لاجئ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

لاجئ

  نشر في 01 يونيو 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 فبراير 2024 .

"نموت كي يحيا الوطن، يحيى لمن؟!! من بعدنا يبقى التراب و العفن. نحن الوطن" - أحمد مطر- .

عند أحد الأسلاك الشائكة التي تفصل بين دولتي الجسد الواحد وتلك المعاني الأخوية السامية المرسومة في كلام الخطباء ومحفورة في وجدان شعوب لا تقرر مصيرها، بل بإمكانها وضع تلك الإخوة هدف لأسلحتها حينما تتوافق ملذات الحكام.

على إحدى الجهات شاب مجند في إحد جيوش الجسد الواحد، مشيراً بسلاحه لخيال العدو، لا أفهم أي مجنون يقف في مكان كهذا يترصده الموت كل ثانية، لماذا يبيع حياته لتأمين حدود لا يعرف عنها شئ، هل هذا سمو أم حماقة!.

خلف الأسلاك عند الجهة المقابلة يقترب إليه شخص ما،بُعد المسافة أخفت ملامحه، أخذ وضع الإستعداد للخطر، إرتبكت يده قليلا (كمن كان يستهين بخطرٍ ما أو وباء حتى أصبح يحيطه)، من هذا الأحمق الذي لا يهابني ويقترب،نبضة ارتفع لكنه ثابت، المرء حينما يُسيّر في أمور كان عليه أن يختارها بإرادته لا تراهن على ولاءه التام لها، تحول ارتباكه لدهشة وتعجب حينما رأي أن القادم طفلاً يحمل حقيبة ظهر مدرسية، أشار إليه بالوقوف على بعد أقدام من السلك، القائد قال إن أي شئ غريب قد يكون قنبلة على وشك الإنفجار؛ لسوء الحظ لم يستثني القائد الأطفال حينما قال ذلك، والأوامر لا تخضع للمنطق!.

بعد دقيقة من الصمت، مشهد غريب سلاحٌ موجه صوب طفل واضع يديه فوق رأسة وضع الإستسلام، يبدو أن لديه خبرة سابقة بالخضوع والإستسلام،سأله من أنت ومن أين أتيت؟

رد الطفل:أسمى فارس وأتيت من الموت

ماذا تعني؟!

كنت مهاجر رفقة أبي وأخي لإحدى الدول العظمى، رفضوا إستقبالنا وبعد يومين من إنتظار عطفهم يأسنا فعدنا بنفس المركب.

إذاً أين أباك وأخاك؟

سكت قليلاً ثم نطق بصوتٍ مكسور: الموج كان أقسى من الأغراب، وكأنه ذلك الدخيل الذي قصف بيتنا وقتل أمي.

وكيف نجوت... أقصد كيف عُدت؟

شخص ما كان يجيد السباحة تحمل حتى الشاطئ ولكنه لم يتحمل أكثر؛ فارق الحياة بعدها.

إذاً أنت لاجئ!

في الحقيقة نعم رغم اني أصبحت لا أدري من منّا ليس لاجئ.

ماذا تعني؟

صمت فارس قليلاً وهو يتفقد الأرجاء ؛ قال : قبل أن أتي إلى هنا تخطفنا الموج لحدود أغلب إخواننا، والعجب ما رأيت، توقعت أن أرى البلاد التي أرهقت أعدائنا على مر العصور، أتدري ما هو أخر واجب أعطتني إياه معلمتي، كان يتحدث عن قائد عربي مسلم قلب الدنيا وصف الجيوش لأجل إمرأة صرخت وامعتصماه!، لا أدري لما لم تفعل أمي مثل ذلك، عتابي على أمي، فهي كانت متعلمة ولكن يبدو أنها لم تكن تعلم أسماء حكامنا ، أعتقد أنها لو كانت نادت على الحاكم معتصم عصرنا؛ ما كان ليحدث كل هذا.

(ليتنا ما فقدنا سذاجتنا، فهي أرحم من صدمة الحقائق)

أكمل فارس كلامه قائلاً:

حين وصلت لحدود بلا النهرين طردتنا قوات أمريكية وقال لي قائدهم أهرب لا شئ هنا غير الفقر والموت والطائفية،أغضبني ذلك القائد، لماذا يكذب علي!؛ أبي كان يعمل بالعراق وكان يتغنى بشعبها وبالقائد صدام حسين المجيد، وماذا يفعل الأمريكي بها؟ أبي قال لي أنهم يخافون صدام!.

ذهبت لحدود اليمن فرأيت سيناريو مشابة لما يحدث في بلادي جندي يقف على الحدود يحمل سلاحاً عليه الشعار الروسي أبهجني ذلك وقلت له أحسنت قتلت الروسي الذي يغتصب بلادي وأخذت سلاحة، لكن رده كان أصعب علي من خذلانه؛ قال لي : الروس ورفاقهم ينهون الصراعات الداخلية ويقتلون العملاء، وإحذر أن تقترب من حدود الشمال فهناك خونة باعوا بلادهم للغرباء وينادون بشرعية فاسدة.

(أي شيطان يسيطر عليهم، فقد أهلكوا بلادهم بحماقتهم!).

أكمل فارس:

أتدري أثناء أبحارنا لإحدى دول الخليج كان معنا أحد مواطني بلادك، تعجبت لما ترك بلادكم وهي قليلة الصراعات الداخلية! ، رد الجندي :أنت لا تعرف شيئاً لا تعرف إلا ما يعرفونه من خلف الشاشات.

فارس: عرفت منه أن تكاليف الحياة والزواج تثاقلت عليه حتى أضطر للهروب كلاجئ، لكن أحلامه صُدمت بقاعدة عسكرية أمريكية هي من أعادتنا من حدود إحدى دول الجسد الواحد بدعوى أنها تحميها، بالمناسبة هو أهداني ذلك الكتاب.

أخرج فارس من حقيبته كتاب عن مذكرات أحد ضباط الجيش وكان أول رئيس للبلاد، ألقاه للجندي من فوق الأسلاك،

فارس : أتعجب لهذا الرئيس، لماذا نُفي وهو كان قائد ثورة، لماذا يعامل وكأنه لاجئ!

رد الجندي سريعا : لم يكن لاجئ بل تم نفيه.

فارس: أخي الجندي؛ اللاجئ ليس من شرد من وطنه بسبب الحرب فحسب ولو دققت لأنطبق ذلك على الرئيس المنفى الذي شردوه من كرامة القائد لوحشة النفي ، بل وعلى ذلك الذي أهداني الكتاب لأنه لم يجد في وطنه ملجأ من صعوبات الحياة وآدمية العيش، وذلك الذي يحارب أخيه بأسلحة عدو ينهب ثروات بلادة، والآخر الذي غُرّب وأستوطن الأغراب في بلاده، وقد يكون هو أيضاً الذي كشف ظهره للموت على حدود يتربصها العدو من كل مكان.

أحس الجندي أن الجملة الأخيرة لامست الألم الذي يخفيه في قلبه، لم يتمالك دموعه ولم ينطق لسانه إلا "أن لا ملجأ من الله إلا إليه" يا فارس، غلبهم الصمت لدقيقة، وفجأة تحول الصمت لصوت طلقات نيران مباغتة، سحب الجندي الطفل فارس لجهته، وأخذه حيث البرج الحامي ليحتميان من الطلقات المجهولة، والجندي يملأ زخيرته وقد تملكه الرعب وتثاقل الأمر عليه أنه يقاتل لحياة طفل صغير قبل حياته، لكنه أدرك مذهولاً أنه ليست طفلاً بريئاً كالعادة، كيف وهو يخرج سلاحاً من حقيبته، من أين له بهذا، بل وكيف لطفل بعمره أن يجيد إستخدامه، أسرع فارس في تبرير الموقف الذي يحاط بالنيران : هذا سلاح أبي الذي قتل به قاتل أمي، طلب الجندي المساعدة القتالية من القيادة وفي مشهد تهتز له الأرض؛ الطفل والجندي يقاتلان بضراوة جنباً إلى جنب، قتل الشجعان من الخائفين الجبناء إثنين وعند علمهم بقدوم مساعدة هربوا ولكن قبل ذلك طالت إحدى الطلقات فارس، سقط بين يدي الجندي، الذي صرخ باكياً "قتلوك التكفيريين" رد فارس بصوت ملاك مقبل على الموت : يجب أن تعلم أخي الجندي أن هؤلاء ليسوا تكفيريين فحسب، بل مرتزقة يعبدون الشيطان، وإن رددوا شعارات دينك فهذا باطلٌ ليفتنوك بعقيدتك، أنا أموت لأننا كالجسد واحد وهذا حق الأخ على أخيه؛ أن يمنعه لا أن يقاتله، هذه الأسلاك لن تخفي حقيقتنا ولن تمحي رباطنا، رباطنا الأطول من أعمار القتلة جميعاً.

كانت هذة أخر ما نطق به فارس، رحل تاركاً خلفه حقيقة واحدة "أن الحياة بلا نضال وقضية هي الموت نفسه، والنضال حتى الموت لأجل قضية سامية هي حياة للأبد". 



  • Ahmed Abdelrahman
    أحمد أحمد عبدالرحمن (عادل)، مهندس برمجيات، كاتب مقالات
   نشر في 01 يونيو 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 فبراير 2024 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا