رواية "رؤوس الشياطين"
للأديب الدكتور أيمن العتوم.
انتهيت من قراءة الرواية قبل يومين..وهممت بكتابة أول مراجعة لي على هذا الموقع..لكن رؤوس الشياطين جذبتني إليها مرة أخرى وأمرتني بالعودة إلى صفح الورق من جديد..وكان لابد من الامثتال لأمرها والعودة إلى الرواية لقراءتها مرة ثانية بروية أكبر هذه المرة؛ كان يجب أن أقرأها بلا تدافع للأفكار في ذهني.. بلا تسارع لدقات القلب ثارة بفعل الحزن وثارة بفعل الدهشة والطرب لنصوص بلغت ذروة الإبداع.. كان الأمر أصعب مما تصورت لأن تحليل الأحداث أثناء القراءة ينغص على القارئ لذته..لكن القراءة الثانية كانت حاسمة بما لا يدع مجالا للشك؛ الرواية تستحق العالمية وتنتظر مترجما مبدعا ليقدمها لقراء العالم ..ولا أخفيكم، فكل رواية تعجبني أبدأ في نسج حوارات مع شخوصها، وألبسهم لحما وعظما فيعيشون معي طيلة مدة القراءة وما بعدها، ولا يغادرونني حتى أستبدلهم بشخوص من رواية أخرى..لذلك كنت أقول دائما أن كاتب الرواية عندما يضيق خاطرا بشخوصه لا يفعل إلا أن يتخلص من أشباحها التي تسكنه بنفيها عبر الورق إلى خيال القارئ لتتخذ منه مسكنا جديدا لها ..وكان وجه صالح/ماركس /نديم /حافظ/ ابن عباس /أبو نواس.. يتهيأ لي في صورة الممثل السوري تيم حسن، ووجه أبيه فيتهيأ لي في صورة الفنان رشيد عساف، أما وجه الأم فكان وجه السيدة نادرة عمران (ولا علم لي بسبب تلك الاختيارات). كل شخصية في الرواية حتى الثانوية منها تشكلت وجها وهيئة وأداء.. وبدأت الرواية تتشخص في ذهني كدراما تلفزيونية على حلقات متتالية، مسلسلا مشوقا تفاعلت مع أحداثه الحية..وكنت أبكي مع قلب الأم، وأنبهر -مشفقة- من عبقرية الأب، وأحقد على انهزامية هيام وضعفها، وأشمئز من تصرفات عيد وأغضب لانحدار ليندا وأحتار من شخصية قدير وأبتسم وتغمرني السكينة مع جميلة التي تشبه الملاك ...
لم يهمني كثيرا أن أضع يدي على اللحظات الفاصلة بين الوهم والخيال في أحداث الرواية.. ولم أتعب نفسي بالسؤال إذا ما كان ما انتهى إليه صالح حقيقة أم وهما .. ولم يطل بي السؤال عن الأحداث التي عاشها والشخصيات التي عايشها بعد الهروب من المستشفى هل كانت حقيقية أم تضاف إلى قائمة الهلوسات، لسبب بسيط و هو أن كل حدث وكل شخصية أضافت للرواية وكانت ضرورية في سيرورة أحداثها.. أما النهاية التي جعلها الكاتب على شاكلة نهاية أفلام التشويق (Suspens) بحيث تفتح قوسا لنتساءل ما إذا كان الجنون وراثيا في سلالة العباقرة تلك، وتجعلنا ننسج بعدها حكايات متخيلة لاتنتهي، فتلك حسنة أخرى من الحسنات الأدبية للرواية وهي كثيرة لا مجال لعدها هنا، ثم إني لا أحب أن أتعدى حدود القارئة، لذا سأدع "عيش" النقد لخبازه "الناقد" ..
هكذا عشت مع قراءة هذه الرواية الرائعة.. ومازالت تعيش معي بعد القراءة بأثرها الجذاب.. وأشكر الكاتب الدكتور أيمن العتوم على لحظات السعادة التي يسطرها بقلمه ثم يهديها لقرائه الذين هم -كل يوم- في تزايد مستمر.
-
عائشة إبراهيم"إذا تمَّ العقل نقص الكلام"
التعليقات
لكني أقول مثل عنوان مقالي *كلنا اسفون بطريقة ما*
احسنت اختي
أشكرك أنكِ لم تفصحي الكثير عنها.