السيدة الأولى
حين تتعارض شخصياتنا القابعة في دواخلنا، نصبح روحا تائهة كحبات رمل متناثرة يصعب جمعها.
نشر في 18 ديسمبر 2020 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
كنتِ السيدة الأولى لهذا المنزل، و فجأة صرتُ أنا مدبرته. أتذكر حين دخلتُه للمرة الأولى، كان صيفا مشرقا أنذاك، لكنه كان خريفا مظلما قاتما داخل بيتك. و ما إن خطوت الخطوة الأولى على عتبة باب منزلك، كان لدي كامل الحرية في الاختيار بين الظلمة التي صارت أمامي و ضوء الشمس الساطعة التي تركتها ورائي. فاخترتك أنت.
التقينا للمرة الأولى في الفناء، أتتذكرين؟ كنت طفلة (و لا تزالين) في مقتبل العمر، بفستان أزرق اللون على أريكة بالية تشربين فنجان قهوتك الصباحية، بدوت صبية هزيلة لكن تجاعيد وجهك العابسة جعلت منك امرأة عجوزا. كنت تبدين هادئة، و لكنني علمت أنذاك أنك تعيشين عاصفة عنيفة تخرب كل شيء جميل داخلك، و لا تنفك تقتل كل نَفَسِ طفولةٍ تعيش في أحشائك.
لم يكن الأمر يعنيني كثيرا -تدبيرُ منزلكِ-، كانت بالنسبة لي مغامرة جديدة، رغم أن صاحب المنزل حذرني من غطرستك قبل مجيئي لقصركِ. و مع مرور الوقت، أصبح الأمر مغريا شيئا فشيئا، استمتعت بتحدي كبرياءك و مشاهدة أخطائك الممزوجة بعجرفة لا حدود لها الواحدة تلو الأخرى. تسقطين، و لا تملين من الوقوف شامخة، كأنك منحوتة مثالية لا تملك خدشا واحدا ... على الرغم من أنك لست سوى أشلاء تتهاوى بعضها فوق بعض.
صدقيني! بالرغم من تعليماته لي حول مميزات شخصيتك المعقدة، لقد كان صاحب المنزل قلقا عليك أكثر من نفسه. لقد بدا لي تحت طيات تحذيراته أنه أحبك كثيرا بل و لازال يفعل.
مرت سنوات، أحببت المنزل و أحببت طيبة صاحبه. كل هذه المدة كان كفيلة باختفاء شعوري بالغربة بينكم، أصبحتم جزءا لا يتجزأ من هويتي الجديدة. و لكنني حائرة في ما أشعر به تجاهك. إنك أصغر سنا، لكنك جدية للغايَة، لا تبتسمين كثيرا مع أن ابتسامتك ساحرة.
أنا و أنتِ مختلفتان بل و متضادتان: إنك تحبين العزلة و أنا أكرهها، إنك سجينة عقلك بينما أنا خليلته، و بينما تكرهين المجازفة أنا أعشق التجارب بحلوها و مرها. أنت لا تؤمنين بمشاعرك تعتبرينها نقطة ضعف، أما أنا أؤمن بقوتها بداخلي. إنك حقا نقيضتي بجميع المقاييس.
كانت اختلافاتنا هاته مصدر متعة لي في البداية، لأن صاحب المنزل بدا غير مبال... لكن، اليوم، يبدو وجهه شاحبا بشكل مخيف. إن الوضع لم يعد يطاق لأنك أصبحت تؤثرين على الكل بعنادك.
أنت تدمريننا شيئا فشيئا، تهدمين كل ابتسامة نصنعها معا تحت رفات هذا السقف الذي يجمعنا. أرجوك، توقفي و إلا ستكون النهاية على يديك.
-
Ikram Fiالكتابة عالمي الذي لا يعلمه و لا يطلع عليه أحد ممن حولي، هنا حيث لا يعرفني أحد ، هنا حيث أختبئ ، ; هنا حيث أنا أتواجد .... الكتابة ليست بالنسبة لي سوى منفذ بعدما ساقني الكثير للتخلي عن الكثير... ما أكتبه قد يعكس أفكاري ، قد يفص ...