عذرا أيها الحالم..
من عمق الرؤيا ابتنيت ثرثرة أقلامي..
12\10\2017م..
هيام فؤاد ضمرة..
عذرا؛ أنا ما زلتُ هنا، وأنا ما زلتُ أنا، وما زال بإمكاني أنْ أعيد مركبتي على الطريق الرئيس الآمن، فليس طريقك طريقي ولا عليه تجري دواليب ارتحالات بريقي، أنا أنسام يحملها رذاذ عطر لأزهار لا تقتلعها الرياح، ترحِّل عبير شذاها كما فراشات زاهية ألوانها تسافر عبر ابتسامات ليلكية لزهر الأقاح، فعالمي ملكي وحدي ليس اختراقه مباح.
عذرا؛ فقد حددت بإرادتي مُنبعث القرار، واتخذت وجهة العبور، لن أرحل إليك، سأوقف الخطى وأُلجِمُ نداءات ترددت على مساحات الشرود حين غررني البرود، ليس من قوة تحيدني عن مسارٍ كان أثر لخيار، أبداً ما كان له أنْ يضعني على مقعد انتظار، لأجتر الزمن في طواحين تتقفى الاحتضار، ليس مَنْ يجبرني على زحزحة الأشياء في عقلي، وإماطة اللثام عن مقاصد تحلم بعبور آمن إلى آفاق السماء، حين كانت زهوري يانعة افترشتها ذات قرار، تحدد لخطوي أرقى اتجاهات المسار، فلا يحلُّ أبداً بعده خيار.
لن أرحل إليك.. لن أنشطر وفي تماسكي اعتدال، لن أحتضر وقواي اعتادت الصمود في مهبِّ كل اعتمال، لن أمتطي خيْلي لأجري في مضمار هواك زاعمة أنّ المضمار مضماري، وأنَّ في نهايته ينتظرني إمطاري، سأقود مركبتي باتجاهات يحددها خياري، يُمليها عليّ ذات اتزان واحتراز عقل وسلامة عنوان، فالطريق ما كان أمامي إلا ممهداً ينطلق باتجاهٍ واحد، لا تُعيقه حواجز ولا تقطعه موانع تغيِّر الاتجاه أو تعيق رحلة المسير لأفضل مصير.
من هنا كان قراري ألا أغير مصيري، وأواظب بهمتي الأعتناء بحديقتي، أشذِّبُ أشجارها، وأروي عِجَافها، وأعْلي أفنانها، وأفوح عطر أزهارها، فأنا منها وإليها، وسأظلُّ نبتة تتوالد للعمر زهورها مهما طال بها الأمد، ويظلُّ لها ذات الأريج المُفعم بالانتشاء، أحمل بين أصابعي ذات الاعتداد، يتحول بيدي كتلة ضياء، توزع نورها بكل الأنحاء، ويستضيء لخطوي فتصير على دربِ الأعِنَةِ لمحاتٌ لبهاء، ليظهر للنور أوْضَح طريق، لن أُكثر من حولي الأسئلة، لن أفكِك حلقات السلسلة، فالتنبوء ليس يعني عاقلا دون يقين، والتعلل يستوعبُ آفاق السنين، فأنا هنا والدأب يستحْوِذ اهتمامي، ويرجو نيل المطالب بقوة الواثق الأمين، أنا هنا والسَّبق يمتلك ناصية العزم والرشاد، أبداً لن أنثر في دربي بهاتيك اليد الرماد.
وإذا كانت النفوس كِبارا، تعبت في مرادِها الأجسام، وإذا كانت المشاعر دندنات قيثارة طال لأفق الرضى الموَال، وأدنى لعزفه لُجيْن الخيال، فتطاير الحلم في مدارات أمانهِ، وحطَّ فارداً أجنحة التوجِّس فوق أعذاق تمدًّ للرِفعة أطراف المقام، فيا نوارس بحري تكاثري واكثري هجراتك على شفا مركبي، وترائي انعكاساً مُشعاً على مرايا ذهولي، بقدر استدعاءاتِ خريفٍ خطَّ مشيبهُ ضياءاً مجملاً كلّ فصولي، فقولي لمساءاتي أسراري، وأسري إليها أمر ارتحالي لتغادرها معتركات فضولي، وأقبلي انسياباً عبر كلمات قصيدي، مُعلنة لحظة ارتياب الريح حين يتصاعد هدير ظنوني، فكونيني أنا ونفسي تتلألأ سكينة، ليست تسكنني انحسارات فتوني.
ستأتيني الهمة سافرة عالية، وتلاصِقُ جلوسها بجانبي بثقة غالية ، وحين العزم يصبح رسول النفس إلى النفس، وحين القول يصبح لازمة المواقف مع كل شعور وحس، لا تصبح الاتجاهات عبثا كلها، ولا يصير للحقيقة وجهٌ غُصّ من غثاء، ففي مواقف السداد أكون أنا شعلة من رشاد، قفزة للعز حين ارتطام الأشياء بالأشياء، وتحطم الأمال على صخرة العناد، حين تتساقط الأشياء من علٍ أُصبح دونها قامة تمتد للفضاء، وإنْ صدحت من حولي رياح الشقاء مارة بلا عناء، فامعني يا نفس بنفسك وتحللي من كلِّ ركيزة لا تمنحك إياها أعزّ النساء، واعتلي أرفع صهوة تستطيعه همتك لتستقِري فوق أعنة الصهوات، بُغية ارتقاء قمم تبلغ بالمقام هام شمم، تبلغ أجل أثر في العلياء، فيا بيان قلمي، يا موهبة ما صارعتني وما ناكفتني، إنما أفردت لخطوي بساط الوفاء في دفء العلياء.
لتعلم؛ وعليك العلم بالشيء الذي ليس يُؤذيك وإنما يَهديك، لكنه حقا وضميراً يُرضيك، ليس الهوى يهبط بي من علياءٍ وهذا يقين لا يقبل التأويل، فالولوغ في تحريك الغرائز ليس إلا استهلاكا لقيم الفرسان، يبث فلسفات مزاجية لمآرب هوائية ، فكيف لفارس أن تزل قدمه ويصبح علمه موبق يزل عن خبث، فأنت بين حشود المبدعين قامة مذخورة بالموهبة، مبثوثة بالمبادئ ولغة التوصيل، علم يرف فوق الهامات وعلى مد الأنظار، فلا أظنك تلوث ما التمع بالفكر النيِّر المنير ووسيّلته منافذ البث عبر تفلتات الأقلام، فاحتدام الأرواح بالألفاظ والمعاني هي مداميك بناء للوصول إلى تعبير بليغ ذي أثر أبلغ، نحمل من الأمال ما يكون جمالا منثورا، ومن الأرواح معانٍ مجنحة تختال بالصور والبيان الصافي فنزداد في تأثيرها حبورا، فلا موجب أن نهيل مبنىً زينته أفئدتنا وأوراحنا وصار في محيط الأدب قدرا مقدورا، تحيله نظم أخلاقنا إلى سبلات تصون قلوبنا تستجيب له لمن في مروءته نزاهة، ولسان نقي ناصع البياض ليس فيه لوثة لدناءة أو شين أو كذب أونشوزا، ولا يثور منها حمم فواحش تغرر عقول وأجساد وذهون، فتخرجهم عن سلامة الظهور والبروز، وأظنُّ أنّ الله تعالى استثنى أهل الأدب من خروجهم عن الأدب، ليظلوا حجيجا في دوائر الذوق تزجيهم عيون الناس، فيما تترفع فيهم المقامات وتبرق من عقولهم شعاعات السلوك والتواصل وعطاء الحرف منصورا، كما الرفاه في الروحانيات ومنطق القول بلسان صاخب حكيم في ترفعه عدولا.
عذراً سيدي؛ الرحيل عبر عالم الإنسان يكون أحيانا ثباتا على المبدأ، واعتصاما بحبل الله حتى ذُرى اليقين، ويكون تشبث بحبل نجاة، وهذا الانسان في قراره مُخلص أمين، لست ألقاك لأشقيك أو تشقيني، ولست أبغي التقلب بيمناك لأرضي ذائقة سنابلك المزروعة بيسراك، ولا أملك حق الدخول في دوامة عاصفة تقتلع أوتادنا على إعياء، وتفقدنا حقوق ملكية خصوصيتنا، لا هذا ولا ذاك لكن لخشية بالنفس أنْ تخادعها أمارتها فتتخبط في عهن الغرور، أو تناكفها أحبارها فيتوقف فيها السر في المكنون، وهذا العهد الذي قرأته العيون ليس ينفذ إلى معطيات الواقع المعترف به، فهذه المشاعر التي لانت لها القلوب وحسرت دون غايتها العقول، لم تصنع في رغباتنا غير الميل المدعوم بشهادة الإبلاغ عن مراد القلب للقلب، فالعيش في ظل المودة يشفي القلوب من علاتها، ويأخذ النفس إلى راحتها، والعقل إلى ثبات ويقين تفكيره، للعبور إلى معترك الحياة مُسلحا بأدواتهِ الحسيِّة وتقنياته الدافعة لراحة البال، فها أنتَ تجدُ نفسك أمام صدىً يترددُ في جنبات نفسك، يقرعُ أجراس عقلك وكيانك، يعبئ جيوب جعبتك بالقول البليغ، فهلا سمعك للحق يصيخ ولفعل العدل يُصيغ؟
فالْكز قريحتك وأيقظ بها بنان الشهوة لقطاف كلماتك، واملأ من حقول زهر الليمون كل ما تعرفه عن سُقيا العطاء ومرويات السماء، وخضّ لُجة التأني لعلك تُلجِم رغائب النفس وفلتاتها، وانسراح الخيال وعقباته، فالنجاة النجاة، والحياة هي من تأخذ بيدك وتهديك دون أدنى شك لنهاية الاتجاه، فحاذر سيدي أنْ تولغ مطامعك في حقول السادة الرعاة، عبر اختبارات واهمة لا تمنحك إلا صفة التداني كمن قلوبهم غُلفٌ قساة.
-
hiyam damraعضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
التعليقات
مشاعر قوية وافكار تعيش فى عقل متزن
فى الحقيقة اجد نفسا تلميذا فى مدرستكم
لكم كل تحيتى وتقديرى