هل افتقد رمضان روحانياته؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

هل افتقد رمضان روحانياته؟

  نشر في 11 يونيو 2018 .

يأتي رمضان هذا العام علي غير عادة رمضان الأعوام الماضية، تري جميع الفئات شبابا وشيوخا، رجالا ونساءً، يتساءلون ويسألون سؤالاً واحدا، هل افتقد رمضان روحانياته؟

بالحديث عن نفسي فإني أشعر بذلك حقا حتى في الحوار بين أقراني نستغرب كثيرا من وقت كنا نتمنى أن يصبح العام كله رمضان، ليس هذا هو رمضان الذي نقصده قديما كان رمضان بالنسبة لي أيام أعيشها في جنة الخلد ويكأن هذة الأيام ليست من أيام الدنيا الفانية، لكن هذا العام _و يا حسرة علي العباد_ لا نشعر بشيء، نقول : هي أيام مثل أخواتها في سائر السنة، إلا أن فيها صيام بالنهار، وقيام بالليل، ننام النهار إلا قليلا، ننادي المؤذن أما آن الأوان بعد؟ .

قلت قد يكون بسب تزامن رمضان مع امتحانات آخر العام في الجامعة، وإن كانت هذه مشكلة فالمشكلة الكبرى حقا هي الغربة؛ إذ إنني مكثت عشرين يوما من رمضان بعيدا عن بيتي، بعيدا عن أبي وأمي وإخوتي، بعيدا عن أصدقائي، قضيت هذه الأيام بين مجموعة من الكتب ومجموعة من أوراق قد كتبها بعض الطلبة المتميزين يقال أنه لن يخرج عنها الامتحان.

لكن هل ما سبق سبب كاف قد يفقد أيام مثل أيام رمضان رونقه؟

في البداية ظننت أن جيلنا جيل الشباب الجامعي المغترب هو من يشعر بذلك فقط،حتي جائتنى اتصالات من أقاربي مع اختلاف أعمارهم وبعد الاطمئنان علي والسؤال عن حالي يسألوني نفس السؤال، ألا تشعر أن رمضان هذا بغير روح الأعوام الماضية.

قلت لابد أننا ابتعدنا عن طاعة الله _عز وجل_ وأيقنت ذلك يقينا كاملا حتي كانت الصدمة، حينما عدت الي بيتي وذهبت أصلي خلف إمام أعرفه، إذ به يقول لي : إني لا أشعر برمضان هذا كرمضان الذي كنت أصلي قيامه من اثنى عشرة سنة، كنت في السابق أصلى القيام فأشعر كأن رائحة من الجنة أشمها وأنا أصلي كأن المحراب قد عطر بها ، فما لي الآن قد أبعدت عن جانبه المعلل.

وها أنا ذا بالمسجد الإمام يقرأ للقيام فتري الشباب يجلسون أرضا طوال قراءة الإمام ولما يركع الإمام يسرعون ليقفوا في الصف فيدركوا هذة الركعة ويقفون طوال الركعة الثانية حتي يسلم الإمام ويبدأ في ركعة جديدة فيجلسون منتظرين الركوع، وهكذا حتي تنتهي التراويح، بالإضافة إلي أطفال يلعبون في المسجد، وآخرين ينتقدون صوت الإمام أو إطالته القراءة، وأري كل ذلك ومازلت أفكر في إجابة للسؤال الذي طرحناه جميعا.

وبينما أنا علي ذلك، إذ بي أرى آية من آيات الله، رجل عمره تجاوز الثمانين عاما علي تقديري لعمره، متكئا علي عصاه، يمشي ظهره منحنيا بعض الشيء، لم يجلس علي الأريكة التي وضعت آخر المسجد لكبار السن ولم يكتف بصف من صفوف المسجد بل استبق الصف الأول والعجيب أنه لم يصل قاعدا بل صلى قائما مثله مثل أي شاب في مقتبل العمر بل أحسبه عند الله أفضل، ومما زادني إعجابا وتقديرا أنه يبدأ صلاته قائما قياما لا تري انحناء فيه، فأذا مضى الإمام في القراءة ينحني ظهره قليلا بعامل السن والمرض لكنه لا يستسلم، فأراه يقف مرة أخرى بلا انحناء ثم ينحني وهكذا إلي أن يركع الامام، تحسبه يخاطب ربه قائلا:

إن الملوك إذا شابت عبيدهم *** في رقهم عتقوهم عتق أبرار

وأنت ياخالقي أولى بذا كرما *** قد شبت في الرق فاعتقني من النار

قلت في نفسي هذا لن يكمل إلا ركعتين وسيجلس بقية صلاته، ولكن لم يلبث أن سلم الأمام إلا أن قام مسرعا واعتدل قائما ليكمل مع الإمام الصلاة، لم يفعل كفعلي وفعل الشباب السابق ذكره، لم ينتظر الامام حتي يركع فيدخل معه، وظل علي هذة الحالة حتى انتهت الصلاة فلما هم أن يغادر المسجد لم يستطع تجاوز عتبته، فجلس هذة المرة علي مقاعد كبار السن ولكن لا ليصلي بل ليستريح قليلا حتي يستطيع أن يغادر ودُفع إليه كوبا من الماء فشرب، وما كان من إمام المسجد إلي أن حمل عنه حذائه وساعده في الخروج من باب المسجد.

لم تنته القصة عند ذلك بل الأعجب والأغرب ما رأيته حينما حان وقت التهجد، رأيته أتى مسرعا فأسند عصاه إلي الحائط ولا أدري أيهما أحق أن يُستند؟ الجماد الذي لا يشعر، أم الشيخ الكبير الذي تجاوز الثمانين؟ تلكم العصا التي لو كان للجماد نسل لحسبتها من نسل عصا موسى -عليه السلام- ؛ إذ أنها حملت ذلك الشيخ العجوز إلي صلاة مثل التهجد، صلاة يستثقلها كثير من الناس، وكحالته في التراويح لم تتغير دخل يصلي مع الامام وهو ما بين استقامة ظهره وانحنائه لم يجلس أيضا مع طول الصلاة!

هل تعتقد أن العجب انتهى عند ذلك؟ حسنا ، حينما استراح الامام وتقدم أحدهم ليلقي كلمة يعظ المصلين ويحثهم علي الصلاة والاجتهاد في العبادة، نظرت إلي صاحبنا ، صاحب الثمانين عام فإذا به يصلي منفردا ولم يجلس مع الجالسين ليستمع إلي ما يقال وكأن لسان حاله يقول: خلو بيني وبين ربي ، أنا أعرف ما تقولون جيدا، لا أحتاج أن أستمع إليه الآن، أنا اوشكت الوصول إلي خالقي والوقوف بين يديه دعوه يري مني ضعفي وقلة حيلتي لعله يرحمني يوم لقاءه.

وأنا الآن أطلب من كل من وصل لهذة الفقرة من المقال أن يدعو لهذا الرجل بأن يتقبله الله ويتجاوز عن عثراته.

أعتقد أنكم نسيتم بعض الشيء السؤال السابق ذكره، والذي كنا بصدده قبل أن نتطرق إلي الشيخ العجوز، كنت قبل أن أرى هذا الموقف أعقد اعتقادا لا شك فيه أن رمضان لم يعد كسابق عهده، لكن الآن تيقنت أننا نحن لسنا علي سابق عهدنا، انشغالنا في الحياة وابتعادنا عن جو العائلة المفعم بالحب والروح، وتفريطنا في جنب الله _عزوجل_ هو من جعلنا نحرم من اللذة الرمضانية، والدليل هذا الشيخ الذي لو ذهبت إليه فسألته، لقال لك إن رمضان هو رمضان ، لكن أنتم لستم أنتم.



   نشر في 11 يونيو 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا