقني ، إنني أحاول تجاهل نفسي و مرارة الموقف كثيراً ولكنها لا تتخلّى عن رؤية الأمور كما هي مجرّدة من كل سبب و عذر أو شعور ، إن الأحداث من حولي تتجلّى على صورتها كما هي دون تأويل مني ..
و كل ما أستطيع رؤيته الآن ، هو أننا نعيش الكثير من العمر ولكن لا شيء منه يعيشُ بنا ، نمرّ بالأيام دونَ أن تُحسَب علينا ، و نمضي بالحياة دونَ أدنى حياة داخلنا !
عجيب ، أليسَ؟
إنه الأمرُ في أوّله ، مخيف بعض الشيء و لكنه حقيقي، لذا استمع لأكثر الأماكن المظلمة في رأسك ، أنت تنسى الكثير هناك و تعتقد أنك تخلّصت منه ..
لماذا نحاصر أنفسنا من كل الجهات؟ و لماذا نهدم كل البيوت في أوطاننا الضيّقة؟ ألسنا بيوت أنفسنا؟ و أوطانها؟ و كل ملاذاتها ؟ لماذا نتسابق لنختبئ في بيوت غيرنا و نسكن في أحياء الآخرون و نأكل من جمرهم حتى نحترق؟ لماذا لا ننجو بأنفسنا ولو لمرّة ... إلينا ....
ذلك الشخص الذي في رأسك ، هو ليس ملاذك الأخير ، ليس تذكرتك الآخيرة، ليس الجسر الذي تعبر منه وليس آخر ما تتمنى ..
تلك الأمنية التي في رأسك، ليست بعيدة المنآل كما تعتقد ، و لو كانت عودة ميّت ، فإن الحلم حتماً سيأتي به على شكل خيوطٍ من حرير و شمس ..
تلك المصيبة التي في رأسك، ليست النهاية و لن تغلق الستائر عليها ، إنها بحرٌ غاضب سيهدأ بحلول الصباح ، و ستُرفع الأشرعة و يمشي القارب ..
و ذلك الخوف الذي يسكنك الآن و كل الإحتمالات بأن ينجح الأمر أم لا ، ليس سوى وهم يستلذّ بقدرته على تقييدك و طرحك مُتعباً على السرير، لتأخذ الخطوة اللازمة و كفّ عن التفكير في السقوط ..
ارتدي شيء يُشعرك بالدفئ ، لأنني أشعر بخوفك الآن .. ليس بالأمر السهل أن تتواجه مع جانبك الآخر و مع مسآر الحياة الآخرى ..
كل ما يدور في ذهنك الآن من أسئلة ، تتناوب على اقتحام خصوصيتك و تهدد السلام في داخلك ، ولكنك تبدو في غاية الفضول و القليل من الهلع ، ستدرك أن الإجابة كانت أسهل و أبسط بكثير مما كنت تعتقد ، إن كان السؤال يشعرك بالحيرة فإجابته "لا" ... كل ما يشعرك بعدم اليقين و الشك و غياب الطمأنينة، فهو حتماً "لا" ، لا يستحق المحاربة"
لتربت على كتفِ نفسك و تغنّي لحنك المفضّل ، فربما ذلك يستحق أكثر من ما يستحقه خوفك ،
لتبدأ الآن في تقبّل خسارتك و البحث عن فرصة جديدة لكسب نفسك، ثق بها ، وليس بالآخرين ، عامل الجميع على أنك تثق بهم.. لكن لا تفعل!
إمضي، و تجاوز .. ضع قدميك على الأرض وعينيك نحوَ النجوم ، لا تفقد الصلة بالواقع ولا تنفصل عن أحلامك ..
كل الذي مررت به و مضى كشعلةٍ في آخر احتراقها، سيمضي ما تشعر به الآن و تعيشه ، تماما كالذي سبق !
ألا تضحك أنت؟ لأنني .. أضحك أنا على كل ما قد مضى و سمحتُ له بزرع الخوف داخلي ، كله كانَ لا يستحق، يا عزيزي ..
تحتاج فقط لقليلٍ من الشجاعة التي تبقض عليها بيدك ، اتركها تدور حولك و تأخد كل الخطوات التي تمكّنك من الشِفاء !
أنا رأيتُ الكثير ، و لكنني لم أرى الأكثر بعد.. فقط مؤمنة بأنني قادرة على تخطّي الكثير طالما لا أخاف من مواجهة الحقيقة .. لتكن صلباً و لكن لا تتخدر مع مشاعرك ، أعطي نفسك الحق و الأولوية و توقف عن التفكير بالآخرين كأولوية ، ربما كل الذي بقي من عمرك ينتظر شيء من سعادتك أنت فقط، أنظر حولك جيداً و سترى أنّك أهدرت الكثير من السنوات خشية فقدان أحدهم أو شيء ما ، و ربما الحياة كانت ستأخذه في كل الأحوال ! فلماذا حبستَ جميع أعمارك هناك؟
لا شيء يبدو حقيقياً طالما تعيش في قلبك فقط ، لتفكر قليلا و تدع مشاعرك تأخذ قيلولتها ، إنني أخشى أن أقول هذا ، و لكنّه ما سيُنجيك من آخر قطرة تطفحُ بالكأس..
إنني ألتفُّ بالسمآء الآن، و أحملُ بين يدَي نجمة تكادُ تنطفئ ، إنها تخبرني بشيء يشبه الإنسان .. أن النفس تمشي على ما عوّدناها ، لتلقي نظرة هناك و ترى على ماذا تعودت !
ستبدأ من هناك ، و ستتعثر كثيراً ، لكنكّ لن تتحطم مهما تهيأت ذلك .. أنت فقط ستحتاج لنفسك أكثر من أي وقتٍ مضى ، لتقطع كل تلك الحبال التي تصلك بما يؤذيك ، و كل ما تتعلق به دعه يفرد جنحانه لأبعد سمآء و يرحل ، لا تنتظر عودة شيء ، تأكد أن ما هو لك لن يفوتك مهما حلّق بعيداً و أن ما فاتك .. لم يكن لك . .
أنت قادر على سند نفسك بنفسك، و قادر على فك كل تلك الرموز التي تخصّك، لا أحد سيفهم احتياجاتك بقدر ما تفهمها أنت ، لترسم مسارك قبل أن يرسمه لك الآخرون ..
دع كل شيء يبدو بسيط، فأنت أثمن بكثير من أن تتحطم و تغلق على نفسك الأيام ، إنها الحياة .. لم تستمع يوماً من شخصٍ صآمت ، لذا تعلّم الحديث و لا تنتظر مَن يأخذك خطوة للأمام ..
لن يكفينا العُمر كي نتَّقي شرّ الأيّام ، لكنّه سيكفينا لنتّقي شرّ أنفسنا إن كرهناها ، إن الله معنا في كل الطريق و خباياه ، لن نحتاج لكتفِ آخر ، و ربما كانت هذه حكمة الله في أن نأتي للدنيا فُرادى لنذهب منها إليه فُرادى ..
بقيتُ أقول دائماً أنني لم أخشى الوِحدة يوماً ، لأنها أصل أجسادنا !
-
Mais Souliasالكتابة ليست مجرد ورقة وقلم , إنما حوار بين الإحساس والصمت ، أكتب لأنني أشعر، لأنني.. أريد أن أحيا لا أن أنجو❤