الرد على من أنكر حدَ الردة (1) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الرد على من أنكر حدَ الردة (1)

أدلة علمية ونقاشات منطقية للرد على بحث ينكر حد الردة فى الاسلام

  نشر في 11 يناير 2015 .

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده أما بعد ، قرأت منذ فترة بحثاً حول عقوبة المرتد فى الاسلام وكانت خلاصته إلغاء حد الردة بدعوى أن ذلك يتعارض مع الحرية الدينية واستدل صاحب البحث بأدلة على صحة استنتاجه وقدم نقداً للأدلة الأخرى المعارضة له .. وفى هذه المقالة المختصرة أفند ذلك الاستدلال وأبين مواضع الخلل فيه باذن الله ودونك التفصيل

الرد على نقده للأدلة وتضعيفه للأحاديث الصحيحة ، ضعف صاحب البحث الأحاديث التالية بحجج واهية كما يلى

1. ما أخرجه البخارى عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَرَّقَ قَوْمًا فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ

ضعَّف الأثر بحجة أنه غريب من رواية عكرمة ثم ذكر أن عكرمة قد ضعفه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل .. ثم أورد أن كثيراً من العلماء لا يحتجون بأحاديث الآحاد على الحدود .. ثم ذكر أن المتن من العام الذى أريد به الخاص

أما عن تضعيف عكرمة فمردود فقد قال البخارى (وهو من أعلم الناس بالرجال) : " ليس أحد من أصحابنا الا وهو يحتج بعكرمة "

و قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الأصبهاني: وأما حال عكرمة مولى ابن عباس – رحمه الله – في نفسه فقد عدله أئمة من نبلاء التابعين ومن بعدهم وحدثوا عنه واحتجوا بمفاريده في الصفات والسنن والأحكام، روى عنه زهاء ستمائة رجل من أئمة البلدان فيهم زيادة على سبعين رجلاً من خيار التابعين ورفعائهم وهذه منزلة لا تكاد توجد لكبير أحد من التابعين إلا لعكرمة مولى ابن عباس رحمة الله عليه، على أن من جرحه من الأئمة لم يمسكوا عن الرواية عنه ولم يستغنوا عن حديثه مثل يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس وأمثالهما رحمهم الله. وكل يتلقى حديثه بالقبول ويحتج به، قرناً بعد قرن، وإماماً بعد إمام إلى وقت الأئمة الأربعة الذين أخرجوا الصحيح، وميزوا ثابت الحديث من سقيمه، وخطئه من صوابه وخرجوا رواته: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وأبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبو عبد الرحمن شعيب، رحمة الله عليهم أجمعين، فأجمعوا على إخراج حديثه واحتجوا به، على أن مسلم بن الحجاج كان أسوأهم رأياً فيه، فأخرج عنه ما يقرنه في كتابه الصحيح وعدله بعدما جرحه. اهـ

وأما عن الاحتجاج بخبر الواحد فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية فيما نقله ابن القيم في مختصر الصواعق: " وأما القسم الثاني من الأخبار فهو ما لا يرويه إلا الواحد العدل ونحوه ، ولم يتواتر لفظه ولا معناه ، لكن تلقته الأمة بالقبول عملا به وتصديقا له... فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد من الأولين والآخرين ، أما السلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاع " اهـ. وهذا دليل على اجماع الصحابة على قبول خبر الواحد والعمل به وعلى ذلك أدلة كثيرة وسيأتى ذلك ان شاء الله فى الأجزاء المقبلة

وأما عن وصفه للحديث بأنه من العام الذى أريد به الخاص فهذا ما سنقوم بتنفيده

2. ما أخرجه البخارى ومسلم فى صحيحهما وغيرهما عن عبدالله بن مسعود - رضى الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يَحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ ، يشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ ، وأنِّي رسولُ اللهِ ، إلا بإحدى ثلاثٍ : الثَّيِّبُ الزان . والنَّفُسُ بالنَّفْسِ . والمارق من الدين التارك للجماعةِ " ..

ثم ضعف الحديث (المروى فى الصحيحين) لأن فى سنده الأعمش وهو مدلس ، قال وعلى فرض صحته فالحديث يتضمن فقط المرتد المحارب بدليل لفظ المارق وهو الخارج

أما عن الأعمش وعنعنته للحديث [ أى قوله (عن فلان عن فلان) بدلاً من (حدثنا فلان حدثنا فلان) وهو من طرق التدليس]

فعن أبى داود أنه قال : سمعت أحمد سئل عن الرجل يعرف بالتدليس يحتج فيما لم يقل (سمعت) ؟ قال : " لا أدري " ، فقلت : الأعمش، متى تصاد له الألفاظ ؟ قال : " يضيق هذا ، أي : أنك تحتج به " أ.هـ

والمعنى أن الأعمش كان كثير الحديث الصحيح المتصل ويشق تتبع سماعه فيما عنعن فيه فتقبل روايته ، وقال الجديع فى كتابه تحرير علوم الحديث تعليقاً على مقالة الامام أحمد " قلت : فهذا دل على توقف أحمد في قبول عنعنة المدلس في حال ، وقبولها دون توقف في حال أخرى ، فحال التوقف ينبغي أن تحمل على عنعنة من اشتهر أمره بالتدليس وكثر ذلك منه كهشيم ، أما من ذكر به وكان كثير الحديث الصحيح المتصل ، وشق تتبع ذكره للسماع في كثرة ما روى وندرة أثر ما ذكر به من التدليس ، كالأعمش ، فهذا يحتج به . لكن يجب أن يقيد بالقول : ما لم يثبت أنه دلس فيه "

وقال مسلم بن الحجاج : " وإنما كان تفقد من تفقد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم ، إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث وشهر به ، فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته ، ويتفقدون ذلك منه حتى تنزاح عنهم علة التدليس "

وقال يعقوب بن سفيان : " حديث سفيان وأبي إسحاق ، والأعمش ، ما لم يعلم أنه مدلس يقوم مقام الحجة "

والخلاصة أن ما أخرجه البخارى للأعمش صحيح مقبول لدى أئمة الحديث ولو عملنا بقول صاحب البحث لرددنا نصف كتب السنة بتلك الطريقة

وأما عن اقتصار الحديث على المرتد المحارب فهذا لا وجه له فى الحديث فلفظ " المارق من الدين التارك للجماعة " يؤول بلفظ " ، " التَّارِكُ لدينِهِ ، المُفارقُ للجَماعةِ " حيث أن احتمال الخطأ وارد فى نقل الألفاظ حيث كانت الأحاديث تحفظ وتنقل من الذاكرة فلا يصح الاعتماد على لفظ فى رواية واحدة خالف روايات عديدة لنفس الحديث ، هذا على فرض أننا سلمنا أن المقصود من لفظ " المارق " هو الخارج المحارب ، مع أنه يحتمل الخارج غير المحارب .. ثم ان لحكم الردة أدلة أخرى تبين أنها غير مختصة بالمحارب دون غيره كما سيأتى

3. ذكر صاحب البحث ما أخرجه البخارى ومسلم وأبوداود والنسائى وغيرهم عن أبى موسى الأشعرى - رضى الله عنه - قال : " أقبلتُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومعي رجلانِ من الأشعريِّينَ . أحدُهما عن يميني والآخرُ عن يساري . فكلاهما سأل العملَ . والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يستاك . فقال ( ما تقول ؟ يا أبا موسى ! أو يا عبدَ اللهِ بنَ قيسٍ ! ) قال فقلتُ : والذي بعثك بالحقِّ ! ما أطلعاني على ما في أنفسهما . وما شعرتُ أنهما يطلبان العملَ . قال : وكأني أنظر إلى سواكِه تحت شفتِه ، وقد قلصَتْ . فقال ( لن ، أو لا نستعملُ على عملِنا من أراده . ولكن اذهبْ أنت ، يا أبا موسى ! أو يا عبدَ اللهِ بنَ قيسٍ !) فبعثه على اليمنِ . ثم أَتبَعه معاذَ بنَ جبلٍ . فلما قدِم عليه قال : انزِلْ . وألقى له وسادةً . وإذا رجلٌ عنده مُوثَقٌ . قال : ما هذا ؟ قال : هذا كان يهوديًّا فأسلمَ . ثم راجع دينَه ، دينَ السوءِ . فتهوَّدَ . قال : لا أجلسُ حتى يقتلَ . قضاءُ اللهِ ورسولُه . فقال : اجلسْ . نعم . قال : لا أجلسُ حتى يُقتَلَ . قضاءُ اللهُ ورسولُه . ثلاثَ مراتٍ . فأمر به فقُتِلَ . ثم تذاكرا القيامَ من الليلِ . فقال أحدُهما ، معاذٌ : أما أنا فأنام وأقوم وأرجو في نَوْمَتي ما أرجو في قَومَتي

"واعترض على الرواية وضعفها (وهى فى الصحيحين) متعللاً بأن فى السند أبى بردة عامر بن عبدالله بن قيس .. ثم طرح عدة تساؤلات :

- هل كان أبوموسى الاشعرى يجهل حكم الردة ؟

- لمَ يتسرع معاذ بن جبل فى اقامة الحد على اليهودى دون أن يسمع منه ؟

- ان كان قتل المرتد واجباً بأقصى سرعة فلم أخره أبوموسى ؟

- ثم ختمها بقوله أن فعل الصحابى ليس بحجة وأن الرواية لم تذكر حال اليهودى أكان محارباً أم لم يكن ؟!

أما عن تضعيفه للرواية وهى فى الصحيحين بحجة أبى بردة فهو القدوة الولي الزاهد أبو عبد الله ، ويقال : أبو عمرو التميمي ، العنبري ، البصري . روى عن عمر وسلمان . وعنه : الحسن ، ومحمد بن سيرين ، وأبو عبد الرحمن الحبلي وغيرهم ، وقلما روى . قال العجلي : كان ثقة من عباد التابعين ، رآه كعب الأحبار فقال : هذا راهب هذه الأمة . وقال أبو عبيد في " القراءات " : كان عامر بن عبد الله - الذي يعرف بابن عبد قيس - يقرئ الناس . والكلام عنه يطول و وخلاصته أنه من أئمة التابعين وأنه ثقة يحتج بحديثه ووثقه أحمد بن صالح الجيلى وابن حجر العسقلانى والذهبى والواقدى وابن خراش وليس كما يدعى صاحب البحث أنه لم يوثقه الا ابن سعد والعجلى وابن خراش وابن حبان حيث قال بأن جميعهم متساهلون فى التوثيق ، هذا فضلاً عن اخراج البخارى ومسلم له تلك الرواية مما يقطع بصحتها ..

وأما عن تساؤلاته فجوابها كما يلى

1) هل كان أبوموسى يجهل حكم الردة ؟

لا لم يكن يجهله بدليل أنه ألقى القبض على اليهودى وقيده ، هل كان سيقيده ان كان جاهلاً بجرمه ؟!

2) لم يتسرع معاذ بن جبل فى اقامة الحد دون أن يسمع منه ؟

قد روى له أبوموسى قصته كما ورد فى الرواية وهى كافية لمعاذ بن جبل حيث أن أبا موسى لن يكذب علي معاذ - رضى الله عنهما - ثم انه تسرع فى إقامة الحد ردعاً لغيره من أهل اليمن وهذا من فقه معاذ - رضى الله عنه -

3) ان كان قتله واجباً بأقصى سرعة فلم أخره أبوموسى ؟

الحد ليس واجباً على وجه السرعة ولعله كان يعرض عليه التوبة وهذا مما عرف عن أبى موسى - رضى الله عنه - من رقة القلب ، أما فعل معاذ فقد كان الأصلح حتى لا يتبع الناس ذلك اليهودى فى فعلته وكلاهما قد اجتهد فى طريقة تنفيذ الحد (على التراخى أو على الفور) وكلاهما مجتهد والمجتهد ان اصاب فله أجران وان أخطأ فواحد .

4) فعل الصحابة كان كما ورد فى الرواية " قضاءُ اللهُ ورسولُه " أى أن ذلك لم يكن باجتهاد منهما فى الحكم نفسه (وهو الحد) وانما اجتهد أبوموسى فأخره ليستتيب اليهودى وعجله معاذ ليردع من خلفه من الناس .. وقد ذكرنا من قبل أنه لا يشترط أن يكون المرتد محارباً حتى يحد ولذلك فلا يقدح فى الرواية أنها لم تذكر أكان محارباً أم لم يكن

وبذلك تنقضى تلك الحجة أيضاً

انتهى الجزء الأول 


  • 1

   نشر في 11 يناير 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا