تتلخص الحياة بأكملها في تلك الساعة , ستون دقيقة حقاً ولكنها بحيوات لا منتهى لها ! ..
تتلخص بها الحياة .. بكل لحظاتها ومشاعرها , بكل قسوتها ولينها , بكل برائتها وخبثها , بما تحتضنه من بشرية وبما تلفظه من إنسانيه ! ..
في لحظة فاصلة بين إنتهاء اليوم وإشراقة الغد يقف المرء حائراً ! , جاهلاً ماذا يصنع ؟! , أيسمح لعقارب ساعته بالتقدم رويداً رويداً ؟ , أيمنحها الإذن بمنحه يوماً جديداً بل عمراً جديداً متمثلاً بساعات أخرى ؟ .. والحق أنها ساعات أخرى مجهولة المعالم ! , لا يدري .. هل تكمن بها سعادتة الحقيقية التي تمثل عوضاً عما صارعه خلال ما إنقضى طيلة حيواته السابقة ؟ , طيلة أيامه المنقضية , أم أن مثلها كمثل دقائق يومه الذي لم يتبقى منه سوى القليل ؟! , فقط سالبة للمعنى ! ..
أم يقف أمامها ثائراً باغضاً أن يُقيد بقبضتها ؟ , يُعلن رفضه إنتهاء يومه بهذه السرعة , يبغض أن يمنحها الحق في إقتناص عمره وهو في ذلك المسرور , بل المُجبر على تصنع السرور , وأما عنها فقد تفننت في إقتناص سلامه , وفرصته في الوجود لحياة أخرى ..
هي الساعة العجيبة , هي الساعة التي تدفع المرء للهذيان دفعاً , وأي هذيان هو ؟! , لقد ألقته خارج حصون الإتزان ولم تعي قسوة فعلتها ! , شريداً , ضائعاً , لم تعي أنها بهذه الفعلة قضت على ما تبقى فيه من هدوءه الذي تمكن بصعوبة من الحفاظ عليه بعد يومه المخيف هذا , وبما إقترفته .. سلبت منه هدوءه بمنتهى السلاسة ! ..
فإن كان التقدم بعقارب ساعته يمنحه ضوءاً جديداً , نهاراً جديداً , فرصة جديدة وأنفاس جديدة , فالإصرار على البقاء على وضعه هو ما يمنحه " الموت الحقيقي " ! .. وإن كانت له المقدرة على الرجوع بزمنه فينظر في أموراً لم يصنعها على أكمل وجه , ويبحث عن جدوى لأنفاسه ومعنى لخطواته بحق فهو برجوعه " الهالك " إن لم يستطع أن يُجاري يومه من جديد حتى يصل لنقطة الفصل تلك بسلام ! .. فيقف بين هذا وذاك مقيداً .. بين الحياة التي على بُعد لحظات , والموت على قيدها الذي يربت على كتفه ويسعى في جذبه للوراء ! ..
وأما عن الدقيقة الفاصلة بين نهاية اليوم وإشراقة الغد فهي بمثابة ولادته الأصلية , هو لن يعي معنى وجوده إلا بمروره بدقيقة الفصل , دقيقة البداية , وكأن الحياة تمنحه بداية أخرى عندما تُمنح هي البداية من جديد .. فلا مجال للرجوع , ولا حيرة في التقدم .. يكفي أن تقف أمام دقيقتك بشجاعة الفرسان , وتتشرب كل لحظاتها , وتمنحها وداعاً يليق بها , فقد رافقتك طوال يومك ونهايتها هي بمثابة بدايتك أنت .. ومع أول دقة لساعة يومك المنتظر , اقذف لقلبك دقته الأولى أيضاً ..
وأما ما يستدعي الدهشة بحق هو أنك بعد أن تُرزق يوماً أخر , ينقضي سريعاً ! , وتعود أدراجك وموضعك الذي أصبحت تألفه الآن , ويبقى السؤال وتنتظر أن تجد له إجابة قبل أن يُعلن زمنك عن ولادتك من جديد ..
كيف لمجرد دقائق لا تُحسب أمام زمننا هذا بكل ما فيه من عظمة ساعاته ودهوره أن تفعل بالبشري كل هذه الجلبة ؟! .. أن تقسو عليه حتى يعلن عن ضياع رؤيته وتشتت أفكاره ! ..
التعليقات
و تعجبني مقولة لكاتب المنصة ماهر باكير "سيعتب علينا الصباح إن لم نتغير و لم ننو فرحا"
تحياتي لك