أبو القاسم سعد الله وكتابة التاريخ.. بين ميوله الثقافي و هروبه العسكري..!!
أبو القاسم سعد الله وكتابة التاريخ.. بين ميوله الثقافي و هروبه العسكري..!!
نشر في 26 نونبر 2016 .
إان المطلوب في حياتنا الفكرية الناشئة أولا هو دراسة الإنتاج أو أي عمل فكري و الوقوف على أدق تفاصيله, أو بالأحرى هذا الكم من المعطيات والمعلومات من الداخل وبعدئذ يمكن الإنتقال الي مرحلة ثانية و المدعوة في منهجية البحث العلمي بالمرحلة التقييمية والنقدية .
يقول الدكتور مصطفى السباعي في كتابه -هكذا علمتني الحياة- " الشباب يصنعون التاريخ بقلوبهم والعلماء يصنعون بعقولهم والحكماء يصنعون التاريخ بأرواحهم, فإذا تعاون القلب والعقل والروح في صنع التاريخ, كان تاريخا لا تنطفئ نورة ولا تخبو ناره, وهكذا صنعنا التاريخ أول مرة" .
أيها السادة... إذا سلمنا بجزئية أن العلماء والمقصود المؤرخون يصنعون التاريخ بعقولهم ,أي أن العقل ضروري في صنع التاريخ, بالنسبة للعالم والمؤرخ نجد أن المؤرخ لابد أن تتوفر فيه مجموعة من الخصال أو الشروط ليدخل ضمن تعريف مصطفي السباعي,فالشجاعة شرط ضروري في كتبة التاريخ و هذا مافقدناه في كثير من المؤرخين مما أدخلهم في تناقضات خطيرة راح ضحيتها طالب العلم أو المهتم الذي أصبح معلق بين المؤرخ و الفاعل, فهذا يجعلنا نحذر من خصخصة التاريخ و نقول انه لابد أن ندخل مرحلة جديدة في كتابة التاريخ الثوري لأن الوضع خطير يتعلق بخصخصة الذاكرة .
المؤرخ الكبير وشيخ المؤرخين ابو القاسم سعد الله -رحمه الله- يعد من أبرز الكتاب و المؤرخين ليس في الجزائر فقط وانما في الوطن العربيي باكمله .
ولد ابوالقاسم عام 1930 بولاية الوادي درس الفقه واللغة والدين, ويعد من رجالات الفكر واعلام الاصلاح الديني والاجتماعي, خريج جامعة الزيتونة و كان يعرف في وسطه بالناقد الصغير.
طبعا سجل سعد الله حافل بالانجازات لاينكر هذا الا جاحد أو حاسد, له مؤلفات كثيرة ثقافية وسياسية وأدبية فكتب في تاريخ الجزائر الثقافي في عدة مجلدات و كتب عن الحركة الوطنية وله دواوين شعرية و كان يحب كثيرا ادب الرحلات, وترجم وحقق العديد من الاعمال والمؤلفات.
لكن ما حز في نفسي و شغلني كثير كما هو الحال بالنسبة لكل مهتم بتاريخ الجزائر الثوري هو عدم التفاتة سعدالله للجانب العسكري لتاريخ الثورة, أو بمعنى أدق لمذا لم يكتب حول الثورة ؟ هل يرجع ذلك لإحترام صناعها؟ أم لدواعي أخرى ؟ أم كان فعلا حريصا على سلطته الاكادمية؟ اليس هذا يعتبر تناقض صريح لانه لطالما علمنا في كثير من المواضع على أن المؤرخ يجب أن يكون شجاعا لمذا فقد سعدالله هذه الملكة إذًا ؟؟
حقيقة إن ابو القاسم سعد الله كان جل إهتمامه نحو الجانب الثقافي للجزائر, وبرز ذلك في عدد المجلدات التي خصصها لهذا التاريخ والتعمق بشكل كبيروملفت للإنتباه في هذا المجال, ومخطئ من يعتقد ان ميولاته الثقافية ستبعده عن المجالات الأخرى فالمجال السياسي كان أيضا حاضرًا في إهتماماته وتجلى ذلك في الاجزاء الثلاثة لكتاب الحركة الوطنية .
إن سعد الله يعتبر أحد الفاعلين في الثورة وذلك بنضاله الطلابي في القاهرة, فلو تطرق لتاريخ الثورة أكاد أجزم أنه يكون أفضل عمل فكري لتاريخ الثورة, وأحسن من كل المؤرخين الذين كتبوا عن الثورة , هذا النئي بالنفس من قبل سعد الله يجعلنا نتساءل أيضا لمذا لم يتطرق للجانب الثقافي للثورة ..فهو أهمل الثورة حتى ثقافيا ولا نستطيع أن نتحدث عما تداركه فيما بعد وخصص جزء للجانب الثقافي للثورة في موسوعته الثقافية ولكن هذا كان تحت الضغط وكان غير راضي عن عمله فقال" لولا قصر الزمن لاعدت كتابته تماما "..
وما يزيد الطين بلة هو عندما سئل الدكتور سعدالله في أحد ملتقياته التاريخية حول المتسبب في أحداث ألـ 8/ماي/1945 فلم يجب بالرغم من أنه لم ينفي عدم معرفته ولكن فضل عدم الجواب هذا دليل على أنه كان يخشى الإقتراب من الثورة .
إن تفسير عدم الخوض في تاريخ الثوري من قبله يرجع لأسباب عدة من بينها أنه كان يخشى من طغيان الذاتية في مثل هذه المواضيع, نظرًا لانه كان مشاركًا و يعتبر فاعلا في هذا الجزء من التاريخ, ويبتعد عن الأكاديمية في تناول هذه المواضيع خصوصًا أن الفاعلين كانوا على قيد الحياة فتخوف من حصول صدام بينه وبينهم, لأن الصانع في الثورة لا يعتبر مؤرخًا بالضرورة فأغلب هؤلاء الفاعلين تجذبهم العاطفة في تناول القضايا و الأحداث مما شكل عائقا أمام سعد الله, و يحدث ما كان يخشاه و هو التصادم.
كما أعتقد أنه كان يحبذ تاريخ الفكر والثقافة على التاريخ السياسي والعسكري بدرجة أكبر. وربما يرجع ذلك لتكوينه الأدبي .
ربما نستطيع القول أن سعد الله لم يكن من حقه أن يتفادى التاريخ العسكري لثورة وذلك لإعتبارات عديدة من بينها أن الحقيقة كانت ستكون أقرب للباحث و لرأي العام , حيث تعري الخونة من صفة القدسية التي إكتسبوها من طرف أصحاب التيار الفرنسي و مدارسه وأذنابه الذين تركهم ديغول من أجل مهمات قذرة تحت شعار :
لكل أمة رسول.... ورسول هذه الأمة ديغول
و إنني لأتساءل مع محمد العيد أل خليفة في قوله :
لست أدري متى نكون رجالا .. لست أدري متى الشقاء يغيب ؟
- حساني أسامة
-
حساني أسامةطالب جامعي تخصص علوم انسانية واجتماعية