السياحة الكبرى - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

السياحة الكبرى

  نشر في 02 أبريل 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

خلق الله عز وجل هذا الكون وجعل فيه عددا لا يحصى من المخلوقات: السماوات والنجوم والكواكب والشمس والقمر. وخلق الملائكة يعبدونه ويعملون بأمره ، وخلق سبحانه وتعالى الأرض وما فيها وما عليها من جبال وبحار وأنهار وأشجار ونباتات ودواب وطيور وحشرات .كل هذه الكائنات والمخلوقات تخضع لأمره وتسبح بحمده (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) . ثم خلق الله سبحانه الإنسان واستعمره واستخلفه في الأرض وسخر له ما في هذا الكون لينتفع بما فيه ويعبد ربه على هدي منه .

تكريم بني آدم

قضت حكمة الله أن يكرم الإنسان ليعبد ربه على هذه الأرض ويتحمل مسؤولية الاستخلاف فيها، وعلم العليم الحكيم آدم الأسماء كلها ليعلم هو وذريته ما في هذا الكون وما في الأرض لينتفع بما فيها من نعم ويبتعد عما يضره (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ .قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ .قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ .) .

وأسجد الله الملائكة لآدم دليلا على أنهم لا يعصون خالقهم وعلى تكريمه لآدم وذريته وليعلموا أن إبليس هو عدو لهم ويجب عليهم أن يحذروه (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ.فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ .فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ .قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ) . وقال الله سبحانه لآدم ولزوجه أن إبليس هو عدو لهما وعليهما ألا يثقا به (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ...) ، ثم أمرهما بأن يعيشا في الجنة ويتمتعا بما فيها ونهاهما عن الأكل من الشجرة المحرمة (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِين ) .

التمكين في الأرض

خلق الله سبحانه الأرض وما فيها وسخرها لآدم وذريته ليمكنه فيها (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ،( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) .

وجعل الله على هذه الأرض ما لا يحصى من النعم منها ما يسرها الله مباشرة (فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ. أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا. ثم شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضْبًا. وزيْتُونًا وَنَخْلا. وَحَدَائِق غُلْبًا. وَفَاكِهَةً وَأَبًّا. مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) ومنها ما أرشد الله سبحانه لعملها (وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ . وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ) .

وخلق الله عز وجـــل الأنعام والبهائم وأحل للإنسان الانتفاع بها ، وحيوانات طائرة في جو السماء وأباح صيد بعضها ، وخلق في البحار والأنهار أسماك وأباح أكلها ، وجعل من الماء واللبن والعسل والفواكه والخضروات مأكولات وشراب ودواء، وجعل تحت التراب والبحار والأنهار كنوز ومعادن كالذهب واللؤلؤ والمرجان والفضة والحديد الخ. وجعل الله كل ذلك لهذا الإنسان ليقيم حياته وينتفع بها ، وكل ذلك من فضل الله وبعلمه (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)، (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .

مكن الله عز وجل للإنسان ما على الأرض وما فيها ليعبد ربه ويبتغي من رزقه بعلمه وعمله (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ) . وقدر الله في هذه الأرض أجلها وعدد البشر فيها وأقواتها الخ. (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) ،(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ) ، أي أن كل المخلوقات تكلف الله برزقها وما عليها إلا أن تسعى طلبا لرزق الله.

أودع الله سبحانه في الإنسان خصالا تميزه عن كثير من المخلوقات : روحا من نفخته سبحانه ، ورجلين يمشي بهما سويا منتصبا على الأرض: قدماه في الأرض ، وعقلا يميز به الأشياء ويدركها ويقدرها ، ويدين يعمل بهما يستعملهما لحاجاته والدفاع بهما عن نفسه من الأعداء ، ولسانا يتواصل به مع الآخرين ويذكر به ربه ، وبصر يرفعه إلى السماء ويرى به المخلوقات والأشياء ويهتدي إليها ، وأذنين يسمع بهما . وفي هذا يقول سبحانه ( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) . ويقول ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فالآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنه الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد ) . قال بعض العلماء أن هذا وعد من الله تعالى على أنه سيكشف للناس عن آياته في السموات والأرض وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أن القرآن حق منزل من عند الله تعالى .

جعل الله عز وجل على هذه الأرض شواهد تدل على خلقه وإبداعه، وجعل لهذا الإنسان الفؤاد والسمع والبصر ليتأمل آيات الله في هذا الكون ولينعم بما فيه من خيرات. وزادت نعم الله عز وجل على عباده بأن أرسل إلى بني آدم رسل وأنبياء ليدلوهم على ربهم ورحمته ليشكروه على ما وهبهم من نعم ، وأيد الله عز وجل رسله بالبينات ليؤمن الناس بربهم وليعلموا أن هذا الكون خلقه الله وسخره لهم ، وأنه سبحانه كرم بني آدم وجعلهم خلائف في الأرض وعليهم أن يتعلموا من رسله كيفية العبادة والتعامل مع الآخرين ومع كل ما على هــــذه الأرض من مخلــــوقات لإعــــمارها ولا يفسدوا فـــــيها ليسعدوا في حياتهم الدنيـــــا ثم الفوز في الآخــــرة (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) .

ومع تقدم العلوم واستكشاف آفاق السموات والأرض وما في جسم الإنسان من معجزات وما جاء في القرآن تبين للكثير من العلماء ، حتى العجم منهم، تحقيق وعد الله في إبداعه لهذا الكون ولهذا الإنسان وتكريمه وجعله خليفة في الأرض ليتحمل فيها مسؤولية العبودية والأمانة.

الابتلاء

جعل الله هذه الأرض جميلة ليستقر الإنسان فيها ، وجعل ما عليها وما فيها من خيرات ونعم وشهوات ابتلاء لهذا الإنسان لينظر سبحانه هل ينسي الإنسان ذلك ذكر الله ومسؤولية الأمانة ، كما جعل سبحانه إبليس أيضا عدوا للإنسان يشجعه على نسيان ذكر الله ويشجعه على حب الدنيا . يقول سبحانه ( تَبَارَكَ الَّــذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ

شَيْءٍ قَدِيرٌ.الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) .

نسي آدم وزوجه أوامر الله وخدعهما الشيطان الذي زين لهما الأكل من الشجرة التي نهاهما الله عنها (ونَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ...) .ثم ألهم الله الرحمن الرحيم آدم وزوجه الاستغفار عن ذنبهما ( فتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) . (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.) .

غفر الله الغفور الرحيم لآدم وزوجه هذا الذنب، ولكن إبليس لم يستغفر الله وعصا ربه وأصر على أنه خير من آدم . فأمر الله الجميع بالهبوط إلى الأرض (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) .

قال بعض العلماء قد يكون المراد من الفساد هو الظلم بعد نزول أحكام الله لإصلاح أحوال الناس، وقد يكون إفساد الماء وقطع الأشجار المثمرة الخ. (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) .

الوجهة السياحية

تيقن آدم أن الشيطان عدو مبين وأن إتباع هوى نفس ووسوسة الشيطان كانا السببان في خروجه هو وزوجه من الجنة. وتحسر آدم وزوجه على عصيان الله، وأخبرا آدم وزوجه أبناءهما بما جرى لهما وسبب هبوطهما من الجنة إلى الأرض، وأن الرجوع إلى الجنة يكون بطاعة الله وبإتباع ما سيأتي به الرسل والأنبياء من وحي من عند الله.

جعل الله الأرض وجهة الإنسان في الحياة الدنيا، ويسر سبحانه على الإنسان أسباب الانتقال والسفر فيها ليلا ونهارا (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا . وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا) ، وجعل في الأرض بسطا سبلا وفجاجا بين الجبال وعلامات في الطريق للاهتداء بها أثناء سفر الإنسان (واللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا) (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) ، (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) .

ويسر الله للإنسان السفر في البر والبحر (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) ، (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) .

وجعل الله الأرض وجهة في الحياة الأولى وجعل فيها محطات جذابة تعجب الناس ، وتحتضن جميع أسباب إقامة البشر والتمتع بما فيها من نعم ، وفرصة لممارسة أنشطة السياحة الكبرى ، وما على الإنسان إلا أن يحسن العمل فيها ويتمتع بما فيها من خيرات ويشكر ربه. يقول سبحانه في ذلك (وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ) . ويقول الحق سبحانه أيضا ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) وخزائن لله لا تنفذ أبدا . وشــاءت حــكمة الله أن ينزل رزقــه على عبادة بقدر معلوم حتى لا يتهافت الناس كثيرا على خيرات الدنيا وشهواتها وتنسيهم عبادة الله ويظلم بعضهم بعضا.

وسائل النقل

كـان على بني آدم أن يسيحوا ويسيروا في الأرض ومناكبها ويكــــدوا ويعـملوا للبقاء على الحياة والانتفاع بما في الأرض من خيرات على هدى من الله سبحانه ، ومن ثم فقد كانت هذه الأرض هي الوجهة ومقر الحياة والخروج منها بعد الممات ثم الخلود إما في الجنة أو في النار (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون والَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . (قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ) .

سهل الله عز وجل على بني آدم الأسفار وجعل على الأرض آيات تدل على وجوده وقدرته ليتعرف الإنسان على عظمة ورحمة الخالق من خلال نعمه وآياته ، ويتحمل أمانة الاستخلاف (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) .

وسخر سبحانه للإنسان وسائل السفر (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُون . وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ. وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) .

واستطاع الإنسان، بفضل الله وهدايته له وتقدم العلم أن تتطور وسائل النقل شيئا فشيئا وتصبح بذلك أكثر سرعة وراحة وأمانا برا وبحرا وجوا (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ ) . وفي سورة أخرى نقرأ قول الله الحق سبحانه أيضا ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .ويقول كذلك ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) .

فسر بعضهم آية (مَا لاَ تَعْلَمُونَ) في القرآن الكريم بوسائل المواصلات الحديثة كالقطارات والسيارات والسفن والطائرات، وقال بعض العلماء، كما جاء ذلك في الأثر، أن الله عز وجــــل علم نبـــــــيه إدريس عليه السلام حياكة الألبــــــسة ، والخــط بالـــــقلم ، وتدوين الصحــــف، وصنـــــع الآلات البدائية للغزل من الأخشاب، وجمع القطن ، وتمدين المدن الخ.

وأوحى الله عز وجل إلى رسوله نوح استعمال الخشب وصنع السفينة للنجاة بها، وألان الله سبحانه الحديد لنبيه داوود ليصنع الدروع حصنا في الحروب ، وسخر لنبيه سليمان الشياطين لإقامة الأبنية الهائلة والمحاريب والتماثيل والجفان الجواب والقدور الراسيات ، ومن الشياطين طائفة غواصون في البحار يستخرجون منها اللآلئ والجواهر والأشياء النفيسة .

زاد عدد البشر وزادت حاجاتهم مع زيادة العلم وتطور الأشياء وكثرت، بفضل الله شيئا فشيئا ، زادت معارف الإنسان بخبايا ونعم هذه الأرض وبما فيها من مخلوقات من فوقها وتحت ترابها ليزيد بذلك انتفاعهم بنعم الله . ولم يقتصر فضل الله على هذه النعم فقط بل شاءت حكمته أن يمنح الإنسان القوة البدنية والعقلية والأفضلية على كثير من المخلوقات لتمكين هذا الإنسان في هذه الأرض لإصلاحها وإعمارها حسب حاجاته ليعبد ربه ليقوم ويتحمل أمانة الاستخلاف في الأرض .

السائحان الأولان

كان آدم وزوجه أول السائحين على الأرض بعد الهبوط من الجنة، وكان عليهما الرجوع منها إلى عالم حياة الآخرة، عالم الخلود. وكان عليهما وعلى ذريتهما القيام برحلات وزيارات سياحية على هذه الأرض لتحقق مشيئة الله وعبوديته ، وأن يتحمل آدم وذريته مسؤولية أمانة الطاعة والخلافة في الأرض لرعاية حقوق الله وحقوق سائر البشر والمخلوقات على هدى من الله وما سيأتي به رسله خلال فترة الحياة الدنيا ليحاسبوا على امتثالهم لأوامر الله وهدي رسله وعلى مسؤولية تحملهم الأمانة والاستخلاف في الأرض.

هبط الجميع إلى الأرض آدم وزوجه والشيطان، وعرف كل من آدم وزوجه الله ربهما بما أوحاه الله لهما ، وتعرفا على الملائكة وعلى نعيم الجنة وعلى عداوة إبليس اللعين ، وتعلما

الأسماء كلها ، وعلما أن السبيل إلى الرجوع إلى الجنة، هما وذريتهما ، هو طاعة الله وإتباع ما سيأتي به الرسل من وحي من عند الله، وأنهما إذا اتبعا الشيطان وذريتهما وهوى النفس فالحياة على الأرض ستكون شقاء وفي الآخرة عذاب وخسران.

يرى بعض العلماء أن هبوط آدم إلى الأرض ليس إهانة، فالله علام الغيوب علم أن آدم سيأكل من الشجرة المحرمة ، لكن شاءت حكمته سبحانه أن تكون طاعة الله هي السبيل الوحيد لمرضاة الله والسعادة في الدارين: الدنيا والآخرة ، ويعلم الإنسان أن الشيطان هو عدو مبين .

إن الهبوط إلى الأرض يعني معرفة قدرة الله ونعمه ومعرفة أسمائه الحسنى : الحي القيوم الذي لا يغفل عن خلقه ، والتواب الرحيم يغفر الذنوب جميعا ، يرسل الرسل إلى عباده لإرشادهم وتعليمهم كيفية تحمل الأمانة : كيفية التعامل مع ربهم وسائر المخلوقات ومع أنفسهم وغيرهم للعيش بسلام في الحياة الدنيا والفوز برضا الله والنعيم الأبدي في الحياة الأخرى بعد الموت .

من حكم الأسفار والرحلات

خلق الله سبحانه آدم وزوجه وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، وشاءت حكمته سبحانه أن تكون الحياة على الأرض كسياحة كبرى قبل الرجوع منها إلى حياة أخرى أبدية، وجعل من آدم وزوجه ( شعوبا وقبائل ليتعارفوا ) ويسافروا فينفع بعضهم بعضا : يدعون إلى دين الله، وزيارة البقاع المقدسة ، وشراء البضائع وجلبها وبيعها الخ.

كانت حاجات الإنسان في البــــداية بسيطة فاهتدى إلى منافع الأنعام وترويض الخيول والبغال والحمير ليستعين بها وينتفع بها في حياته، وكان عليه أن يقدر أهمية منافعها ويحميها من الحيوانات المفترسة ويرحل بها إلى أمــــاكن العشب والمراعي والماء ليحافظ عليها وليستزيد منها ومن ثروته.

وزاد عدد البشر وكثرت حاجاتهم واهتدى الإنسان إلى الزراعة وفنونها وأنواعها وجمع محاصيلها لينتفع بها وذويه وأنعامه ، فرحل يبحث عن المزيد من الأراضي الخصبة ، وسافر ليبيع فائض غلاله في الأسواق واقتناء ما يحتاجه من غلال أخرى وألبسة وأغطية وفراش. وزادت معارف الإنسان وتطورت وكذا وسائل نقله برا وبحرا فزادت حاجته إلى الأسفار طلبا للتجارة وزيادة في العلم والمعرفة وزيارة الأقارب الخ.

قضت حكمة الله أن يبتلى الإنسان بما على الأرض من نعم ليميز سبحانه الطيب والخبيث من عباده (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) .

سياحة بالليل والنهار

يمثل الوقت جانبا مهما للقيام بالأسفار السياحية ، ويقوم الناس في أيامنا هذه بأسفار سياحية خصوصا خلال أيام العطل ، ولكن الله عز وجل جعل السياحة الكبرى على الأرض ليست موسمية بل بالليل والنهار وطيلة عمر الإنسان ، فهي عبادة متواصلة لا تنقطع ولا تقتصر على مكان دون آخر وتعني الناس كلهم غنيهم وفقيرهم ، كبيرهم وصغيرهم رجالهم ونساءهم ، يقول سبحانه (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) .

وهذا معناه أنه عندما يسافر المسلم لأداء فريضة الحج وأداء شعيرة العمرة فإنه في عبادة ، وعندما يسافر للتجارة للبيع والشراء وجلب البضائع لأهله ومجتمعه فهو في عبادة، وعندما يسافر لزيارة أبويه وأقربائه وصلة الرحم فهو في سياحة وعبادة ، بل وعندما يسافر للترويح عن النفس ويتأمل في ملكوت الحق سبحانه فهو يذكر ربه وهو في سياحة وعبادة ، وهكذا فإن السياحة الكبرى تطال عمر الإنسان كله ولا تتوقف ليلا ولا نهارا.

لا تقتصر السياحة الكبرى عـلى الأرض فقط في القيام بالأسفار بل تشمل كل عمل المسلم ونشاطه عندما يكون ذلك على هدى من الله وسنة رسوله . وحتى عندما يذهب المسلم إلى السوق لجلب قوت عياله فهو في سياحة ، وعندما يذهب إلى المسجد لأداء الصلاة جماعة فهو في سياحة وعبادة ، وعندما يذهب المسلم إلى المؤسسات العلمية ليتعلم فإنه في عبادة ، وعنما يذهب إلى عمله فهو في سياحة وعبادة ، بل وعندما ينام ليلا مبكرا ليذهب فجرا إلى المسجد لأداء فريضة صلاة الصبح فهو في عبادة ، وعندما يجلس المسلم لقراءة القرآن فهو في سياحة وعبادة . يقول الله عز وجل في ذلك (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .

خير الزاد

إذا سافر شخص لقضاء عطلته في رحلة سياحية في أيامنا هذه فإنه يحدد مكان قضاء عطلته ويقدر مدتها ويوفر مصاريفها ليستريح ويجدد قوته ثم الرجوع إلى عمله. أما سائحو السياحة الكبرى فعندما ينفقون أموالهم فإنهم يقرضون الله قرضا حسنا ويقتربون من ربهم في الدنيا والآخرة ، وينتفع أناس آخرون من نفقاتهم وتنقلاتهم وإقامتهم الخ.

عندما يذهب المسلم إلى البيت الحرام بمكة لقضاء فريضة الحج وشريعة العمرة مثلا فإنه يحدد مدة الإقامة بالبقاع المقدسة وزيارة قبر الرسول ، ويحدد مصاريف هذه الرحلة التعبدية ، إلا أن عمله هذا لا يقتصر على الاستراحة البدنية فقط بل يجدد بذلك ويقوي قوته الروحية تكون هي زاده الحقيقي، ويعقد تجارة مع الله الغني الكريم ، فما أنفقه من مال فإن الله سيخلفه في الدنيا (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ، وتجارته مع ربه لا خسران فيها ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ) ، وفوق ذلك فهو يفوز برضا الله ومغفرته والنعيم الأبدي " الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " . وهذه التجارة هي خير زاد المسلم في الرحلة الكبرى لما بعد اللقاء مع ربه بعد الموت (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) .

وعندما يقوم المســلم بالـــسفر لـــزيارة أبويـــه والأقارب فإنه يتقرب أيضا من ربه، وعندما ينفــقون ماله في أسفار لتعليم الناس والدعوة إلى الله الخ. فإنه يتاجر مع ربه وهي تجارة لن تبور وأجرها يكون في الدنيا والآخرة. وهكذا في جميـــع أسفار الســياحة الكـــبرى .

المعلمون / المرشدون

كان آدم أول أنبياء الله عز وجل بما أوحى الله إليه ، وقص آدم وزوجه على أبنائهما قصتهما في الجنة وسبب هبوطهما وإبليس إلى الأرض ، وأخبرا الأبوين أبناءهما أن الرجوع إلى الجنة مرة أخرى يقتضي طاعة الله واتباع ما سيأتي به الرسل به من عند ربهم من بينات وهدى للقيام بالرحلة الكبرى على الأرض قبل مغادرتها والرجوع إلى العالم الآخر .

بعث الله بعد آدم أنبياء بلغوا رسالات الله إلى عباده وعملوا بما أوحى إليهم ربهم، وكان من الناس من استمع إلى هؤلاء الرسل والأنبياء فاستناروا ولم يضلوا الطريق وأحياهم الله حياة طيبة في الدنيا وسيفوزون برحمته في الحياة الآخرة ، وكان منهم من لم يستمع إلى أنبياء الله فكانت حياتهم ومعيشتهم ضنكا يأكلون ويتمتعون نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، أولئك هم الغافلون .

حب الدنيا والشهوات

تهـــــــافت الناس على نعم الدنيا وما فيها من شهوات نسوا ربهم وشكره على نعمه ، وظلـــم بعضهم البعض وبغى قوم على قوم ( كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ) ، ( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ . إِنَّهُ بِعِبَادِهِ

خَبِيرٌ بَصِيرٌ) . وبمرور الوقت غفل الكثير من ذرية آدم عما جاء به الأنبياء. ومع زيادة الظلم والفساد بعث الله الرحمن الرحيم رســـــلا آخرين لــــــيرشدوا الناس إلى السعادة في الدنيا والآخرة.

الفساد في الأرض

شاءت رحمة الله سبحانه وتعالى أن ينزل عقابه على الطغاة المفسدين في الأرض (لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ .إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ. وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ. وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ.) . وشاءت حكمة الله ورحمته أيضا أن يتدافع الناس فيما بينهم حتى لا يعم الفساد في الأرض ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) .

واشتكى نوح ضعفه إلى ربه ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا. مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا. أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا. وجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا .وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا. ثمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا. وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا . لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا. قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا . وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا ) . واستهزأ الملأ من القوم برسولهم نوح وقالوا ( أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ) .

وقال قوم هود (فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّــذِينَ هُمْ أَرَاذِلــُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ . ومَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مـــِن فَضْلٍ بَــلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ) (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ .) .

قضت حكمة الله ورحمته ألا يترك الفاسدين على ظلمهم وتستمر عبادته على أرضه، فأنشأ أقوام وأقوام وأرسل رسله تترا إلى الأمم لينذروهم ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ) ، ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) ، وكل ما جاء أمة رسولهم كذبه الملأ من قومه واستضعفوا طائفة من قومهم وأهانوهم وأخذوا حقوقهم وكان جزاء الظالمين والمفسدين أن غضب الله عليهم وعذبهم.

شاء حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون عذابه بطرق شتى : كالغرق ، وانقطاع المطر، ونقص في الثمرات ، والأمراض ، والخسف وذلك كما فعل الله عز وجل بفرعون والملأ من قومه وآله وجنوده (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) . وكما فعل الله بقوم لوط (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ. أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ) ، (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ. مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) .

جاء في حديث شريف "ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم" . وفي حديث آخر " إن الدنيا حلوة خَضِرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون" ، وأيضا " لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب) .

عاش البشر على هذا الحال يتهافتون على الدنيا ويفسد الملأ والمترفون ويتطاولون فيها ويستضعفون الضعفاء منهم ولا يتبعون ما جاءت به إليهم رسل لله كقوم عاد وثمود وفرعون وغيرهم ، فأخذهم الله بظلمهم إلا القليل ممن آمنوا واتبعوا الرسل.

ويحدثنا القرآن الكريم عن أقوام وشعوب كقوم هود وصالح وشعيب وغيرهم ظلموا الضعفاء واستعبدوهم وأكثروا في الأرض الظلم والفسق والفجور معرضين عما جاء به الرسل من عند ربهم الكريم إليهم من وعد ووعيد ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بشِيرًا وَنَذِيرًا وإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) .

سارت الأمور على هذا النحو: ظلم وجور وتهافت على مــا في هذه الدنيا وتــكذيب للرسل، وتحريف للكتب وظلم للمستضعفين وعقاب من الله (كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) .

نور الله ورحمته

شاء الله سبحانه أن يتم نعمه على عباده ويظل كتابه وكلامه ( القرآن) محفوظا بين البشر ولا يتم تحريفه أو إخفاؤه كما فعل بكتبه كالتوراة والإنجيل ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ، وأن يرسل الله سبحانه وتعالى رسولا إلى الناس كافة ورحمة للعالمين (ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ، (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ ) ، وأن يظهر دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون والكافرون (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) .

وشاء الله الرحمن الرحيم أن يدخل في هــذا الدين الناس أفــــواجا ويظل دينه هدى ورحمة لعباده (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فسبح بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) . وانتشر دين الله عز وجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، ودخل الناس فيه أفواجا وآمــنت به الأمم ، وأصبح كلام الله يتلى عـلى الناس آناء الليل والنهار ( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ) .

جعل الله عز وجل في كتابه العزيز آيات معجزات تدعو إلى الإيمان، فمنها ما تخاطب عقول عوام الناس والدعوة إلى عدم عبادة التماثيل والأوثان التي لا تنفع ولا تضر، ومنها ما تدعو إلى التفكر في ملكوت السماوات والأرض وأن لها خالق ومدبر، ومنها ما تخبر عن بداية وكيفية خلق السماوات والأرض هداية للفلكيين والعلماء ، ومنها ما تبين بداية خلق الإنسان من طين وتطوره في رحم أمه ليكون نسله من نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم خلقا آخر ثم الموت ثم البعث ليؤمن الأطباء وغيرهم .

ومنها ما يرشد إلى كيفية إحياء الأرض وخروج المرعى والثمرات وحب الحصيد للفلاحين وغيرهم ، ومنها ما يتحدى الشعراء والكتاب من الإنس والجن بجمال التعبير وقوة التأثير ، ومنها ما تخبر علماء التاريخ والآثار عن مآل ومواقع أقوام سابقين ، ومنها ما تخبر عن موقع وأحداث وقعت كانتصار الروم على الفرس بعد بضع سنين ، وفتح مكة في القريب بغير حرب، ومنها ما تخبر عن هزيمة الكفار والمشركين وانتشار الدين في الأرض الخ. (ولقد ضربنا للناس فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ. وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ ) .( قلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) .

جعل الله القرآن رسالة ونورا يهدي الله به عباده إلى السعادة: يعلمهم دينهم وصلاتهم صومهم وحجهم وتعاملهم مع أقربائهم والناس أجمعين، وينظم حياتهم الاجتماعية: الزواج وتربية الأبناء والبيع والشراء الخ. ولذلك قال الحق سبحانه ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) . ولذلك نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " خيركم من تعلم القرآن وعلمه" .

أسفار ورحلات السياحة الكبرى

جاءت في القرآن العديد من الآيات حول الأسفار والرحلات منها ما تدعو إلى القيام بها كأسفار الحج والعمرة، وأخرى رغب القرآن الكريم في إتيانها كرحلات الدعوة إلى الله: الحج والعمرة وزيارة المساجد الثلاثة

تعتبر شعيــــرة الحج إحدى أركان الإسلام الخــمس ، وجاء في القرآن قوله سبحانه ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ ، فيه آيات بينات مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنا ، ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) . فرض الله تعالى الحج على عباده لتزكية للنفوس وتربية لها على العبادة والطاعة، فضلاً على أنه فرصة عظيمة لتكفير الذنوب والفوز بمنافع أخرى كثيرة كما يتبين ذلك من بعض الآيات.

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان .. وجاء في الحديث" من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق ، رجع كيوم ولدته أمه" .

وأشار الله سبحانه في كتابه إلى شعيرة العمرة (نَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) ، وأجمع العلماء على مشروعية العمرة وفضلها ، وبما أنها من شعائر الله فإن عظيمها من تقوى القلوب كما جاء في القرآن ، فالقيام بها مطلوب ، ولكنها ليست فرضا

كالحج ، وجاء في الحديث الشريف "‏ ‏الـعُمُرَةُ إلى العُمُرَةِ كَفَّارةٌ لما بينهما ، والحَـجُّ المَبْرُورُ ليس له جَزَاءٌ إلا الجَـنَّة " .

ولا تقتصر الرحلات الدينية التعبدية على حرمي مكة والمدينة المنورة بل تشمل أيضا المسجد الأقصى بالقدس الشريف لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" . وهذا يدل على تشجيع المسلم على السفر لزيارة هذه المساجد الثلاثة لما فيها من بركة ومنافع تعبدية كثيرة وطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم، ومنافع أخرى دنيوية كالتعارف بين الناس والابتغاء من فضل الله وغيرها.

الدعوة إلى الله

إن من أحب الأعمال والأقوال إلى الله سبحانه دعوة الناس إلى الإيمان بالله سبحانه وقد كلف بذلك الرسل والأنبياء وعباد الله الصالحين لتبليغ رسالة الله إلى عباده لإخراجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى النور والسعادة في الدنيا والآخرة (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينتقل بين قبائل العرب ليبلغهم رسالات ربه ويتلو عليهم القرآن كلام الله ويعلمهم دينهم الذي ارتضاه الله لهم ، وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : فَوَ الله لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ. ، وحديث " بلغوا عني ولوآية " ، وذلك في حدود ما تعلمه المسلم .

لقد كان للمسلمين أيضا أسوة حسنة في سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان يدعو إلى الله طيلة حياته ، لم يؤمن به أقرب الناس إليه رغم الحجج والآيات البينات التي جاء بها من عند الله سبحانه ، فخرج من بلده وسافر إلى أور وحاران كما يحدثنا التاريخ ، ثم إلى فلسطين ومعه زوجه سارة والنبي لوط عليه السلام ،ثم سافر إلى مصر ، وكان خلال رحلاته يدعو الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد ، وكان من أشهر رحلاته هي تلك إلى وادي مكة حيث أنزل زوجــــــه هاجر والرضيع إسماعيل عليه السلام بــــإذن ربه ليبدأ بعد ذلك إعادة بناء بيت الحرام ثم ولادة رسول البشرية صلى الله عليه وسلم قرب هذا البيت العتيق .

وهكذا فإنه يجب علينا تشجيع رحــلات الدعوة وتسهيل مهمة من يقوم بها ، واستقبال العلــماء الوافدين علينا ، ويجب أيضا تسهيل الرحلات العلمـــــية للعلماء داخــل وخارج أرض الوطن ، وتسهيل مأمورية الطلبة والطالبات ومساعدتهم، فــما تقدمت أمة إلا بالعلم وما تأخرت إلا بالجهل ، فقد أمــر الحق سبحانه عبده محمد صلى الله عليه وسلم بالقراءة والزيادة من العلم ، وجاء في حديث شريف " طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ" .

عرفت البشرية رجالا أخلصوا دينهم لله العلي القدير وحملوا مسؤولية الدعوة إلى دينه وسار على نهج النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه والتابعين سافروا في أرض الله يدعون إلى الإيمان بالحق سبحانه وعبادته ويعلمون الناس دينهم ، وسار على نهجهم أجيال من الدعاة حتى وصل هذا الدين إلى مختلف ربوع العالم ونالوا بذلك رضا الله وثوابه وتقدير الناس والمسلمين لهم.

الرحلات العلمية

يدعو الإسلام إلى التعلم وكانت أول آية أنزلت في القرآن ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) ، وجاء في القرآن أيضا آيات تدعو إلى التعلم وفضيلة العلم ، منها قوله سبحانه لرسوله ( وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) ، و( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ ) ، وقوله سبحانه (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ

إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) .

وجاءت أحاديث شريفة في هذا الشأن منها " طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ" ، وحديث "بلغوا عني ولو آية " وحديث " فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِــكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ " . وكما طلب الله عز وجل من رسوله الزيادة من العلم ، طلب أيضا من عباده أن يسيروا في الأرض ليتعلموا ما يفيدهم في أمور دينهم و ودنياهم.

وقيل أن موسى عليه السلام ، وهو رسول الله وكليمه ، ظن أنه أعلم الناس ، فأوحى الله عـــز وجل إليه أنه يوجد عبــد آخر صالح علمه الله يمكن لموسى أن يأخـــذ منه جانـــبا مما علمه الله ، فما كان لموسى إلا أن يبحث عن هذا العبد الصالح ليستزيد من العلم، وأخذ معه فتاه وسافر للبحث عن هذا العبد الصالح ، ويمكن لنا أن نتأمل هذه القصة في القرآن ، وأن نتدبر منها عدة أشياء: سفر موسى وصبره على عناء السفر( رغم أنه كليم الله ورسوله ) بسبب رغبته في الزيادة من العلم، ووعد معلمه على الصبر وطاعته ، وإن لم يصبر على ذلك لدهشته لما رأى وما سمع من معلمه !.

كان من أثر ما جاء في القرآن حول التعليم والتعلم أن تجند الكثير من الصحابة والتابعين والعلماء من بعدهم وارتحلوا في شتى بقاع الأرض بعد اتساع رقعة المسلمين في الأرض ودخول الناس في دين الله لتبليغ رسالة الله إلى الناس وتعليمهم أمور دينهم ، وأبلوا في ذلك بلاء حسنا وبذلوا النفس والنفيس طاعة لله ورسوله ، وإن نظرة سريعة في تراجم رواة الحديث والعلماء وتاريخهم تدلنا على مدى ما لاقوه من عناء وبذلوه من تضحيات في سبيل التعليم والتعلم مستحضرين قول الرسول "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة " . وكان لذلك أثر في نشر علوم الدين والعلوم الدنيوية الأخرى وسادت الحضارة الإسلامية بذلك ربوع قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا لمئات السنين وإلى عهد قريب.

رحلات الموعظة

أرسل الله عز وجل الرسل إلى أقـــــوام فـكفروا به وبرســله، واستحبوا الــــعمى عــلى الهدى فـــــوقع غضب الله عليهـــــم وأعد لهم في الآخرة عــــذابا شــــديدا ( أوَ لَـــمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ) .

كان من بين رسل الله لوط وهود وصالح وشعيب عليهم السلام ، أبقى الله سبحانه وتعالى آثار أقوامهم لأخذ العبرة مما حل بهم ، وفي ذلك يقول الحق سبحانه ( قَدْ خَـلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ . هَــــذَا بَيَـــانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ) .(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بعاد إرم ِذَاتِ الْعِمَادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ .وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَاد. وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَاب إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) .

يذكرنا القرآن الكريم بما حل بقوم لوط عندما كذبوه وهددوه بإخراجه من أرض الله . ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا. عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ. مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) ) . وجاء في آية أخرى ( وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) .

يقال إن البقعة التي حل بأصحابها العذاب الأليم هي التي تعرف اليوم بالبحر الميت أو بحيرة لوط ويرى بعض العلماء أن البحر الميت لم يكن موجوداً قبل هذا الحادث، وإنما حدث زلزال جعل عالي البلاد سافلها وصارت أخفض من سطح البحر بنحو 392م. وقد اكتشف الأثريون شيئاً من هذه المدن المنكوبة على حافة البحر الميت . وبسبب وقوع القرية على الشاطئ الجنوبي للبحر الميت فقد فاضت عليهم مياه البحر لتملأ هذه الأرض ولتصبح جزءا منه ولتبقى شاهدا على هذا العذاب الأليم.

أما عاد قوم هود فكانوا يسكنون الأحقاف حددها المؤرخـــــون والاكتشافات الأثرية الحديثة شمال حضرموت جنوب شبه الجزيرة العربية ، وكان قوم هود أقوياء زادهم الله بسطة في الجسم وأمدهم بنعم وبنين، وجنات وعيون، وألهمهم أن يتخذوا مصانع لجمع المياه فيها، وقصوراً فخمة شامخة وكثير من مظاهر النعمة والترف ، ومن آثارهم توجد أبنية حجرية لا تزال أنقاضها في حضرموت اليمن. ويوجد صور لقلعة من قلاع إرم والتي تقع على عمق أمتار تحت طبقات من الرمال الصحراوية وتتميز بأعمدتها الضخمة تم تصويرها عبر أحد الأقمار الصناعية الأمريكية . كذبت عاد رسولهم هود واستهزأوا به فأرسل الله عليهم ريح عاتية سخرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ دمرت كلّ شيء بأمر ربها .

بالنسبة لمدائن قوم صالح ( ثمود ) فتشير التقارير إلى أنها تقع في مدينة العلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة استوطنتها قبيلة ثمود كانوا يعبدون الأصنام وانتشر الطغيان والظلم فيما بينهم فأرسل الله لهم النبي صالح ليهديهم لكنهم لم يؤمنوا برسالته وطلبوا منه معجزة من عند الله وهي ناقة حبلى من وراء الجبل ، فأرسل الله لهم الناقة التي يريدون تصديقا لرسالة النبي صالح السماوية. قلة من الناس امنوا برسالة صالح والذين لم يصدقوه قاموا بذبح الناقة ، فأعطوا مهلة ثلاثة أيام قبل العذاب ولكنهم لم يصغوا للنذير فغادر صالح والمؤمنون المدينة ولقيت النفوس الكافرة حتفها بعذاب أرسله الله عليهم وهو الصاعقة والزلزال.

يوجد بقرية صالح العشرات من القبور الأثرية المنحوتة في الصخر الباقية معظمها يحتوي على نحوت ونقوش نبطية، هذه المقابر هي جبال المحجر والرخيمات وقصر الولد ومقبرة رابعة . أعلنت مدائن صالح عام 1972 موقعا أثريا لاستقطاب السياح ، وفي عام 2008 ، نظرا لــــــــــوجود آثار من أواخر العصـــــــــــــــــــور القديمة وخاصة العشرات من القبور الأثرية

المحفورة بالصـــخر وواجهاتها المحفورة بإتقــان . تم اختيـــار مــــدائن صــــــالح كأحــــد مـــواقع الــــــتراث التاريخي التابعة لليونسكو ليكون أول موقع للتراث التاريخي في المملكة العربية السعودية.

أما قوم شعيب ( مدين الواقعة في أطراف شمال غربي الحجاز بمنطقة البدع في الجهة الشمالية الغربية من جزيرة العرب ) فكانوا أهل تجارة وزراعة، وكانوا يتعاملون مع الناس بالغش والمكر والخداع، وكانوا يطففون الميزان فكذبوا رسولهم وتوعدوه وهددوه ، ثم جرت سنة الله في القوم الظالمين (الهلاك) بعدما تمادوا في الباطل وساروا في طريق الطغيان والضلال ( قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ) . فكان أمر الله وعذابه ( ولَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ، وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ) .

ذهب البعض إلى أن الله ابتلي قوم شعيب بالحر الشديد، لا يروي ظمأهم ماء ، ولا تقيهم ظلال ولا تمنعهم جبال ففروا هاربين، ورأوا سحابة مظلة لهم من وهج الشمس وحسبوها ستارا من شدة الحر فاجتمعوا تحتها، ولكن ما أن اكتمل عددهم حتى بدأت الغمامة ترميهم بالشرر، وجاءت الصيحة وعذاب الظلة من السماء، وزلزلت الأرض من تحت أقدامهم فأهلكوا وصاروا من الغابرين.

جاء في بعض الكتابات : أن العلامة " حمد الجاسر" وصف عبر مؤلفاته "البدع" مغاير شعيب أنها عبارة عن واحة قديمة بعث الله فيها نبيه "شُعيب" إلى قومه مدين، وأن اسم الأيكة لا يزال يطلق على "واد النمير" رافد "وادي عفال"، مشيراً إلى أن أبرز المعالم الأثرية فيها الواجهات النبطية ب "المغاير"، حيث كتبت عليها كثيرٌ من النقوش اللحيانية والنبطية، كما يوجد بها موقع لمدينة قديمة من الفترة الإسلامية المبكرة تعرف باسم "الملقطة".

ويجد المتتبع أن تاريخ " مغاير شعيب" مستمراً من خلال المنحوتات التي عندما تـقف عندها وزخارف، وفنون متنوعة، تُصّور بكل تفرد تلك الحضارة الحافلة بالنبوغ العمراني وتدرك أنك أمام ملحمة تاريخية عظيمة يمتزج فيها الخيال بالحقيقة، إذ تتداعى صوراً عديدة للتاريخ، تمزجها حضارة إنسانية لا تزال شواهدها قائمة بفضل قبور، ونقوش، وسدود، وكتابات ، فالدخول إلى مغاير شعيب يكون عبر أبواب منحوتة في الصخر، تفنّن أصحابها آنذاك بالرسم والحفر والنقش .

بخصوص ( فرعون ذي الأوتاد ) فقد قص علينا القرآن بتفصيل ما وقع له مع رسول الله موسى ، فقد تكبر فرعون وملؤه عندما دعاهم موسى إلى عبادة الله وعدم الإفساد في الأرض ، فأغــــرقه الله هو وجنــــوده وما يــــــهمنا هو معجزات الـــقرآن فـــــقد بنى الفراعــــنة أوتادا ( أهرامات) تدل على آثارهم يزورها الناس من شتى بقاع الأرض ، ولا زال بدن فرعون آية إلى اليوم يذكر الناس بعاقبة الظالمين( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً. وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا َغَافِلُونَ) ، وصدق الله فقد أنقذ الله سبحانه جسد فرعون من التلف إلى أيامنا هذه وجعله عبرة لمن يعتبر .

نعم لقد حفظ الله سبحانه بدن فرعون ليكون عبرة للناس وأية منه سبحانه . يقول أحد الباحثين المتخصصين كان من جملة من فحصوا ودرسوا جسد فرعون موسى : " في عصر محمد صلى الله عليه وسلم كان كل شيء مجهولا حول هذا الأمر ولم تكتشف جثث الفراعنة إلا في نهاية القرن التاسع عشر ، وجسد فرعون موسى والفراعنة الآخرين هم الآن في قاعة المومياء الملكية في المتحف المصري في القاهرة ويستطيع الزوار أن يشاهدوه ".

ويرى الباحث أن فرعون موسى (فرعون خروج بني إسرائيل من مصر) هو نبتاح ابن الفرعون رمسيس الثاني، واكتشفت مومياء نبتاح بواد طيبة سنة 1897، وقام فريق من الدكاترة المختصين في مصر وباريس بدراسات عميقة لجسم هذا الفرعون وتبين للباحثين أن هذا الفرعون مات إما غريقا وإما بسبب رضوض عنيفة سبقت ابتلاع البحر له أو للسببين معا ، وأنقذ الله جثته من الهلاك التام ليصبح آية للناس كما جاء ذلك في القرآن الكريم .

رحلات الابتغاء من فضل الله

وهي رحلات مطلوبة لتبادل السلع بين الناس وتوفير المنتجات في الأسواق ومن ثم وجب تشجيع التظاهرات والمعارض التجارية الداخلية والخارجية والمواسم الفلاحية والإعلان عن البضائع وجلبها وتسويقها بما يفيد المجتمع واستمرار الحياة .

أباح الله عز وجل عمليات البيع والشراء، وقال سبحانه ( عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مــرْضَى وَآخَرُونَ َيضْـــرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَـــبْتَغُونَ مِن فَضْــلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِــلُونَ فِي سبيل

اللَّهِ .) . رأى مفسرون أنه كان في علم الله أنه سيكون من هذه الأمة ذوو أعذار في ترك قيام الليل ، من مرضى لا يستطيعون ذلك ، ومسافرين في الأرض يبتغون من فضل الله في المكاسب والمتاجر وآخرين مشغولين بما هو الأهم وهو الغزو في سبيل الله.

حذر القرآن من البيع والشراء وقت فريضة يوم الجمعة وأباحها بعد ذلك ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ .فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا اللَّهَ لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) . وأباح الله البيع والشراء حتى أيام الحج (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ) .

جاء في بعض التفاسير أن المشركين وبعض المسلمين كانوا في أول الإسلام يتأثمون في أيام الحج من كل عمل حتى كانوا يقفلون حوانيتهم ومحلات تجارتهم ، فعلمهم الله تعالى أن الكسب طلب فضل من الله لا جناح فيه مع الإخلاص ، وإن قوله تعالى : ( من ربكم ) يشعر بأن ابتغاء الرزق هو فضل من الله تعالى ونوع من العبادة ، ويروى أن سيدنا عمر قال: وهل كنا نعيش إلا بالتجارة ؟ والمراد من الآية أن الكسب مباح في أيام الحج إذا لم يكن هو المقصود بالذات ، وأنــــه مـــــع حسن النيـــة وأنــــــه فضل مــــــــن الرب تعــالى يـــــكون فيـــــه نــوع من العـــــبادة ، وأن التفرغ للمناسك في أيام أدائها أفضل.

زيارات وصلة ذوي الأرحام حبب الإسلام زيارة الأقارب كالآباء والإخوان وذوي الأرحام والأصدقاء الخ. وحذر من قطع الأرحام،( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) . وجاء في حديث قدسي: قال الله تعالى: أنا الله وأنا الرحمن، خلقت الرَّحِم ، وشققت لها من اسمي ، فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها بتَتُّه ، وجاء في الحديث الصحيح " من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه" .

رحلات التأمل والترويح عن النفس 

إن هذه الرحلات مطلوبة للمؤمنين يحصل فيها التفكير في خلق الله لهذا الكون وما فيه من آيات تدل على عظمته وحكمته ، وفيها تحصل أيضا فوائد كثيرة كالترويح عن النفس والاستراحة من عناء العمل خلال فترات العطل ، والتعارف على أناس آخرين وفي ذلك خير كبير. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) .

إن هذه الأسفار هي في الأصل مباحة يمكن تشجيعها لما في ذلك من فوائد، وهذا النوع من الأسفار هو الأكثر والأهم شيوعا في أيامنا هذه بفضل تقدم وسائل النقل وأهمية فترات أوقات الفراغ عند الناس ، فقد تحول النشاط السياحي الترفيهي في أيامنا هذه في الكثير من الدول إلى عامل اقتصادي واجتماعي ، ولذلك فيمكن للسلطات والجماعات أن تعمل على تشجيع مثل هذه الأسفار السياحية والاستفادة ومن منافعها المتعددة .

جـاء في تفسير ابن كـــــــــثير آية : ( إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أي في ارتفـــاعها واتساعها ، وفي انخفاضها وكثافتها ، وما فيهما من الآيـــــات المشاهدة من كـــــواكب سيارات، وثوابت وبحار ، وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار ، وحيوان ومعادن ومنافع ، مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ ) أي : تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر ، فتارة يطول هذا ويقصر هذا ، ثم يعتدلان ، ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا ، ويقصر الذي كان طويلا وكل ذلك تقدير العزيز الحكيم ، ولهذا قال (للِّأُولِي الأَلْبَابِ ) أي العقول التامة الذكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها ، وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون الذين ، قال الله سبحانه وتعالى فيهم ( كَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) .

يرى البعض أنه لا يمكن لمن يسعى إلى معرفة الله عزَّ وجل وتَبَيُّنِ صفاته العليَّة أن يبلغ غايته ما لم يتفكَّر في مخلوقات الله ابتداءً بأقربها وانتهاءً بأبعدها، لينتقل من دائرة التفكير بها إلى كمال اليقين بأنها أدلَّة ناطقة بعظمة الخـالق، وروعـة صنعته، وبديع إتقانه. وفي القرآن الكريم إشارات جمَّة إلى تلك الدلالات ، وحضٌّ على التفكُّر والتأمُّل فيما أبدع الخــالق ، من سماء وأرض وجبال وبحار وغيرها من العوالم والمخلوقات.

ويرى العلماء أن آيات الإعجاز في خلق الله لا حصر لها، وهي مبثوثة في كلِّ ناحية من نواحي هذا الكون المنظور؛ فالإنسان ذاته آية، والسماء وما أظلَّت آية، والأرض وما أقلَّت آية.. وغيرها كثير، وما على الإنسان إلا أن يفتح عينيه متأمِّلاً ليرى، ويصغي بأذنيه متعقِّلاً ليسمع، فيتفتَّح قلبه، وتتنوَّر بصيرته، ويحدث التَّماسُّ بينه وبين الإيمان بخالق هذه الآيات العظام....ومن ذلك كلِّه ندرك أن الله عز وجل يبيِّن الدلائل والبراهين لعباده ليؤمنوا به ويُقبلوا عليه سبحانه ، فيفوزوا برضاه، ويكونوا من سعداء الدارين.

إن ذكر الله عبادة وهو شيء جمــــيل وقد أمر به الله سبحـــانه في كتابه ، ولا يتـــحقق ذكر الله فقط بقراءة القرآن وبتسبيح الله والثناء عليه واستغفاره . بل وأيضا بالتفكر في خلق السماوات والأرض وما تتضمنه من آيات بينات تدل على عظمة الخالق ( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ

جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَات وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) .

وهكذا ومن خلال قول الله سبحانه (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) ، فإن انتقال المؤمن إلى مكان جميل بين الجبال والأشجار والوديان ، وخرير المياه والجبال ينعم فيها بالهدوء والتفكير في خلق الله هو شيء مطلوب تتحقق فيه لهذا المؤمن والترويح عن النفس وتجديد الاستعداد الروحي والبدني للزيادة من التعرف على قدرته سبحانه وإبداعه وتكريمه للإنسان .

من أحكام القرآن في السفر

تضمن القرآن أحكام شرعية للعمل بها عند القيام بالأسفار؛ هذه الأحكام تهم مجالات الطهارة والصلاة والصوم والبيع والشراء والإرث، كل ذلك من أحل تيسير العمل بشرع الله وتشجيع الأسفار.

بخصوص الطهارة نقرأ في كتاب الله (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا) ، وبخصوص فريضة الصلاة نقرأ ( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ) . وحول فريضة الصوم وجواز الإفطار أثناء السفر نقرأ ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ َمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) . وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا كيفية تقصير الصلاة والإفطار أثناء السفر قولا وفعلا .

وأباح الله سبحانه عمليات البيع والشراء في السفر ( وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ

كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) .

يرى بعض المفسرين في تفسير هذه الآية أنه " ما كان من بيع إلى أجل، فأمر الله عز وجل أنْ يكتب ويُشْهد عليه، وذلك في المُقام. فإن كان قوم على سفر تبايعوا إلى أجل فــــــلم يجدوا (كاتبًا)، فرهان مقبوضة".ويرى آخرون" وإن كنتم، أيها المتداينون، في سفر بحيث لا تجدون كاتبًا يكتب لكم، ولم يكن لكم إلى اكتتاب كتاب الدين الذي تداينتموه إلى أجل مسمى بينكم الذي أمرتكم باكتتابه والإشهاد عليه سبيلٌ ، فارتهنوا بديونكم التي تداينتموها إلى الأجل المسمى رهونًا تقبضونها ممن تداينونه كذلك، ليكون ثقةً لكم بأموالكم" .

خير السائحين

أنزل الله سبحانه التوراة على سيدنا موسىى والإنجيل على سيدنا عيسى عليهما السلام وأنزل القرآن ، خير كتبه ، على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك قول الله (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذْكرِ اللَّهِ ) . وقوله عز وجل (وأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) .

وفضل الله الرسل بعضهم على بعض وجعل محمد صلى الله عليه وسلم رسولا للناس كافة ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) ، وخــــاطب الله سبحانه عبــاده بقوله ( لقــــــد رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) .

وكان رسول الله صلى عليه وسلم أحسن من دعا إلى الله وكما علمه ربه ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحـــِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِل بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) . وأثنى الله على رســـــــوله وقال ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ، و (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُـمْ فِي الأَمْرِ ) . ( يَا أَيُّــهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَــــاهِدًا وَمُبـــَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعـــــِيًا إِلَى للَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ) .

وعلم الله سبحانه خاتم الأنبياء وأوحى إليه القرآن والحكمة ليبلغ رسالته للناس أجمعين كما جاء ذلك في قوله سبحانه (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ، وأمر المسلمين بأن يطيعوا رسوله ويجعلوا منه أسوة لهـم (لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) .

وكان صلى الله عليه وسلم المجاهد الأول لتبليغ الدعوة إلى الناس (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ) ، ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) .

وكان النبي صـــلى الله عليه وسلم المعــــلم الأول يعلم أتباعه ويحث أمته على الزيادة من العلم والتعلم كما علمه الله الله عز وجل ومصداقا لقوله سبحانه ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) . وقوله سبحانه ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) .

وقال رسول لله " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنة" ، وقال صلى الله عليه وسلم " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم" .

وكان صلى الله عليه وسلم أشد الناس خشية لله مصداقا لقوله سبحانه ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ . وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر وأحسن الذاكرين والعابدين كما أراده الله أن يكون ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا َلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا. إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا. إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا. وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا. رَبُّ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) .

وكان صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس معاملة لأهله وجيرانه ويقول " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي " أي لعياله وذوي رحمه ولأزواجه وأقاربه . وجاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول" مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوَرِّثُهُ " .وفي حديث آخر" لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ" . ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أشرف خلق الله وأنفعهم لعباده واختاره الله سبحانه ليكون الأسوة الحسنة للمسلم في كل شيء .

أسفار ورحلات النبي

جاء في كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكة وهو رضيع إلى ديار بني سعد لترضعه السيدة حليمة السعدية وظل هناك فترة الرضاعة . وجاء فيها أيضا أنه عندما بلغ ست سنين سافر مع أمه إلى المدينة لزيارة أخواله ، وتوفيت وهي راجعت به بمكان يدعى الأبواء بين مكة والمدينة.

وسافر النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبو طالب في تجارة إلى الشام، وعند مــكان يدعى بصرى من أرض الشام رآه الراهب بحيرى وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء، ثم نــصح أبا طـــالب بالرجوع بابن أخيه سريعا إلى مكة وقال له إنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به إلى بلاده ، فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام.

وتروي كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سار إلى الشام بعد ذلك وخرج في تجارة للسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، ثم سيتزوج بها النبي صلى عليه وسلم بفضل ما وهبه الله من حسن خلق وأمانة وصدق. وكان صلى الله عليه وسلم قبل البعثة يزور غار حراء للتعبد والتحنث والبعد عن الأصنام والتفكر في ملكوت السموات والأرض .

بعد فترة من نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ، أمره ربه الجهر بالدعوة إلى دين الله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) ، وكان عليه الصلاة والسلام يحل إلى القبائل ليدعوهم إلى الإسلام ويخبرهم أنه رسول الله إليهم ( وكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) .

وتروي كتب السيرة أن رســول الله صلى الله عليه وســـلم لما رأى ما يــــــصيب أصــــحابه المؤمنين من البلاء وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما فيه قال لهم لو خرجتم إلى أرض الحبشة، وهذا يعني أن الهجرة خوفا على الدين شيء مطلوب ، فقد اعتزل سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم قومــــه لما رأى من كفرهم ، وهـــــــاجر معه الرسول لـــوط خوفـــا على دينه هو أيضا ( فَآمَنَ لَهُ لُوط. وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى رَبِّي. إِنَّهُ ُهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) .

رحلة الإسراء والمعراج

وكانت أعظم رحلات النبي صلى الله عليه وسلم رحلة الإسراء والمعراج في ليلة واحدة. فقد أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هو السميع الْبَصِيرُ ) . ورأى صلى الله عليه وسلم خلال هذه الرحلة من آيات الله الكبرى تثبيتا لفؤاده الشريف بعد ما عانى من قومه شدة التعنت والظلم والتكذيب . وجاء في كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل عليه السلام وجيء للنبي بالبراق فحمل عليها بين السماء والأرض، حتى انتهى إلى بيت المقدس فوجد إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء فصلى بهم جميعا وأمهم.

بعد ذلك، وكما ورد في كتب السيرة، جيء للنبي بالمعراج فصعد هو وجبريل السماوات الأولى إلى السابعة ، وفي كل سماء كان يرى فيها من آيات الله الكبرى : ملائكة كرام ورسل وأنبياء ، رجال ونساء يعذبون ، و الجنة وما فيها من نعيم مقيم ، والنار ما فيها من عذاب أليم ، حتى انتهى به المطاف إلى سدرة المنتهى ( وهي شجرةٌ عظيمةٌ وبها من الحُسْنِ ما لا يستطيعُ أحدٌ من خَلْقِ اللهِ أن يَصِفَهُ ) ، فكان صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه قاب قوسين أو أدنى كما جاء في القرآن (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى .مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى .إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى .ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى. وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى .ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى . فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى .َولقَــــدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى .عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى. عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) .

خلال هذه الرحلة الكبرى ، شاءت رحمة الله تعالى أن يكرم عبده بهدية أخرى وهي فريضة الصلاة يستطيع العبد مــن خلالها أن يتصــل بــربه خمسة مرات في كل يـــوم يخـــاطب الله عز وجل مباشرة ويسمع كلامه (القرآن ) من إمام المسجد أو يتلوه إن كان منفردا.

رحلة الهجرة

كــــــانت له صلى الله عليه وسلم رحلة أخرى مهمة هــــي الخروج من مــــكة والهجرة إلى المدينة بعد سنوات طوال من إيذاء مشركي مكة له ولأصحابه ، فقد أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام أصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، فخرجوا أفراداً، وتأخر هو حتى أذن الله له بالهجرة (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .

وحث القرآن المســـلمين بمكة عـــــلى الهجرة ( ومَن يُهَاجِرْ فِـــي سَبِيلِ اللّهِ يَـــجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى الله ، وكان الله غفورا رحيما) وذلك حتى تكون للمسلمين قوة ومناعة بفضل تجمع المهاجرين من مكة والأنصار من أهل المدينة الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم .

كانت أكثر رحلات النبي صلى الله عليه بعد ذلك لنشر دعوة الإسلام بين قبائل العرب والخروج في غزوات لنصر دين الله وكسر شوكة المشركين بعد أن أذن الله تعالى بقتال المشركين المعتدين على المؤمنين وأخذ أموالهم وتعذيبهم والنيل منهم (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ، وإن الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ، وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) .

رحلة العمرة

جاء في كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج هو وأصحابه إلى مكة خــلال

السنة السادسة بعد الهجرة لأداء العمرة ليس معهم إلا سلاح السفر ولا يريدون قتال المشركين، ولبسوا ملابس الإحرام ، ولكن مشركو مكة منعوهم من ذلك وانتهى الأمر بصلح الحديبية ، وكان من شروطه أن يرجع المسلمون إلى المدينة ثم يعودوا إلى مكة معتمرين في العام القادم. وبعد سنة سافر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة معتمرا عمرة القضاء وخرج معه أصحابه الذين رافقوه في السنة الماضية.

وجاء في بعض كتب التفاسير أن المسلمين نالهم حزن كبير بعدما منعتهم قريش من أداء مناسك العمرة ومن شروط صلح الحديبية ، ثم كان مــا كان بعد ذلك من بيعة الرضوان وطاعة الصحابة لرسولهم ورجوعهم معه إلى المدينة ، وفي طريق العودة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الفتح ، فقال صلى الله عليه وسلم "لقد أنزلت عليّ سورة لهي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس ، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم(إنا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا .وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا. هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) .

رحلة الفتح

نقضت قريش شروط صلح الحديبية الذي عقدته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان عليه إلا أن يخرج ، خلال شهر رمضان سنة ثمان للهجرة ، في أزيد من عشرة آلاف مجاهد من أصحابه وأنصاره وتحقق بذلك وعد الله سبحانه ، ودخل الرسول وأصحابه مكة دون مقاومة تذكر ، وتحقق بذلك وعد الله عز وجل ونصره ودخل الناس : العرب ثم الأمم الأخرى من بعدهم في دين الله أفواجا (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ . وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) .

رحلة حجة الوداع

بعد هذا النصر العظيم كانت آخر رحلة للنبي هي إلى بيت الله الحرام لقضاء فريضة الحج، وخرج مع صلى الله عليه وسلم عشرات الآلاف من المسلمين رجالا ونساءا، ثم لبى الله مع المسلمين قائلاً "لبيكَ اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك، والملك، لا شريك لك" وبعد قضاء مناسك الحج وتعليم الناس مناسكهم خطب فيهم يوم عرفة خطبة الوداع.

جاء في هذه الخطبة " أيها الناس ! اسمعوا مني ما أبين لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.أيها الناس: إن دماءكم وأعراضكم عليكم حرام... إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه. ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد.فلا ترجعن بعدى يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت.أيها الناس : إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم . وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى.ألا هل بلغت ؟.اتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً، ألا هل بلغت ؟ . قال العلماء ، ولما فرغ صلى عليه وسلم من خطبته هذه نزل عليه قوله سبحانه : ( ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نعمتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) .

وهكذا حظيت البشرية في النهاية بأحسن كــــتب الله، وخير رسول ، وأفضل العـــــابدين والمجاهدين في سبيل الله والداعين إلى إليه ، والأســـــوة الحسنة للمسلم في كل شيء ، فتمت نعمة الله بذلك على عباده المؤمنين .

أسفار ورحلات الصحابة

علم النبي صلى الله عليه وسلم جيلا من الصحابة دين الله فكانوا من بعده منارات للهدى تحملوا مهمة رسالة نشر الدين؛ هذه التربية كان قوامها معرفة الله وأسمائه الحسنى خوفا من غضبه وطمعا في رحمته. لم يكن صلى الله عليه وسلم زعيما سياسيا ولا مصلحا اجتماعيا ولا قائدا فذا ، بل كان رسول من رب العالمين جاء برسالة عالمية ومنهج حياة للناس ولكل الأجيال؛ حياة ربانية تهذب الروح والجسد تجعل للحياة قيما وضوابط وتشجب الظلم والطغيان وتكفل للناس الأخوة والسعادة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة.

وهكذا تعلم الصحابة رضوان الله عليهم أن الله رب العالمين لا شريك له، خالق كل شيء ، لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء ، وأنه لا تأخذه سنة ولا نوم ، وهو معهم أين ما كانوا، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وهو أقرب إليهم من حبل الوريد، وهو على كل شيء قدير، و هو الرزاق ذو القوة المتين، وأنه عذابه هو العذاب الأليم، وأنه اشترى من المؤمنين أموالهم وأنفسهم وأن عليهم السمع والطاعة .

وكان الصحابة يرون ويلمسون ذلك بأعينهم وبعقولهم وأرواحهم ، وكان كلام الله ووحيه يتحقق عندهم ويتجلى في كل حين من خلال معجزة القرآن ونبوءاته والتمكين والنصر لنبيه وكانوا لا يحفظون القرآن فقط بل يجتهدون في العمل به (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّاَلا مُّبِينًا ) .

يــــرى أحد العلــــماء أن ما جـــاء به الرسول الكـــريم صــــلى الله عليه وســـــلم كــــان أعظم انقلاب وقع في تاريخ البشر وكان هذا الانقلاب الذي أحدثه صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين وبواسطتهم في المجتمع الإنساني، وقد كان هذا الانقلاب غريبا في كل شيء : غريبا في سرعته ، وغريبا في عمقه وغريبا في سعته وشموله، وغريبا في وضوحه وفي قربه إلى الفهم .

كان أصحاب الرسول خير تلاميذ لخير رسول خلد الله ذكرهم في كتابه قائلا (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا. مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا وقائلا (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )

بعد رحيل المصطفى صلى الله عليه وسلم قام أصحابه بتحمل عبء الدعوة إلى الله ورحلوا إلى مختلف الأمصار للجهاد في سبيل الله لدحر الطغاة ونشر دين العدل والمحبة والسلام الذي ارتضاه الله لعباده. وجاء التابعون من بعدهم وسار الكثير منهم على نهج الصحابة وواصلو رحلات الجهاد ونشر الدعوة .ومع كثرة الفتوحات ودخول كثير من الأقوام في دين الله ، وشيئا فشيئا ، ومع توالي الأجيال ، تغيرت الأمور بسبب ضعف المفاهيم لهذا الدين الحنيف ولم تعد كما كانت عليه من قبل ، فقد انسلخت السياسة عن الدين ولم يعد الأمر شورى لتولي الحكم بل أصبح وراثيا وأصبحت الدولة قيصرية أو كسروية مستبدة وملكا عضودا " .

توسعت رقعة الدولة الإسلامية شرقا وغربا وزاد نفوذها ، وكثرت رحلات الحج وزيارة البقاع المقدسة والأسفار التجارية والعلمية والاستكشافية الخ. وعرفت هذه الرحلات ، خلال فترات متعددة ، تراجعات مهمة بسبب دخول الإسلام أقوام وجمهور عريض من شعوب مختلفة حملوا معهم بعض معتقداته وعاداتهم القديمة ، وأيضا بسبب الفتن والحروب التي رفتها الدولة الإسلامية ، وبسبب تراجع جذوة التمسك بالدين لدى فــــئات عريضة من المسلمين وانتشار الخرافات والسحر وزيارة الأضرحة وتعاطي الخمور والفساد .

السياحة عبادة

وهكذا ومما سبق ذكره ، نرى أن السياحة في الإســـلام هي عبــــادة متواصلة لها جوانب روحية كأداء فريضة الحج وشعيرة العمرة، وجوانب ثقافية كطلب العلم والتعلم وأخذ العبرة من بقايا بعض الأقوام، وجوانب اقتصادية كعمليات البيع والشراء، وجوانب اجتماعية كزيارة الأقارب والأصدقاء، وجوانب ترفيهية كالترويح عن النفس وزيارة الأماكن الطبيعية . وينتج عن الأسفار والزيارات أيضا منافع كثيرة اقتصادية واجتماعية وعمرانية وثقافية بسبب أهمية عدد السياح داخل وخارج بلدانهم ، وبذلك يتعارف الناس على بعضهم وتنشط حركة النقل والمواصلات وبناء المؤسسات الإيوائية والمبادلات التجارية وقطاع العمالة والخدمات .

مقابل ذلك نرى أن بعض العلماء وفقهاء لا يحبذون الأســــــفار السياحية ، في أيامنــــا هذه ، إلى بلاد غــــير المسلمين ويقولون أن الشريعة تنهى عن السياحة في أماكن الفساد ، حيث تُشرب الخمور وتَقَع الفاحشة ، وتُرتكب المعصية ، مثل شواطئ العري ، وحفلات المجون وأماكن الفسق ، أو السفر لإقامة الاحتفالات في الأعياد المبتدعة ، وأن المسلم مأمور بالبعد عن المعصية ، فلا يرتكبها ولا يجالس من يقوم بها وألا يكون المسلم عونا للترويج لهذه السياحة الفاسقة ، وله البديل الواسع في بلاد المسلمين المحافظة .أما زيارة آثار الأمم السابقة وأماكنهم فإن كانت أماكن عذاب وقع فيها من الخسف أو المسخ أو الإهلاك لهم بسبب كفرهم بالله فلا يجوز حينئذ اتخاذ هذه الأماكن للسياحة والاستجمام .

ويرى هؤلاء العلمـــاء أنـــــه إذا دعت حاجة ضرورية وغـــــرض صحيح للسفر لبلاد غير المسلمين كالسفر لعلاج مرض لا يتوفر ببلاد المسلمين ، أو السفر لدراسة لا يمـكن الحصول عليها في بلاد المسلمين أو السفر لتجارة ، فهذه أغراض صحيحة يجوز السفر من أجلها بشرط المحافظة على شعائر الإسلام والتمكن من إقامة الدين في بلادهم، وأن يكون ذلك بقدر الحاجة فقط ثم يعود إلى بلاد المسلمين.

أما تنظيم رحلات سياحية لغير المسلمين في بلاد المسلمين فيرون أن الأصل فيه الجواز، والسائح الغير مسلم إذا أذنت له الدولة المسلمة بالدخول إليها أصبح مستأمنا حتى يغادرها ولكن وجوده في بلاد المسلمين يجب أن يتقيد فيه باحترام الدين الإسلامي وأخلاق المسلمين وثقافتهم ، فلا يدعو إلى دينه ، ولا يتهم الإسلام بالباطل ولا يخرج إلا محتشما بلباس يناسب المسلمين وليس كما اعتاد في بلاده على التعري والتفسخ .

وترى رابطة علماء المسلمين حول مشروعية السياحة في أيامنا ، أنها في أصلها مشروعة إذا كان هدفها الأساسي مشروعًا سواء أكانت الحاجة علمية أو تجارية أو ثقافية أو أمنية ، كالذي يسيح للتعرف على بلاد معينة أو على الخلق ، أو يسيح لتبليغ الدعوة الإسلامية، أو يسيح للترويح عن النفس إذا عمل فترة طويلة ويريد أن يرفِّه عن نفسه، ولكن هناك ضوابط، فكثيرًا ما تكون هناك فتن يتعرض لها الإنسان، خاصة إذا كان شابًّا ، ورأت أن هذه السياحة مشروطة بإقامة فروض الدين ولا يضطهد السائح المسلم في دينه، ومن خاف على دينه فعليه أن يعود .

كنتم خير أمة أخرجت للناس

يخبرنا القرآن الكريم أن الله عز وجل خلق هذا الكون وسخره للإنسان بما فيه من عدد لا يحصى من المجرات والشموس والأقمار والنجوم والكواكب ، وخلق الأرض وما فيها من بحار وجبال ووديان وأنهار ونباتات وحيوان وسخرها للإنسان ، ثم خلق الله سبحانه الإنسان وكرمه وفضله ، وجاء به من عالم آخر إلى الأرض وجعل منها وجهته في حياته الدنيا يعيش ويعبد ربه ويتحمل الأمانة ويسيح فيها ثم يرجع إلى العاـلم الآخر وإلى ربه لينظر في عمله ما قدمه في حياته على الأرض.

ويخبرنا القرآن الكريم أن الله الرحمن الرحيم يسر هذه السياحة وجعل على الأرض علامات وقمر ونجوم يهتدي بها الإنسان في سفره، وخلق الأنعام لركوبها ويأكل منها ويستعين بها خلال أسفاره، وخلق له الفلك وهداه إلى استعمال وسائل أخرى يستعين بها للقيام بأسفاره ،ويسر سبحانه أحكامه على عباده خلال الأسفار تهم الصلاة والصوم والبيع والشراء ومعاملات أخرى.

ويخبرنا القرآن أن الله الرحمن الرحيم أرسل رسله إلى عباده ليعلموهم دينهم وكيف يتحملون مسؤولية الاستخلاف في الأرض ويسيحون فيها . ويخبرنا أن أقواما كذبوا رسله وفسدوا في الأرض، فغضب الله عليهم وأن لهم آثارهم لا تزال موجودة لأخذ العبرة منها.

ويخبرنا القرآن الكريم أن الله أوجب على عباده القادرين القيام بأسفار لحج البيت الحرام ، ورغب في زيارة البقاع المقدسة كالمسجد النبوي والمسجد الأقصى، ورغب للقادرين القيام بأسفار الدعوة إلى الله وتبليغ رسالاته ، وتعليم الناس والتعلم والتعارف ، وأسفار الابتغاء من فضل الله بالعمل والتجارة وزيارة الأقارب وصلة الرحم ، وأنه لا جناح عليهم من زيارة أماكن فيها آيات بينات على خلق الله وأن يتفكروا في جمالها وفي إبداعات الله من خلالها والاستراحة فيها قليلا لتجديد الإيمان والقوة الروحية والبدنية .

ويخبرنا القرآن الكريم أن الله حرم على عباده المؤمنين الخبائث والفواحش كشرب الخمر، والميسر ، والقرب من الزنا ، والتبرج وكشف العورات .

ويخبرنا القرآن الكريم أنه كلام الله وأنه ذكر له سبحانه وأنه هدى للناس وأن على المؤمن ألا يغتر بشهوات الحياة الدنيا وألا تكون هي همه الأكبر، وأن يحذر وساوس الشيطان وهوى النفس للفوز برضا الله والجنة بما فيها من نعيم أبدي بعد الرجوع من رحلة الدنيا .

ويخبرنا كتاب الله أن أمة محمد خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم هي خير الأمم أخرجت للناس لأنها تدعو إلى الخير وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ).

الفندق الله عظيم

بعد السفر والرحلات والزيارات يــــأوي السائح إلى فندقه ليستريح ويستمتع بمـــا يقدم له فيه من خـــدمات . وكذلك جعل الله سبحانه الجنة جزاء لعباده المؤمنين ورحمة بهم وجزاء لهم بعد سفرهم الشاق في الدنيا . جاء في حديث قدسي " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " تدل عليه الآية الكريمة ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِـــنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .

إن تحمل مسؤولية الخلافة في الأرض خافت منها مخلوقات أخرى أقوى من الإنسان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا. إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَـــــهُولا لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُــــنَافِقَاتِ َوالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْـــــرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَـــــلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) .

وهكذا وكما تبين لنا من هذه الآيات البينات أن تحمل الأمـــــانة يستوجب القول السديد والعمل الدؤوب والصـــبر وتحمل مشاق العبادة والطاعة ، كما جاء في قوله سبحانه وتعــالى ( لقَدْ خَــلَقْنَا الإِنسَــانَ فِي كَبَدٍ ) ، وقوله (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ ) .وهكذا نرى أن تحمل الأمانة عبء ثقيل نظرا لضعف الإنسان وكثرة شهوات الدنيا ومـــــا فيها من ابتلاءات و أعداء يثنونه عن طـــــاعة الله . جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ: "حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَوَاتِ " .

إن حب الدنيا والبقاء فيها وشهواتها هي من أعظم الابتلاءات ، وحب المال والذهب والسلطة والتكبر وحب الرجال للنساء والنساء للرجال الخ. هي أيضا من أكبر الفتن . أما الأعداء فهم : شياطين الجن والإنس (إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) ، (يا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا) ، وهم النفس الأمارة بالسوء (وَمَا أُبَرِّئُ َفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ، وفتنة بعض الأزواج والأولاد الذين يدفعون أزواجهم وآباءهم إلى عصيان الله وإلى فعل المحرمات والمنكرات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .

وهكذا فعندما يعود الإنسان إلى ربه يحاسبه على مدى القيام بمهمته على الأرض وهي طاعة الله ورسوله ( وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى ) . إنه حساب كبير له جزاء عظيم : الخلود في الجنة أوفي الجحيم.

إن أصحاب النار هم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ويعتقدون أنهم يحسنون صنعا ، خسروا أنفسهم وأهليهم يوم الحساب : كفروا بالله ولم يطيعوه واتخذوا آياته هزءا ، وكانوا يسعون في الأرض فسادا ، جزاؤهم العذاب المقيم ، ولباسُهم وسرابيلهم من قطران، وطعامهم من غسلين وضّريع وحميم ، وتقلب وجوههم في النار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبـــــُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَـــــوَاء الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ) .

أما أصحاب الجنة فتحيتهم يوم يلقون ربهم سلام وأعد لهم أجرا عظيما. (يا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ

أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ . كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهـَا بِكــــُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .) .

جاءت أحاديث نبوية كثيرة تصف الجنة والحياة فيها وأحوال اصحابها منها مثلا :

+ إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة ؟ وتنجنا من النار؟، قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) . وتدل عليه الآية الكريمة ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرة ) .

إن أسمى ما يمكن أن يدركه إنسان في حياته الدنيا هو عبادة الله وطاعته ليذوق حلاوة الإيمان كما جاء ذلك في القرآن الكريم وكما بلغه رسوله صلى الله عليه وسلم بقول وعمل، وإذا أخطأ الإنسان بتغافل أو نسيان أو نزغ من الشيطان فلا يحزن فلقد خلق الإنسان ضعيفا فما عليه إلا أن يعود إلى الله ويستغفره ويتوب توبة نصوحا .

يقول صلى الله عليه وسلم " إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها " .

ويقول صلى الله عليه وسلم "( لَلّهُ أشدُّ فْرَحا بتوبةِ عبده من أحدِكم كان على راحلته بأرضٍ فلاةٍ فَانْفَلَتتْ وعليها طعامُه وشرابهُ فَأَيسَ منها ، فأتَى شَجرة فاضطَجَع في ظِلِّها قد أيسَ من راحلته فبينا هو كذلك ، إذا هو بها قائمةٌ عنده ، فأخذ بخِطامِها ثم قال من شِدَّة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربكَ - أخطأ من شدة الفرح) .

إن الله سبحانه وتعالى ، الغفور الرحيم ، يريد أن يتوب على عباده ويخفف عنهم ويحثهم على ذلك لأنه هو الحليم الكريم ، ويقول في كتابه عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا توبوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّــــكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي من تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) .ويقول سبحانه ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .

إن الله الرحمن الرحيم لا يغفر فقط لعباده المذنبين بل يبدل سيئاتهم حسنات إن هم تابوا توبة نصوحا (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) . قال النبي صلى الله عليه وسلم " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ، قيل يا رسول الله ومن يأبى ؟ ، قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" ويشهد على ذلك قول الله سبحانه (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ) .

وهكذا يتبين لنا أن كل المؤمنين يدخلون الجنة كما قال النبي صلى الله إلا من أبى ، فما علينا نحن المسلمين إلا أن نرجع إلى الله سبحانه ونعمل بما أنزله في كتابه وبينه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم لنسعد في حياتنا الدنيا ونفوز في الآخرة مصداقا لقول الحق سبحانه ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ) .. والحمد لله رب العالمين .

إسماعيل عمران

فصل من كتاب " السياسة السياحية بالمغرب : إشكاليات وتداعيات وبدائل "

ismailemran@gmail.com



   نشر في 02 أبريل 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا