ملمح عن بعض المضامين الدينية والأخلاقية للقواعد الدستورية الدستور الجزائري أنموذجا - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ملمح عن بعض المضامين الدينية والأخلاقية للقواعد الدستورية الدستور الجزائري أنموذجا

المضامين الشرعية والأخلاقية للدستور الجزائري

  نشر في 28 نونبر 2014 .

استقرّ الفكر الفقهي القانوني الراجح على تمييز القانون (القاعدة القانونية) عن الأخلاق أو الدين (القاعدة الأخلاقية والدينية)؛ فالقانون عند أهله لا يستلزم بالضرورة مراعاة كل ما هو أخلاقي وديني (شرعي)، بقدر ما يهدف إلى تنظيم العلاقات المجتمعية بين أفراد المجتمع الواحد بصورة ملزمة، حتى وإن خالف الأحكام المقرّرة أخلاقيا ودينيا؛ فقد تشتمل القاعدة القانونية على مضامين منافية للتعاليم الأخلاقية أو الدينية نحو: قاعدة إنشاء مقاولة استغلال الملاهي العمومية، مقاولة بيع الخمر أو تصنيعه أو استراده بتصريح، وقاعدة القرض البنكي المقترن بفائدة، وعديد القواعد العقابية المُفرغة من تعاليم التشريع الإسلامي...والقائمة تطول.

صحيح أن هذا الكلام لا يجب أن نفهم منه القطيعة بين ماهو قانوني وبين ما هو شرعي أو أخلاقي، وأن المشرع الوضعي يتنصل من كل ما يمتّ إلى الدين والأخلاق بصلة، وإلا فإنه لن يتحقق الهدف التشريعي المرجو من عملية صياغة قواعد القانون وعملية تطبيقه، إلا أن التفكير الفقهي القانوني في الغالب الأعم لا يُراعي ماهو مقرر من جهة الشريعة والأخلاق.

ومن خلال هذه الورقة سأذكر ملمحا مُقتضبا عن الجانب الشرعي والأخلاقي المرعي في القانون الوضعي، وآخذ القانون الدستوري كمثال عن ذلك، وتطبيقه في الجزائر (القانون الدستوري الجزائري) من حيث أنه أسمى قانون يأتي في قمة هرم بناء النظام القانوني في الدولة كما هو معروف؛ وفيما يلي بيان ذلك مُفصلا:

أولا: الفصل الخاص بالجزائر والفصل الخاص بالشعب:

وهما الفصل الأول الخاص بالجزائر والفصل الثاني الخاص بالشعب من الباب الأول من الدستور الجزائري المعنون بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري؛ وقد تناولت هذا الفصل المواد 1 إلى 5 من الدستور.

1- إقرار الإسلام دينا للدولة:

هي القاعدة التي أقرّتها صراحة المادة 2 من دستور الجزائر بقولها: "الإسلام دين الدولة"؛ وهي قاعدة صريحة في أن الإسلام هو الدين الرسمي للجمهورية الديمقراطية الشعبية، ومن ثمّ فلا تصح الممارسات غير الإسلامية المنافية لتعاليم الإسلام كما نصت على ذلك المادة 9/ 4 بالقول: "لا يجوز للمؤسسات أن تقوم بما يأتي:...

السلوك المخالف للخلق الإسلامي وقيم ثورة نوفمبر".

وللإشارة فقط؛ فإني أرى أن ظاهر عبارة هذا النص حصرت ضرورة التزام ما عبّر عنه بالخلق الإسلامي في المؤسسات (الأشخاص المعنويين أو الاعتباريين)، وهي عبارة تُوحي بأن السلوك الفردي للأشخاص العاديين أو الطبيعيين غير معني بالتزام الخلق الإسلامي.

ثم إني أجد أن عبارة الدين الإسلامي أوسع وأشمل من الخلق الإسلامي؛ من حيث أن الأخلاق الإسلامية جزء من الدين الإسلامي فهو كلٌّ مُتكامل من عقيدة وعبادة ومعاملة وأخلاق، خاصة وأن المادة 2 المتقدّمة أقرّت الإسلام دينا وليس خلقا للدولة، مع التنبيه إلى أن هذه المادة لو نصت على أن الإسلام دين للدولة والمجتمع لكان أكمل وأفضل؛ من حيث أن الجزائر دولة ومجتمعا معنية بالتزام قانون الإسلام الذي يظلّ العمل به مُغيّبا إلا فيما ارتضت الجهات الرسمية والتشريعية العمل به قليلا سيما في جانب العلاقات الأسرية وعديد المسائل العقدية المدنية وشببها الفليل جدا.

ثم إن التسوية بين التزام الخلق الإسلامي وقيم ثورة نوفمبر يُوحي بأن بيان أول نوفمبر مستنده الإسلام، فإعلان الثورة التحريرية ضد فرنسا تحت عنوان نصرة الدين والعباد والبلاد هو إعلان للجهاد الشرعي الذي فرضته أحكام قانون الإسلام (الشريعة الإسلامية) على المسلمين ضد كل كافر مغتصب دخل بلادهم وعزّم على احتلالها ظلما وعدوانا.

وبطبيعة الحال إن إقرار الإسلام دينا رسميا للدولة يستقيم بمراعاة تواجد الأقليات غير المسلمة على تراب الدولة الجزائرية، والإعتراف بحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية وفق مُقتضيات أحكام النصوص القانونية التنظيمية، وهذا ما تؤكده النقطة الثالثة من الفصل الخاص بالحقوق والحرّيّات المذكور أدناه.

ويتأيّد إقرار الإسلام دينا رسميا للدولة بإقرار حظر تعديله؛ حيث يَحظر أن يتضمن أي مشروع لتعديل الدستور المساس بدين الدولة أو تغييره واستبداله بدين آخر كما جاء في المادة 178/ 3 بقولها: "لا يُمكن أي تعديل دستوري أن يمُسّ: ...الإسلام باعتباره دين الدولة".

هذا كله مع اعتراف الدستور في ديباجته بإسلامية الدولة الجزائرية عندما قال: "إن الجزائر أرض الإسلام...".

2- نبذ أشكال الإقطاعية والجهوية والمحسوبية:

المادة 9/ فقرة 2: "لا يجوز للمؤسسات أن تقوم بما يأتي: الممارسات الإقطاعية، والجهوية، والمحسوبية".

إن النظام الجمهوري الديمقراطي للدولة يأبى الإقرار بجميع أشكال الممارسات الإقطاعية التي تسود الأجهزة الإدارية في النظم الشمولية والديكتاتورية، والإستغلال الإقطاعي يتنافى مع أخلاق الدين الإسلامي وأحكامه الداعية إلى العدل والإنصاف وتكريس دولة الحق والعدالة.

3- نبذ أشكال الإستغلال والتبعية:

المادة 9/ فقرة 3: " لا يجوز للمؤسسات أن تقوم بما يأتي:...

إقامة علاقات الاستغلال والتبعية".

وبخصوص الإستغلال دائما فقد صرّحت المادة 8/ فقرة 5: "يختار الشعب لنفسه مؤسسات غايتها ما يأتي:...

القضاء على استغلال الإنسان للإنسان".

إن استغلال الإنسان لأخيه الإنسان مظهر مقيت من مظاهر الإقطاعية التي تقدّم بحثها، وتأبى دولة تنشد الحق والقانون كدولة الجزائر إقرار مظاهر الإقطاعية واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان على نحو يتنافى مع مبدأ المساواة والعدالة، والتي تتطلّب رعاية الإنسان على نحوٍ يضمن له العيش بكل عزّة وكرامة، وهذا ما تدعوا إليه أخلاق الإسلام وتتضمنه أحكامه وتعاليمه.

ثانيا: الفصل الخاص بالحقوق والحريّات:

بحث الدستور الجزائري الحقوق والحريات في الفصل الرابع من الباب الأول المتعلق بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري في المواد 29 إلى 69؛ وفيما يلي طرف من بعض المضامين الأخلاقية والدينية للقواعد الدستورية التي جاء النص عليها في هذه المواد القانونية:

1- المساواة في الحقوق:

حيث جاء في نص المادة 29 من الدستور: "كل المواطنين سواسية أمام القانون. ولا يُمكن أن يُتذرّع بأيّ تمييز يعود سببه إلى المولد، أو العرق، أو الجنس، أو الرأي، أو أي شرط آخر شخصي أو اجتماعي".

ومبدأ المساواة في الحقوق كحق المواطنة بجوانبه العديدة مُقرّر شرعا كما عرفا وقانونا، فلا محاباة لعرق أو جنس أو رأي أو فكر كما نراه في الجهوية والعصبية والشعبوية المقيتة التي عرفت طريقها إلى مجتمعنا، ولا مجال لتمييز شرائح المجتمع ومحاباة بعضهم دون الآخر لأسباب غير موضوعية.

2- حماية حرمة الإنسان وكرامته:

تقول المادة 34 من الدستور: "تضمن الدولة عدم انتهاك حرمة الإنسان. ويُحظر أيّ عنف بدني أو معنوي أو أيّ مساس بالكرامة"، وتقول المادة 39: "لا يجوز انتهاك حرمة حياة المواطن الخاصة، وحرمة شرفه، ويحميها القانون".

استنادا إلى نص هذه المادة نلاحظ أن الدستور الجزائري قرّر مبدأ تدخّل الدولة لتعزيز مكانة المواطن، وتقوية مركزه القانوني الحقوقي المتعلق بحرمته وكرامته، وهنا تملك الدولة الحق في معاقبة من يمس كرامة المواطن ويعتدي بدنيا أو معنويا على كرامته إن حيّا أو ميتا.

وهنا تنص المادة 35 من الدستور: "يُعاقب القانون على المخالفات المرتكبة ضد الحقوق والحريات. وعلى كل ما يمسّ سلامة الإنسان البدنية والمعنوية".

وقريبا من ذلك فإن الدولة تتعهّد بحفظ حرمة المسكن؛ حيث جاء في المادة ما نصه 40 من الدستور: "تضمن الدولة عدم انتهاك حُرمة المسكن. فلا تفتيش إلا بمقتضى القانون، وفي إطار احترامه. ولا تفتيش إلا بأمر مكتوب صادر عن السلطة القضائية المختصة".

وكذا تعاليم الإسلام ومقتضيات أخلاقه لا تأبى ما تقدّم بل تقرّه، وتدعونا لرعاية الإنسان وحفظ حرمته وكرامته، وللتدليل على ذلك يكفينا شاهدا أن الله تعالى خلق الإنسان بيديه، ونفخ فيه الروح بقدرته، وصوّره في أتمّ وأكمل صورة، فأكرمه ونعمّه وقدّره، وأن الإسلام يرعى حرمة الإنسان حال حياته وحال مماته، وأنه لا مجال للمساومة في كل ما يتعلق بذلك حتى لو تعلّق بكافر علج.

إن حرمة دم الإنسان وعرضه وماله مرعي برعاية الإسلام وحفظه، إلا إن وجدت شرعا مُقتضيات استحلال ودواعي إباحة ذلك كله المقرّرة نصا وحكما.

3- الإعتراف للآخر بحرية المعتقد:

وهي قاعدة أقرّها نص المادة 36 من الدستور: "لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الرأي"؛ فأصل الدعوة إلى دين الإسلام وما يقتضيه من دعوة الأخر إلى اعتناق معتقداته الإيمانية، والتزام أحكامه العملية، ونبذ زواجره ونواهيه الاعتقادية والخلقية والعملية، يتطلّب احترام رغبة الأخر في دخول الإسلام، وعدم إكراهه على ذلك، لكن هذا كقاعدة عامة تبقى لها أحكامها الاستثنائية والتفصيلية الدقيقة، فقد يكون للإكراه مدخل مهم لإرغام غير المسلمين على إعتناق الإسلام أو على الأقل البقاء على معتقداتهم الدينية لكن مع ارتضاء النزول لقانون الإسلام والاحتكام إليه والتزام أحكامه.

هذا وأيضا أشارت المادة 8/ فقرة 4 إلى قاعدة إقرار حرية المعتقد للآخر من خلال قولها: "يختار الشعب لنفسه مؤسسات؛ غايتها ما يأتي:...

حماية الحريات الأساسية للمواطن، والازدهار الاجتماعي والثقافي للأمة".

فمن خلال مؤسسات الدولة التي يختارها الشعب تتعزّز حرية الآخر في ممارسة حريته في التدين والمعتقد تحت كنف حماية مؤسسات الدولة، وهذا يُكرّس لمبدأ تدخل الدولة في حماية حقوق وحريات المواطنين.

لكن، من المهم التأكيد على أن قاعدة إقرار حرية المعتقد للآخر ليست على إطلاق، وأن الدولة معنية لزاما بحماية بيضة الدين الإسلامي والذود عن حياضه أمام سيل عرمرم من الدعوات الدينية الهدامة والأفكار النجسة المنحرفة والتيارات والمذاهب الدينية المتطرفة التي تمسّ بأصل الدين الرسمي للدولة وسماحة تعاليمه.

وهنا أقول مُحذّرا ممن يمتطي صهوة هذه القاعدة ويتخذها ذريعة لتبريرإلحاده وشركه وكفره بداعي أن حقه في حرية اعتناق أيّة عقيدة والتدين بأيّة شريعة مكفول دستورا، وهذا التصور الخاطئ يتسبب في عديد الفتن الفكرية التي قد تعصف بالأمن الديني للمجتمع، ويجعله أمام قابلية التدين بما بدا له من معتقدات وإن اشتملت على مضامين شركية وكفرية وإلحادية وإفسادية.

على الدولة أن تحذر من فتح باب شرّ عظيم قد يصعب غلق دفّتيه أمام حملات التغريب والتنصير والتهويد والمعتقدات الفاسدة لبعض الجماعات التي اتخذت من الإسلام عنوانا لدعوتها والإسلام بُراء منها.

إذن حرية المعتقد تستقيم بالتزام دين الدولة، وما سنّته في هذا الإطار من قوانين داخلية تنظيمية، فلا مجال للتطاول على مُقدّساتها.

4- براءة الذّمة من المتابعة والمساءلة:

نصت المادة 45 من الدستور على أن: "كل شخص يُعتبر بريئا حتى تُثبت جهة قضائية نظامية إدانته، مع كل الضمانات التي يتطلّبها القانون".

ونصت المادة 46 من الدستور على أنه: "لا إدانة إلا بمُقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرّم".

ونصت المادة 47 من الدستور على أنه: "لا يُتابع أحد ولا يُقف أو يُحتجز إلا في الحالات المُحدّدة بالقانون، وطبقا للأشكال التي نص عليها".

وعلى ضوء هذه النصوص؛ تنتفي أوجه المساءلة والمتابعة والإدانة عن كل مواطن حتى يقوم الداعي إلى مساءلته ومتابعته أمام القانون، ووفقا لمقتضياته التي نص عليها، وهو ما ترضاه تعاليم الإسلام ومضامينه الأخلاقية التي تحفظ الذمم البريئة من الاتّهام حتى يقوم الدليل البيّن على اتهامها وشُغلها بالمساءلة والمتابعة والمجازاة.

5- حماية الأسرة:

هو حق دستوري كفلته المادة 58 من الدستور بقولها: "تحظى الأسرة بحماية الدولة والمجتمع".

فتتدخل الدولة لزوما ووجوبا لحماية الأسرة من أضرب التجاوزات والإعتداءات والتدخلات؛ سواء تعلّق الأمر بأفرادها مجتمعين (الزوجان والأبناء) أو متفرّقين، كما أن المجتمع بأشخاصه الطبيعين وأشخاصه المعنويين معني أيضا برعاية الأسرة من خلال العمل الجمعوي وغيره، والإسهام في نشر ثقافة الوعي الأسري، خاصة وأن الأسرة هي أسّ المجتمع وسبب صلاحه وقوام بنائه وذروة سنامه، والإسلام بتعاليمه يرعاها ويحفظ كيانها وعمل على ترقيتها.

ثالثا: الفصل الخاص بالسلطة التنفيذية:

وهو أول فصل من الباب الثاني الخاص بتنظيم السلطات؛ حيث تناولته مُفصّلا المواد 70 إلى 97 من الدستور.

وتشترط المادة 73/ فقرة 3 شرط الإسلام في كل مترشح لمنصب رئاسة الجمهورية؛ بقولها: "لا يحقّ أن يُنتخب لرئاسة الجمهورية إلا المترشح الذي:...يدين بالإسلام".

كما تُلزم المادة 76 رئيس الجمهورية بتأدية اليمين الدستورية التي يتعهّد من خلالها باحترام الدين الإسلامي قبل أن يتعهد بأي شيء آخر؛ وفي هذا تأكيد على أن الإسلام شرط مرعي وجوبا في حق رئيس الدولة؛ والشاهد على ذلك من المادة 76 قولها: "...أُقسم بالله العلي العظيم أن أحترم الدين الإسلامي وأُمجّده...".

والقاعدة الفقهية في فقه الشريعة الإسلامية تقضي بأنه لا ولاية للكافر على المسلمين.

رابعا: الفصل الخاص بالسلطة التشريعية:

جاء في المادة 122/ فقرة 2 ما نصه: "يُشرّع البرلمان في الميادين التي يُخصّصها له الدستور، وكذلك في المجالات الآتية:...

القواعد العامة المتعلقة بقانون الأحوال الشخصية، وحق الأسرة، ولا سيما الزّواج، والطلاق، والنبوّة، والأهلية، والتركات".

ومن المعلوم أن أحكام وقواعد قانون الأسرة أو قانون الأحوال الشخصية مصدرها الرئيسي أحكام فقه الشريعة الإسلامية (الفقه الإسلامي).

خامسا: الفصل الخاص بالمؤسسات الاستشارية:

نص الدستور الجزائري على نوعين من المؤسسات الإستشارية هي: المجلس الإسلامي الأعلى والمجلس الأعلى للأمن؛ وما يهمنا هنا هو المجلس الإسلامي الأعلى الذي تناولته المادتان 171 و172 من الدستور؛ حيث نجد أن هذا المجلس من حيث تسميته واختصاصاته ذو طابع إسلامي؛ يدلّ على ذلك نص المادة 171: "يُؤسّس لدى رئيس الجمهورية مجلس إسلامي أعلى يتولّى على الخصوص ما يأتي:

- الحثّ على الاجتهاد وترقيته.

- إبداء الحكم الشرعي فيما يُعرَض عليه.

- رفع تقرير دوريّ عن نشاطه إلى رئيس الجمهورية".

وتعزيزا لمضامين هذا النص الدستوري صدر المرسوم الرّئاسي رقم 98-33 المؤرخ في 24 يناير 1998 المتعلق بالمجلس الإسلامي الأعلى؛ حيث فصلت المادتان 2 و3 منه ما نصت عليه المادة 171 أعلاه من صلاحيات شرعية يضطلع بها المجلس الإسلامي الأعلى.

وأيضا من حيث تشكيلته البشرية (العضوية) يتكون من كفاءات وطنية في مختلف التخصصات العلمية على رأسها العلوم الشرعية الإسلامية؛ تقول المادة 172 من الدستور: "يتكون المجلس الإسلامي الأعلى من خمسة عشر (15) عضوا منهم الرئيس، يُعيّنهم رئيس الجمهورية من بين الكفاءات الوطنية العليا في مختلف العلوم".

سادسا: الباب الخاص بالتعديل الدستوري:

تقدّم معنا نص المادة 178/ فقرة 3 من الدستور: "لا يُمكن أن تعديل أن يمُسّ:...

الإسلام باعتباره دين الدولة". وفي هذا تعزيز لنص المادة 2 السابقة: "الإسلام دين الدولة"؛ وتأكيد على أنه لا مجال للتنازل عن دين الدولة الجزائرية وهو الإسلام أو إلغائه والتنصل منه، والذي يبقى فوق إرادة البشر بتعديله والمساس به، مع التسليم دائما بفرط التقصير الفادح والحاصل بسبب زهد الدولة في الإستفادة من قانون دين الإسلام (القانون الإسلامي) أوعلى الأقل توسيع دائرة العمل بمضامينه التشريعية.

هذا وأشير في الأخير إلى أن الدستور الجزائري غيض من فيض الدساتير العربية التي تشتمل على مضامين شرعية، سواء منها ما تعلق بالشرع الإسلامي أو حقوق الأقليات غير المسلمة المرعية نحو الأقباط كما في الدستور المصري، أوغيرهم كما في الدستور اللبناني وهي من بين أقدم الدساتير في المنطقة العربية مقارنة بالدستور الجزائري.

وهنا أختم بملاحظة هامة: إن الملامح الشرعية أو ذات البعد الشرعي والديني لعديد المضامين الدستورية؛ لا يجعل من الدستور الوضعي دستورا شرعيا أو دينيا أو إسلاميا، ولا يجوز شرعا ولا يصح قانونا وصفه كذلك؛ ذلك أن الدستور الإسلامي الشرعي ما تأسس على قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية واستند إلى نصوصها ومبادئها الشرعية.

والأمثلة على الدساتير ذات البعد الشرعي الإسلامي عديدة منها مثلا: ما اقترحه كل من مؤتمر العلماء في باكستان عام 1370هـ، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر عام 1397هـ، والمجلس الإسلامي العالمي في العام 1404هـ، أو ما صاغه الدكتور مصطفى كمال وصفي رحمه الله تعالى...وغيرهم.

ويبقى الاشتغال على ترقية دساتيرنا العربية، وتعزيز دولة الحق والقانون في ظلّ دستور قوي لا يزول بزوال الرجال، ولا يتغيّر بمتغيّرات السياسية بقدر ما يتغيّر على نحوٍ يرعى حقوق وحريات المواطن، ويُعزّز دولة الحقّ والقانون كما أشرت...

كتبه: عبد المنعم نعيمي.

أستاذ بكلية الحقوق- جام


  • 1

  • عبد المنعم نعيمي
    وما من كاتبٍ إلا سيفنى *** ويُبقي الدَّهرَ ما كتبت يداهُ *** فلا تكتب بخطك غير شيءٍ *** يَسُرّك في القيامة أن تراهُ
   نشر في 28 نونبر 2014 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم











عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا