تمثلات الجسد في رواية "أريانة" للروائي المغربي الميلودي شغموم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تمثلات الجسد في رواية "أريانة" للروائي المغربي الميلودي شغموم

بقلم: إزانة بوغراس

  نشر في 04 يناير 2016 .

* إشكالية العملي والثقافي للجسد.

- المرأة/ الجسد في الرواية.

- تناعم العملي والثقافي.

* الجسد بؤرة لتجلي الدلالات

تمهيد :

إن الممارسات الجسدية التي غدت تكتسح مختلف مجالات حياتنا اليومية – العاطفية منها والعقلية والمخيالية- تطرح التساؤل عن المكانة التي كان يحتلها هذا " الصنم الجديد" الذي لم يعد راضيا بما أنيط به في الماضي- من تشذر وتوزع إلى بقع متناهية- ولما كان موضوع الجسد هو خطاب فيزيقي وأخلاقي، فإنه يتعذر على هذا الخطاب عموما التخلي عن التفكير في الجسد ككون عام، يجدد شبكات دراسته المفهومية والمقولاتية، غاية في إيجاد الحالة الوجودية التي نعيش ها في علاقتنا بأنفسنا وبغيرنا، وباعتبار الجسد كما يقول مورلو بونتي: " هو ما يجعلني أتجذر في العالم، بل هو محور العالم الذي أعيه بواسطته" ، إنه المدرك والمدرك، والمعير والقصدي، والزماني والتاريخي.

ومن هذا أصبح الجسد قطبا مهما لكل محاولة تروم فهم الوضع الإنساني بأبعاده ومراميه الحقيقية، مما يجعله أصلا ومصدرا لكل معنى ودلالة.

من هنا جاءت الاهتمامات بالجسد من خلال إحاطته بمواضيع تناولته دراسة وتمحيصا سواء في علاقته بالفلسفة أو بعلم النفس أو الأدب، وما دامت السيميائيات علما استرفد من جميع هذه العلوم، فإنها تناولت الجسد من خلال جل تلك المستويات. وسنحاول من خلال المقاربة أن ندرس الجسد في رواية " أريانة" لأستاذنا الميلودي شغموم، في علاقته بالنفسي والاجتماعي، في سكونه وحركته، وفي علاقته بالفضاء كجسد عام. ومن هذه العلاقات جميعها، سنرصد سيرورة التدليل، واستراتيجية بناء هذا لمعنى مميز، لا يمكن أن نقول أنه قار، بل متغير و متجدد وزئبقي.

وتجد ر الإشارة إلى أن الجسد لا يمكن تناوله في ثبا ته وفي علاقته بذاته، بل في تفاعلا ته مع أكوان أخرى مكونة له، وفي حركاته وإيماءاته التي لا يمكن وصفها إلا باللغة، إذن فالج سد كون دال.

ويرجع اختيارنا لهذا المتن لكونه عملا بكر ا لم يلتق اهتماما لازما دراسة و نقدا من جهة، ومن جهة ثانية لأن دراسة الجسد في المتون الأدبية تبقى محتشمة وغير جريئة، نظرا لعدة اعتبارات قيمية وثقافية وعقائدية ، إنه طابو " محرم" يجب خدشه ما دمنا بالجسد نكتب، وبالجسد نقرأ، وبالجسد نتأمل ، وبالجسد "نثور". إن الجسد خطاب ليس فوقه خطاب باستثناء الخطاب الذي يحلله ويحسن تحليله.

ولاشك أن الاهتمامات الفلسفية لمؤلف الرواية ستعيننا على بلورة قيمة الجسد وتمثلا في هذا العمل الروائي .

إذن إلى أي حد تمكن الروائي " الميلودي شغموم" من بناء خطاب للجسد من هذا المتن. وما الجديد الذي يضيفه إلى الساحة الأدبية من جانبها السردي الفني ، ذلك ما سنؤكده من خلال مقاطع سنتناولها عبر جرد إحصائي لأعضاء جسدية متحدة في مجموعات إسمية؟ وما هي الأبعاد الدلالية والقيمية لهذا الكون/ الجسد؟

1- المرأة/ الجسد في الرواية :

لاشك فيه أن المرأة أكثر من جسد، بل ككيان وكملاذ لذات متشظية، تعيش التناقض والازدواجية في حياتها، بين الألم والخوف والرغبة والحب، لقد أمضى البطل على طوب الرواية وقته بالبحث عن توازن حقيقي يتمثل في البحث عن" أريانة" " المرأة التي تشبه البحر الدافئ الهادر والشمس الحارة العطرة...." ، فمن خلال الصورة التي نراها على غلاف الرواية، نلمح فيها رجلا وامرأ ة مكشوفة الصدر المختزن لمعاني عبر امتداداته، وتمظهراته المتنوعة، كما أنها تحديد لعلاقة " أيانة" البطلة مع باقي الشخصيات، ( الرجولية منها والأنثوية)، خاصة مع البطل. لذا شكلت حيزا كبير ا في بناء بنية الحكاية وتوجيهها. ومن ثمة كانت العلاقة بين البطلين مؤنثة باللذة والسعادة رغم ما اكتنافها من غموض وتردد ومخاوف، فحلول البطلين في بعضيهما داخل العملية السردية شكل عالما ثاخنا بالأسئلة الكونية والإنسانية التي تعايشا فيها، من جملتها موضوعات وقيم ذات قيمة وأهمية كبرى تمس المناحي الوجدانية بحسب الأفراد وهوايتهم ورغائبهم كموضوعات الرغبة والموت والخوف، وقضايا سياسية واجتماعية محددة، من هنا تبدأ التأويلات الممكنة التي لا تعرف حدودا. إن معنى الصورة يتجلى في أن الجسد ( جسد امرأ ة ورجل) فضاء خصبا للتأمل من خلال كشف أغوار الذات/ الشخصية، ورصد ملامحها الخاصة فمن متباه بالجسد إلى محتقر له إلى خجلان منه.

ولما كان الجسد تمفصلا مرفلوجيا، يتطلب لقراءته لغة أرقى- وبهذا مرتبط بعالم الجنس واللذة- فإن الاحتفال به لغة ومتعة، يختلف حسب المرء والمناسبة وحسب تنوع الأمكنة . غير أن حين يكتمل وينضج يكون ضعيفا أمام عبث القدر، من هنا كان تجند الجسد حاضرا للتكيف مع أي تغير أو تبدل ومن تم تحديه والصمود ضده، كما أكدت ذلك غلوريا بقولها عن "أريانة" : " وكأن المرأة تحب بثديها، إذا شوه منها تتوقف عن الحب، كأن الفلامنكو رقص بالثدي" .

فقدت أريانة نضارة جسدها، ونعومته وخفته حين أصيبت بسرطان الثدي حينها حكمت على نفسها بالحداد، امرأة " نلبس الأسود دائما" . رغم ما حققته من نجاح، فبمجرد بتر عضو من أعضاء الجسد، تغير الجسد كله في علاقته بذاته وما يحيط به من أكوان.

إنها العلامات التي لم يحسن البطل قراءتها في البداية، لكن دفعته للتأمل والإدراك ثم التأويل المواتي، ليصل إلى إشارات دالة وموحية، كشفت ير " أريانة" المكتوم لمدة طويلة. هكذا كان دور الروائي ذكيا في تشريح ذوات البطلين بطريقة إيحائية لا تصريحية مباشرة، تضفي على العمل السردي توازنا من جهة الزمن كإيقاع، والبطل كذات واعية منسجمة. وبرصد الأحداث وتعقب الشخصيات من جانب اهتمامنا- أي من جانب الجسد- وجدنا أنفسنا أمام مشكلات ذات أفق و اسع، يفرض علينا التوقف والتأمل للنظر والانتقاد، من خلال ما توفره الرواية من رموز موحية، ومنها تمثلت دلالة الجسد كإشكال نصي، ومعنى روائي له أبعاده الفكرية والوجدانية المختلفة .

2- تناغم العملي والثقافي في المتن :

إن محاولتنا لدراسة الجسد في الفن الروائي المتمثل في "أريانة" للروائي" الميلودي شغموم" لا تعدو أن تكون محاولة متواضعة قائمة على المحتمل لا على المطلق،- فعالم العلامات هو عالم التعددية واللاتحديد-، تهدف بالضرورة إلى مقاربة تيمة الجسد في كليته وجزئياته من خلال السرد عبر تجلياته المتعددة( الطبيعي النفعي/ الثقافي الإيحائي)، ومن خلال إحصاء تقريبي للأعضاء الجسدية سيتبين لنا دور فعل الكتابة في رصد مركبات إسمية تحيل على التمفصل المرفولوجي للجسد. كما أن اختيار المقاطع التي سنشغل عليها لم يأت عبثيا- عفويا، بل كان تأطيرا مسيجا شاملا- بشكل أو بآخر- لما جاء في الرواية من إشارات تلقي الضوء على تمظهرات الجسد وامتداداته.

ففي المقطع الأول الذي كان بداية للرواية، يقول البطل:" أضع عيني في عينها كأني أغطس في يم عطر، دافئ في البداية لكنه يسخن حتى يصير مثل شمس صيفية، تختفي تحت غطاء السرير العريض كأننا ننزل البحر" .

تجدر الإشارة أولا، أنه لا يمكن الحديث عن الجسد ككل إلا من خلال الحديث عن أعضائه فقد لا يدل الكل إلا إذا " نطق" جزء من أجزائه، " فتلك حالة دلالته وأشكاله ومعانيه" ، فالعين/ الجزء في هذا المقطع تمثل الجسد ككل، باعتباره نسقا تواصليا له امتداداته خارج نفسه التي تعكس بقوة تعابير الشخصيتين عن أحاسيس ورغبات. فقد انتقلت من بعدها ا لنفعي النظري إلى ما هو أبعد ومرغوب فيه، إلى البعد الثقافي حيث التواصل والذوبان . وهكذا يتضح لنا رغبات وميولات تسكن وجدان البطلين ( الشخصيتين)، ومن ذلك نرى كيف تنتج العين نصوصا غنية المقطع التالي: " كل شيء يقرأ في العين، كل الجسد كله يتجلى في العين، لنقل إذن اللغة الأولى للجسد هو العين "

فالعين تحدث العالم عن الإنسان، إن كان جديرا يالثقة أنبأ الآخرين عن ذلك، وذا كانت النظرات المختلفة ، فمن النظرة المراوغة إلى النظرة العاشقة، ومن النظرة المغرية، وكلها نظرات لا مقاييس ثابتة لها، ولكنها لغة قد يفهمها بعض الناس بينما يتلاشى المفهوم ذاته لدى الآخرين، إنه الجهل بالعلامة العلامة/ الجسد . ويظهر ذلك في المقطع التالي الذي يدور فيه حوار بين المتدخلة الم غربية- في محاضرة ألقتها فرنسية عن الجسد- وبين الصحافي البطل الذي استوجبتها: " ما هو الجسد؟ هل لديك تعريف ؟

- لكنها قالت لي : تعرف في عينيك علامة؟

- ارتكبت

- أي علامة؟

- قالت واثقة وحانية: - علامة تعاسة... في عينك بريق ذابل، بريق الجسد

الذي يشتغل كثيرا لكنه لا يحب أو لايسعد بالحب ، بدون توازن .

لنتساءل ما علاقة هذا بالجسد؟

فمادامت العين تقسو، وتحن ، وتهفو لما تراه ، فإنها كذلك صورة انعكاسية لذات الجسد المخفية المضمرة فاضحة لأسرار ها، و بهذا يدل باعتباره علامة فهو لا يدرك إلا من خلال استعمالاته ( علاقته بالعالم الخارجي) التي يحكمها نسق يحبل على دلالة معينة، كائنة في سجل الذات التي تفقد التوازن، لأنها خاضعة لتنويعات دلالية مختلفة" ففي العين تتناسل " الأشياء" و " الأنساق" و " تنتعش الرموز" و " الأحلام" و " كل مرئي" ليس سوى العين التي " تجرد" و "ترنو" و" تبصر" و " تنظر ط إنها أفعال للبصر" « وفي هذه الحالة فالعين/ الجسد، توجه كل الأشكال والألوان والطبائع التي تخترقها رغبة في تكسير المألوف والعادي، إلى ما هو ثقافي يمثل التمثيلات الرمزية.

فلكل إنسان علامات ، يمكن أن يحدد لها علاقته بال آخر، لكنه يخطئ في بعض الأحيان مما يؤدي إلى اختلال في الجسد، فهذا الأخير لغز ككل إشارة غنية، مكتنزة بالدلالات.

وفي هذا المضمار يقول صاحب كتاب السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها: » أما الدلالة التي تشيدها العوالم الفنية، فيجب البحث عنها في ما لم تشر إليه الوقائع بشكل مباشر، أو هي موجودة فيما أشارت إليه هذه الوقائع ولكن بشكل إيحائي ، ملتبس وغامض « .

ولما كان الجسد بؤرة لتجلي العلامات، فإنه غير عاجز على ت أويل باقي الموضوعات الجامدة التي تحيط به من جهة، وتأويل الحركات المتدفقة من ذاته، وامتداداته في الفضاء من جهة ثانية. يقول المقطع الروائي الآخر : " كنت أنظر إليها قلقا، وهي تر فع يدها اليمنى باستمرار فتضعها على ثديها الأيمن، وتبدأ في مداعبته قليلا قم تعيدها فوق رأس القطة.

- ما معنى هذه الحركة المتواصلة، إغراء... لم تعبث بثديها كمومس؟ كنت م توترا غاضبا وجلا غير مصدق... « .

ويقول آخر يتحدث فيه البطل : " أستطيع أن أتذكر وجه هذه المرأة، عينيها بالخصوص، ودفئ بدنها شمسه وبحره،ك مده وجزره، هديره.. ومسام جسدها الحارة... « .

ويقول البطل في مقطع آخر: " لقد شككت في نساء كثيرات ، منهن زميلات وجارات لكن وحدة منهن تملك نفس العطر، ولا نفس الحرارة ، عطر فريد، وسخونة خاصة، عينان كالبحر ، أو كالشمس حسب الوقت والحال. هذا كل هويتها: سواء يسكنه البحر والشمس، يعبق بالعطر النفاذ اللطيف، لا يبرد أبدا... «

من هذه المقاطع الثلاث التي تمثل خريطة الحنان نرى كيف أن الإمساك بالرغبة، أمرا محالا. فهي من الأمور التي تستعصي على الضبط إنها طاقة ذاتية خاصة بالفر د، و بالتالي فإننا نورد أدوات تحققها التي نلمسها بشكل تواتري سيروري ، كما أننا نص ف تجلياتها التي تطفو على سطح أي خطاب، وفي المقاطع التي بين أيدينا تتمظهر الرغبة عبر الملفوظات السردية: " ترفع يدها اليمنى باستمرار، فتضعها على ثديها وتبدأ في داعبته" ، ثم" عينيها بالخصوص، دفئ بدنها شمسه، بحره، مده وجزره، هديره... مسام جسدها الحارة" ، ثم : تملك نفس العطر ولا نفس الحرارة: عطر فريد، سخونة خاصة، عينان كالبحر والشمس... سواء يسكنه البحر والشمس ... " .

فهذه الأمثلة كلها لا تشكل الرغبة إنها » الوجود الرمزي للرغبة « وكما يقول كريماص: »إنها مجموعة من الممثلين الكنايين الذين يتحركون نيابة عن معامل واحد ووحيد « .

إنها دلالات متجذرة تعد المفاتيح للكشف عن الهوية الثقافية للجسد، تتجاوز ما هو لغوي القابل لاحتوائها وضمها، تنأى به وتولجه في سيرورة الإبلاغ فإذا تأملنا هذه المقاطع بقوة تجاوزا لما هو سطحي للبعد الأخلاقي، متناسين طبيعة العمل الروائي باعتباره صورة للواقع سنكشف عن ما وراء الملاحظ والمرئي، إنه الدلالة الأخرى العميقة التي تتيح لنا فرصة الإدراك والفهم والإنتاج والتأويل، ففي المقاطع إعلان عن تأسيس خطاب آخر مختلف يرقى بقيمة الذات والجسد يزيحه عن صورة الجسد الذي تم تهميشه وطرحه داخل الثنائية القديمة : النفس / الطهارة، الجسد/ الدنس. » فالجسد حاضر في كل شيء : إنه حاصر في الرسوم وفي الكلمات وفي الصور (...) وفي الأحلام والسياسة والأخلاق والسلطة، كل شيء يدور حول الجسد ولا شيئ يوجد خارج ما يثيره الكلمات والأوضاع أو ترسمه الأفعال بصورة للذة " لا تنتهي عند نقطة بعينها « ويمكن أن يتضح لنا ذلك بشكل موجز

من خلال الترسيمة التالية اعتمادا على المقطع الأول :

تنظر

العين تمارس الحب تحرك الجسد وتزيحه من اسمنتيته إلى حركيته

الطابع الحركي في المتن تعشق وإيحائيته وفق مسار تأويلي.

حدوث الوصال : سيرورة تدليلية دائمة

المؤشر هو : ارتفاع الحرارة بشكل تواتري حتى

تحقيق اللذة والسعادة في أعلى مستوياتها.

تفتح إمكانات التأويل والقراءة.

وما هذا إلا إيجاز من شأنه أن يبدي نوعا من التحذلق أو التواضع يبرر التمييز بين ما هو واقعي/ فعلي، وبين ما هو ثقافي/ أسطوري يحيل على جملة انزياحات ناتجة عن تماسها بما هو خارج عن الجسد/ الكون.

وبهذه الأرضية، نختم عرضنا بجر د إحصائي للأعضاء التي تكون المعجم الجسدي في رواية " أريانة" نبدأ بالجسد لكونه الكل الذي ينقسم إلى ثلاثة أقسام كما جاء به" مالك شبل" : الرأس، الجذع والجوف، الأطراف، يتواجد أربعة وستكون مرة في الرواية.

الرأس كمركب إسمي يوجد بعدد يصل إلى إثنا عشر مرة. ويتكون من الوجه: 32، الحاجب مرة واحدة، الشعر: مرتين، العين: 32 الأنف: 3 ، الأسنان:2، اللسان:2، الأذن: 5.

أما الجذع والأطراف: الصدر : 10، الرقبة: مرة واحدة، الكتف: 2 ، الظهر:3، البطن: 10، الثدي: 17 ، الحجر: 5 ، القلب: 6 .

وأخيرا الأطراف : الذراع:10 ، اليد: 14، الأصابع: 2، الركبة:1، القدم: 13، الساقين: 3، المنكبين: 1، الرجلين: مرتين .

استنادا إلى هذا الجرد، نلحظ الجسد بمكوناته الإسمية الدالة عليه، يحضر حضورا متخما ومثخنا في الرواية حتى حقق لنا نوزعا من التشبع للدلالة على الدوافع الخفية المعرفية منها والجمالية التي تؤثت تواتره عبر الصور والصيغ الأسلوبية التي تؤطر إيقاع الجسد داخل المتن الروائي الفني، وبهذا فالجسد ليس موضوعا مدركا فحسب إنه بالإضافة إلى ذلك حجما إنسانيا فاعلا، ينتج القيم كما يستوعبها، ويولد الدلالة عبر وعي محايث ناتج عن انفلاته من حبائل الطبيعة، غاية في الوصول إلى الثقافة، » ليندمج أشياءه ويمنحها المعنى « .

خاتمة

إن الحياة العصرية تدعونا إلى العناية بالجسد ، و إبراز قدراته، فهو ليس ملك فرد، وإنما للجماعة، إنه الرمز الذي تستعمله الجماعة لتعبر عن رغائبها وطموحاتها وأحلامها، وما دام الجسد معطى ثقافيا، فإنه نص معبر، قادرين على قراءته وفك طلاسمه ، فهيأة الجسد وأوضاعه وحركاته وسكناته وثوبه، وإنما هي أربعة تعابير مختلفة لمعاني هي من معانيه الخاصة، أو من معاني المجتمع المنعكسة فيه وعليه فالجسد جملة من الرموز يحاول الإنسان حلها، عندما يحكم على الآخرين انطلاقا مما يقرأه على مياسيمهم، كما أنه موضوع دراسة وتحليل من حلاله نتعرف على خصوصيات حضارة محددة.

ومن الجنون أن نرى في الجسد شيئا آخر آلية علينا باستجلاء قوانينها، أو نحسبه متضمنا لفكر غامض علينا باكتشافه، محدثا قطيعة كبرى مع كل ما هو فيزيقي محدود، إلى ما هو مبثوث باطنيا تولده فينا كل حركة من حركات أعضائنا وأطرافنا.

ومن نافلة القول ، ونحن أمام هذا الفعل السردي الشغمومي، نجد أنفسنا في رحلة دائمة مما يشكل كونية الجسد إلى ما يشكل هوية الجسد. فنشاط الجسد قائم ومبني على وعي وإدراك عام للمعنى الذي تفرزه الأحداث المسرودة من لقاء هارب بين البطلين، وأحاسيس الرغبة والخوف والحب والموت، والحنين إلى لقاء ورقص كأنه الصلاة أو الموت ، فالجسد إذن " هو موطن ظهور التعبير"

المصادر والمراجع

العربيــــــة :

1- الميلودي شغموم، أريانة، المركز الثقافي العربي، ط1 ، البيضاء، 2003

2- بنكراد سعيد: السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، منشورات الزمن، البيضاء، رقم11، 2003.

3- بنكراد سعيد: الرواية المغربية وقضايا التشخيص السردي، العلم القافي، السبت 27 دجنبر 2003 .

4- بنكراد سعيد: النص السردي نحو سيميائيات الإيديولوجيا، دار الآمان، الرابط، ط1 ، 1996 .

5- مجلة علامات المغربية ، عدد7 ، الصورة الإشهارية: البناء والدلالة، 1997 .

الأجنبية :

1- Greimas ( A.J),conditions d’une sémiotique du monde naturel, in du sens, Ed Seuil, Paris 1970.

2- Maurie Merleau-Ponty, « Phénoménologie de la perception », Paris Gallimard 1945 .


  • 1

   نشر في 04 يناير 2016 .

التعليقات

عمرو يسري منذ 8 سنة
تقرير موسوعي جميل , لكن كنت أود لو أن في نهاية المقال تفسيرا لبعض المفاهيم الغريبة مثل : سيروري , سيميائيات , المرفولوجي , , بالتوفيق
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا