اسمه رمضان وتسبب بموت رجل في رمضان..

لا أريد بمقالي هذا أن أتحدث عن تفاصيل الحادثة التي أصبحت حديثاً لكلّ من سمع بها، ولا أريد أن أذكر بسوء من تسبب بالحادثة، بقدر ما أريد أن أسأل الله الرحمة والغفران للطيّار أشرف أبو اليُسر الّذي مات كمداً على خسارته مهنته، والّذي كان يرتقب انقضاء مدّتها بعد قليل ويرجو أن يخرج منها مكرّماً معززاً لا ذليلاً معاقباً محكوماً بالمنع من مزاولتها بقية حياته المهنية التي لم يبق على انقضائها إلّا فترة وجيزة.

فإنّ عمله بلا شكّ كان في نظره من الرفعة والسمو كما للطائرة من الرفعة والعلو في السماء، وإنّ سقطته هذه لم تكن إلّا لتذهب بنفسه مذهب الهلاك كما لو أنه خرّ بطائرته من آفاق السماء فدكّ وإيّاها دكّة واحدة على صخرة من صخور الأرض.

وكان الممّثل الّذي ابتغى مزيداً من الشهرة بتصوير مقطع ظنّه فريداً نادراً يُباهي به الناس ويتميّز به على من سواه، قد هدم صرحاً مُنيفاً لرجل جليل، وما انتفع من أنقاض هذا الصرح إلّا بطوبة بناء واحدة وضعها على مجده الّذي ليس ارتفاعه عن الأرض إلّا شئياً لا يُذكر ولا يُعتبر فزادته هذه الطوبة سفالة وسقوطاً من حيث أراد بها الارتفاع والظهور..

فليس الجميع بمتاح لهم أن يتصوّروا من داخل مقصورة الطيار بينما تكون الطائرة في الأجواء تمخر عبابها. وأخلف الممثل بوعده الّذي وعد الطيار به وبث المقطع بعد أن عاهده على أن لا يبثّه على وسائل التواصل، ولّما عوقب الطيار بالمنع من مزاولة المهنة لسماحه لهذا الأخير بدخول المقصورة، وهو أمر مشدّد منعه، لم يُطق تحمّل هذا الذلّ الّذي لحقه والإهانة الّتي أحاطت به فزهقت نفسه ومات. ولو أنّ لهذا الممثل من الإنسانية ولو أدنى قدر منها لاعتزل التمثيل وانقطع إلى الله ووقف حياته على خدمة الناس ورعاية الفقراء والمحتاجين تكفيراً عن ذنبه وتعويضاً عن قليل ممّا كان فعله. ولو أنّ له من الإنسانية ولو النزر القليل لبذل طاقته ولما ادخّر من جهده شيئاً في تعويض الرجل خسارته قبل مماته وإن كلّفه هذا باهض الثمن.

والعتب على الطيار رحمه الله؛ ما كان له أن يسمح لهذا أو لغيره بدخول المقصورة بما أن ذلك ممّا تُعاقب عليه قوانين الطيران بعقوبات شديدة صارمة، فجاءت نتيجة تهاونه بهذه العاقبة الوخيمة، فجعل من نفسه عبرة وقد كان في طريقه لأن يجعل منها قدوة ومثالاً حسناً.

ومن هذا نأخذ عبرة أن المعرفة والحزم وقوّة الشخصية إلى جانب اللين والرفق والسعي نحو الإتقان والتطوير المستمر من المعلومات والقدرات هي أهم عوامل النجاح والارتقاء في أيّ وظيفة، وأهم عوامل المحافظة على هذا النجاح وهذا الارتقاء وصيانتهما؛ فالمعرفة بمجالك الّذي تزاوله هي الأساس وهي ما لا غنى لك عنه، والحزم وقوّة الشخصية هما ما يحثّانك على اتّخاذ أصوب القرارات وعلى قول لا في الوقت الّذي يتوجّب عليك قولها، وعلى أن لا تدع لأحد أن يفرض عليك ما تجده خطئاً.

أما لين الجانب والترفّق بالمرؤوسين وبالزملاء وكسب محبّتهم واستمالة قلوبهم فمن دواعي دعمهم ورغبتهم في بقائك وترقّيك، فمن تواضع لله رفعه، وتواضعك للناس سبيل لأن يرفعوك إذ لا يخشون طغيانك وجورك عليهم إذا ارتفعت وترقيت لأنّهم عرفوا من سيرتك حسن الخلق والتواضع ولين الجانب. أمّا السعي نحو الإتقان والتطوير المستمر فأهميّتهما لا تخفى على ذي لبّ في كونهما من أهم مسببات النجاح. ولا شكّ إنّ هذا كلّه إذا كان لله ولطلب رضاه كان له من الثواب في الآخرة أضعاف ثواب الدنيا، وثواب الآخرة خير وأبقى.

ولعلّي ابتعدت عن الموضوع الأصلي قليلاً، فإنّ لكلّ حادثة في الحياة درس وعبرة إذا نظرنا إليها من زاوية من الزوايا، والحكيم من انتفع بتجارب غيره قبل تجاربه الخاصة ((فاعتبروا يا أولي الألباب لعلّكم تُرحمون)).

مرحباً بكم في صفحتي على فيس بوك، هذا رابطها: 

https://www.facebook.com/%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%A6%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8-%D9%88%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%A6%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D9%84-102942061873107/