قيْد الوهم. بقلم محمد خلوقي
نشر في 06 يونيو 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
قيد الوهم
بقلم ذ/ محمد خلوقي
يحكى ان فلاحا كان يحمل بعض الغلات الفلاحية على ظهر حمارين، وتوجه بها الى السوق المجاور ليبيعها ، وحين وصل إلى باحة السوق , وضع البضاعة من فوق ظهر الحمارين ، وتنبه إلى ضرورة وضع قيد للحمارين حتى لا يبرحا مكانهما ،فاخرج من جيبه رباطا قيد به الحمار الأول ، ثم دسَّ يده في جيبه ليخرج القيد الثاني فسحبها بيضاء خاوية ،وأعاد الكرة فلم يجد شيئا ، وراح يتلفت يمنة ويسرة لعله يجد أي رباط يقيد به الحمار الثاني، وبينما هو كذلك إذا بصوت شيخ مسن ،كان بقرب المكان ، يرشد الفلاح ويقول له : تظاهر يا بني بربط رِجليْ الحمار الثاني ، ولن يبرح مكانه، لان ما اعتاد عليه ، باستمرار، من عملية تكبيل لرجليه سيجعله ـ لا محالة ـ يعتقد بأن حركته وحريته مقيدة .وبالفعل جرب الفلاح نصيحة الحكيم ،وتظاهر بوضع القيد برجل الحمار، ثم انصرف إلى شانه ، وبعد أن انتهى من بيع محصوله الفلاحي ، رجع إلى حيث موضع الحمارين ، وفك قيد الحمار الأول وجره خلفه فطاوعه لكن الحمار الثاني جَمح و لم يتحرك من مكانه ، وحاول الفلاح زحزحة الحمار عن موقعه لكن دون جدوى ، فألفى الفلاح صوت نفس الشيخ الحكيم يقول له : انك لم تفك ذلك القيد الوهمي لحمارك ، انْحنِ قليلا ، وتظاهر يا بني ، بأنك تزيل القيد عن رجله، وسترى انه سيتحرك ويتبعك . وبالفعل حصل ما قال الشيخ الحكيم . وخرج الحمار من قيده الوهمي وسار الحماران خلف الفلاح .
نستنتج من هذه الحكاية الرمزية أننا مقيدون بأعراف وتقاليد وأفكار وسلوكات ومفاهيم ومخططات تكبلنا وتجعلنا غير قادرين على التحرر من عِقالها ، بل أحيانا ننتظر من يأتي ليفكنا من هذا العقال الوهمي ، وربما أن الذي يرسخ (وهم القيد) في سلوك وفكر الفرد هو عامل الخوف المرضي (الرهاب ) والجهل لا الأمية ـ لأن الأمي ليس له تصور قبلي عما يريد تعلمه، وبإمكانه أن يتعلم الجديد إن قدم له بطريقة سليمة ـ أما الجاهل فقد انطبع في فكره تصورات وأوهام مغلوطة باتت تقيد فكره ،ولا يريد أن يتزحزح عنها ، ويحتاج معها زمنا طويلا ومكابدة وجهدا لتصحيح ما اعتقده . أما الخوف المرضي ( الرهاب ) فهو ذاك الشعور الذي يتسسلل خلسة الى عقل الإنسان تحت ظروف داخلية او خارجية ، وتجعله يترقب باستمرار حدوث أمر سيء او غير متوقع ، وهكذا يتغلغل هذا الشعور المرضي في دواخل المرء ولا يستطيع تخليص نفسه من قوة العقال المرضي ويبقى على وهمه حتى تشل حركته .
ان الانسانية اليوم قد تدثرت ببراقع سوداء من الخوف المرضي، وسارت تتخبط وسط مسارب مظلمة من الجهل ، فلا سبيل إلى الخروج من هذا الوضع إلا ان تستحم بالماء البارد عوض انتظار ماء دافئ قد لا يسخن ابدا ، نظرا لانتفاء شروط تحققه، وإلا فان الأوساخ والأدران لن تبرح جسد الإنسانية ،بل حتما ستزداد تراكما ، وقد تغير من معالم الجسد نفسه ، إلى ان تزهق ما بقي به من زفرات
التعليقات
مقولة جميلة جداً سمعتها مؤخراً: حين يتكلم أحدهم، فانصت وارتقب منه ما ينفعك، وليكن هدفك نبل الفائدة من المحيطين مهما كانوا مختلفين.
شكرا أستاذ تسرّني متابعتك.
اعجبني تسلسلك و انتقالك من فكرة الى اخرى بطريقة شيقة و سلسة و غير محسوسة ..
ابدعت حقا في سردك للقصة و ترجمتها و إسقاطها بإحترافية .. على المجتمع و إختلاف نظرة الافراد.. و إختلاف التفكير.. و الافكار من شخص لآخر ..
لقد إستمتعت بقراءة مقالتك الراقية باسلوبها ..
انيقة أناقة تفكيرك ..
اتمنى لك التوفيق في مقالات اخرى ..
أطباقك الساخنة التي تقدمها لنا بين طيات أوراقك ..شهية و لذيذة حقا .. فلا تبخل علينا بها ..
انت تجيد الطبخ حقا ...