الإنسجام في الحياة. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الإنسجام في الحياة.

معنى الأنسجام:

  نشر في 23 غشت 2016 .

نحن نعيش معاً, دون أن نعي معنى الأنسجام. قد نعيش معاً أربعين سنة دون انسجام. ما من أحد في هذا العالم يعيش وحيداً, الأزواج مع زوجاتهم, الأطفال مع آبائهم أو مع أصدقائهم. الكل يعيش معاً. إلا ما ندر. يعيشون ولا يحيون, لأن الحياة هي في الإنسجام. ولكن من منا يعرف معنى الإنسجام؟

قد نعيش مع بعض سنوات كثير, وفي الوقت ذاته لم نحيي حتى لحظة واحدة, حتى في ممارسة الحب, قد يكون هناك ما يشغل بالنا. أي أننا لسنا منسجمين معاً, وهكذا تتحول ممارسة الحب لفعل آلي ليس فيه معنى سوى أرضاء القليل من متطلبات الجسد.

يعيش الناس مع بعضها البعض بدون حب, وكيف تشعر بالحب, إذا كان لكل شيء ثمنه. الحب له ثمن.. لقد ترسخ في أذهاننا أن لكل شيء ثمن و سعر ولكن كيف..؟

كيف للحب ثمن او للصدق.. العطف.. الرحمة.. الفرح .. الراحة.. العطاء.. السعادة, لا يمكن أن تجبر شخص على حب شخص آخر بمبلغ مالي, من الممكن أن تتحمل وجوده معك فقط.

لم يعد الحب أنسجاماً لم يعد الحب حباً.. ولا مصدر بهجة وفرح.. أصبحنا من يستطيع تحمل الآخر هو في حالة حب.. من يعيش في عذاب هو عاشق, مفاهيم خاطئة.. أنت تعيش العذاب لأنك مجبر على تحمل وجوده معك.

كانت زوجة الُملا نصر الدين على فراش الموت, قال الطبيب له "لا أمل في شفاء زوجتك, لقد تمكن المرض منها, كن مستعداً لسماع خبر وفاتها في أي لحظة" تنهد الُملا وأجاب: "لا عليك فإن كنت قد تعذبت زمناً معها, يمكنني ان أتعذب لبضع ساعات". نحن نتحمل الأخر.. أي نحن نتعذب .. بسبب عدم وجود الأنسجام. يقول جان بول سارتر:"الآخر هو الجحيم". لأنك, وبكل بساطة, تتألم بسببه, فلآخر قد يصبح قيداً يغل يديك, يسيطر عليك: فتفقد حريتك ويسبب لك المتاعب. فتفقد سعادتك ويصبح عيشك مع الآخر روتيناً عليك تقبله. وإن كنت تتحمل وجود الآخر معك, فكيف ستتعرف الى جمالية الإنسجام؟

نحن نتزوج لا لأن الزواج يعني الأنسجام والبهجة أو العلاقة. إنه ليس ألا وثيقة زواج تسجل في دوائر النفوس.. تبادل الأموال والأولاد.. توفير الجنس المجاني الطعام الجاهز و رعاية الأطفال. ذي الأموال يحظى بزوجة من الطراز الرفيع, و الفقير يشعر بلإنسجام رغم المصائب التي تقتحم بيته.. لأن زواجه لم يكن صفقة .. بل تعاون حب وتقدير, لقد بنيّ هذا الزواج على المكافحة وليس تبادل الذهب والمركز الارستقراطي الرفيع.

الزوجة هي الممرضة, ربة المنزل, الطباخة, الجنس, الخادمة, بمعنى أخر هي ربح أقتصادي, أرخص عامل على جه الأرض, تعطيك كل شيء - تقريباً كل شيء - ولا تتقاضى بالمقابل أي شيء - تقريباً أي شيء. أنه المنطق الذي يسود علاقاتنا. لن تنجح العلاقات طالما هناك مفاهيم مشوهة, مشروع أستثماري, وليس انسجام او حب لذلك لا يوجد سعادة. وهل يمكن أن تتعرف الى النشوة الحقيقية وأنت تفكر بالإستثمار. لذلك نسبة الطلاق في العالم 48%. وأنا أقول الباقي يتحمل بعضهم الآخر. وهناك القليل الذين ذاقو السعادة والإنسجام.

العلاقة هي ثورة عواطف و مشاعر وأحاسيس, إنه تحول كبير في نمط الحياة, ولن يكون هذا ألا إذا أحسست ببهجة الأنسجام, إلا إذا لم يعد الآخر آخر, ولا أنت أنت. إلا إذا لم تعودا إثنين بل واحداً, إلا إذا تواصلتما بالمشاعر والأحاسيس. جسدياً ستبقيان اثنين, ولكن الأهم أن تصبحا واحداً بالروح والذات. قد تنظر فترى اثنين, لكنهما في الواقع ليسا اثنين بل هما واحد يجمعهما الإنسجام, وهذا نادراً ما يكون في الزواج, يعيش الناس معاً لأن ما من أحد قادر على العيش وحيداً.

لكن الانسجام لا يعني العيش مع الآخر بدون تذوق طعم الانسجام, بدون أن تتنشق عطر الإنسجام وشذاه, قد تمضي سنين طويلة مع إنسان آخر دون أن تنتشي في حياتك. أنك تنجرف مع التيار, أنت تنتقل من لحظة الى لحظة, من مكان الى مكان, دون أن تفقه معنى الحياة, فالحياة لا تُعطى ساعة الولادة, ولا هي شيء يتوارث, إنها حالة داخلية إنها انسجام وتناغم بينك وبين ذاتك. بينك وبين الآخر, بينك وبين الحياة.

الحياة تأتي عبر الولادة, ولكن الحكمة, الخبرة, الفرح, فهذه عليك أنت اكتسابها.عليك أن تبحث عنها, أن تسعى إليها, وإلا لن تبلغ مرحلة النضج. كثيرون هم الذين يولدون ويموتون, ولا يبلغون مرحلة النضج.

ولكن ما هو النضج؟ أن تصل مرحلة البلوغ الجنسي لا يعني أبداً أنك أصبحت ناضجاً. ولهذا يعتقد علماء النفس أن الأغلب الأعم من البشر لا يتجاوزون الثلاثين من عمر العقل. نعم ينمون جسدياً, ولكن ليس عقلياً, لا يكتسبون الحكمة ولا التجربة ولا يتعرفون على النشوة. لذا لا عجب إن وقعوا في الأخطاء.

دائماً وأبداً, يلقي غير الناضج, المسؤولية على غيره. إن لم تكن سعيداً, ستقول إن هناك من هم سبب تعاستك "الآخر هو الجحيم" هكذا يكون جان بول سارتر إنساناً لم يبلغ مرحلة النضج. إن كنت ناضجاً, فيسكون الآخر هو جنتك. سيكون كائناً من كنت أنت, لأنه مجرد مرآة تعكس ذاتك.

حين أقول النضج, يعني تحقيق الذات, وهذا لن يكون إلا بعد التوقف عن ألقاء المسؤلية على غيرك؟ إلا بعد أن تتوقف عن القول إن الآخر مصدر عذابك, إلا حين تقتنع أنك أنت - أنت دون غيرك - سبب تعاستك. إنها الخطوة الأولى على طريق النضج. أنا المسؤول.. مهما حصل. أنا المسؤول وأنا أتحمل المسؤولية.

أنت تعيس. هل أنت سبب تعاستك؟ سؤال مقلق. ولكن إن كنت قادراً على طرح هذا السؤال. فعاجلاً أم آجلاً, لن تفعل ما يتعسك. أنت المسؤول لا أحد غيرك, فلا تلق المسؤولية على غيرك. بداية النضج من هنا.

سأل أحدهم الُملا نصر الدين: لماذا أنت حزين هكذا؟ فأجاب: "ألحت عليي زوجتي أن أتوقف عن المقامرة والتدخين وشرب الخمر ولعب الورق. وفعلت".

فقال السائل:"إذن زوجتك سعيدة الآن.. لقد نفذت لها ما تريد".

فأجاب نصر الدين: "هنا تكمن المشكلة. فهي لم تعد تجد شيئاً تشتكي منه ولهذا فهي تعيسة أيضاً. إنها تحاول إيجاد مبرر لتتذمر مجدد, وعبثاً تحاول, ولم تعد قادرة على ألقاء مسؤولية تعاستها علي.. فأنا نفذت كل طلباتها: رغبة في رؤيتها سعيدة. لكن هذا لم يحصل".

إذا ستمريت في إلقاء المسؤولية على الغير, وإذا استمر الغير في تنفيذ ما تطلبه منه, فإنك ستصل الى مرحلة التفكير بالانتحار لأنك لن تجد لنفسك مبرراً لإلقاء تبعية تعاستك على هذا الغير أو ذالك.

إذن إنه رائع لك أن يرتكب الآخر بيعض الأخطاء. هكذا يجعلك سعيداً, حتى الزوجة, ستترك زوجها إذا كان مثالياً, لأنها لن تجد مجالاً للشكوى والتذمر. إذن, الزوج المثالي يجعل زوجته تفكر بالطلاق. لأنها غير قادرة على لومه, وليس بإمكانها تعداد أخطائه. دائماً نحب إلقاء المسؤولية على أي إنسان آخر. للعقل مهمة واحدة: توجيه الملامة, هكذا نصبح سعداء _ لأننا لسنا مسؤولين.

كثيرون يبلغون السبعين من العمر أو أكثر. ولا يدرون ما هي الحياة. إنهم لم يبلغو النضج. إنهم غير متوحدين مع غيرهم وغير متصلين بهم. فقط يعشون معاً في محيط مكاني معين يتبادون الكلام و الضحكات والخبرات والقصص وهم ابعد البشر عن التواصل الحقيقي.

طالما أنك معتقد أن الآخر هو المخطئ, فلن تتمكن من الخروج خارج سطحيتك, سطحية الأفكار والمعتقدات الراسخة في العقول على تبجيل الذات تحقير الآخر إلقاء اللوم عليه. فقط حين تتأكد أنك أنت المسؤول عن كل ما يحدث, وأنك سبب ما يحدث ستجد نفسك تتخطى السطحية في التفكير لتبلغ المركز الأساسي لوجودك. الآن ولأول مرة, ستكون مركز الوجود, ويصبح بمقدورك فعل كل شيء, لأنك بمقدورك الإبتعاد عما لا تحب, وفعل ما تحب, وكل ما تشعر به على أنه حقيقة بإمكانك السير وراءه, وأن كل ما تشعر به, على أنه ليس حقيقة يمكنك إهماله وتناسيه, فأنت الآن, متمركز ومتجذر بذاتك. فقس هذا الميزان ليس فقط في العلاقات بل في كل أمور الحياة فستشعر بالنضج الحقيقي في داخلك. ستنسجم مع الحياة.

بقلم: محمد غيث.

مقتطفات من:"Chandra Mohan Jain".


  • 3

   نشر في 23 غشت 2016 .

التعليقات

محمد طهماس منذ 8 سنة
فعلا مشكلة العصر! نستثمر المال فقط..ولا نسثمر المشاعر!
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا