هذه المره يا أصدقائي دعوني أضع ساعديا على خلفية رقابكم كما يفعل الصغار واحكي لكم قصه لا أدري ماذا أسميها، ففي المرحلة الابتدائية كان معنا طالب في نفس المدرسة يدعى "امين" من اليمن الشقيق كان بطول الخنصر في يد طفل إلا أن الله عوضه بكوميديا ساخرة ساحرة فلا أحد يفلت من تعليقاته وكلماته اللاذعة (في منتصف الجبهه على قولتنا الآن)، كانت شقاوة الحياة تشع من عينيه وكان ذا لون قمحي قريب للحمرة لا يمكن أن أنساه يلبس ثوب من دون شماغ او طاقيه و "تحملوا كلمة كان في الجمل الآتيه" وكان يتحلق حوله قرابة عشرة من زملائه يرحلون معه أينما ذهب يطلقون ضحكاتهم مع تعليقاته ويعززون له شقاواته وكان لا يترك صغيرة او كبيرة إلا وسخر منها سواء كانت في إنسان او جماد مع شخص يعرفه او لا يعرفه ولا أخفي عليكم بأني كنت أتحاشاه واحرص على عدم الوقوف في الأماكن التي يمر منها خوفا من تعليقاته ولا أبالغ بأن حتى المدرسين كانوا يتحاشونه ويتحاشون حتى الحديث معه كما لو كان مدفع رشاش! طبعاً هذا في وقت الفسحة أما خلال الحصة فلا أعلم مالذي يحدث داخل فصل امين فالله وحده يعلم بذالك فلسوء او ربما لحسن حظي بأني لم اكن معه في نفس الفصل فقد كنت اسبقه بسنه، وللأسف بأني لا احفظ تعليقاته ولا أذكر سوى سخريتنا من اسمه عندما كان يقف في صفنا في إحدى الصلاوات الجهرية عندما قال الامام: ولا الضالييين، فقلنا: امين، قاصدين زميلنا وليس التأميم! وبالتأكيد بأنه انتقم منا شر انتقام.
وطفقت افكر بعد سنوات عن سر هذه السخرية الحاده من امين؟! هل هي وراثه؟ هل يشعر امين بأذى في المنزل ومن ثم يفرغه في المدرسة؟ ام أن هذه رسالة مُبطنه من الزميل امين بأن على الإنسان ان يبداء حياته هكذا ساخراً؟
ثم راحت السنين تعدو وتعدو وأخذتني الأيام الى المستشفى وبينما كنت على السرير قُبيل مغرب يوم كئيب إذ دخل امين، عرفته مباشرة فهذه الملامح الساخرة لا يمكن نسيانها وقد كبر واصبح في عمر المراهقة وازداد طوله "سانتيمترين" وكان معه شقيقه الأصغر كان يشكو من مرض ماء إستلقى على السرير وجلس امين بجانبه وبدا صامتاً هادئاً على غير عادته، لم يكن امين يعرفني فلم أرغب بالسلام عليه او ربما كنت خائفاً من سخريته، ثم دخل ثلاثة اشخاص من أقاربه بدا عليهم المرح وبعد ان سألوا عن شقيقه وعن صحته بدأوا بالمزاح مع امين والسخرية منه! وهنا كانت الصدمة بالنسبة لي فلم يرد عليهم امين ولم يجاريهم حتى! وظهر منكمشا على نفسه! واستمروا بالإسقاطات عليه واسمتر صامتاً! لماذا؟ اين ذهبت السخرية؟ اين الكلمات اللاذعة؟! توقعت ان يأكلهم بسخريته وهو الذي بكلمه واحده يلقف ما يأفكون!
مالذي حدث يا امين؟ سيقول أحدكم بأنها كانت مجرد شقاوة أطفال عابرة، لا والذي خلق السماوات فالشقاوة وحتى الخبث مازالت تشع وبقوه من عينيه ولكن يبدو بأن هناك أمر جلل او حدث أليم غير حياة امين، ماهو يا ترى؟ هل هي طبيعة الحياة الجادة؟ ام هي مسؤلية الرجولة وأعبائها؟! ام انه تعرض لعلقة ساخنة انسته السخرية والضحك؟!
من الغد خرج امين وأخيه من المستشفى وخرجت بعدهم بشهر وأنا مازلت اتسآل: مالذي حدث يا امين؟