فُرادى.. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

فُرادى..

تخلّى و استغني ..

  نشر في 15 أكتوبر 2020 .

أنا بخير الآن، لستُ أعلم ما إن كانت هذه لحظة مؤقتة ولستُ أعلم ما إن كانت لحظات الفراق والألم والخسارات قريبة ، لكنني أعلم أنّ الحياة بطبيعتها حقيرة ! ، لذا أنا فقط سآخذ احتياطاتي كلها و أعيش لحظاتي الطويلة وحيدة كي لا أخشى الفراق بعدها و ليسَ تشاؤماً مني ..

نعم، إنني أنظر إلى نفسي الآن كما تنظر أنت، هل تدور بعض الأسئلة في رأسك الآن ؟  ، إنها أيضا تدور في رأسي .. لستُ أقرأ افكارك التعيسة و السعيدة الآن، إنني فقط أشعر بكل تفاصيل هذا الكون و أعلم أن كثيرون يشبهونني في هذه اللحظة !

لا تخف ، كما أقول لنفسي الآن - لا تخافي- بعد ثوانٍ قليلة سيبدأ الصمت و تبدأ ذآكرتي بالبوح و ستبدأ روحي بالركض أمامي و الذكريات من خلفي تحتضر ..

أنا هنا ، مثلك تماماً ، لن أكذب .. إنني أشعر بشيء من الخوف و البرد و لكنني أعلم أن لعبة عقارب الساعة قاسية و مُربِكة ، لذا سأواجهها قليلاً قبل صعودي للسمآء و قبل حوآري معها -لنصمت هكذا- دقيقة .. و نصف.. ساعة .. و خمسُ ثوانٍ !

ها أنا ، أحاول كسر الجليد ما بيني و بين الموقف ، لأجلكم ..

هل تشعر بما أشعر ؟ .. كأنّك في بداية فكرة مجهولة ؟

كأنك تحاول قول شيء ما لنفسك أو تذكّر حدث مهم ولكنه في أقصى مكانٍ في ذاكرتك الذآبلة ؟

كأنك على وشك رؤية شيء ما في مخيّلتك هربتَ منه لفترةٍ طويلة؟ ..

هل تشعر بالبرد ولكنّه سلاحك الوحيد؟ و هل تشعر بأنّ الكثير من عمرك قد مضى دون أن تبتسم صادقاً ولو لمرّة؟ و هل تشعر بأنه فاتك الكثير من نفسك و أحلامك؟

لا تحاول الصمود كثيراً أمام هذا الأمر ، لأنك ستعجز عن تفسير ماهِيّته ، و لن تستطيع اللحاق بلسانِ قلبك ، سيتحدث بدلاً عنك و سيجبرك على الإنصات ..

بأنك ربما لم تعش سعيداً ، لأنك كنت دائما تعيش لاجلهم- تماماً الذين حضروا إلى ذهنك الآن- لتلقي نظرة سريعة إلى تلك المنطقة و من ثم ستهزّ برأسك موافقاً على الإجابة ..

إنني أحاول أن لا أكترث لنفسي و حوارات رأسي و لكل تلك الأمور و لكنها بشكلٍ ما .. تنهال على أجزاء جسدي و بقايا أفكاري ، و الروحُ لم تعد كافية لإسعاف الضجيج من خلفي ..

لا تقلق، ستجد الكثير حينما تسأل نفسك ما كنت دائما تخاف أن تسأله ، إهدم كل تلك الجسور و الحواجز ما بينك و بين الحقيقة ، لأن العمر يمضي و السنين تأكل منك بين الحين و الآخر و لأنك في سباقٍ لا بدّ منه مع عمرك  ، يزداد الرقم و تتناقص الفُرَص ، و الشبابُ في أعيُننا لن يدوم طويلاً، لتركن نفسك في مكانٍ ما و تنظر قليلاً إلى ما كسبت و ما خسرت ، ريما كل الذي خسرته كان بسبب خوفك و برودة أطراف مشاعرك التي تركتها جانباً لسنةٍ و نصف و ربما أكثر ...

يالهُ من مأزق، صدقني ، إنني أحاول تجاهل نفسي و مرارة الموقف كثيراً ولكنها لا تتخلّى عن رؤية الأمور كما هي مجرّدة من كل سبب و عذر أو شعور ، إن الأحداث من حولي تتجلّى على صورتها كما هي دون تأويل مني ..

و كل ما أستطيع رؤيته الآن ، هو أننا نعيش الكثير من العمر ولكن لا شيء منه يعيشُ بنا ، نمرّ بالأيام دونَ أن تُحسَب علينا ، و نمضي بالحياة دونَ أدنى حياة داخلنا !

عجيب ، أليسَ؟

إنه الأمرُ في أوّله ، مخيف بعض الشيء و لكنه حقيقي، لذا استمع لأكثر الأماكن المظلمة في رأسك ، أنت تنسى الكثير هناك و تعتقد أنك تخلّصت منه ..

لماذا نحاصر أنفسنا من كل الجهات؟ و لماذا نهدم كل البيوت في أوطاننا الضيّقة؟ ألسنا بيوت أنفسنا؟ و أوطانها؟ و كل ملاذاتها ؟ لماذا نتسابق لنختبئ في بيوت غيرنا و نسكن في أحياء الآخرون و نأكل من جمرهم حتى نحترق؟ لماذا لا ننجو بأنفسنا ولو لمرّة ... إلينا ....

ذلك الشخص الذي في رأسك ، هو ليس ملاذك الأخير ، ليس تذكرتك الآخيرة، ليس الجسر الذي تعبر منه وليس آخر ما تتمنى ..

تلك الأمنية التي في رأسك، ليست بعيدة المنآل كما تعتقد ، و لو كانت عودة ميّت ، فإن الحلم حتماً سيأتي به على شكل خيوطٍ من حرير و شمس ..

تلك المصيبة التي في رأسك، ليست النهاية و لن تغلق الستائر عليها ، إنها بحرٌ غاضب سيهدأ بحلول الصباح ، و ستُرفع الأشرعة و يمشي القارب ..

و ذلك الخوف الذي يسكنك الآن و كل الإحتمالات بأن ينجح الأمر أم لا ، ليس سوى وهم يستلذّ بقدرته على تقييدك و طرحك مُتعباً على السرير، لتأخذ الخطوة اللازمة و كفّ عن التفكير في السقوط ..

ارتدي شيء يُشعرك بالدفئ ، لأنني أشعر بخوفك الآن .. ليس بالأمر السهل أن تتواجه مع جانبك الآخر و مع مسآر الحياة الآخرى ..

كل ما يدور في ذهنك الآن من أسئلة ، تتناوب على اقتحام خصوصيتك و تهدد السلام في داخلك ، ولكنك تبدو في غاية الفضول و القليل من الهلع ، ستدرك أن الإجابة كانت أسهل و أبسط بكثير مما كنت تعتقد ، إن كان السؤال يشعرك بالحيرة فإجابته "لا" ... كل ما يشعرك بعدم اليقين و الشك و غياب الطمأنينة، فهو حتماً "لا" ، لا يستحق المحاربة"

لتربت على كتفِ نفسك و تغنّي لحنك المفضّل ، فربما ذلك يستحق أكثر من ما يستحقه خوفك ،

لتبدأ الآن في تقبّل خسارتك و البحث عن فرصة جديدة لكسب نفسك، ثق بها ، وليس بالآخرين ، عامل الجميع على أنك تثق بهم.. لكن لا تفعل!

إمضي، و تجاوز .. ضع قدميك على الأرض وعينيك نحوَ النجوم ، لا تفقد الصلة بالواقع ولا تنفصل عن أحلامك ..

كل الذي مررت به و مضى كشعلةٍ في آخر احتراقها، سيمضي ما تشعر به الآن و تعيشه ، تماما كالذي سبق !

ألا تضحك أنت؟ لأنني .. أضحك أنا على كل ما قد مضى و سمحتُ له بزرع الخوف داخلي ، كله كانَ لا يستحق، يا عزيزي ..

تحتاج فقط لقليلٍ من الشجاعة التي تبقض عليها بيدك ، اتركها تدور حولك و تأخد كل الخطوات التي تمكّنك من الشِفاء !

أنا رأيتُ الكثير ، و لكنني لم أرى الأكثر بعد.. فقط مؤمنة بأنني قادرة على تخطّي الكثير طالما لا أخاف من مواجهة الحقيقة .. لتكن صلباً و لكن لا تتخدر مع مشاعرك ، أعطي نفسك الحق و الأولوية و توقف عن التفكير بالآخرين كأولوية ، ربما كل الذي بقي من عمرك ينتظر شيء من سعادتك أنت فقط، أنظر حولك جيداً و سترى أنّك أهدرت الكثير من السنوات خشية فقدان أحدهم أو شيء ما ، و ربما الحياة كانت ستأخذه في كل الأحوال ! فلماذا حبستَ جميع أعمارك هناك؟

لا شيء يبدو حقيقياً طالما تعيش في قلبك فقط ، لتفكر قليلا و تدع مشاعرك تأخذ قيلولتها ، إنني أخشى أن أقول هذا ، و لكنّه ما سيُنجيك من آخر قطرة تطفحُ بالكأس..

إنني ألتفُّ بالسمآء الآن، و أحملُ بين يدَي نجمة تكادُ تنطفئ ، إنها تخبرني بشيء يشبه الإنسان .. أن النفس تمشي على ما عوّدناها ، لتلقي نظرة هناك و ترى على ماذا تعودت !

ستبدأ من هناك ، و ستتعثر كثيراً ، لكنكّ لن تتحطم مهما تهيأت ذلك .. أنت فقط ستحتاج لنفسك أكثر من أي وقتٍ مضى ، لتقطع كل تلك الحبال التي تصلك بما يؤذيك ، و كل ما تتعلق به دعه يفرد جنحانه لأبعد سمآء و يرحل ، لا تنتظر عودة شيء ، تأكد أن ما هو لك لن يفوتك مهما حلّق بعيداً و أن ما فاتك .. لم يكن لك . .

أنت قادر على سند نفسك بنفسك، و قادر على فك كل تلك الرموز التي تخصّك، لا أحد سيفهم احتياجاتك بقدر ما تفهمها أنت ، لترسم مسارك قبل أن يرسمه لك الآخرون ..

دع كل شيء يبدو بسيط، فأنت أثمن بكثير من أن تتحطم و تغلق على نفسك الأيام ، إنها الحياة .. لم تستمع يوماً من شخصٍ صآمت ، لذا تعلّم الحديث و لا تنتظر مَن يأخذك خطوة للأمام ..

لن يكفينا العُمر كي نتَّقي شرّ الأيّام ، لكنّه سيكفينا لنتّقي شرّ أنفسنا إن كرهناها ، إن الله معنا في كل الطريق و خباياه ، لن نحتاج لكتفِ آخر ، و ربما كانت هذه حكمة الله في أن نأتي للدنيا فُرادى لنذهب منها إليه فُرادى ..

بقيتُ أقول دائماً أنني لم أخشى الوِحدة يوماً ، لأنها أصل أجسادنا !


  • 6

  • Mais Soulias
    الكتابة ليست مجرد ورقة وقلم , إنما حوار بين الإحساس والصمت ، أكتب لأنني أشعر، لأنني.. أريد أن أحيا لا أن أنجو❤
   نشر في 15 أكتوبر 2020 .

التعليقات

وقعت في غرام أسلوبك في الكتابة...سيشرفني أن تلقي نظرة على قصيدتي الأخيرة.
1
Mais Soulias
شكرا إلك ، كلامك بعنيلي كتير و اكيد أتشرف إني أقرأ لك عزيزتي ♥️

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا