الديموقراطية المزيفة في العهد الملكي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الديموقراطية المزيفة في العهد الملكي

الديموقراطية المزيفة في العهد الملكي

  نشر في 14 نونبر 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

كتبه:أحمدأحمدغانم

يصر أصحاب الدعاوي الديموقراطية علي أن التوسع في تطبيق النموذج الديموقراطي علي النمط الليبرالي الغربي يؤدي إلي نزاهة الحكم و القضاء علي الفساد و يؤدي إلي الحكم الرشيد و إزدهار الشعوب ويقلل من الصراعات وبالتالي يساهم في السلم الدولي . والديموقراطية بالتعريف هي حكم الشعب بواسطة الشعب ولمصلحته , وأن آليات الحكم الديموقراطي هو صندوق الإنتخابات الحر النزيه وتحكمها مجموعة من القيم كحرية الصحافة وحرية التعبير و الإعتقاد ونزاهة الصندوق الانتخابي وضمان حقوق الإنسان . وهدف المقالة هو الإجابة علي التساؤل التالي : هل يمكن وصف الحكم القائم قبل ثورة 23 يوليو 1952 هو ـ إجمالاً ـ حكم ديموقراطي أدي إلي إزدهار المجتمع المصري وتقدم البلاد ؟ لأن بعض المغرضين يتهمون ثورة يوليو بأنها قضت علي التجربة الديموقراطية المزدهرة في العهد الملكي !!!

• في العام 1882 م تحركت جيوش المستعمر البريطاني نحو الحدود المصرية و احتلت البلاد متذرعة بأن قواتها تساند الحكم الشرعي في مصر ـ الخديوي توفيق ـ وتغلبت علي قوات الزعيم أحمد عرابي في معركة التل الكبير بعد خيانة ديليسبس , و منذ هذا الوقت أصبحت مصر مستعمرة إنجليزية , في حين أعلنت أنها لا تنوي احتلال مصر لمدة طويلة , ولكنها أبقت قواتها وتحكمت في البلاد لمدة 72 عاماً!!!! تحكمت بريطانيا في مصير البلاد والعباد واستغلت ثرواتها وسخرتها في مصلحة مشروعها الإمبراطوري , وأمنت المواصلات الإمبراطورية في الهند و الخليج بالسيطرة علي قناة ورزحت مصر تحت الوطأة الثقيلة للإحتلال العسكري المباشر .

• في العام 1914م وعلي وقع أحداث الحرب العالمية الأولي , أعلنت بريطانيا الحماية علي الأراضي علي مصر وكانت مصر حتي هذا الحين تحت السيادة الأسمية للسلطنة العثمانية , ويتحدد مركز مصر وفقاً لإتفاقية لندن 1840م بالإعتراف بإستقلال مصر وحق وضمان عرش مصر في أسرة محمد علي , وفرضت الأحكام العرفية , وسن قانون منع التجمهر , الذي يمنع اجتماع خمسة أشخاص معاً في محل عمومي أو في الطريق العام ولو لم يكن لديهم القصد الجنائي واعتبرته معاقب عليه بالحبس , ولم يوجد مثل هذا النص في القانون الجنائي المصري من قبل , و ألغت وزارة الخارجية المصرية التي ستتولي أعمالها وزارة الخارجية البريطانية , وأوقفت عمل الجمعية التشريعية ـ وهي جمعية شبه نيابية ـ كان وكيلها سعد زغلول باشا ولم يُبد هو أو أي من رفاقه أو مسئول آخر أي إعتراض علي إعلان الحماية البريطانية علي مصر , وهذا يعطينا فكرة عن مستوي الوعي الوطني في هذه الأيام .

طلبت بريطانيا من الخديوي عباس حلمي الثاني العودة للبلاد فوراً من الأستانة , فلما تلكأ في العودة , تم خلعه من الحكم , وقامت سلطة الإحتلال بتولية حسين كامل وتسمي " بالسلطان حسين كامل " تحت الحماية البريطانية , بعدها تعرضت مصر لأكبر عملية استنزاف لموارد البلاد و سكانهم . فقد سخرت بريطانيا كل موارد البلاد البشرية و المادية لصالح المجهود الحربي , فصادرت كل المواشي و الدواب من فقراء المصريين لإستخدامها في أعمال النقل , وكذا استخدمت المصريين " بالسخرة " و أطلقت عليهم " متطوعين " و كان بالقهر والإكراه , وقد تحول التجنيد إلي وسيلة للإنتقام بيد العمد و المشايخ ضد الأشخاص الذين لا يرضي عنهم هؤلاء . ليس هذا فحسب بل استخدمت المصريين في أعمال القتال عن طريق تجنيدهم اجبارياً , وعندما حاول هؤلاء التذمر و الشكوي من سوء المعاملة و سوء التغذية عن طريق التظاهر تم الرد عليهم بالرصاص وأريقت دمائهم , وقد أعترف البريطان أنفسهم في مقال نشر بجريدة " رائد العمال " الإنجليزية في العدد الصادر 3 إبريل 1919م يصف فيه مظالم التطوع الإجباري : " ...يأخذ العمال من الحقول بالإكراه , وطريقته أن يدخل رجال الحكومة القرية وينتظرون رجوع الفلاحين إلي منازلهم في الغروب , فيحدقون بهم كالأنعام , و ينتقون خيرهم للخدمة , فإذا رفض أحدهم هذا " التطوع الإجباري " جلد حتي الإقرار بالقبول " (1) , وهذا يذكرني بالإسلوب المُتبع في أفريقيا في العهد الإستعماري , حيث يتم اصطياد الأفارقة في كمائن يجري فيها خطفهم من قراهم و إرسالهم إلي سفن تنتظرهم علي الشاطئ لنقلهم إلي القارة الأمريكية .

تعرضت مصر لحالة غلاء في المعيشة و إفقار للمصريين جراء سياسات الإحتلال الإنجليزي , وموجات تضخم و خسارة لحقت بالفلاحين بسبب احتكار الإنجليز لعملية شراء و بيع القطن المصري و منع المصريين من بيعه بأنفسهم للأجانب و التحكم في سعر بيعه .

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولي , وتأكد انتصار الإنجليز علي الحلف الذي تزعمته ألمانيا , وعلي إثر مطالبة الشعوب بالحرية و جلاء المستعمرين ووعود الدول الكبري بالحرية للشعوب المقهورة , بالإضافة إلي سوء معيشة المصريين و سوء معاملة الإنجليز , تشكل الوفد المصري من سعد زغلول باشا ـ عبد العزيز فهمي ـ علي شعراوي وطلبوا مقابلة المندوب السامي البريطاني " سير ونجت " للترخيص في سفر الوفد إلي لندن للتفاوض مع الحكومة البريطانية بشأن المسألة المصرية و إستقلال البلاد .

تعاطفت الحكومة المصرية برئاسة حسين رشدي مع مطالب الوفد المصري لدرجة تقديمها استقالتها عندما رُفض طلب سفر الوفد مما ألهب المشاعر الوطنية , فلم يكن القبض علي سعد زغلول ورفاقه يوم 8 مارس أذار سوى عود الثقاب الذي أشعل الثورة في البلاد , وقد بدأت الأحداث بمسيرات سلمية لطلبة مدرسة القانون ـ كما كانت تسمي وقتها ـ يوم الأثنين 10 مارس , أعقبها مظاهرات للمحامين و سقوط أول شهيد وكان من طلبة الحقوق , وشاركت السيدة المصرية لأول مرة في مظاهرات كان لها صدي كبير وأشعلت حمية الرجال , ووصل عدد الشهداء المصريين إلي أكثر من ألف شهيد في العاصمة والأقاليم , وظلت البلاد في حالة ثورية و أعمال عنف ضد القوات الإنجليزية لمدة شهر كامل وعلي فترات متقطعة حتي نهاية شهر نيسان إبريل , وقام المصريون بقطع خطوط السكة الحديد , واستهداف المنشآت العسكرية الإنجليزية , ورد الإنجليز بالرصاص و إحراق المدن والقري كما حدث في نزلة الشوبك في العياط , حيث اعتدت فرقة انجليزية مسلحة نزلة الشوبك واعتدت علي اعراض النساء وقتلت رجالهن وسلبت حلُي النساء ثم احرقت القرية فدمرت مائة و أربعين بيتاً , ما فعلوه في نزلة الشوبك فعلوه في العزيزية و البدرشين بالجيزة .(2)

فاجئت الثورة الحكومة الإنجليزية و المندوب السامي " سير ونجت " الذي تم استبداله بأللنبي Allenby فيما بعد لمعالجة الأمور و تهدئة البلاد , فتم بعد فترة الإفراج عن سعد زغول ورفاقه " محمد محمود وحمد الباسل وإسماعيل صدقي " من منفاهم ففي جزيرة مالطة , وظلت البلاد في حالة ثورية حتي سبتمبر.

بعثت بريطانيا بلجنة سميت " لجنة ملنر " وهو وزير المستعمرات البريطاني , وقد قرر أنه سوف يحاول إشراك المصريين في الحكم بالتدريج حتي يتم تدريبهم و تأهليهم للحكم بأنفسهم !!! لا أحد من المصريين قابل هذه اللجنة أو أعارها إهتماماً .

كل مقترحات ملنر ـ كغيره ـ من المسئولين الإنجليز اللاحقين , كان في الجوهر الإبقاء علي الحماية وإن بوسائل أخري .

سادت قناعة لدي الوفد المصري بأنه من الضروري تشكيل لجنة لوضع دستور للبلاد ينص علي وجود مؤسسات دستورية للبلاد ـ هكذا كانت الترجمة للكلمة الإنجليزية

Self –government institution التي قيلت أثناء المفاوضات المصرية البريطانية , بالرغم من أن معناها سلطات الحكم الذاتي ـ فتشكلت لجنة من قبل ملك البلاد " الملك فؤاد " وضعت مشروع دستور 23 , وأجريت علي أساسه الإنتخابات النيابية في العام 1924م و شهد الجميع بنزاهتها وأكتسح نواب الوفد هذه الإنتخابات .

سعد زغلول

أصبح سعد باشا زغلول أول رئيس وزراء مصري منتخب ديموقراطيا من قبل الشعب عام 1924م , واتخذت وزارة سعد زغلول اجراءات الإفراج عن المعتقلين , و خاض تجربة المفاوضات مع الجانب البريطاني برئاسة ماكدونالد , رئيس الوزراء العمالي , وكان يظن أن العمال يختلفون عن المحافظين , إلا أن أماله قد خابت بعد أن أكتشف أنه لا فارق حقيقي بين الحزبين المحكومين بنظرة استعمارية وفشلت المفاوضات .

في 15 نوفمبر 1924م تقدم سعد زغلول بإستقالته تحت ضغط مظاهرات طلاب الأزهر , وكان تسيير هذه المظاهرات بإيعاز من السراي , ولكنه عاد عنها .

من سوء طالع سعد زغلول في نوفمبر 1924م قتل قائد الجيش المصري في السودان السردار لي ستاك في شوارع القاهرة برصاص أشخاص متربصين به في سيارة علي ناصية أحد شوارع القاهرة . فإهتزت البلاد لهذا الحادث واتخذ منه المندوب السامي البريطاني أللنبي ذريعة لإسقاط الوزارة المنتخبة ديموقراطياً و سحب الجيش المصري من السودان .

أرسل الجنرال أللنبي انذاراً إلي الحكومة المصرية ومضمونها ضرورة القبض علي الجناة ودفع فدية للحكومة البريطانية ومنع المظاهرات التحريضية و سحب الجيش المصري من السودان , قبل سعد باشا كل المطالب فيما عدا المطالب الخاصة بسحب الجيش المصري من السودان , فما كان من الجنرال أللنبي سوي إحتلال جمارك الأسكندرية مما أدي إلي إستقالة سعد باشا من منصبه و تولي زيور باشا رئاسة الوزراء ورضخ لكل المطالب البريطانية ومنها سحب الجيش المصري من السودان الذي كان خطوة مهمة لفصل السودان عن مصر . في العام 1927م توفي الزعيم الوفدي سعد باشا زغلول , فهل كانت الإرادة المصرية ممثلة في رئيس وزرائها وبرلمانها حرة من كل قيد أو إكراه ؟

في العام 1927م تشكلت لجنة فرعية في البرلمان المصري للنظر في مقترحات خاصة بتطوير الجيش المصري و تحديث معداته , فماذا ياتري كان موقف المستعمر البريطاني ؟

هاجت بريطانية وهدد مسؤلوها المصريين وتم الدفع ببوارج بريطانية أبحرت من مالطة إلي السواحل المصرية , مما حدا بمجلس النواب بالتراجع وانتهت الأزمة تحت الردع البريطاني والتهديد . فهل كان الشعب المصري ممُثلاً في نواب البرلمان حر الإرادة ؟!!!

في العام 1930م تألفت حكومة مصطفي النحاس باشا بعد انتخابات نزيهة , مما مكنت الوزراة في تشكيل وفد للتفاوض مع البريطان للوصول إلي جلاء المحتلين " النحاس ـ هندرسن " و لم تتوصل المفاوضات إلي نتيجة مرضية للمصريين , وما أن تم قطع المفاوضات حتي قام الملك بالتعاون مع أحزاب الأقلية بالتدبير لإسقاط الوزارة الشرعية المنتخبة , وأمتنع الملك عن التوقيع علي المراسيم وفقاً للدستور مما تسبب في شلل في أعمال الوزارة و أضطرتها إلي الإستقالة في يونية 1930 بعد حكم دام لمدة عام فقط .

من المعلوم أن الملك فؤاد لم يكن يطيق الصبر علي رئيس وزارة حر و مستقل ويعمل علي إسقاطه . ومن المعلوم أيضاً أن واجب الملك هو أن يعهد إلي البرلمان بتشكيل حكومة جديدة كما تقضي التقاليد و الأعراف الديموقراطية , إلا أن الملك فؤاد عهد إلي إسماعيل صدقي

ـ الملقب بجلاد الشعب بتأليف وزارة جديدة ـ علي غرار ماحدث في العام 1924م ـ كانت موالية للسراى وليس للشعب , وكان أول عمل قامت به وزارة صدقي باشا هو تأجيل أنعقاد البرلمان لمدة شهر , ووضعت حدكومة صدقي باشا الدبابات أمام مبني البرلمان لمنع النواب من دخوله , بعد شهر أصدر صدقي مرسوم بفض الدورة البرلمانية ولم يكن البرلمان قد ناقش أو أقر الميزانية بعد .

ألغت وزارة صدقي دستور 23 ـ أحد ثمار كفاح الشعب المصري ـ وأسُتبدل بدستور 30 , وألغيت فيه جملة " الأمة مصدر السلطات " كما هو حال دساتير الدول الحرة و الديموقراطية , وأعطي سلطات واسعة للملك تجعله فوق الأمة , مما جعل الأحزاب تقاطع الانتخابات البرلمانية التي أجريت عقب تلك الأحداث , وأتخذت اجراءات مست حرية الصحافة في الصميم , وإيقاف صدور جرائد " كوكب الشرق " و " البلاغ " و " اليوم "

وكلها من جرائد حزب الوفد , وانتهكت حريات المصريين وطالهم التعذيب و الإعتقال و قضية البداري مثال علي ذلك , فقد تبين علي إثر الحكم علي اثنين من المصريين بالإعدام للأول و الأشغال الشاقة علي الثاني , أن الذي دفعه لذلك هو استبداد وتسلط مأمور مركز البداري الذي سامهم سوء العذاب , وقد نقضت محكمة النقض هذا الحكم وتم تخفيف الأحكام , فيما تبين أن حكومة صدقي باشا تتعقب خصومها السياسيين في حرياتهم وأرزاقهم , في العام 1933م تقدم صدقي باشا بإستقالته بعد أن أدي مهمته كما طلبتها منه السراي .

فاروق


• حادث 4 فبراير 1942م 

 علي وقع الهجمات النازية علي الجبهات الأوربية , أرادت سلطة الإحتلال الإنجليزي وزارة وفدية برئاسة النحاس باشا لأنها لم تكن تثق في الوزارة الحالية و أرادت وزارة تتمتع بإرادة شعبية وأبلغوا رغبتهم إلي الملك " فاروق " الذي خلف والده الملك " فؤاد " بعد وفاته 1936م , ولم يُكن الملك الشاب يرغب في توليه الوزارة رجل صاحب سطوة وشخصية , لذلك نصحة أحمد حسنين باشا رئيس ديوان الملك بأن يجمع رؤساء الأحزاب المصرية في قصر عابدين للتشاور حول تشكيل حكومة ائتلافية , دُعي أحمد ماهر , مصطفي النحاس باشا , علي ماهر , أحمد زيور , إسماعيل صدقي , محمد محمود خليل وحسين سري وآخرين , وأنتهي اللقاء برفض الوفد برئاسة النحاس باشا مقترح تشكيل حكومة ائتلافية من كل الأحزاب , وكانت حجته في ذلك أنها لن تكون وزارة منسجمة و ستفشل حتماً .


في 4 فبراير 1942 م قابل مايلز لامبسون , السفير البريطاني رئيس الديوان الملكي وسلمه انذار بريطاني نصه كالآتي " إذا لم أسمع قبل الساعة السادسة مساءاً أن النحاس باشا قد دعي لتأليف الوزارة فإن جلالة الملك يجب أن يتحمل ما يترتب علي ذلك من نتائج . " وكان نص الإنذار مُهيناً مما حدا برؤساء الأحزاب الحاضرين في إجتماع قصر سراي عابدين إلي الإحتجاج و رفض الإنذار , مما صب في صالح الملك فاروق

و رئيس ديوانه حسنين باشا اللذان رغبا في كسب الوقت أملاً في إفساد خطة السفير البريطاني في فرض وزارة وفدية برئاسة النحاس باشا تناؤي الملك في سلطته .

حمل رئيس الديوان حسنين باشا رد الحاضرين و إحتجاجهم إلي السفير البريطاني الذي أجاب : " بأن هذا ليس ردا " و أن : " وأنه سيحضر لمقابلة جلالة الملك فاروق في الساعة التاسعة مساءاً من نفس يوم 4 فبراير . "

قبيل حضور السفير البريطاني مايلز لامبسون " الذي عرف باللورد كيلرن فيما بعد " إلي سراي قصر عابدين حيث يقيم الملك فارق , حضرت الدبابات الإنجليزية لتحاصر سراي عابدين مع جنود مسلحين حتي أسنانهم , أعقب ذلك حضور السفير الإنجليزي في صحبة الجنرال أستون قائد القوات البريطانية في مصر ودخلا غرفة الملك فاروق واجتمعا به بحضور رئيس الديوان الملكي ـ مستشار الملك الحقيقي ـ حسنين باشا وبيد السفير ورقة التنازل عن العرش , وهم الملك فاروق بالتوقيع عليها لولا أن قام رئيس الديوان الملكي حسنين باشا بالإنفراد جانباً بالملك فاروق قبل أن يوقع بالتنازل عن العرش ونصحه بقبول الإنذار البريطاني .

بعد انتهاء المقابلة مع السفير البريطاني , استدعي رئيس الديوان الزعماء للإجتماع ثانية , وقال لهم الملك فاروق : " اعتبروا ما دار بينكم من الحديث وما قررتموه اليوم كأن لم يكن , وأكلفك يا نحاس باشا بتشكيل الوزارة . "

حاول النحاس باشا الإعتذار و طلب إعفاؤه من هذه المهمة ! ولكن جلالة الملك فاروق أصر علي أمره بتأليف الوزارة , عندئذ قال أحمد ماهر : " كنت أظن أن النحاس باشا , وهو يقول عن نفسه زعيم البلاد و صاحب معاهدة الشرف و الإستقلال يرفض تشكيل الوزارة , أما وقد قبلها , فإني أعلن في حضرة مليك البلاد أن النحاس باشا يتولي الحكم الليلة مستنداً إلي أسنة رماح الإنجليز . " فقال النحاس باشا : " لست أنا الذي يستند إلي أسنة الرماح . " فقال إسماعيل صدقي : " أظن أن رفعتكم وصلتم إلي هنا بعد إنصراف الدبابات . " فتدخل الملك و أشار علي المتحدثين بالسكوت .

أثرت هذه الحادثة بشدة علي الملك فاروق وشكلت سلوكه تجاه الأحداث وطريقته في النظر للأمور , وتبين أن الحكم في مصر يقوم علي ثلاثة أعمدة " السفارة الإنجليزية ـ السراية ـ الوفد " يمكن الرجوع إلي ذكريات السفير البريطاني لورد " كيلرن " عن هذه الحادثة في مذكراته التي كتبها بنفسه ونشر جزء منها الكاتب حسنين هيكل في كتابه الهام " سقوط نظام " , المؤسف في الأمر ليس في قبول النحاس باشا ـ زعيم الأمة ـ بتشكيل الوزارة بأمر السفير الإنجليزي فحسب , بل تطور الأمر إلي الحد الهتاف بحياة السفير الإنجليزي الذي جاء مهنئاً النحاس باشا بتوليه الوزارة من قبل مصريين مؤيدين للوفد في سابقة مخزية سجلها التاريخ للنحاس باشا الذي جاء للحكم علي ظهر دبابة المستعمر . فهل كانت الإرادة الشعبية مصونة و الكرامة الوطنية محفوظة ؟!!!

بعض الضباط الذين شهدوا الحادث بكي من شدة الحزن و الإهانة التي لحقت بمليكهم ورمز البلاد .

حرية الصحافة في العهد الملكي

زخر عهد إسماعيل صدقي , كما كل عهود الحكومات الإنقلابية التي تتولي الحكم بموافقة السراي , بالتضييق علي حرية الصحافة من تعطيل للصحف كما حدث مع جرائد حزب الوفد وإغلاقها بقرارات إدارية من الوزارة , وتشديد العقوبات بشأن الجرائم التي تقع بواسطة الصحافة , وذلك بإصدار قانون رقم ( 28 ) لسنة 1931 , والقانون ( 98 ) لسنة 1931 الذي وضع المزيد من العقبات في سبيل إنشاء الصحف و استمرارها ما لم يسبق له نظير . فهل انفردت وزارة إسماعيل صدقي بهذه الانتهاكات ؟

الوفد و الحريات العامة

كان ديدن الوفديون معارضة إعلان الأحكام العرفية و التضييق علي الحريات العامة من قبل الحكومات التي كانوا يعارضونها , كان هذا الموقف في حال وجود الوفد في موقع المعارضة , و مثال ذلك ما حدث عام 1940 حين تقدم الوفد بمذكرة لحكومة علي ماهر وأتهمتها أنها تستخدم الأحكام العرفية ضد خصومها و تكميم الأفواه , في حين أن وزارة النحاس باشا قد استغلت الأحكام العرفية ضد خصومها .

الوفد و نزاهة الحكم

كان حزب الوفد قبل ثورة 1952م حزباً جماهيرياً شعبياً يكتسح أعضاؤه جميع الإنتخابات البرلمانية التي جرت بنزاهة , لهذا يأتي الحديث عنه بإعتبار أنه يمثل الحزب الأقوي الممثل لإرادة الجماهير .

ألف النحاس باشا وزارة 1937م , وهي وزارته الرابعة , وقد ألفها من وفديين كالوزارة السابقة بعد أن أدخل في تشكيلها تعديلاً كبيراً , إذا أخرج منها أربعة من أعضاء وزارته السابقة وهم : محمود فهمي النقراشي و محمد صفوت ومحمود غالب و علي فهمي , وكان إخراج النقراشي باشا من الوزارة الجديدة مثار دهشة الرأي العام المصري لأن النقراشي كان بلا مراء دعامة كبري من دعائم الوفد , ولم تكن وزارة النحاس باشا الرابعة سوي استمراراً لوزارته الثالثة , ولم تكن أستقالته إلا أمراً شكلياً أقتضاه تولي الملك فاروق سلطته الدستورية بعد رفع الوصاية عنه , وتعددت الإتجاهات في تفسير سبب خروج النقراشي باشا من الوزارة الجديدة , بعضها يذهب إلي أن النقراشي كان كثير المعارضة داخل مجلس الوزراء , وأنه يجب أن يسود الإنسجام بين عناصر الوزراة لتتمكن من أداء عملها بنجاح , ولكن الحقيقة هي أن النحاس باشا تغير بعد زواجه وتوقيعه علي معاهدة 1936م وأخذ يتساهل في مسألة النزاهة و الإستقامة .....ومن هنا جاء إقصاؤه للنقراشي لأنه عارضه في تنفيذ مشروع توليد الكهرباء من خزان أسوان بالطريقة التي إرتأتها وزارة النحاس باشا , فقد عارض النقراشي أن يقرر مجلس الوزراء بناء علي اقتراح النحاس باشا اعطاء المشروع لشركة بعينها بدون إجراء مناقصة , وهي شركة الكهرباء الإنجليزية , ودون مناقصة عالمية يتم فيها أختيار أفضل شركة لتقوم بالتنفيذ , فاعترض النقراشي باشا ولم يكن وحيداً في معارضته هذه , إنما كان إلي جانبه و محمود غالب و محمد صفوت علي هذه الطريقة , فأسرها النحاس في نفسه حتي حانت الفرصة في التشكيل الوزاري وتم طرد النقراشي .

الوفد و المحسوبيات

نادي النحاس باشا عند تأليفه وزارته الثالثة " لا حزبية اليوم " , ولكنه أخذ يميل تجاه أعضاء حزبه و أنصاره وقام بفصل الكثير من العمد و المشايخ تلبية لرغبات أنصارها .

و مارست الوزارة الوفدية الإرهاب ضد خصومها وذلك بتشكيل فرق رياضية تحولت بمرور الوقت إلي منظمة تمارس الإرهاب السياسي ضد خصوم الوفد وتسمت " فرق القمصان الزرقاء " .

الوفد و المحسوبيات و الفساد

طلبت الوزارة من اللجنة المالية الموافقة علي منح استثناءات لموظفين وفديين , وكان مكرم عبيد بوصفه وزيراً للمالية , رئيس هذه اللجنة , فقررت اللجنة عدم الموافقة علي هذه الإستثناءات , وقدمت مذكرة بقرارها إلي مجلس الوزراء أن هذا يُعد إجحاف بحقوق الموظفين الذين يُراد تخطي دورهم في الترقية , وأن هناك موظفين ممتازين سيتم تخطيهم ومما سيتسبب في قلاقل داخل الجهاز الحكومي , ولكن مجلس الوزراء برائاسة النحاس باشا رفض المذكرة وأقر الترقيات الإستثنائية . بالإضافة إلي أن مكرم عبيد قد رفض طلبات تصدير أصحابها من أصهار النحاس باشا استندوا فيها إلي صلتهم برئيس الوزراء , فثارت ثائرة النحاس باشا وطلب إلي مكرم عبيد أن يتقدم بإستقالته فرفض مكرم عبيد الإستقالة , فرفع النحاس إستقالة الوزارة كلها للملك , ولما عهد الملك إلي النحاس باشا لتأليف وزارة جديدة ألفها بدون مكرم عبيد . لاحقاً تقرر فصل النحاس باشا من حزب الوفد , وستنتهي فصول المعركة بين الأصدقاء القدامي بقيام مكرم عبيد بتأليف " الكتاب الأسود " الذي يرصد فضائح و انحرفات مالية قام بها الوفد في الفترة من 1942 إلي 1944م يرتكن إليه الملك فاروق في التشهير بحكومة النحاس باشا انتقاماً من النحاس باشا علي موافقته علي تشكيل الوزارة تحت تهديد الدبابة الإنجليزية ...

أي ديموقراطية تلك التي تعطي الثروة للأقلية ( 5. % ) النصف في المائة من السكان وباقي السكان محرومين من ثروة بلادهم في ظل نظام اقطاعي ورأسمالية تحتمي بالمحتل الأجنبي وتتقاسم معه خيرات البلاد . أي ديموقراطية تلك التي لم يحكم فيها حزب الأغلبية سوي سنوات معدودة من عام 1923م وحتي قيام الثورة في 1952م تآمر عليه السراي و الإنجليز . كما لم تنعكس هذه الديموقراطية علي حياة غالبية المصريين رخاءاً ورغداً , بل العكس هو الصحيح , في العهد الملكي أصيب المصريين في الصعيد بالملاريا و الكوليرا , وفي العهد الملكي كان 80% من المصريين أميين لا يجدون القراءة ولا الكتابة , وكانت الأراضي الزراعية مصدر الثروة الحقيقي بيد حفنة من المصريين و الأجانب , فـحوالي

( 5000 ) خمسة آلاف شخص يسيطرون علي ثلاثة أرباع الأراضي الزراعية , و سيطرة للأجانب علي معظم مجالس إدارات الشركات الصناعية , وكان الإقتصاد المصري أقتصاداً متخلفاً يسيطر عليه الأجانب , وكان حفاء المصريين لافتاً للدرجة التي جعلت حكومة الوفد تتبني مشروعاً للقضاء علي الحفاء بين المصريين في حين يُصر نفر من المصريين علي أن مصر كانت تعيش نهضة غير مسبوقة في عهد المحتل الأجنبي!!!!

ونحن من جانبنا لا يري إلا أن عقول هؤلاء لم تتحرر من المحتل الأجنبي ووكيله في الثوب الأسلامي ( الإخوان ومن لف لفهم ) .

كيف يمكن للوطني أن يفخر بديموقؤاطية تحت حكم المحتل فضلاً عن إدعائه بوجودها أصلاً!!!! بماذا نفسر طبيعة وجود شركة قناة السويس دولة داخل الدولة لها علم خاص و جهاز مخابرات خاص و حي محرم علي المصريين دخوله , إلا إذا كانت مصر دولة خاضعة للمحتل وشعبها مسلوب الإرادة , شركة قناة السويس ساعدت الكيان الصهيوني بالمال و كانت تعتبره حليفاً لها ضد المصريين الذين ينوون تأميم الشركة حال حصولهم علي الإستقلال , كما أن شركة قناة السويس عارضت جلاء قوات المحتل الإنجليزي عن الأراضي المصرية في مفاوضات الجلاء في عام 1954م , وخاطبت الإنجليز صراحة أن المصريين لن يتوانوا عن تأميم الشركة إذا أخليت قاعدة قناة السويس من الإنجليز , وهو ماحدث لحسن الحظ , لأن المصريين أرادوا إستثمار مواردهم لبناء السد العالي في أسوان , المشروع الذي لطالما حلم به الزعيم عبد الناصر وأختير كأفضل مشروع تنموي في القرن العشرين , ولكن هذا موضوع مقالتي القادمة بإذن الله . 

المصادر :

ثورة 1919 عبد الرحمن الرافعي.

في أعقاب الثورة المصرية الأجزاء الأول و الثاني و الثالث .

سقوط نظام محمد حسنين هيكل .


  • 3

   نشر في 14 نونبر 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا