التَمَرُّد - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

التَمَرُّد

لأولئك النساء اللواتي أُهينت حقوقهن ، ولم يطلب رأيهُن ، وكانت حياتهن مذلةً وهيانه ، وبدأ كما لو أن في الأمرِ زورٌ وخيانة ، لكن لا شئ سوى معتقدات وعادات ، سوى تبجيلٌ للأباطيل والترهات ، فعِشن دون حرية ، متوجساتٌ ولأمرِهن في مرية ، يحتسين كوب القهوة ، والموت يقتربن نحوه ، لا حرية تعبيرٍ أو حوار ، و لا اعتراف بهن من الجوار ، سوا كتبٌ تضمنت نون النسوه ..

  نشر في 12 يونيو 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .


إنها تكبُر عاماً،ليكبُر فيها اليأس ، ويدُب الخوف ، وتتناوب المنغصات والآلام قبل كل منام ، إنها تكبُر عاماً لكن في الحقيقة عامها سنوات ليس اثنا عشرة شهراً ، نافذه مغلقه على الدوام ، غرفة جميلة لكنها قبيحة جداً في نظرها ، أريكة ناعمة لكنها أضحت خشنه كلما تذكرت أنها فركتها بشده بجمع يديها كالمسعورة في حين تتذكر اقتراب موعدٍ قاصٍ ، كتبها تتجاوز المائة كتاب ، وعلى المنضده أكوام من ورود مجففه ، بالإضافة إلى تحف ثمينه اقتنتها من إحدى المعارض في عامها الخامس عشر ، وكومة رسائل قديمه ، لكن ما لفتها إحداها كانت تحمل عباره طفوليه من صديقتها التي استسلمت للظروف وقد حل بها ما حل " سنبقى .. سنكافح .. لن نصمت مازالت الروح في الجسد " ضحكت ضحكه هستيريه ضجت بالغرفة وسرعان ما صمتت ، لكن تذكرت أنها وحيده فاليوم الجميع خرج من المنزل إلا هيّ ، إنها تؤمن أنه قبو لا منزل .

عادت مُنكفئةٌ على نفسها ، تضرب سريرها بجُمع يديها ، ثم تعود مجدداً تناظر السقف ..

تتساءل "هل للأيام سقف! بإمكاننا تخيّل أن حياة كلٍ منّا مبنىً سواء طويل كان أم قصير ، كل يوم نصعد طبقةً إلى الأعلى ، إلى أن يأتي اليوم الأخير فنصل آخر طبقة فتكون عندها آخر أيامنا ، هكذا سيكون للأيام سقف ! ، لكن هذا التشبيه غير مناسبٌ لأحد سوا لأمثالي.."

عادت تتساءل لِمَ الأشياء الجميلة لا تجتمع معاً؟ كمثال يأتي المطر مقابل أن يحجب علينا رؤية الشمس والقمر ، بل حتى النجوم ! ، ونرى النجوم و القمر مقابل الحرمان من سماع صوت المطر ..

من المحال أن يجمع أحدنا أن يكون أباً أو أماً ممتاز ، وينجح في عمله بشكل كبير ، تماما كوالدي، لابد أن نضحي ، نحن دوماً نضحي بشئ مقابل الآخر والدي ضحى بحياتي وحياة أختي كونه أباً فاشل تسوقه العادات .. لكن يا عسى مالذي انا أضحي لأجله مقابل أن أكون إنسانا تعيساً وشقياً ! ما الذي وُهِبته ليسرق سعادتي؟ تضحية والدي ليست السبب فأختي لا تشعر بالشقاء كما أشعر ..

فتحت الباب ببطء نتيجة وجل نشب في جسدها فجأه .. قالت وهيّ تتلمس أزهار السنتوريا البنفسجية  وقد وُضعت قُبالة صورة أختها  ، عند بداية مدخل غرفة المعيشة ' المسكينة ، ضحت بالكثير إزاء إرضاءهم ، لكن هي سعيدة لأنها لا ترى أي خطأ في ذلك ، لم تقرأ كتاباً قط ، ولم تعلم في الأساس ماهي حقوقها؟ إنها تعيش كالبهائم .. انا التي سيحل بها الجنون عما قريب من حياة لا تود ولوجها .."

تتفحص البيت وكأنه لأول مرة تراه ، تناظر الأزهار في الحديقه من زجاج النافذة ، ترى الأطفال وهم يلعبون فرحين بماء المطر الراكد ، تمضي إلى غرفةٍ أخرى لتشاهد الجانب الآخر .. هناك ما استأثر حبها ، إنه باب قديم للمنزل من الجهة الأخرى وضعت أمامه العديد من الاغراض مما لا يُسمح بفتحه ، اقتربت منه ،  المكان كان ضيق لكنه على ما يبدو كان بوابة المنزل قبل أن يحترق في طفولتها ، جُل ما تذكره هو أنها كانت تهرب منه وهيّ طفله ، لأنه غير متصل بسور المنزل ، ذهبت تزيح الأثقال عنه تنظف المكان ، هاهيّ تفتح الباب ، إنها سعيده تلك السعادة التي لم تشعر بها من قبل فتحت الشريطة البيضاء فسمحت لكل شئ بالهطول على وجهها دفعةً واحدة خصلاتها ، دمعاتها ، عينيها اللتان خضعتا للأسفل ثم عادا يراقبا الحياة في الخارج ، كان الباب في إتجاه بيوتٍ وبجانبها حديقة واسعة ونافورة ماء، رأت أطفال آخرون مع عائلاتهم قالت ربما هم سياح ، أو ليسو من قريتنا وإن كانوا فهم سرعان ما يتخلون عن مشاعر الأبوة والأمومة فور كبر أطفالهم ليرمونهم في الجحيم برضى تام ..

جلست في الباب كانت قد تأكدت من الساعة خشية أن يأتي أهلها دون أن تشعر ،أخذت تقرأ كتابا ، كان ذاك الباب هو الشئ الوحيد الذي ينير كل ما أُطفئ في القلب وأعتم ، ثم أغلقته وعادت الأشياء ليس إلى أماكنها بل رتبتها بحيث لا أحد يشعر...

الباب كانت تشعر به يلملم شتاتها ، يجعلها تشعر بأنها واحدةٌ في هذا العالم ، لأنها كانت ترى منه العالم ، تهرع إليه لتقرأ هناك خلسة ، فهيّ تؤمن أن أجمل المشاعر التي تنتابها حينما تقرأ حينما يكون الوقت خلسة تختلسها من الزمان والمكان وتتجرد من متاعبها وآلامها لتعيش اللحظة التي تجمعها بكتاب..

لا تعلم ما الذي حلّ فجأة الزوار يأتون إلى أبيها بكثرة ، تلك الوجوه تشعرها بوحشة ، علمت بالأمر ، قالت" لا بأس بالزواج في هذا السن الصغير لكن لماذا لا يطلب رأيي أحد ، لماذا أساق إلى طريقٍ مجهول عند منحنى من الزمن ، هل سيُسمح لي باقتناء كتبي وكتباً أخرى ، أم لا شئ سوى اقتناء الآلام التي تركتها عند بابي الوحيد مدخلي إلى الحياة " 

 تعيش حالات البكاء دون دموع ، تشعر بالرعب ، بالخوف ، لكن سرعان ما آمنت بوجود أمل ومخرجاً آخر قالت بفرح " ربما سيكون خيراً من عائلتي ، سيسمح لي بالتعليم بالحياة ، بكل شئ ..! "

..أيام  ثم سَيقت إلى حياتها الجديدة ،  حياة لم يكن لها رأي فيها ، بل أُختيرت لها من قبل عائلتها إن لم نقل القدر ، فرحت بفستانها الأبيض ، بمساحيقٍ لُطخ بها وجهها فتغير شكلها وبدأت كما لو أنها عشرينية رغم صغر سنها ، شعرت بالسعادة وهيّ ترتدي حذاء فاخر ، وشعرها في تسريحة جميلة تسرق الأنظار ، رأت والدتها تضحك فضحكت هيّ الأخرى ، أُهدي إليها الورد فرمته عالياً في فرح ، تمتمت والدتها عليها بآياتٍ من التباريك وآيات لحمايتها من العين  ، فشعرت بأنها جميلة للحد الذي فاق التصور ، حينها فقط شعرت بالسعادة  ..!

 في الغد بابها الوحيد قد أُغلق، النوافذ كانت معتمه ، الكتب أهدت إلى مكتبة مجاوره ، أحلامها باتت سراب ، والأيام يلمُها الضباب ، والحياة في تواطؤ ، أخذت تفتح حاسب زوجها المحمول ، تساءلت ما إن كان تصرفها سرقة ، لكن هيّ تعلم أنها مظلومة ،  اليوم فقط ستفعل ما تشاء ، فتحت بريدها دونت رسالتها للعالم ، كتبت قصتها.. 

" لأولئك النساء اللواتي أُهينت حقوقهن ، ولم يطلب رأيهُن ، وكانت حياتهن مذلةً وهيانه ، وبدأ كما لو أن في الأمرِ زورٌ وخيانة ، لكن لا شئ سوى معتقدات وعادات ، سوى تبجيلٌ للأباطيل والترهات ، وعِشن دون حرية ، ولأمرِهن في مرية ، يحتسين كوب القهوة ، والموت يقتربن نحوه ، لا حرية تعبيرٍ أو حوار ، و لا اعتراف بهن من الجوار ، سوا كتبٌ ونصوص تضمنت نون النسوه .. ..." 

قالت وهيّ تظغط زر النشر في تردد .. لا شئ ، لا حياة فيني ، لا بأس بالموت فهو أهون ، كل ما يسعني فعله يكمن في التمرد..  



  • 3

   نشر في 12 يونيو 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

ألحظ تغييرا في أسلوبك والمواضيع التي تتحدثين عنها...أشعر وكأنك بدأت تبحثين عن ذاتك او تشعرين بشيء مفقود أعجبني كثيرا نصك ونقلك لتوجع غيرك من خلال الكتابة عنهم انتظر الكثير من النصوص لأقرأ لك
1
يسرى الصبيحي
أشكرك أميمة ، واسعدني مروركِ الكريم ، سأحاول أن أناقش مواضيع أخرى في المرات القادمه ، ❤
رائع
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا