bassem youssef - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

bassem youssef

bassem youssef

  نشر في 18 يناير 2017 .

+عيد الغطاس المجيد ++

هو عيد (الأبيفانيا) Epiphany (إيبيفاني) وهو عيد الغطاس المجيد، هى معمودية بالتغطيس "وللوقت وهو صاعد من الماء" ولذلك نسمى المعمودية "الغطاس". وأى معمودية ليست بالتغطيس هى معمودية باطلة أو شكلية أو بلا قيمة.

معمودية السيد المسيح لم تكن لولادته من الماء والروح لأنه الإبن الوحيد للآب بالطبيعة، فلم يكن نزوله فى المعمودية لكى يولد من الماء والروح لكنه كان نازلاً من أجل المسحة لذلك سُمى بالمسيح، يسوع اسم الولادة والمسيح هذا اسم المسحة فى المعمودية، ولكنها تأسيس لمعموديتنا نحن المؤمنين به، ففيما نال هو المسحة بالمعمودية أعطانا من خلالها الولادة من الماء والروح. لذلك يوحنا المعمدان قال للناس :

"وسطكم قائم التى لستم تعرفونه، هوذا حمل الله الذى يحمل خطية العالم كله" (يو 1: 26).

وقال :

"إنى قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقر عليه، وأنا لم أكن أعرفه. لكن الذى أرسلنى لأعمد قال لى: الذى ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذى يعمد بالروح القدس. وأنا رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله" (يو 1: 33 – 34).

**وهنا ربط بين معمودية السيد المسيح وحلول الروح القدس عليه وأنه يعمد بالروح القدس

. معنى هذا أن الروح القدس حل على السيد المسيح كبداية للعهد الجديد لكى يحل على المؤمنين عبر الولادة من الماء والروح ومن خلال سر الميرون سر المسحة المقدسة.

**تحتفل الكنيسة بعيد الغطاس المجيد:

لما فيه من أحداث هامة وإعلانات إلهيه تخص خلاصنا.. ولعل أول كل:

++ هذا ظهور الله المثلث الاقانيم وقت عماد السيد المسيح.. لذلك يطلق علي هذا العيد (عيد الظهور الالهي).. فالاب ينادي قائلاً عن الرب يسوع وهو في الماء "هذا هو أبني الحبيب الذيبه سررت" (مت 3: 17)، بينما الروح القدس يحل في شكل حمامة مستقراً علي السيد المسيح ليعلن أنه المخلص الذي أتي لخلاص العالم بصنع الفداء العجيب..

ويقول في ذلك القديس أوغسطينوس:

"بجوار نهر الاردن ننظر ونتأمل المنظر الالهي الموضوع أمامنا.. فلقد أعلن لنا إلهنا نفسه عن نفسه بكونه ثالوث في واحد.. أي ثلاثة أقانيم في طبيعة إلهية واحدة".

**وبينما الرب يسوع يقف في إتضاع عجيب أمام يوحنا المعمدان في نهر الاردن ليعتمد منه.. أعلن الله ليوحنا عن الذي سيعمده إذ هو الابن الكلمة المتجسد.. فشهد يوحنا المعمدان قائلاً:

"أنا أعمدكم بماء ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه، هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي الذي لست مستحق أن أحل سيور حذائه.. هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار قدامي لأنه كان قبلي وأنا لم أكن أعرفه لكن ليظهر لاسرائيل لذلك جئت أعمد بالماء.. إني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فأستقر عليه وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي تري الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو أبن الله.." (يو 1: 26 – 34).

++بهذه الشهادة التي قدمها القديس يوحنا المعمدان يكون قد أعلن عن المخلص الحقيقي الذي استعلن وسط البشر في الماء ليحمل خطايا العالم.. وكأن من نزل في الماء قد ترك خطاياه واغتسل منها.. بينما إذ نزل الابن الكلمة المتجسد في الماء وهو بلا خطية قد احتمل كل خطايا البشر.. هذا هو سر الخلاص المعلن في نهر الاردن..

++البعد الطقسى لعيد الغطاس ++

+ لماذا يُصلى قداس اللقان؟

اللقان الوحيد الذى يسبق رفع بخور باكرقداس العيد لماذا؟

كل اللقانات تعمل بعد رفع بخور باكر لكن هذا اللقان الوحيد الذى يكون قبل رفع بخور باكر.

++ لأن اللقان يخص عمل يوحنا المعمدان فى استعلان المخلص.

ويوحنا المعمدان اسمه السابق أى قبل السيد المسيح لذلك يعمل اللقان قبل رفع بخور باكرللقداس.

قراءات النبوات فى اللقان :

تتحدث عن فاعلية الماء وعلاقته بالخلاص (حبقوق النبىوأشعياء النبىوباروخ النبىوحزقيال النبى) ثم البولس من (كورنثوس الأولى 10: 1 – 133)

1) يتكلم عن عبور الشعب فى البحر الأحمر تحت السحابة، البحر الأحمر الماء محاوطهم والسحابة فوق فيكونوا مغطين بالماء.

2) فترة الجهاد المرتبط بالعبور فى الماء من العبودية إلى الحرية فيتكلم هنا عن أهمية الماء فى العبور من العبودية إلى الحرية وخطورة عدم الإستفادة من العبور لأن بنى اسرائيل طرحوا فى الكفر بسبب عبادة الأوثان عندما سجدوا للعجل وبسبب اللعب والزنى. واضح أن معلمنا بولس الرسول بيتكلم عن ارتباط الماء بالعبور وأهمية الاستفاده من هذا العبور.

**بعد ذلك يُقال لحن تمجيد ليوحنا المعمدان،

ثم لحن أجيوس،

ثم أوشية الإنجيل،

ثم قراءة المزمور والإنجيل (مز 114: 3-5) والإنجيل (مت 3: 1 –17) لقاء يوحنا المعمدان مع السيد المسيح

ثم يُصلى لحن "أفنوتى ناى نان"بالصليبوالشموع الثلاث ويُرشم الماء به

ثم (كيرياليسون الكبيرة 12 مرة مع رشم الماء بالصليب)

ثم الأواشى الكبار السبع(أوشية المرضى - أوشية المسافرين - أوشية الطبيعة - أوشية الراقدين - أوشية القرابين - أوشية الرئيس - أوشيةالموعوظين)،

ثم طلبه طويلة لأجل بركة الماء.

وبعدها يُصلى (كيرياليسون 100 مرة) قوة ماءاللقان ماء اللقان قوة لا يستهان بها ضد الشيطان مجرد رش ماء اللقان فى أى مكان يبطل عمل الشيطان بقوة. هناك من يحتاج أن يشربها ومن يرشها قوة تعين الكهنوتفى مقاومة عمل الشيطان.

ثم الأواشى الكبار الثلاثة (اوشية السلام -أوشية الآباء - أوشية الاجتماعات)

ثم قانون الإيمان،

ثم (أسباسموس) أى السلام أو الصلح (ها قد شهد يوحنا السابق)

ثم لحن (هيتنى بريسفيا) أى (بشفاعة والدة الإله)

ثم قطعمستحق ومستوجب

ثم قطع قدوس،

ثم رشم الماء بالصليب والكاهن يصرخ بقوة ثلاث مرات (مقدس وكريم على الماء) ثم رشم الجبهه بالماء من خلال الشاملة التى حول وسط الكاهن ورشم الجبهة لأن يوحنا وضع يده علىالسيد المسيح.

**بعد هذا القراءات ولها خط واحد وهو الخلاص وبعد عيد الغطاس:

توجد ثلاث قداسات عيد الغطاس ثانى يوم عيد الغطاس ثم عيد عرس قانا الجليل،

هؤلاء الثلاث قداسات مع ترتيب الأحداث (يو 1) وفى ثانى يوم شهد يوحنا للسيد المسيح فيها شهاده للقديس يوحنا، ثلاثة أيام متصلة.

(يو 1: 29) "وفى الغد وهو ثانى يوم العماد "نظر يوحنا يسوع مقبلاً وقال هوذا حمل الله مقبلاً".

++++++++++++++++++++++++++++++

++قداس عيد الغطاس ++

++بعد انتهاء صلاة اللقان ورشم جميع الحاضرين في جباههم يتوجه الكاهن إلي الهيكل ليبدأ رفع بخور باكر..

وهو نفس نظام رفع بخور باكر عيد الميلاد المجيد.. ويوجد.

به مرد انجيل خاص (نلاحظ أن قداس اللقان قبل بخور باكر لأن يوحنا جاء قبل السيد المسيح).

القداس الالهي:

+يصلي القداس ويقدم الحمل بدون مزامير..

+ يقال الليلويا فاي بي بي.. ني سافيف تيرو. طاي شوري الهتينيات الخاصة بالعيد في مكانها.. مرد الابركسيس.. مرد المزموروالانجيل.. المزمور يطرح باللحن السنجاري.. الاسبسمس (الاداموالواطس) وهما علي نغمة إفرحي يا مريم.. وأيها الرب..

+ ثم التوزيع الذي يراعي فيه الجملة الخاصة بالعيد (مرد إنجيل قداس العيد) يقال كل ربع من مزمور التوزيع.. كذلك يراعي وجود المديحة الخاصة بالعيد.. إلي جانب أي ألحان أخري إضافية خاصة بالعيد.

++مع ملاحظة دخول الحمل بدوره من خارج الكنيسة حيث يحمل أكبر الكهنة الحمل ويدخل الشمامسةبالشموع قائلين (إبؤرو..) ثم كيرياليسونالحمل.. (وهذا النظام في عيدي الميلاد والغطاس).

ملاحظات:

تحتفل الكنيسة بعيد الغطاس المجيد لثلاثة أيام من 11 – 13 طوبة (عيد عرس قانا الجليل).. وتؤدي فيها الصلوات بالطقس الفرايحي ويمنع فيها الصوم الانقطاعي.

++في الاديرة يصلي مساء يوم العيد (الميلاد والغطاس) المزامير من باكر إلي الستار.

القداس به:

هيتنيه ليوحنا بن زكريا، ومرد إبراكسيس وبعد الابركسيس يقال لحن يوحنا المعمدان (أوران إنشوشو) وبه نغمة من بي إبنفما أم النور) وهناك مرد للمزمور والانجيل واسبسمس.

+ مزمور القداس: (مز2:45)

يتكلم عن جمال رب المجد... وانه افضل من بنى البشر وإن كان تعمد مثلهم الا أنه لم يكن محتاج هذة المعمودية لانة ليس بة الخطية ولكن ليكمل كل بر لذلك فالنعمة إنسكبت على شفتيه وباركة الله إلى الدهر... فيقول المزمور (بهى فى حسنة.. افضل من بنى البشر وانسكبت النعمة من شفتيك... لذلك باركه الله إلى الدهر.. هللويا).

+ إنجيل القداس: (لو 3: 1 – 18)

وهو يتكلم عن (نعمة معموديته) اذ يشير هذا الفصل الى ان معمودية يسوع لشعبة ستكون (بالروح القدس ونار) وهو نوع فريد للمعمودية.... وعن يوحنا المعمدان ومناداتة بالتوبة.. وتوضيح أنه ليس المسيح.

+ البولس (1 كو 1: 17)

يطالب الرسول بولس فيها المؤمنون بان يكونوا واحدا فى القول والفكر والراى ولا يكون بينهم اى انشقاقات بل يكونوا كاملين.. ويدعوا لهم بان يثبتهم الله الى النهاية بلا لوم فى يوم ربنا يسوع المسيح.

+ الكاثوليكون: (2 بط 1:12 – 19)

وهنا يتكلم معلمنا بطرس الرسول عن قوة المسيح وعظمته وتلك الكرامة التى نالها.. والصوت الذى سمعة شخصيا فى حادثة التجلى (عن المجد المخفى فى الرب) وهو نفس الصوت الذى ظهر على الاردن فى العماد.

+ الابركسيس: (اع 16: 15 – 34)

يتكلم عن المعمودية.. اذ يحكى هذا الفصل عن السلام الذى طهر من بولس وسيلا اذ وهما فى السجن الداخلى بمدينة فيلبىويديهما فى المقطرة: مع ذلك كانا يرنمان فرحين وهذة الزلزلة التى فتحت ابواب السجن وفكت قيود المسجونين ومحاولة الحارس لقتل نفسه ثم إيمانه بالمسيح وإعتمادة هو وكل اهل بيته.. وهى تتمشى طبعا مع روح العيد.

++لماذا سمي بعيد الظهور الألهي ؟

(مأخود عن تقليد الكنيسة)

تحتفل الكنائس التقليدية بعيدين يسميا عيد الظهور الألهي وهما عيد الغطاس وعيد عرس قانا الجليل، ولهم اسماء أخرى مثل عيد الغطاس أو عماد السيد المسيح وعيد عرس قانا الجليل .

لماذا يسميا سوياً أعياد الظهور الإلهي ؟

أولاًُ :

لأن فى كلا العيدين كان هناك استعلان لله المثلث الأقانيم الآب والابن والروح القدس

أ)فى الغطاس شهد الآب للابن وحل الروح القدس على شكل حمامة ( الثالوث مُعلن ) وفى عرس قانا الجليل أستعلن اللاهوت بتحويل الماء إلى خمر ( الله الخالق ) الذي بكلمة أو بإرادته تتحول المادة إلى مادة أخرى وكما أستعلن الله قديماً فى الجنة وسط أسرة هى أول أسرة آدم وحواء هكذا فى العهد الجديد أستعلن الله وسط أسرة هى العرس الذى بقانا الجليل .

ب) إستعلان المخلص الإبن الكلمة المتجسد وسط نهر الأردن كمخلص وسط الخطاه أو كطبيب وسط المرضى

ج) وفى عرس قانا الجليل أجران التطهير تحولت إلى خمر ، والخمر هى مادة سر الافخارستيا تتحول إلى دم المسيح الذى يطهر من كل خطية .

واضح أنها أعياد فيها استعلان ، فيها ظهور ، فيها استعلان خلاص .استعلان القادر على الغفران من خلال معمودية التوبة فى نهر الأردن ، ومن خلال أجران ماء التطهير.

++كيف اصبح هذا العيد رسميا في الكنيسة التقليدية؟

(مأخود عن تقليد الكنيسة)

الكنيسة وقوانينها (او ما يسمى بالأمر الرسولى ) لقد أمر الرسل بهذا الإحتفال قائلين " فليكن عندكم عيد الظهور الإلهى جليلاً لأن فيه ظهر لاهوته ( لاهوت الرب يسوع ) فى الأردن على يد يوحنا المعمدان" وعملوه فى اليوم السادس من الشهر العاشر للعبرانية الموافق الحادى عشر من الشهر الخامس للمصريين ( شهر طوبه )

++أقوال أباء الكنيسة بهذه المناسبة:

يوحنا ذهبى الفم

" إن عيد الظهور الإلهى هو من الأعياد الأولية عندنا "

القديس أغريغوريوس والقديس أبيفانيوس يقولون :

أن هذا العيد هو قيم للبشر اجمع وبه نرى لاهوت المسيح جليا.

لماذا يُحتفل به ليلاً ؟

فى الثلاث قرون الأولى كان يحتفل به مع الميلاد ، لكن بعد اكتشاف المواعيد فصلوا العيدين للأحتفال بكل منهما على حده، واكتشف الموعد من خلال الأوراق التى أحضرها تيطس القائد الرومانى الذى هدم أورشليم سنة 70 ميلادية. فاستمروا يحتفلون به ليلاً كما كان مع عيد الميلاد .

++ لماذا أعتمد الرب فى نهر الأردن بالذات ؟

هناك ( يش 20 : 7 – 17 ) قصة العبور لأرض الموعد فى عبور بنى اسرائيل بقيادة يشوع فى نهر الأردن لما وضعوا تابوت العهد فى الماء انشق النهر فعبروا فيه وانتخبوا 12 رجل من أسباط اسرائيل رجل من كل سبط واخذوا حجارة ومروا عليها حتى عبروا نهر الأردن .

قصة العبور كانت هذه القصة رمزا لعبورنا من خلال الرب المتجسد للسماء أرض الموعد الحقيقية لذلك انفتحت السماء حين نزل الرب فى الماء كما انفتح النهر بحلول تابوت العهد فيه

توافق فى الرمز

ويشوع كان رمزاً ليسوع والمعنى المباشر لكلا الأثنين هو مخلص ، يشوع يعنى مخلص ويسوع يعنى مخلص.

من هنا أخذت المعمودية أهمية خاصة لأنها عبور إلى أرض الموعد .

تأملات فى عيد الغطاس المجيد

تحتفل الكنيسة بعيد عماد المسيح بكونه عيد الظهور الإلهي، حيث أعلن الثالوث القدّوس ذاته فيه. فإن كان عند نهر الأردن جاء كثيرون معترفين بخطاياهم، فإنه بدخول السيّد إلى المياه انكشفت حقيقته أنه أحد الثالوث القدّوس. دخل بين الخطاة لينكشف، فندرك أسراره، لا لمجرّد المعرفة العقليّة، وإنما لنختبر عمله الفائق فينا.

قدم لنا معلمنا متى البشير (مت 3: 13-17) معمودية السيد المسيح بكونها تدشين أو تتويج للملك الحقيقي ليبدأ أعماله الملوكية مجتذبًا كل نفس من مملكة الظلمة إلى مملكة النور خلال التمتع بالبنوة لله، أما معلمنا مرقس البشير فإذ يقدم لنا السيد المسيح العامل والخادم للبشرية لينتشلنا بحبه العملي إلى التمتع بخلاصه، فانه يقدم لنا معمودية السيد قبل بدء خدمته الجهورية ليعلن غاية خدمته لنا وأعماله الخلاصية...

أولاً: الصعود من الماء: كان الصعود من الماء يؤكد أن السيد المسيح أسس المعمودية على التغطيس في المياه، لتأكيد شركتنا معه خلال الدفن معه في القبر لنقوم أيضًا معه، كقول الرسول: "فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الأب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة" (رو 6: 4). إنها صعود مع السيد من القبر لممارسة الحياة العملية بروح القيامة وقوتها.

المعمودية هي "صعود من المياه"، وكأنها "خروج من البحر الأحمر"، أو قل هي "حياة فصحية"، خلالها لا ننطلق تحت قيادة موسى من بحر سوف متجهين في البرية إلى أورشليم، إنما بالحق هي خروج من القبر مختفين في المسيح الرأس، بكونه وحده غالب الموت ومحطم لأبواب الجحيم. وبهذا يتحقق لنا ما اشتاق إليه إشعياء النبي القائل: "ذكر الأيام القديمة موسى وشعبه، أين الذين أصعدهم من البحر مع راعي غنمه؟ أين الذي جعل في وسطهم روح قدسه، الذي سيرّ ليمين موسى ذراع مجده، الذي شق المياه قدامهم ليصنع لنفسه اسمًا أبديًا"؟ (إش 63: 11-12). قال أحد الدارسين أن المعمودية في الفهم السماوي هي يسوع الحامل شعب الله الجديد مولودًا خلال خروج جديد.

إن كان السيد قد ظهر صاعدًا من المياه، إنما ليعلن أنه منطلق بشعبه الجديد المتحد فيه ليهبه "البنوة للآب السماوي"! هذه هي أرض الموعد التي يحملنا إليها يشوع الجديد بعبوره بهم نهر الأردن.

في دراستنا لأسفار العهد القديم ارتبطت المياه بالعصر المسياني كأحد ملامحه الرئيسية. وفي العهد الجديد ارتبطت بحياة السيد المسيح. ففي نهر الأردن تجد الكنيسة لها موضعًا في المسيح يسوع الذي يهبها البنوة، وبعد صعوده ينطلق كصخرة موسى التي كانت تتبع الشعب لتفيض بمياه الروح القدس الحية في عيد العنصرة وسط برية هذا العالم. في أول خدمته الجماهرية استخدم الماء ليحوله خمرًا يفرح قلوب أصحاب العرس والمدعوين (يو 2: 1-11)، وعندما أعلن خطبته للأمم كعروس له خلال السامرية تمّ ذلك عند مياه بئر يعقوب (يو 4). حتى عندما علّم عن عمل المحبة تحدث عن كأس الماء البارد الذي يقدم لطفل فقير (مت 10: 42)، وفي لحظات موته فاض من جنبه دم وماء، وعندما أشار إلى موضع الفصح أعطى جرة الماء علامة لمعرفة الموضع (مر 14: 13). وأخيرًا عندما أوصى تلاميذه قبيل صعوده سألهم أن يعمدوا جميع الأمم. وكما يقول العلامة ترتليان: [يا لقدرة نعمة المياه في نظر الله ومسيحه لتثبيت المعمودية! لن تجد المسيح بدون المياه

ما نود تأكيده هنا أن ما عمله السيد هنا لم يكن عن عوزٍ، ولا لنفع خاص به، إنما اعتمد باسم الكنيسة كلها لأجلنا، كي يصعد بنا من خطايانا، ويخرجنا إلى مجد ميراثه بكونه الابن الوحيد الجنس. مارس صعوده من المياه لحسابنا، وكما يقول القديس كيرلس الكبير: [هل كان المسيح في حاجة إلى العماد المقدس؟ وأية فائدة تعود عليه من ممارسة هذه الفريضة؟ فالمسيح كلمة الله، قدوس كما يصفه إشعياء في مختلف التسابيح (إش 3: 6)، وكما يصفه الناموس في كل موضع. ويتفق جمهور الأنبياء مع موسى في هذا الصدد! وما الذي نستفيده نحن من العماد المقدس؟ لاشك محو خطايانا. ولكن لم يكن شيء من هذا في المسيح، فقد ورد: "الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر" (1 بط 2: 22)، "قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات" (عب 7: 26)... فما عُمد المسيح إلا لتعليمنا بأن الإنسان الذي من ذرية داود وهو المتحد بالله الابن عمد وقبل الروح القدس... مع أنه لم ينفصل قط عن روحه (القدوس) قبل العماد... بل إذ هو المسيح الكلمة ابن الله الوحيد الذي يشترك مع الآب في العظمة والسلطان لأنه بطبيعته الابن الحقيقي يرسل الروح القدس إلى الخليقة ويهبه لكل من كان جديرًا به، إذ قال حقًا: "كل ما للآب هو لي" (يو 16: 15).]

ثانيًا: السماوات المفتوحة: إن كان إشعياء النبي وهو يتطلع بروح النبوة قد اشتهى خروج الشعب الجديد لينعم بالحياة المقامة (إش 63: 11-12)، فقد أدرك أن الأمر لا يحتاج إلى موسى عابر البحر الأحمر ولا يشوع مجتاز الأردن، بل إلى ذاك الذي يشق السماوات وينزل إلينا، يزلزل جبالنا الجامدة ليرفعنا معه إلى حيث هو، إذ يقول: "ليتك تشق السماوات وتنزل، من حضرتك تتزلزل الجبال" (إش 64: 1).

هكذا إذ انشقت السماوات عند عماد السيد المسيح، إنما تحقق ذلك لأجلنا، فصارت أبوابها مفتوحة أمامنا، مفتاحها في يدّي عريسنا ورأسنا، بل صارت حياتنا الداخلية ذاتها سماوات مفرحة يسكنها رب السماء! لقد تأكدنا أنه بمياه المعمودية صارت لنا مملكة السماوات مفتوحة تستقبلنا خلال الرأس السماوي! وكما يقول القديس كيرلس الكبير: [انفتحت السماوات فاقترب الإنسان من الملائكة المقدسين.]

ثالثًا: نزول الروح عليه: رأى إشعياء النبي في الخروج الرمزي على يديّ موسى أن روح الرب الخفي هو الذي قاد الموكب، إذ يقول: "روح الرب أراحهم، هكذا قدت شعبك لتصنع لنفسك اسم مجد" (إش 63: 14)، وكانت تأكيدات الله لموسى على الدوام هي "أنا أكون مع فمك" (خر 4: 12). أما في الخروج الجديد فلا حاجة إلى تأكيدات، فإن القائد هو ابن الله الحيّ الواحد مع أبيه وروحه القدوس. نزول الروح عليه يعلن دور الروح القدس الذي سبق فكان يرف على وجه المياه ليجعل من الأرض الخالية الخاوية التي بلا شكل عالمًا جميلاً... ها هو يرف على مياه الأردن ليقيم منا نحن الأموات جسدًا حيًا مقدسًا للرأس القدوس النازل في مياه الأردن. إنه الروح الإلهي الذي يشكل الشعب الجديد خلال الخروج الجديد!

رابعًا: ظهور الروح مثل حمامة: إن كانت الحمامة تشير لإسرائيل أو كنيسة الله في العهد القديم والعهد الجديد (مر 11: 11؛ مز 68: 13؛ 74: 19؛ نش 1: 15؛ 2: 14؛ 4: 1؛ 5: 2، 12) فظهور الروح القدس مثل حمامة إنما يؤكد الكنيسة المختفية في المسيح ربنا، إنها كنيسة روحية تحمل سماتها خلال الروح القدس الساكن فيها يهبها عمله الإلهي فيها بلا توقف. كأن الروح القدس بظهوره هكذا أشبه بإصبع الله الذي يشير لنا أننا نجد خلاصنا في ذاك الحال في مياه الأردن.

خامسًا: سماع صوت من السماء: في العهد القديم سمعنا الصوت الإلهي خلال النبوة: "هوذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سُرت به نفسي، وضعت روحي عليه، فيخرج الحق للأمم" (إش 42: 1). والآن جاء الصوت عينه من السماء يؤكد أنه كلمة الله، الابن الوحيد الذي صار عبدًا لتحقيق رسالة الخلاص وقيام الكنيسة في مياه المعمودية.

جاء هذا الصوت من أجلنا نحن حتى ندرك أننا فيه ننعم بسرور الآب السماوي ونُحسب أبناء له خلال مياه المعمودية وعمل روحه القدوس. في هذا يقول القديس كيرلس الكبير: [المسيح كما سبق وقلت هو حقًا ابن الله الوحيد، وإذ صار شبهنا أعلنت بنوته لا من أجل نفسه، لأنه كان ولا يزال وسيبقى الابن، لكن هذه البنوة أُعلنت من أجلنا نحن البشر الذين صرنا أبناء الله، لأن المسيح بكرنا وسندنا. هو آدم الثاني، إذ ورد: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا" (2 كو 5: 17). لقد طرحنا عتق آدم الأول، واستبدلنا بها جدّة آدم الثاني الذي به ومعه لله الآب المجد والسلطان مع الروح القدس من الآن وإلى أبد الآبدين.]

هكذا في معمودية السيد المسيح ظهر الثالوث القدوس متمايزًا لكنه غير منفصل، الابن المتجسد صاعدًا من المياه لكي يهبنا الخروج من خطايانا لندخل به وفيه إلى شركة أمجاده، والروح القدس نازلاً على شكل حمامة ليقيم كنيسة المسيح الحمامة الروحية الحاملة سمات سيدها، وصوت الآب صادرًا من السماء يعلن بنوتنا له في ابنه، ويقيم منا حجارة روحية ترتفع خلال السماوات المفتوحة لبناء الكنيسة الأبدية. هكذا ظهر الثالوث القدوس لبنياننا بالله، لذا دعي عيد عماد السيد بعيد الظهور الإلهي، لكن يجب تأكيد ما قاله القديس أغسطينوس: [هذا ما نتمسك به بحق وبغيرة شديدة، وهو أن الآب والابن والروح القدس ثالوث غير قابل للانفصال، إله واحد لا ثلاثة.]

القصب والقلقاس و البرتقال في عيد الغطاس

القصب

1- يمتازابغزارة السوائل الموجودة بداخله ... رمز لماء المعموديةعصيره له مذاق سكرى ... رمز لفرحة المعمودية ونوال مغفرة الخطايا

2- ا القصب كانوا زمان بيحطوا شمع فوقيه بيرمز لنور الروح القدس، ويدوقوا حلاوته، زي الإنسان إللي بيتعمد بياخد بركة المعمودية ويدوق حلاوة ربنا.

القلقاس

1- ففي القلقاس مادة سامة ومضرة للحنجرة، وهي المادة الهلامية، إلا أن هذه المادة السامة إذا اختلطت بالماء تحولت إلي مادة نافعة، مغذية، ونحن من خلال الماء نتطهر من سموم الخطية كما يتطهر "القلقاس" من مادته السامة بواسطةالماء!.

2- والقلقاس يدفن في الأرض ثم يصعد ليصير طعاماً، والمعمودية هي دفن أو! موت وقيامة مع المسيح، ولهذا يقول معلمنا بولس الرسول "مدفونين معه في المعمودية التي فهيا أقمتم أيضاً معه" (كو 2: 12) (رو 6: 4).

3- والقلقاس لا يؤكل إلا بعد خلع القشرة الخارجية، فبدون تعريته يصير عديم الفائدة، فلابد أولا

من خلع القشرةالصلدة قبل أكله، ونحن في المعمودية نخلع ثياب الخطية لكي نلبس بالمعمودية الثياب الجديدة الفاخرة، ثياب الطهارة والنقاوة، لنصير أبناء الله

البرتقال

1-متازابغزارة السوائل الموجودة بداخله ... رمز لماء المعموديةعصيره له مذاق سكرى ... رمز لفرحة المعمودية ونوال مغفرة الخطايا

2- كان يصنع من قشرة البرتقال بعد تقشيرة فوانيس يوضع بها شمع حيث كان أجدادنا يحتفلون بقداس عيد الغطاس علي أحد المجاري المائية و كانوا يستعملون هذه الفوانيس للإنارة.

تاريخ الاحتفال بعيد الغطاس

كل من يرجع للتاريخ القديم، يرى أن عيد القيامة كان يستقطب كل الأعياد، وقد استمر يوم الأحد عيد الفصح الإسبوعى ثم ظهرت رغبة فى الاحتفال بواحد من آحاد السنة بطريقة مميزة كونه عيداً للقيامة.

أما الأعياد الأُخرى.. فلم تدخل التقويم الكنسى، فى بداية نشأة المسيحية، حتى عيد الميلاد لم يكن له أثر كعيد منفصل عن عيد الغطاس إلا فى سنة (430م) على وجه التقريب، والسبب:

إن الكنيسة كانت ترى: إن الاحتفال بأعياد الميلاد عادة وثنية يجب نبذها، وقد صرّح العلامة أوريجانوس فى أوائل (ق3)، بأن الكنيسة لا تنظر بعين الرضى إلى مثل هذه العوائد، وأشار إلى أن الكتاب المقدس لم يذكر إلا عيد ميلاد فرعون وهيرودس، فأحدهما فى نظره وثنى والثانى كافر ، كما رأت الكنيسة أن عيد ميلاد القديس الحقيقى، هو يوم مماته ودخوله السماء ولهذا عندما بدأت تُكرّم الشهداء والقديسين فى (ق3) صارت تحتفل بذكراهم فى يوم استشهادهم. من هذا نفهم عدم اهتمام الكنيسة الناشئة بالبحث عن ميلاد المسيح والاحتفال به .

فى القرن الثانى ، ومن كتابات القديس إكليمنضس السكندرى عن عيد الغطاس فى نعرف أن أتباع باسيليدس أقاموا عيداً خاصاً للاحتفال بظهور الرب فى (11طوبة = 6يناير) وكرسوا عشية العيد للصلاة وقراءة الكتب الدينية..

أما باسيليدس هذا فهو رئيس أحد جماعات الغنوسيين أو ” العارفين بالله ” كما يُترجم اسمهم ، وهـو المؤسس الأول للمدرسة الغنوسية فى مصر سنة (130م) أما أخطر معتقداتهم المنحرفة فهى تلك البدعة، التى نادوا بها بأن المسيح إنسان كسائر البشر، ثم أصبح ابن الله فى عماده، عندما حل عليه الروح القدس على هيئة حمامة، وتبناه الآب بقوله: ” هذا هو ابنى الحبيب ” (مت17:3) فماذا فعلت الكنيسة إزاء هذه المعتقدات؟!

شجبت بدعة باسيليدس وأتباعه، وأطلقت كلمة إبيفانيا على ظهور المسيح فى ميلاده، وظلت تحتفل بعيد ظهور ابن الله ، ليس حسب مفهوم باسيليدس، إذ صححته فكانت تُقيم ذكرى الميلاد فى (5 يناير) مساءً وتحتفل بالعماد فى صباح اليوم التالى (6يناير).

ولكن لماذا تم اختيار يوم 6يناير كميعاد ثابت للاحتفال بالعيد ؟! يرجع ذلك إلى اعتقاد قديم كان سائداً لدى سكان الإسكندرية، يوحى بأن مياه النيل تنال فى هذا اليوم، قوة عجائبية خاصة تمنح الشفاء لكل من يستخدمها بسبب إلقاء جسد الإله أوزوريس فيها .

هذا وقد ذكرت بعض المراجع العلمية: إن بعض أماكن فى الشرق- فى هذه الفترة – كانوا يحتفلون بظهور ينابيع تُُُخرج نبيذ فيه قوة شافية.

كما كانت الإسكندرية تحتفل فى نفس اليوم بعيد ميلاد إله المدينة ” إيون ” ، وهو حسب اعتقادهم ابن العذراء ” كورى” وهى على وجه الترجيح الإلهة إيزيس.

ولكن الكنيسة أرادت أن تقضى على هذه المعتقدات الفاسدة، وعلى بدعة باسيليدس فى نفس الوقت، فاحتفلت فى يوم (6يناير) بعيد ظهور رب المجد يسوع وخصصت ليلة (5/6يناير) للاحتفال بذكرى الميلاد وزيارة المجوس، لكى تؤكد أن يسوع متحد باللاهوت، منذ اللحظة الأولى من الحبل البتولى به ، فى أحشاء العذراء القديسة الطاهرة مريم وليس فى العماد .

فى القرن الرابع، وبعد انتهاء اضطهاد الدولة الرومانية اهتم آباء الكنيسة بالدراسات اللاهوتية والتاريخية، فوجدوا أنفسهم فى حيرة عندما حاولوا تحديد تاريخ ميلاد السيد المسيح، لأنهم لم يهتموا بهذه المسألة من قبل، ويبدو أن البحث عن ميلاد المسيح قد بدأ قبل ذلك، لأننا فى مطلع (ق3) نرى القديس إكليمنضس يهزأ بالذين يتعبون دون جدوى فى البحث عن تاريخ ميلاد المسيح محاولين تحديده بالسنة واليوم.. ويعتبر أن هذه الحسابات مجرد افتراضات وتكهنات، وهكذا بقيت كنائس الشرق، تحتفل بذكرى ميلاد المسيح وعماده معاً فى يوم (6 يناير) حتى مطلع القرن الرابع.

ويبدو أن مصر وسوريا جعلتا ذكرى ميلاد المسيح هى الموضوع الرئيسى فى هذا العيد، ولذلك لم يتردد القديس إبيفانيوس فى نقل عيد عماد المسيح إلى يوم (6 نوفمبر).

أما أورشـليم فقد احتفظت بذكرى عماد السيد المسيح، كموضوع أساسى للعيد ولكنها أضافت إليها ذكرى الميلاد المجيد.

فى منتصف القرن الرابع، كانت روما تحتفل بعيد الميلاد فى(25 ديسمبر) كما يظهر فى التقويم الفيلوكالى.

وقد أشار القديس أُمبروسيوس أسقف ميلانو (ق4) إلى ذلك بقوله: ” إن المسيح هو شمسنا الجديدة “.

وحث القديس أُغسطينوس مسيحى إفريقيا الشمالية فى (ق5)، على السجود فى يوم (25 ديسمبر)، لا للشمس بل لخالق الشمس.

لكن كنيسة روما لم تكتفِِِِ بأن تعيّد لميلاد المسيح فى (25 ديسمبر) بل سعت إلى نشره فى الشرق أيضاً، فلُقيت الفكرة فى بادئ الأمر بعض الاعتراضات والمقاومات، لأن الآباء الشرقيين لم يهتموا قبل ذلك بهذه المسألة، ولكن مساعى كنيسة روما كُللت أخيراً بالنجاح.

وكانت أول كنيسة تبنت هذا التقويم الجديد، هى كنيسة أنطاكية سنة (375م) ، وذلك فى عهد القديس يوحنا ذهبى الفم- بطريرك القسطنتينية- الذى روى فى عظة ألقاها سنة (386م)، إن كنيسة انطاكية بدأت ممارسة عيد الميلاد منفرداً عن عيد الغطاس منذ (10 سنوات) فقط اعتماداً على مراسلات أجراها مع كنيسة روما، التى سبقت أنطاكية فى تحديد زمن العيد بوقت كبير.

يقول ذهبى الفم

” والحقيقة إنه لم يمضِِِِ حتى الآن سوى عشر سنوات، منذ أن تعرّفنا على هذا اليوم- يـوم الميلاد 25 ديسمبر- وبالرغم من ذلك ها هو قد ازدهر هذا اليوم وانتشر بسبب غيرتكم، وكأنه قد تُسلّم لنا منذ البدء، وهكذا لا يُخطئ الإنسان لو قال إن هذا العيد جديد وقديم معاً، جديد لأننا قد عرفناه حديثاً، وقديم لأنه هكذا اكتسب مساواة مع الأعياد القديمة.. وهذا اليوم كان معروفاً منذ البدء عند رجال الغرب، غير أنه وصلنا أخيراً منذ مدة وجيزة.. “

ثم حذت القسطنطينية حذو أنطاكية، ففى عام (380م) كانت القسطنطينية تحتفل بعيـد الميلاد فى (25 ديسمبر)، ونستدل على ذلك من عظة، ألقاها القديس غريغوريوس النزينزى بطريرك القسطنطينية، عن عيد الميلاد فى يوم (25ديسمبر) وعظة أُخرى عن الموضوع ذاته فى نفس اليوم من العام التالى

وفى عام (380 م) كانت كنائس قيصرية كبادوكية فى آسيا الصغرى، تحتفل هى أيضاً بعيد الميلاد المجيد فى يوم (25 ديسمبر)، ونجد الدليل على ذلك فى العظة التى أُلقيت فى نفس السنة، للقديس غريغوريوس النيسى أسقف نيسُس بتركيا (340- 400م)، وذلك لتأبين القديس باسيليوس الكبير أسقف قيصرية، فنراه يميز بوضوح بين عيد الميلاد وعيد الظهور الإلهى.

ومنذ عام (432م) كانت الإسكندرية تحتفل بعيد الميلاد فى (25 ديسمبر)، وقد كان هذا التقليد مجهولاً قبل ذلك الوقت لأن يوحنا كاسيان (360– 450م) يؤكد أن الكنيسة فى مصر كلها، كانت لا تزال فى أيامه تعيّد الميلاد والغطاس معاً فى عيد الإبيفانيا حيث تأتى كلمـة الإبيفانيا بصيغة الجمع، أى تشمل عدة ظهورات:

- الميلاد بالجسد .

- ظهور النجم للمجوس .

- استعلان بنوة المسيح لله فى العماد بصوت السماء.

- استعلان لاهوته بمعجزة قانا الجليل.

يذكر كاسيان هذا الخبر فى كتابه ” أحاديث الآباء” الذى يرجع إلى الفترة ما بين (411 – 427م) يقول فيه:

” وفى إقليم مصر، هذه العادة قديمة بالتقليد، حيث يُراعى أنه بعد عبور الإبيفانيا، التى يعتبرها الكهنة فى هذا الإقليم، الزمن الخاص بمعمودية الرب وأيضا ميلاده بالجسد، وهكذا يعيدون التذكارين معاً، ولا يعيدونهما منفصلين كما هو فى اقليم الغرب، ولكن فى عيد واحد فى هذا اليوم ” .

ولكننا نرى بولس أسقف إيميس سنة (432م) يُلقى عظة رائعة عن ميلاد السيد المسيح فى يوم (25 ديسمبر) بكنيسة الإسكندرية، فى حضور البابا كيرلس عامود الدين (400- 432م)، ومنها نستنتج أن هذا التقليد قد دخل إلى كنيسة الإسكندرية قبل ذلك بقليل، أى حوالى سنة (430م) قبل أن يغادر كاسيان مصر.

هذا وقد جاء فى المجلد الخامس من قاموس ” دتش ” القديم: إن عيد الميلاد قد أُدخل لأول مرة فى كنيسة الإسكندرية عام (430م) كما جاء فى القاموس الفرنسى ” لاروس ” القرن العشرين ج 5 ص97: إن الاحتفال بهذا العيد رسمياً فى كنيسة الإسكندرية، كان فى عام (430م) على وجه التقريب.

وفى دائرة المعارف الدينية والأخلاقية المجلد الثالث ص406 جاء ما يلى: ولا يمكن أن يُحدد بالضبط التاريخ الذى جُعل فيه يوم (25 ديسمبر) عيداً رسمياً للمسيح فى الكرسى الإسكندرى ولكنه يقع يقيناً فى الفترة (400–432م).

أما أورشليم فقد ظلت متمسكة بالتقليد القديم، أى تقيم العيدين معاً فى يوم (6 يناير)، ولكن المقاومة زالت أخيراً فى منتصف (ق5) والدليل الأكيد على ذلك: هو الموعظة التى ألقاها باسيليوس أسقف سلوقية فى يوم عيد القديس إسطفانوس، ونراه فيها يمدح يوفينال أسقف أورشليم، لأنه أول من احتفل بعيد ميلاد المسيح فى يوم (25 ديسمبر) فى كنيسة أورشليم، وكان يوفينال بطريركاً على أورشليم من (424– 458م).

حدث فى الجيل الرابع أن قامت القديسة إيثيريّة الراهبة – من جاليسيا – بزيارة إلى الأماكن المقدسة فى القدس، وقد ذكرت فى تاريخ زيارتها إنها حضرت عيد الغطاس فى القدس، حيث أُقيمت هناك احتفالات مبهجة إجلالاً لهذا العيد العظيم، وروت عما كان يُقام من الطقوس الجميلة، إذ قالت: ” إن أسقف القدس مع الشعب يطوفون هناك ، حاملين بأيديهم الصلبان والشموع، متنقلين فى زيارة الكنائس مدة 8 أيام ” .

بعد ذلك انتقل الاحتفال بعيد الميلاد فى (يوم5 ديسمبر) إلى سائر كنائس الشـرق، وقد قبلت كنائس بلاد ما بين النهرين هذا التقليد فى (ق14) فقط

واليوم لا يبقى سوى الكنيسة الأرمينية، فتحتفل فى يوم (6 يناير) بعيد ظهور الرب مقترناً بذكرى الميلاد، أى بعيدى الغطاس والميلاد معاً.

نستطيع أن نقول: إن كنيسة روما هى أصل نشأة عيد الميلاد، كما أن كنيسة الإسكندرية أصل نشأة عيد الغطاس، ولكن عيد الغطاس متقدم فى الزمن عن عيد الميلاد، إلا أنه كان مجهولاً فى الغرب، حتى بداية القرن الرابع.

ونجد الدليل على ذلك عند القديس أُغسطينوس، الذى يلوم أصحاب بدعة الدوناتيست وذلك لعدم احتفالهم بهذا العيد فى كنائس إفريقيا الشمالية، التى تتبع الطقس الرومانى، ومن هنا نستنتج أن عيد الظهور الإلهى قد دخل إلى كنائس الغرب، بعد انفصال أصحاب بدعة الدوناتيست عن الكنيسة الجامعة عام (313م).

ولكن من الأكيد أن هذا العيد كان موجوداً فى كنائس الغرب عام (361م)، وذلك لأن مارشيلينوس يذكر أن الإمبراطور يوليانوس الجاحد (361-363م)، قد حضر الاحتفال بعيد الإبيفانيا عام (361 م)، فى كنيسة فيينا (من أعمال فرنسا) وهذا يدل على أن عيد الظهور الإلهى كان من الأعياد الحافلة، التى يجتمع فيها المسيحيون بأبهة عظيمة، حتى إن يوليانوس مع كفره إضطر للحضور لئلا يرميه الشعب بالزندقة.

وفى عام (380م) يذكر مجمع سراجوسا هذا العيد ضمن الأعياد الكبرى التى ينص عليها القانون الرابع من قوانين المجمع.

وفى عام (400م)، أصدر الإمبراطورين أركاديوس (395-408م) وهونوريوس (395-423م) مرسوماً بمنع الألعاب فى يوم عيد ظهور الرب.. وأخيراً قرر الإمبراطور يوستينيانوس (527-565م) أن يجعل هذا اليوم عطلة رسمية.

وهكذا دخل عيد ظهور الرب كنائس الغرب، فى النصف الثانى من القرن الرابع، وأصبح عيداً رسمياً فى كل الكنائس منذ بداية القرن الخامس..

وعلى إثر هذا التبادل فى الأعياد، أصبحت الكنائس فى الشرق والغرب، تحتفل معاً بعيد ميلاد السيد المسيح فى يوم (25 ديسمبر) وبعيد الظهور الإلهى فى يوم (6يناير) منذ القرن الخامس الميلادى..

إلى أن قام البابا غريغوريوس بابا روما الثالث عشر (1572– 1585م) سنة (1582م) بتعديل التقويم.. فقد لاحظ وقوع الاعتدال الربيعى فى يوم (11 مارس) بدلاً من يوم (21 مارس) كما قرر مجمع نيقية.. إذن هناك فرق قدره 10 أيام !! فماذا فعل البابا لتلافى الخطأ ؟؟

لجأ أولاً إلى علماء اللاهوت، لكى يعرف منهم السبب، فأجابوه بأنه: ليس لديهم سبب سواء من الناحية الكنسية أو اللاهوتية، فالأمر مرجعه إلى الفلك.

فرجع البابا إلى علماء الفلك، فأعلموه بأن السبب يرجع لحساب السنة، فالسنة بحسب التقويم اليوليانى يبلغ طولها: (365 يوم + 6 ساعات) ، بينما السنة فى حقيقتها التى يقرها علماء الفلك (365يوم + 5 ساعات + 48 دقيقة + 46 ثانية) فأجرى تصحيحاً للتقويم، عُرف باسم التصحيح أو التعديل الغريغورى (نسبة لاسم البابا غريغوريوس)، يمكن أن نختصره فى نقطتين أساسيتين:

– فمن جهة الـ (10 أيام) الفرق ، تم حذفها بعد أن أصدر أمراً بأن ينام الناس يوم 4 أكتوبر سنة (1582م) وعندما يستيقظوا يعتبرون يومهم هو (15 أكتوبر) بدلاً من (5 أكتوبر).

– ولضمان فروق المستقبل وضع قاعدة عن طريقها يتم حذف (3 أيام) كل (400 سنة).

بعد أن إتبعت كنيسة روما والكنائس الغربية التقويم الغريغورى سنة (1582 م) اختلفت مواعيد الأعياد بين الكنائس..



   نشر في 18 يناير 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا