كيفية مواجهة تحدي الصين الاستراتيجي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كيفية مواجهة تحدي الصين الاستراتيجي

  نشر في 12 غشت 2018 .

كيفية مواجهة تحدي الصين الاستراتيجي
بقلم: دافيد جولدمان
ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

تشكل الصين تحدياً إستراتيجياً جسيماً لأمريكا ولكننا يجب أن نأخذ بالحسبان أن الدافع وراءه خوف وعدم أمان. إذ تمتلك أمريكا قوى فطرية ليست بحوزة الصين. ولا يعتبر تدني القوة أعظم المخاطر بل القناعة بالوضع الراهن

والصين ظاهرة لا تشبه أي شيء في التاريخ الاقتصادي. يستهلك الصيني العادي اليوم 17 ضعف ما كان عليه عام 1987. ويتمثل ذلك الفارق بين قيادة سيارة أو دراجة هوائية أو بين توفر التمديدات الصحية داخل المنزل أو بيت خلاء في الخارج. ورفعت هذه الدولة المتخلفة سابقاً خلال وقت قصير نفسها إلى أول مرتبة في الاقتصاديات العالمية

نقلت الصين خلال الفترة ذاتها 600 مليون شخص من الأرياف إلى المدن — أي ما يعادل نقل كامل سكان أوربا من جبال الأورال إلى المحيط الأطلسي. وشيدت لاستيعاب هذه الأعداد ما يكافئ لندن جديدة علاوة على برلين وروما وجلاسكو وهلسينكي ونابولي وليون جديدة. وأدى نقل الأفراد الذين قضى أسلافهم آلاف السنين في رتابة حياة القرية التقليدية وإحضارهم إلى العالم الصناعي إلى تفجر في الإنتاجية

أين تقف أمريكا بالمقارنة مع الصين؟

إذا استخدمنا التعبير الذي يسميه علماء الإقتصاد تكافؤ القوة الشرائية تستطيع شراء الكثير من الأشياء ب 100 دولار عما تتمكن من شرائه في الولايات المتحدة. وإذا عدلنا ذلك المقياس نجد أن الاقتصاد الصيني أكبر من الاقتصاد الأمريكي. بينما يتفوق الإقتصاد الأمريكي من الناحية الدولارية

ولكن الصينيين يكادون يلحقون بنا- بعكس إقتصاديات المنافسين السابقين- وربما يسبقونا

والصين من ناحية أخرى إمبراطورية بنيت على إكراه أفراد بالقوة

أصبحت الولايات المتحدة أمة عظيمة يقطنها أشخاص اختاروا بملئ إرادتهم أن يكونوا جزءاً منها بينما غزت الصين شعوباً من عرقيات مختلفة ولغات متباينة و أجبرتهم على البقاء سوياً بالقوة

وبينما ينادي مبدأنا واحد من الكثيرين تكون الحقيقة الصينية نقف متفرقين وديكتاتور في القمة

غطت الصين فيما مضى مساحة جغرافية صغيرة. وتطلبت 1500 عام للوصول بحدودها الحالية في القرن التاسع. وهذه الحدود جبهات طبيعية. لا تستطيع الصين التمدد إلى الهند عبر جبال الهيمالايا وإلى أقاصي الغرب صحراء وإلى الشرق المحيط. لذا لم تكن الصين قوة توسعية بالفطرة

والصين ليست موحدة. يتكون نظامها الكتابي من آلاف الأحرف تتطلب سبع سنوات من التعليم الإبتدائي لتعلمها بالعمل يومياً بفرشاة حبر و محبرة وورق. وعبر تعلم هذه الأحرف بما يكفي لقراءة كتاب مدرسي أو صحيفة يتعلم الصينيون التكيف الإجتماعي. ويعتبر الجيل الراهن أول جيل يفهم اللغة الشائعة بسبب مركزية الدولة ووسائل الإعلام. ولكنهم يتحدثون لغات مختلفة. تختلف الكانتونية عن المندارينية إختلاف الفرنسية عن الفنلندية. وقد ترى في هونج كونج صينيان يصرخان بوجه بعضهما البعض بإنجليزية ركيكة لأن أحدهما يتكلم المندرينة والآخر الكانتونية التي لا تتشارك بكلمة وحيدة

والصين ليست مستقرة بالفطرة وكل ما يجمعها سوياً ثقافتها الإمبريالية وجامع الضرائب في بيجين. وتشبه تجمعاً لمغانط متضادة الشحنات مرصوفة بغراء هائل القوة- يبدو مستقراً ولكنه ليس كذلك

وخلال الذاكرة الحية للمسنين الصينيين مرت الصين بحقبة من التقسيم الوطني وأمراء الحرب والحرب الأهلية والمجاعة والإمتهان

وقرن الإذلال ، كما يسميه الصينيون،الذي بدأ مع حروب الأفيون عام 1848 وانقضى مع نجاح الثورة الشيوعية عام 1949- كان قرناً أودى بحياة ملايين من البشر ولا يزال الخوف من عودة تلك الظروف طيف يؤرق القيادة الصينية

ترد الصين ،مثل روسيا،على هوانها الماضي بتحدي القوة الأمريكية. ومن السذاجة اعتبار الروس أو الصينيين أصدقائنا. وأفضل المأمول منافسة سلمية وتعاون عرضي في أمور ذات اهتمام مشترك. ولكن من المهم الإدراك أن أخطاء السياسة الأمريكية تفاقم شكوكها وارتيابها


خذ على سبيل المثال قرارنا بفرض حكم الأغلبية في العراق والذي ولد دولة شيعية طائفية متحالفة مع إيران وتركت أقلية العراق السنية دون دولة تحميهم. مما دفع السنة بأيدي القاعدة وغيرها. ويعتبر الجهاد السني خطراً جدياً على الصين وروسيا ويعتبر تدخل روسيا في سوريا بشكل جزئي إستجابة لأخطائنا

يحيا الصينيون حياة مزدوجة. إذا مشيت في أحد شوارع بيجينج ترى الناس بملابس رثة ولا يظهرون أية مشاعر ويتجنبون كل ما يلفت النظر إليهم

ولكن عندما تذهب لعرس صيني أو مطعم تتجمع فيه العائلات ترى الأفراد ذاتهم يهدرون يملؤهم الزهو والأنفة

فالوجود الحقيقي هو الوجود العائلي. وخلال عيد السنة القمرية الجديدة يقوم الصينيون بأكبر هجرة في التاريخ — حيث تحدث ثلاثة مليارات رحلة لمسافات بعيدة — لأن كل الصينيين يسافرون تلك المسافات البعيدة للاجتماع بأسرهم

نمتلك في الغرب مفهوم الحقوق والواجبات الذي يعود للجمهورية الرومانية- نخدم في الجيوش وندفع الضرائب ويتوجب على الدولة التزامات محددة في المقابل. ولكن الصين لا تمتلك مثل ذلك المفهوم. تحكم بيجينج بالهوى

يفعل الصينيون كل ما يطلبه الإمبراطور — أو اليوم الحزب الشيوعي — على أمل الحصول على مقابل. ولكن لا يوجد أي إحساس بالاستحقاق. فكرة الدولة المتماسكة بالصالح العام كما في سيسرو أو بفعل الحب المشترك كما في سانت أوجستين أمر مجهول في الصين. ينظر للقوة الإمبريالية نظرة الشر الذي لا بد منه. عاش الصينيون في ظل حكم الأباطرة على مدى 3000 سنة وعندما لم يكن لديهم إمبراطور كانوا يفتكون ببعضهم البعض. ومن الجميل تثقيفهم عن منافع الديموقراطية الغربية ولكن الأغلبية منهم تعتقد بالحاجة لامبراطور للحيلولة دون تكرار قرن الهوان

جلبت سلالة الحزب الشيوعي، التي تولت الحكم عام 1949، من وجهة نظر معظم الصينيين عصراً ذهبياّ. للمرة الأولى في التاريخ الصيني لا يخاف المرء من الموت جوعاً أو من أمير حرب يغتصب النساء و يحرق المحاصيل. ولذلك تمتع النظام الحاكم بقدر كبير من الدعم رغم إنه شمولي أكثر مما كان يخيل لهيتلر أو ستالين

ورغم بؤس النظام من منظورنا فإن احتمالات تغيير طريقة الحكم في الصين الآن تبدو ضئيلة للغاية

وحكومة الحزب الشيوعي في الصين جدير وقراطية(النظام الذي يعتمد تقدمه على المقدرة والعطاء الفردي) عديمة الشفقة مما يصعب على الصينيين تفهم السياسات الأمريكية. وإذا كنت في القيادة الصينية تكون قد شققت طريقك عبر التفوق في سلسلة طويلة من الامتحانات بداية من سن الثانية عشرة — مما يعني أنك لم تواجه شخصاً غبياً مذ كنت في المدرسة الإعدادية. وحقيقة أن الديموقراطيات قد تدفع أحياناً أشخاصاً أغبياء — ومن حقنا فعل ذلك إذا أردنا — لا تبدو مفهومة بالنسبة للصينين. والشيء الوحيد الذي لا يستطيع الرئيس زي جين بينج تقديمه لولده إلحاقه بجامعة بكين ما لم ينل علامات عالية في امتحاناته. هنا تستطيع بالمال دخول جامعة هارفرد ولكنك تعجز عن فعل ذلك في الصين. ولذا رغم أن الحزب الشيوعي الصيني ليس منظمة فعالة للغاية وحكماً ليست بأخلاقية ولكنه يضم الكثير من الأفراد البالغين الذكاء بين ظهرانيه

يصر قادة الصين على تأمين الإستقرار الداخلي بأي ثمن كان ويصممون على جعل الصين منيعة أمام الخارج. ونادراً ما نسمع هذه الأيام تعبير بحر الصين الجنوبي لإن ذلك البحر أضحى بحيرة صينية. تحول لبحيرة صينية لإن الصينيون قالوها بكل صراحة: سنحارب من أجله. وثمة مثل صيني يقول :”أقتل الدجاج لتعلم القرد.” وللصين إهتمام أكبر بتايوان. ويخشى الحزب الشيوعي الصيني من أن مقاطعة ثائرة كتايوان قد تبدأ قوى نابذة تخرج عن السيطرة. ولذلك يكون إندماج تايوان بالدولة الصينية — المركز الإمبريالي — قضية وجودية بالنسبة للحكومة الصينية. وسوف تشن حرباً لأجلها إذا دعت الحاجة. ومن خلال إظهار رغبتهم بالحرب من أجل بحر الصين الجنوبي يثبتون جدية أعمق في الحرب لأجل تايوان

دعنا نعود إلى إقتصادانا والنظر الجداول الثلاثة أنفاً. تفعل الصين ما تفعله اليابان وكوريا ودول آسيوية أخرى فهي تدعم الإستثمار المالي في الصناعات الثقيلة. ومن وجهة النظر الصينية يمثل معمل الحديد أو مصنع أنصاف النواقل سلعاً عامة وينظر الصينيون لذلك نظرتنا للطرق السريعة والمطارات. وبسبب الدعم الصيني للصناعة الثقيلة نحيت الولايات المتحدة جانباً عن أي تصنيع رئيسي عالي التمويل. فعل اليابانيون ذلك قبل 30 سنة مما حدا بإدارة الرئيس ريغان لاجبار اليابانين على بناء معامل السيارات في أمريكا. ولكن الإقتصاد الياباني كان صغيراً للغاية مقارنة بالاقتصاد الأمريكي. ولكن بما أن الإقتصاد الصيني يوازي تقريباً اقتصاد الأمريكي كان تأثير الدعم الصيني هائلاً

يظهر الجدول الأول تكاثف النقد في الشركات المدرجة في سوق الأسهم الصينية مقابل العائد على الأسهم وكلما زادت كثافة النقد ارتفع العائد. وإذا نظرت إلى مؤشر أس و ب 500 في الولايات المتحدة في الجدول الثاني يكون إتجاه العائد في الطرف المعاكس. تكون الصناعات الأكثر تمويلاً أقل ربحية. وأدى هذا التشوش في الإستثمار العالمي من خلال الدعم الصيني للصناعة الثقيلة إلى سحب الأموال من قطاع التصنيع الأمريكي الثقيل. ولا يعني ذلك أن الأمريكان يفضلون الموارد المالية على الموارد الحقيقية ولكن يعني بصراحة أن الصينيين قد نحونا جانباً. ولذلك خسرنا مواقع كثيرة في الصناعة

وكما يظهر الجدول الثالث إرتفع نصيب الصادرات عالية التقنية من حوالي 5% عام 1999 إلى 25% في الوقت الراهن بينما تهاوت صادرات أمريكا من 20% إلى 7%. وتلك الحالة ليست مستديمة. وتعني من الناحية العملية أن أمريكا لن تقوى على صناعة طائرة عسكرية دون الرقاقات الصينية وتلك قضية أمن قومي

أعلن الرئيس الصيني زي عام 2013 خطة “حزام واحد طريق واحد” وهي تقصد السيطرة على الصناعة في أوراسيا- براً(حزام) وبحراً(طريق)

وكقاعدة عامة يمكن القول أن الاقتصادات النامية لا تتطور بسبب تواجد 40% من الناس خارج الإقتصاد الرسمي وبسبب تواجدهم في الإقتصاد”الخفي” غالباً في قرى صغيرة يحيون حياة غير منتجة نسبياً

قام الصينيون بتمزيق البنية الاجتماعية لحياة القرية


ولا يماثل اقتصاد الصين الاقتصاد الياباني بشيء لأن اليابان رغبت بالحفاظ على بنيتها الإجتماعية وقامت بحماية الزراعة والتجارة الصغيرة والأعمال المصغرة. ولذلك نرى في اليابان قلة من الشركات الكبرى ذات المقدرة العالمية تتربع على قمة إقتصاد محمي قليل الانتاجية. وفي الصين التي نقلت الجموع من القرى إلى المدن ترى مكافئات امازون -علي بابا — تدير العمالة في القرى. نشر الصينيون خدمة الإنترنت العريض الحزمة في كل مكان بحيث يتمكن المستثمرين من تحديد القرى التي تستطيع صنع مكون ما وتعمل القرى آنذاك لصالحهم.

تعمد الصينيون تفكيك البنية الإجتماعية لتجنب قيود اليابان وما يعتزمون فعله بخطة “حزام واحد طريق واحد” تكرار التجربة على امتداد آسيا — لسينوفاي كل دولة من تركيا إلى جنوب شرق آسيا

زرت قبل عامين المقر الرئيسي لشركة هواوي- شركة الإتصالات الصينية- الأكبر في العالم — والتي لم تكن موجودة قبل 12 سنة. ولديها حرم ضخم يجعل حرم جامعة ستانفورد أشبه بمستنقع. تسيطر الشركة اليوم على 70% من السوق العالمية في قطاع الاتصالات

كيف تمكنت هواوي من فعل ذلك؟

خفضت الأسعار وحصلت على دعم حكومي هائل. بعد جولة دامت ثلاث ساعات أجلسني الصيني مع زملائي القادمين من أمريكا اللاتينية في مدرج صغير وقال” إذا سلمتنا اقتصادكم سنجعلكم مثل الصين ونوفر الاتصالات وخدمة الحزمة العريضة ونجلب التجارة الإلكترونية والتمويل الإلكتروني. و ستصبحون متطورين مثلنا.” لم يوافق الأمريكان ولكن الأتراك وقعوا العقد

تخطط تركيا لتصبح مجتمع خال من النقد خلال خمس سنوات. وتقوم شركات الإتصال الصينية بإعادة بناء شبكة البث التركي للحزمة العريضة. لقد سئمت تركيا من الغرب وأصبحت المقاطعة الإقتصادية الغربية للصين

يستشعر تأثير الصين في العالم أجمع. يتوجه حلفاء الولايات المتحدة وأعضاء الناتو السابقين نحو الصين.وقامت روسيا التي أصبحت معتمدة بالكامل على الصين برفع صادراتها من الطاقة إلى الصين بأربعة أضعاف ووفرت لها موارد طاقة أرضية في حال تدخل الولايات المتحدة بمسار حركة الطاقة البحري

تمتلك الصين اليوم شبكة قطارات متشعبة عالية السرعة تصل سرعة بعض قطاراتها إلى 200 ميل في الساعة. ولذلك أثار هائلة على الإنتاجية ويخطط الصينيون لمد تلك القطارات إلى كامل منطقة جنوب شرق آسيا

ترى تايلاند وهي بلد زراعي ان القطارات السريعة التي تشيدها الصين ستجعلها مصدر الخضار والفواكه الطازجة لها. ولذلك استوعبت تايلاند التي كانت حليفاً أمريكياً في الاقتصاد الصيني وهكذا دواليك

من أكثر الأمور الجدية التي يخطئ الأمريكان بفهمها عن الصينيين عدم قدرتهم على الإختراع. ولكن من تظن إخترع البارود و البوصلة المغناطيسية والساعة والنمط المتحرك؟

تتميز الثقافة الصينية بالانصياع أكثر من الثقافة الأمريكية. وفي المعدل يكون الصينيون أقل ابتكارية من الأمريكيين ولكن هناك 1.38 مليار صيني ويكاد إنفاقهم على البحث والتطوير يوازي انفاقنا. ويمنحون سنوياً أربعة أضعاف ما نمنحه من الشهادات الجامعية في العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات وضعف عدد شهادات الدكتوراه في تلك التخصصات. ربما تكون بعضها أدنى من المستوى المطلوب ولكن الكثير منها رائعة

لا يعوزنا في الولايات المتحدة القاعدة الصناعية التي يسهل التعامل معها ولكن قلة التعليم العلمي والهندسي. لا يتخصص سوى 6 أو 7% من الطلاب الجامعيين في الجامعات الأمريكية بالهندسة بينما يصل ذلك الرقم إلى 30–40% في الصين. وتلك هي معضلتنا الكبرى. ثانياً هناك التشوش المذكور آنفاً في النظام الاقتصادي العالمي الذي أحدثته السياسة الصناعية الصينية

يلعب الصينيون بحدة وشراسة. ومن القضايا المطروحة مؤخراً لدى إدارة ترامب لاستراتيجية الأمن القومي النقل الإجباري للتقانة. ويعني ذلك مثلاً إذا رغبت شركة إنتل الدخول إلى السوق الصيني — وهي أكبر مصنع للرقاقات في العالم- تطلب الصين منها إفشاء كل ما تعلمه. ومن وجهة نظر سعر سهم إنتل على مدى السنوات الخمس إلى العشر المقبلة سيكون ذلك شأناً مربحاً. ولكنه سيئ الطالع على المصلحة القومية الأمريكية. إذا منعت حكومة الولايات المتحدة نقل التقانة إلى الصين ستصرخ شركات انتل وتكساس انسترمنت في العالم بسبب الضرر الحادث على سعر اسهمها. ولكن الأمن القومي يتجاوز أحياناً السوق الحر. وتلك ستكون هي الحال

يتجه معظم الإستثمار الأمريكي في البحث والتطوير حالياً بإتجاه البرمجيات. ويعني ذلك تسليمنا آسيا وخاصة الصين التصنيع الفعلي وإننا لن نقوى على تسيير طائرة في الجو دون الرقاقات الصينية

إذاً ما الذي نستطيع فعله مع الصين؟

لا يكمن الجواب في تبني سياسية صناعية فنحن نؤمن بالحرية الفردية و لا ننجح بالعمل الجماعي. تمتلك الصين وألمانيا سياسات صناعية و يستطيعان التعامل مع ذلك من الناحية المجتمعية ولكننا لا نستطيع. وإذا رغبنا بمنافسة الصين نجب أن نفعل ذلك على الطريقة الأمريكية. وأفضل ما يميزنا هو الإبتكار

ظن معظم الاذكياء في سبعينات القرن المنصرم أن روسيا سوف تربح الحرب الباردة واعتقدت الجامعات ووكالة الإستخبارات الأمريكية والاقتصاديين أن لروسيا إقتصاد قوي. ولكننا أدركنا بحلول عام 1989 أن إقتصاد روسيا كان مجرد خردة وذا قيمة سلبية في الواقع لإن كلف التنظيف البيئي كانت تفوق قيمة كل ما تنتجه روسيا. ولكن ما حدث في الفترة الانتقالية كان أعظم موجة من الابتكار الصناعي في التاريخ الأمريكي

اخترعنا رقاقات ميكروية سريعة خفيفة ورخيصة. وصنعنا مجسات وحساسات لم تكن موجودة من ذي قبل. و اخترعنا ليزر أنصاف النواقل وقمنا بكل ذلك عبر وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتطورة بالتعاون مع مختبرات الشركات الكبرى

حولت الولايات المتحدة الإقتصاد الروسي إلى خردة من خلال إختراع إقتصاد غير موجود مسبقاً. كان ذلك هو إقتصاد ريغان. وخلال عملية التكوين تلك فقدت الشركات الـ500 على قائمة فورتشن التوظيف. وتهاوت كافة الإحتكاريات وبزغت شركات لم يسمع بها أحد لتتولى نشر التقانات الجديدة وتراجعت الشركات الكبرى لأننا واجهنا تحديات في اقتطاع حصة السوق من المصالح المتحصنة

كتبت في عام 1983 مذكرة للجنة الأمن القومي وحاججت بأن مبادرة الدفاع الإستراتيجي سوف تكون رابحة– وأن التقانات الجديدة التي كنا نبحثها متى تحولت المستوى التجاري تولد عوائد ضريبية تزيد عما أنفقناه في البحث والتطوير. عندما تقوم بالبحث والتطوير لا تعرف العائد. أصبح التصنيع المستخدم لتقنية رقاقات كموس ممكناً لإن البنتاجون ظن أنه سيكون من الرائع للطيارين الحربيين وجود محطة تنبؤ جوي في قمرة القيادة. وجاء ليزر أنصاف النواقل لرغبة البنتاجون بإنارة أرض المعركة خلال الحرب الليلية. ولدت هذه التقانات عواقب غير منظورة تسربت بشكل لا يمكن تخيله عبر الإقتصاد الوطني

فشلنا في متابعة الإبتكار في العقود اللاحقة بداية من إدارة كلينتون بدأنا بالاعتقاد إننا من القوة بمكان بحيث لا نحتاج للإستثمار في التقانات الجديدة والدفاع القومي. وتوجه الإستثمار نحو فقاعة الإنترنت في التسعينات وكأن تحميل الأفلام سيصبح اقتصاد المستقبل

أنا مؤيد لحرية السوق. ولكن شيء واحد لا تتمكن السوق من فعله هو الإنفصال عن الثقافة. وعندما نمتلك متطلب الأمن القومي الذي يدفعنا إلى تخوم الفيزياء لتطوير أسلحة أفضل من أسلحة منافسينا عندها نحصل على أفضل أنواع الابتكار. لذلك يتوجب على الحكومة مسؤولية حساسة في مواجهة التحدي الصيني.

إذا أنفق الصينيون عشرات المليارات لبناء معامل تصنيع رقاقات استنبطنا طريقة أفضل لفعل ذلك فسوف يجدون أنفسهم في مواجهة معامل رقاقات بمليارات الدولارات عديمة القيمة

ولكنك لا تتمكن من التنبؤ بالنتائج مسبقاً. يجب أن تلتزم باتخاذ قفزة في العلم والأصالة الأمريكية. نستطيع مجابهة التحدي الإستراتيجي الصيني ولكننا يجب أن نقوم به كأمريكيين على الطريقة الأمريكية

المصدر:

مجلة” في المقام الأول” الصادرة عن كلية هيلسديل في واشنطن. الولايات المتحدة الأمريكية.

اذار(مارس) 2018

السنة 47

العدد 3

Imprimis

Hillsdale College

March 2018

Volume 47

Number 3



   نشر في 12 غشت 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا