ثم ماذا عن الانتـظار؟!
ألست تحبني .. ألست من أدمن رائحة عطري، واستباح كل جزء من جسدي ومن تفكيري، ألست الذي تخاف علي من ساعة كآبة، وتغار علي من غريب يسأل عن عنوان ما.. ألست أنا من تهواك، من تعزي نفسها بحبك، وتنتظر .. أجبني إذاً وأطلق سراحي بعدها .. ثم ماذا عن الانتظار؟
نشر في 03 نونبر 2018 .
يعذبني ذلك البوح الذي يأتي على هيئة دموع، ويكون عزائي الوحيد أنني أحبك، أنني أدرك أنك تفهم توسلات عيني لك بألا ترحل عند كل صباح ولا تعود .. ربما لأشهر تتلوه.
تلك الأمسيات التي أعيد فيها قراءة نظرات عينيك، وتعابير وجهك، ولمساتك .. ويكون عزائي الوحيد ليلة سرمدية عشت فيها معك أجمل لحظات حياتي.
رغم أنني أدرك أن هذا الحلم لن يطول، أن ساعة المنبه المترقبة .. تنتظر مرور الوقت حتى تطعنني رنة الهاتف وتقول لي بأنه حان الوقت حتى أتجاوزك.
رغم كل هذا الشقاء أنا لا أستطيع فك هذه القيود، ربما لأن زنزانة حبك هي أكثر الأماكن التي أعيش داخلها بسعادة. فهذا العالم في الخارج قبيح جداً دونك .. لكن .. ماذا عن صوت الباب المنغلق، ماذا عن بصماتنا التي تبقى معلقة خلف كل وداع، نبقي الأمنيات على قيد الانتظار .. وماذا عن الانتظار؟
ماذا بعد كل هذا الألم، وليس هناك أفق للأمل بأن أكون معك دون وداع يذكر. أهرب منك إليك .. وفي الساعات الشقية التي تبدو طويلةً جداً أهرب إلى البحر الأزرق، تغسلني الأمطار، وتصفعني الرياح الباردة بكل قسوة، أشتكي لك عنها فتحضنني وأنت مرهق لشدة الاشتياق الذي نازعته طويلاً حتى تعود إلي من حرب أفقدتك السلام الذي وعدتني أن نعيش به ذات يوم على هذه الأرض البائسة.
ثم يأتيك العزاء على هيئة شخص محدود الأفق، ليقول لك ببساطة التعبير "أن الحياة غير عادلة". لكنني لا أريد أن أقتنع أن الحرب ظالمة، وأن الحياة كذلك .. لأنني حين أكون معك تبدو الحياة بغاية الجمال والبساطة.. لكنني حين أفقدك أحتاج كثيراً لهذه العبارة البائسة .. وأنا اتساءل .. ثم ماذا عن الانتظار؟
وأفقد للحظة صوابي، أحطم الزجاج، أفتح النوافذ الباردة المطلة على غابات لا نهاية لها، أقرر أنني سأغتال شعوري نحوك .. لتأتي قبلتك فتحي حبك من جديد. وأنا التي انتظر تلك القبلة المسمومة، كي تقتلني وأولد بذات جديدة لا تحبك، لا تفكر فيك، لا تشتاق إليك .. لا يعنيها السلام إذ أن الحرب اسطونت في داخلها ..
ثم ماذا عن الانتظار؟!
عن الرسائل التي تصل متأخرة جداً، عن الوداعات التي تطعن في غفلة، عن دموع فاضت في العيون لكنها لم تعد تجد سبيلاً للهطول. لك الله يا قلبي، لك الله ..
وماذا عن قصص كتبت لتحكي عنا، وأنا مولعة بالقراءة، أتعثر كل مرة فيك برواية أو قصة اعتقدت أنها بعيدة كل البعد عنا، عن كلمات كتمتها لكنها خرجت من جوف مجروح بائس .. نطقها في لحظة ضعف، تؤلمني تلك الكلمات، وكأنها سرقت مني، ألم يكن من المفترض أن تكون هذه قصتي، وهذا عنواني .. وهذا الحلم الذي سكنت فيه وسكن بي .. ثم يتابع بطل الفيلم حياته، لكن بعدها تأتي شارة النهاية، لا أحد يدرك كم تعذب هذا الإنسان في رحلة النسيان، لكن هذا الفيلم علمنا الأمل، أن الإنسان قوي كفاية ليتجاوز خذلان الحب .. وخيبة الانتظار!
أعود لأرتدي ابتسامتي، على ملامح لم يسكنها الشر يوماً، رغم حقدي الدفين اتجاه الساعات التي انتظرت فيها أملاً مزيفاً. أجل أنا أعترف لك يا هذا .. أنني قوية، صلبة، قاسية أحياناً، لكنني معك أكون ملاكاً يفرد جناحيه المصابتين الداميتين على كتف قميصك الممزق من معركة الوقت التي عدت منها تحتضر ..
لماذا لا نستسلم لهذا الموت الرحيم، ويهرب كلانا من سجنه إلى حيث تشرق الشمس، وينام العالم براحة على شواطئ البحر الدافئة؟! .. لماذا لا نعترف بجريمتنا أمام القاضي عندها على الأقل ستحدد لنا ساعات السجن، الساعات التي سنقضيها ونحن نترقب ساعة الإفراج.
ألست تحبني .. ألست من أدمن رائحة عطري، واستباح كل جزء من جسدي ومن تفكيري، ألست الذي تخاف علي من ساعة كآبة، وتغار علي من غريب يسأل عن عنوان ما.. ألست أنا من تهواك، من تعزي نفسها بحبك، وتنتظر .. أجبني إذاً وأطلق سراحي بعدها .. ثم ماذا عن الانتظار؟
ثم ماذا عن الانتظار؟!
ثم ماذا عن الانتظار.