السادس عشر من آب / أغسطس 1556 م ..

المكان : فرنسا ، باريس ، البلاط الملكى الفرنسى ..

توتر الحارسان الواقفان على باب القاعه الملكيه بعض الشىء وهما يتابعان ذلك الرجل القادم الذى تبدو عليه المهابه ويصطحبه كبير موظفى القصر الذى بدا على وجهه بدوره الكثير من التوقير وهو يسير بجوار الشيخ الذى كان يتحرك فى هدوء وثقه شديدين متكئاً على عصا من العاج وهو ينظر إلى وجهى الحارسان وقد أرتسمت على ثغره المتغضن قليلاً ما يشبه الأبتسامه الساخره والتى جعلت الحارسان ينقبضان أكثر .. وسرعان ما تنحوا جانباً مفسحين مكاناً ليمر منه الرجل المهيب ليعبر بوابة البلاط الملكى ..

وكان الصمت يسود تماماً داخل القاعه الرخاميه والتى تزدان بتلك الأعمده المهيبه .. إلا من وقع خطوات الرجل وعصاته على الارضيه الرخاميه لتردد الجدران صدى الصوت فتضيف رهبة خاصه فى أذن الحارسان وكبير موطفى القصر ..

ليتوقف الرجل فى النهاية أمام العرش الملكى وقد أحنى رأسه فى إحترام قائلاً بصوت وقور:

- مولاتى الملكه (كاترين) أرسلت فى طلبى على عجاله .. أتمنى أن يكون الدافع خيراً .

فأشارت الملكه إلى كبير موظفى القصر فأنتحى جانباً بسرعه قائله بأبتسامه خفيفه :

- كيف حالك يا (نوسترادام) .. هل مازلت مصراً على هذه المؤثرات بالعظمه والمهابه ؟ .

فرفع (نوستراداموس) عينيه لينظر فى عينيها مباشرة :

- لو أن الهيئه يامولاتى تعبر عن مقدار العظمه الحقيقى .. لرأينا بعض الفقراء ملوكاً .. ولرأينا بعض الملوك صعاليك .

فأرتسم الغضب على وجهها للحظه من إشارته الملتويه سرعان ما أخفتها بخبرتها الملكيه قائله :

- حسناً .. لقد أتيت بك من اجل تلك النبوءة التى كتبتها أنت ويتحدث عنها العامه .

فقال بحذر :

- العامه يتحدثون كثيراً يامولاتى كما تعلمين .. فيما هو مفيد أو غير مفيد .

قالها ضاغطاً على حروف كلماته، فنظرت له لحظه بصمت ثم قالت بصوت غاضب :

- أسمع أيها المأفون .. لم أتِ بك من مدينة سالون كى تتلاعب بالكلمات أمامى .. هناك نبوءه أنت كتبتها تخص (هنرى الثانى) وهو ملك فرنسا إن كنت قد نسيت .. والأن عليك بتوضيح هذه النبوءه .. الأن .

فخيم الصمت على القاعه تماماً بعد كلماتها الغاضبه .. فتكلم (نوستراداموس) .. وخرج صوته قوياً .. مهيباً .. مخيف النبرات ..

"سيتغلب الأسد الصغير على الأسد الكبير ..

فى ميدان القتال ، وفى قتال فردى ..

سيفقأ عينه وهما فى قفصهما الذهبى ..

جرحان فى مكان واحد ، وسيموت ميتة قاسيه .. "

فساد صمت رهيب داخل القاعه .. وقد أرتعشت يدها فى حركة لا أراديه وخيل إليها وكبير الموظفين أن أرجاء القاعه كلها قد أهتزت وهى تردد كلمات (نوستراداموس) .. حتى بعد رحيله..

وحتى بعد مرور ثلاث سنوات كامله ظلت تلك الكلمات وصداها تتردد فى ذهن الملكه ( كاترينا دى ميديشي ) بشده حتى ذلك اليوم من العام 1559 م وهى تراقب زوجها وهو يرتدى تلك البدله المذهبه تأهباً للمشاركه فى تلك المبارزه الوديه أحتفالاً بزواج أخته (أليزابيث) من (فيليب الثانى) .. لكم ترجته ألا يذهب لتلك المبارزات .. ولكم توسلت إليه .. فكان رده دائماً مخيباً كالعاده ضاحكاً:

- "عزيزتى (كاترين) ..أمازلتِ تخشين تلك النبوءه من هذا الخرف (نوستراداموس) ؟ .. "

ثم يقترب منها ملثماً جبينها " لا تخشين شيئاً ياعزيزتى .. انها مجرد إحتفالات " ..

وهوذا يمتطى جواده المطهم بسرج ذهبى ويحمل بيد رمحه الخشبى وفى اليد الأخرى ترس عليه نقش أسد .. ثم يضع الخوذه الذهبيه على رأسه وهو يحيى الشاب المبارز فى المواجهه (غابرييل دي مونتغمري) الذى يرتدى زي مماثل ورمح خشبى فى يد وفى الاخرى ترس عليه نقش أسد ..

وبدأ النزال والمبارزه وسط الجماهير المرحه .. هم لا يعنيهم بالتأكيد امر (أليزابيث) وإن كانت ستكون سعيده أم لا !.. فقط مادام الملك مسروراً فعليهم أن يصيروا مسرورين كذلك ..

من قال أن الحوادث لا تحدث مع الملوك ؟! ..

هذا ما ردده البعض بعد أن شاهدوا تلك الشظيه من رمح (دي مونتغمري) وهى تخترق خوذة هنرى الثانى فى مكان العينان بالتحديد .. وقد روعهم ما حدث لمليكهم حينما سقط أرضاً وقد أنقسمت الشظيه لتخترق واحده عينه اليمنى وواحده خده داخل خوذته الذهبيه .. ليعيش الملك ( هنرى الثانى ) لمدة عشرة أيام بعدها فقط .. ولتسمع ( الملكه كاترين ) صوت ( نوستراداموس ) يتردد بقوه من جديد وكأنها تسمعه للمره الأولى ..

"سيتغلب الأسد الصغير على الأسد الكبير ..

فى ميدان القتال ، وفى قتال فردى ..

سيفقأ عينه وهما فى قفصهما الذهبى ..

جرحان فى مكان واحد ، وسيموت ميتة قاسيه .. "

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مايكل سمير

مأخوذه عن نبوءه حقيقيه لنوستراداموس فى وفاة الملك (هنرى الثانى)