ولأن ضباب الظلم كان قامعا ورافضا أن يرحل..
ولأن شمس الحرية كانت لا تجد أي سبيل للخروج من هذا الضباب والظلام المميت..
ولأن كثيرًا من الناس اعتادوا على الظلام ولم يبحثوا عن ضوء الشمس.. لم يبحثوا عن الحرية.. فإن الضباب والظلم والقهر استمر، ولكن ظهر من يبحثون عن شمس الحرية بين ظلمات هذا الضباب، ظهر شباب ثورة 25 يناير، لتخرج الشمس من بين الضباب حتى وإن لم تقض على كل الظلام، يكفي أنها أنارت طرقا كان من المستحيل العبور فيها
أستطيع أن أقول إن هذا الكتاب هو توثيق حقيقي لأعظم ثورة في التاريخ الحديث، وهي ثورة 25 يناير، ليس فقط ثقة في نفسي وشخصي كمشارك فيها، إنما ثقة في كل الوثائق والشهادات والأشخاص الذين ما زالوا يؤمنون بالثورة حتى الآن.
وأنا هنا أقدم لكم مقتطفات من كتابى الذى سينشر فى المكتبات فى خلال أيام قليله
25 يناير
12:10 إلقاء القبض على أول متظاهر في ميدان التحرير. المتظاهر في الثلاثين من عمره وكان يحمل لافتات ضد التعذيب، وألقت قوات الأمن القبض عليه في محطة مترو التحرير، ثم اتجهت به إلى أحد الأكشاك لبدء التحقيق معه.
12:25 مصدر أمني للدستور الأصلي: الشخص اللي قبضنا عليها "شخص عبيط" كان متصور إن فيه مظاهرات بجد النهارده.
12:54 حركة 6 أبريل تعلن القبض على مجموعة من طنطا في أثناء دخولهم المحلة، وقد اتصلت سمر أحمد عبد القدوس بالمركز المصري، وهي من المقبوض عليهم، قبل أن يتم إغلاق تليفونها فجأة.
28 يناير
في يوم الجمعة ٢٨ يناير الثانية ظهرا.. معارك دامية في شوارع شبرا بعدما بادرت الداخلية بإطلاق قنابل الغاز على المُصلّين قبيل الانتهاء منها، فكانت الثورة من الجميع.. أهالي شبرا ثائرون على ما بدر من أوغاد الداخلية تجاههم.. الشهداء يتساقطون والإصابات عديدة.. الشماريخ والمولوتوف تُشعل المواجهات.. وتشعل مشاعر الغضب.
سيدة في أواخر العقد الخامس، متشحة بالسواد.. تنادى ابنها صاحب "الفيسبا" التي تقلّ المصابين للرصيف، وتعطيه "شوال" مليئا بكل ما ادخرته من الأسلحة "بنزين، مولوتوف، شوم".
وتصرخ فيه: روح خد حقي وحق أبوك.. روح خد معاش أبوك، مترجعليش إيدك فاضية زي الولايا، معاش المرحوم.. معاش المرحوم يا ولاد...!
يستجيب ابنها وتظل واقفة تبكي في جزع، مرددة بصوت خافت "معاش المرحوم يا ولاد..."،
شخصيا كنت أتصور وسط هذا الكم الهائل من الدماء، أنه عندما نصل الميدان سيبعث في الشهداء الروح ويعود كل منهم لما كان.
أذهب به إلى الخلف مسرعا "بيموت.. بيموت"، أنظر في عينيه باسما.. بل ضاحكا.. يبدو أن الرصاصة التي اقتحمت رقبته ومنعته من ذكر الشهادة.. لم تمنعه من الابتسام، وآخر ما نطق به: "دي بلدي يا صاحبي"؛ كان مطمئنا غير فازع، أمسكت هاتفي واتصلت على رقم الإسعاف.. الشبكات مقطوعة!! نعم أعلم.. لكن هل ستنقطع أيضا عند وفاة هذا الصديق؟! يا للخونة.. الجميع تآمر على هذا البطل.. أضربه على وجهه يوقفني الأطباء معتقدين أنه صديق مُقرّب ولا أتحمل فراقه؛ نعم بات صديقا مقربا، ونِعم الصديق! فَمَنْ من أصدقائي سيسير معي كل تلك المسافة حاميا لي ولغيري قبل أن يحمي نفسه؟!.. لا أحد!.. أعبث ف بنطاله ماسكا محفظته لأعرف اسمه.. سيكون صديقي الذي أترحم عليه دوما
"قوم بسرعة.. قوم هيتقبض علينا".. أقولها وأنا أجذبه من ملابسه حتى نعود إلى الخلف، ولكنه وقع، حاولت أن أجره بسرعة، ولكن سرعان ما تركته للأسف!.. وأسرعت بعيدا، ورأيت هذا المنظر المؤلم..
لقد ألقوا القبض عليه.. ياااا الله.. إنهم يفتكون به كأن مجموعة من الذئاب قد وجدت صيدا سمينا وبدأت تنهش لحمه.. ضرب بالعصي وسحل على الأرض، وأنا أنظر إليه ولسان حالي يقول: "أنا نذل.. تركته وحده يلقى مصيره".
الخاتمه
ولكن ما زالت الحالة الثورية تعطيني الأفضل على رغم كل شيء.. ما زلت أتذكر ومضات حديث الشهداء معى قبل رحيلهم، ما زلت أتذكر ضحكاتهم، جميعهم أحبوا الحياة، جميعهم ابتسامتهم كانت ساحرة.
تلك الثورة لم تعد قابلة للتعديل ولا للتبديل، فالهدف واحد، إسقاط أنظمة الظلم تمامًا، إسقاط النظام الفاسد القائم منذ 60 عاما، إسقاط الخطاب الأبوي المتعفن، إسقاط الكذب والنفاق والتبلد، إسقاط الظلم الذي يختبئ تحت مظلة الأمن، هناك فارق كبير بين الإصلاح والثورة، فالثورة تسقط وتنقلب على الحكم، الثورة لا تستجدي مطالبها بل تقتنص حقوقها، لن نحبط بتهديداتهم ولا بمحاكمتهم الناقصة ولا بحبسهم للأحرار، بل لا نعبأ بتبجحهم والحديث عن عيد للثورة وما زالت دماء الشهداء لم تجف بعد، سنظل نناضل بقوة ونرد الصاع صاعين، لن نقف مكتوفي الأيدي أمام اغتيال الحلم، سيقتص الشعب من قتلة الشهداء ومن مجرمي الحرب، سنعتقلهم بأنفسنا، سيسقط نظام السجان فيه هو القاضي، سيشاهدون مصيرا أسوأ من مبارك ذاته، تلك هي المعطيات والدلائل، فكلما زاد الطغيان والجرائم ساء المصير والنهاية، لن نحبط ما دامت هناك لحظات قليلة بمعانيها العظيمة تعيننا على الحياة، نتبادل فيها الأمل والشجن، لن يهزموا الأمل والأفكار، سيخرج صوت الحق مهما علت ضوضاء الظلم، كما تخرج الشمس من بين الضباب.
-
mahmoud emamمواطن مصرى قررت عدم الصمت عن الظلم ولن اتراجع حتى يتحقق العدل