ماذا حدث للجيش الوطني المصري - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ماذا حدث للجيش الوطني المصري

  نشر في 03 شتنبر 2016 .

سارع المتحدث الرسمي للقوات المسلحة بنفي أخبار عن تورط الجيش في أزمة ألبان الأطفال بعدما اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالسخرية و كيل الشتائم للجيش محذرا من الأثر السيئ لنشر الشائعات

ما الذي جعل الجيش المصري في هذا الوضع المزري الذي جعل قطاع عريض من أبناء شعبه يصدقون كل ما يقال ضده

الجيوش الوطنية كانت منذ نشأتها رمزا للسيادة الوطنية و الانضمام إليها علامة للانتماء

إنما في مصر فالأمر كان مختلف فمن يطالع التاريخ المصري الحديث يكتشف ان الجيش الوطني ظهر قبل الدولة الوطنية ذاتها

فبينما كان المصريون ينظرون لأنفسهم كرعايا للسلطان العثماني فرض الجيش المصري نفسه كقوة إقليمية منفصلة وعامل الأوربيين قوادة كممثلين عن دولة مستقلة منذ معارك حرب المورة باليونان وحتى نهاية الصراع مع الدولة العثمانية بتوقيع معاهدة لندن التي قررت استقلالا جزئيا لمصر

وفى عهد سعيد باشا كان على راس اصلاحاته لتمكين المصريين من بلادهم وإزكاء الروح القومية ادخال الأقباط فى التجنيد الإجباري لتكون الخدمة العسكرية عامل توحيد لعنصري الأمة

والغى اعفاء الأغنياء من التجنيد فلم تعد الجندية حكرا على الفقراء كالسخرة و انما واجب وطني يشترك فيه الجميع

و سمح للمصريين بالترقي لرتب الضباط و منح المتميزون منهم أراضي شاسعة ورواتب مجزية مكنتهم من إن يكونوا جزء هام من الطبقة البرجوازية الناشئة التي وبعد عقدين فقط نادت بالدستور ودولة القانون والمساواة التامة على أساس المواطنة

فلم تكن الحركة العرابية تمرد عسكري وإنما جزء من حراك اجتماعي واسع تجاه الدولة القومية في ظل تفاهم تام بين قادة المجتمع و الجيش إلى تدخلت الامبريالية و أنهت هذا الحراك بسقوط مصر تحت الاحتلال

وظل الجيش مراه صادقة للشعب ففي فبراير 42 عندما أرغم الانجليز فاروق على تعيين النحاس رئيسا للوزراء كان الشارع المصري متعاطفا مع فاروق غاضبا لأهانته و كذلك كان الجيش فقدم محمد نجيب استقالته قائلا حيث إني لم أستطع أن أحمي مليكي وقت الخطر فإني لأخجل من أن أرتدي بذلتي العسكرية وأسير بها بين المواطنين ولكنها رفضت و عرض السادات و صلاح سالم على احمد حسنين رئيس الديوان الملكي القيام بعمليات انتقامية ضد الانجليز ولكنه رفض

وقبل قيام حرب فلسطين بادر العديد من الضباط المصريين بالاستقالة للانضمام لصفوف المتطوعين وكان من ضمنهم جمال عبد الناصر ولكن استقالته رفضت و اخبر بان الجيش سيخوض الحرب إذعانا لرغبة الشعب

وعندما قامت حركة 52 لم تكن انقلاب عسكري بقدر ما كانت تعبيرا عن المزاج الشعبي الذي سارع بتأيدها ولم يشك في نواياها وكانت أهداف الثورة المعلنة متطابقة مع أهداف الطبقة الوسطي ولا غرابة في هذا فعندما أمضيت معاهدة 36 مع انجلترا سمح لأبناء الطبقة المتوسطة بالدخول للكلية الحربية للحاجة لزيادة حجم الجيش فمن ضمن الضباط الـ11 الذين كونوا الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار دخل 8 منهم الكلية الحربية عام 36 فكان حراكهم و أفكارهم تحقيقا للأفكار الشائعة بطبقتهم ومنع تطبيقها سيطرة الرأسماليين وكبار الملاك فالإصلاح الزراعي طرح في البرلمان 1945 فقدم مشروع بتحديد الملكية بمائة فدان ولكنه رفض ونشر ميريت غالي كتابا يدعو فيه لتحديد الملكية بـ200 فدان وتوزيع أراضي الدولة والأوقاف على الفلاحين

أما حزب مصر الفتاة فكان برنامجه الحزبي 1948 يقضي بتحديد ملكية الأراضي الزراعية ب 50 فدان وأن تشتري الحكومة الزائد بسندات تستهلك في خلال 25 عاما وتوزع هذه الأراضي خمسة أفدنة لكل فلاح بأقساط طويلة الأجل و تأميم شركات المرافق العامة كالمياه والكهرباء والمواصلات وإقرار الضرائب التصاعدية ووضع نظام للتأمين الاجتماعي والتعليم وإلغاء الرتب والألقاب المدنية وتنظيم اتحادات للعمال والفلاحين وتأميم الطب لكفالة الرعاية الصحية للجميع وكذلك مناهضة الاستعمار و السعي للوحدة العربية

وهكذا وجد برنامج الحزب الذي منعته التكتلات الحزبية من الحصول على مقاعد برلمانية متناسبة مع حجم التأيد الشعبي لافكارة من يحققة مع حذف ما لا يلائم الديكتاتورية العسكرية والتي وجدت دعما شعبيا حقيقيا باعتبارها ضرورة لتحقيق أمال الشعب

وحتى مجانية التعليم العالي فقد كانت خطوة سبقتها قرار مجانية التعليم الابتدائى 1944 ثم الثانوي 1950

وصاحب صعود دولة الضباط صعود أبناء طبقتهم من البيروقراطيين وتحسن ملحوظ في حال العامل و الفلاح و انفراجة واسعة في سبل الصعود الطبقي مكنت أبناء الفقراء من الصعود للمناصب الكبرى وتحقيق الثروات

وحتى هزيمة 67 التي كانت هزيمة للشعب و النظام و ليس الجيش فقط لم يكن ينظر لتسلط الضباط السياسي باعتباره استئثار فئة بالسلطة بسلوك طائفي وإنما باعتباره ديكتاتورية تؤيدها الأغلبية و تؤازرها الدوافع الوطنية وكذلك لم يكن للجيش أذرع اقتصادية و إعلامية وإنما هو اقتصاد الدولة و أعلام الدولة وان كان يرأسهما في كثير من الحالات ضباط جيش

و بعد خروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي باتفاقيات كامب ديفيد أصبح الحفاظ على حجم الجيش الكبير مشكلة ومع البدء في تفكيك القطاع العام و انتهاج الخصخصة انشأ جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بهدف تأمين الاحتياجات الرئيسية للقوات المسلحة 1979 ولكنة سرعان ما تضخم ليصبح أكبر كيان اقتصادي في مصر يضم 21 شركة في مختلف المجالات من الصناعات الغذائية و استصلاح الاراضى الى التعدين وصناعة البتروكيماويات و المقاولات ومحطات البنزين تنعم باعفاء من الضرائب و الجمارك و قوام عمالها الاساسى من المجندين وتسند اليها اعمال ضخمة بالأمر المباشر

ومع الأزمة الاقتصادية العنيفة التى يشهدها الاقتصاد المصري تصاعد دور الجيش الاقتصادي ليزداد الحنق الشعبي من تدخله السياسي السافر الذى حولة لفصيل سياسي وأنتهي به لقتل السياسة و أرساء دعائم جمهورية مصر العسكرية الثانية و لتنتشر نظرية مؤداها ان تدخل الجيش فى السياسة لم يكن لحماية الهوية القومية لمصر وانما لمصالح قادتة الشخصية ولتترسخ النظرة لقيادات المؤسسة العسكرية عند قطاع عريض من المصريين خاصة الشباب بأنهم طائفة منفصلة عن الشعب وليسوا مؤسسة وطنية ولا يكنون الولاء إلا لأنفسهم وكافة تصرفاتهم للحصول على الثروة و الحفاظ عليها

ولم يحدث في تاريخ مصر أن نظر أبنائها لجيشهم بهذه النظرة الدونية المؤسفة التى من جرائها تأكلت الروح الوطنية ذاتها

وان كانت المبررات تساق و ليس هنا مجال للرد عليها بان تدخل الجيش في السياسة و دخوله في الاقتصاد بهذا الحجم والتوسع كان اضطرارا

فلا يمكن بحال أن تستمر مؤسسة اقتصادية بهذا الحجم خارجة عن نطاق الرقابة المستقلة و خارجة عن تخطيط الاقتصاد القومي ويرأسها وزير الدفاع

فأن كان هناك رغبة في محاولة رأب الصدع و أصلاح ما يمكن اصلاحه فلا بد من ان تنتقل رئاسة هذا الجهاز وغيره من المشاريع الاقتصادية المدنية بطبيعتها لرئيس الوزراء و ان تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات كغيرها من مشروعات القطاع العام وان تكون قياداتها مختلطة مدنية عسكرية وليست عسكرية صرف وان تضم ميزانياتها الى الموازنة العامة

فلا يمكن إن يستمر هذا الوضع الشاذ الذي يرفضه كل من يعتقد بالدولة الوطنية و لا يتمنى انهيار قيمها للأبد 


  • 1

   نشر في 03 شتنبر 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا