سقط عبد الملك - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سقط عبد الملك

  نشر في 23 فبراير 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

عبد الملك، رجل في الثلاثين من عمره، متزوج وله ما شاء الله من البنات والبنين. انها الساعة الثانية ليلا، خرج مترنحا من باب قصر صديقه، لا يشغل تفكيره شيء إلا أصوات القصف التي بات يسمعها تدق رأسه منذ بضع دقائق. المشكل أن جميع من حوله لم يسمعوا ذلك. لم يستطع أن يقنع نفسه أنه مفعول الخمرة التي تلاعبت بوعيه، بل لم يستطع أن يكمل السهرة، هو الذي اعتاد أن يغادر بعد الفرقة كلما حضر حفلا مشابها. هذا الدوي المرعب جعله يرقص في مشيه ذات اليمين وذات الشمال، وكلما حاول حرسه مسكه رفض بشدة! أي إهانة هذه أن يخرج أمام الناس لا يستطيع المشي حتى! اعترضه الدرج، "آااه، سترك يا رب!" انها فعلا ليلة عصيبة يعيشها. كل الحرس ينظرون إليه، يخيل إليه أنهم يتهامسون و يستهزئون به. تقدم و نزل بضع درجات... فجأة، اسودت الدنيا في وجهه، نظر إلى السماء فخيل له أنه رأى صاروخا موجها نحوه، إستدار في لمح البصر محاولا الهروب فالتفت ساقه بجلبابه ثم فقد توازنه عندما انزلقت رجله الأخرى من الدرج... هوى كالشجرة المقطوعة، وإرتطمت جمجمته بالأرض فسمع دوي إنفجار...

 نظر إلى أسفل البيت، فلم ير شيئا غير الخراب...

إختفى كل شيء، وجد عبد الملك نفسه في فراش خشبي، في غرفة مضاءة بشمعة في ركنها، إلتفت إلى جانبه فوجد إمرأة لم يرها قط تنظر إليه بكل قلق. أين كان وأين أصبح؟ لم يتذكر شيئا مما سبق... خطر في باله أن يسأل الغريبة كم يلزمها... السيناريو الأقرب الذي مر في ذهنه هو أنه قضى ليلته الحمراء عند صديقه ثم بطريقة أو بأخرى ذهب مع هاته المرأة إلى بيتها... أو لعلها غرفة نزل. ولكن عديد الأمور لم تستقم! الغرفة متواضعة، لا تناسب مقام إمرأة يقضي معها ليلته ولا نزل يبيت فيه! وما هاته الشمعة؟! لم ير قط في حياته شمعة دون شمعدان!! و لباس السيدة التي بجانبه محترم لا يوحي بشيء... أي موقف هذا!؟! "لعن الله الخمرة!" قالها ثم إنتبه أن المجهولة عقدت حاجبيها ثم همست بهدوء : "ما محل الخمرة من الإعراب يا رجل!؟ هيا إستيقظ! قلت لك ألم تسمع؟؟". لم يفهم عبد الملك شيئا، قال لها : "ماذا عساي أس.." لم يتم جملته هذه التي قطعها دوي إنفجار ليس بالبعيد. "عرفتها، انها الطائرات، انها غارة" قالتها المرأة التي إستنتج من وجهها المألوف الغريب أنها زوجته، وهي تنتفض من السرير وتجري نحو الباب. لم يفهم شيئا، إلا إنه تذكر صوت القصف، إنه الصوت الذي سمعه منذ قليل في الحفلة... لم يكمل استنتاجاته إذ قطع حبل أفكاره دوي جديد، ثم صرخة من زوجته من الحجرة المجاورة "أين أنت؟ ماذا تصنع، تحرك!!". لعن الخمرة من جديد ثم قفز من مكانه، وإتجه صوب زوجته فوجدها تعاني في حمل رضيعين، و يمسك بساقها طفل لم يتجاوز السابعة من عمره، يحك عينه من النعاس ثم يمسحها من دموع الخوف. أحس الرجل بخطورة الموقف، قال لها "انطلقي، و الطفل معي"، اجابته متجهة إلى السلم : "طفل؟!! خمرة!! أجننت يا رجل!؟"، لم يعرف إسمه فسماه "طفل"... يالها من ليلة مشئومة، لم يعرف إسم ولده أصلا! أفاق من بهتته، مسك الطفل من يده بسرعة، ف.... إهتز البيت بأسره، لقد قصفوه... سقط عبد الملك على ركبتيه والطفل يبكي، حاول الرجل الوقوف، إتجه نحو السلم، فإذا نصفه السفلي مقطوع. صرخ دون وعي منه بأعلى صوته "مريم!!!!!!!" هو لا شك إسم زوجته تذكره من هول الصدمة... أفلت يد الصغير، وتقدم نازلا، وصل إلى أخر ما بقي من السلم، نظر إلى أسفل البيت، فلم ير شيئا غير الخراب... انهمرت دمعة من عينه. "الله أكبر"... فجأة، اسودت الدنيا في وجهه، نظر إلى السماء فرأى صاروخا موجها نحوه، إستدار في لمح البصر محاولا الوثب على الصبي ليحميه، و لكن التفت ساقه بجلبابه ثم فقد توازنه عندما انزلقت رجله الأخرى من الدرج... هوى من الطابق الأول و قبل أن ترتطم جمجمته بالأرض، مزقت جسمه القذيفة و حملته معها لترتطم بجدار المنزل... فسمع دوي إنفجار...

إختفى كل شيء، فتح عبد الملك عينيه ببطء شديد، نظر حوله فوجد عددا من الأطباء، زوجته، التي عرفها هاته المرة، تجلس بجانبه ممسكة بيده، و طفل يلعب في ركن الغرفة... فتح عينيه واستيقاظه من غيبوبته جعل الكل ينقض عليه ويبتسم فرحا. لم ير وجه زوجته مبتسما كلحظته تلك... ولكن نغصت عليه فرحته، ذكريات... ذكريات مخجلة يمكن أن يرويها، بطلتها الخمرة، و موضوعها خياناته المتكررة... و ذكريات جاه عبد الملك سمو الأمير المتجبر... وذكريات لا يمكن أن يرويها، عاشها في جسد المرحوم عبد الملك، الذي يعيش في قرية منعزلة في بلد أخر، عمره ثلاثون، متزوج وله ما شاء الله من البنين ولم يرزقه الملك بنتا. قصف منزله بينما كان يشرب الخمرة على أنغام الفرقة وبين الراقصات... سمع بقدرة قادر دوي القصف، ورأى حياة الفقيد... غبطه على حياته التي عاش فيها شريفا ومات شهيدا... و لم يفسد عليه حياته إلا مال الأمراء أمثال... عبد الملك.

علم أن الله قد كتب له عمر جديدا، فرصة ثانية، لعله يتوب قبل أن لا ينفع الندم، مرت صور بيت مريم أمام عينيه، فبكى والناس حوله مستبشرون... بكى وكاد يختنق من العبارات... لسقطة عبد الملك.


  • 6

   نشر في 23 فبراير 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا