اَلْغِشُ نقيض النصح ،و هو يعني الخداع ، أو الإخبار عن شئ علي غير وجهه الصحيح و غالباً يكون بغرض التضليل أو صرف الخير عن الناس عمداً ، فإذا كان اَلْغِشُ نقيض النصح فإن اَلْغِشُ يجافي الإسلام ،فالأصل أن يحب المسلم للمسلم ما يحبه لنفسه ، قال تعالي " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ". {الحشر - 10}
و عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه و سلم قال ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) قُلْنَا لِمَنْ ؟ ، قال : ( لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ).
لقد أصبح اَلْغِشُ ظاهرة جلية و منهاج حياة الكثيرين - إلا من رحم الله - ، و اَلْغِشُ أنواع و أشكال و أحجام ، و هو أمر منهي عنه في ديننا الإسلامي الحنيف ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ ، فَلَيْسَ مِنَّا ، وَمَنْ غَشَّنَا ، فَلَيْسَ مِنَّا ) أي ليس من أخلاقنا الغش ، و عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة)).
و الغش أيضاً ينافي منظومة الأخلاق التي وضعها النبي صلي الله عليه و سلم و روي أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه و سلم قال ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) و عن أنس رضي الله أنه قال ( مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا قَالَ: لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ ).
و رغم ذلك كله تري المسئول يغش المواطن و البائع يغش المشتري و المُعَلِم يغش الطالب و الطالب يغش أهله و الطبيب يغش المريض و المحامي يغش الموكل ، تسأل أحداً عن عنوان فيدلك علي آخر ، و هكذا سلسلة غش متصلة لا يمكن فصلها ‘ حيث تغلغلت و تشعبت و تجذرت في مجتمعنا و قد لا ندرك حجم المشكلة لأننا نعايشها و نتحدث عنها حديث الإنكار قولاً لا فعلاً .
إذا كان المربي يغش من يربيه فلا يمكن إلا أن يكون نتاج التربية مشوهاً و ما تتولد عنه من معاملات تكون مشوهة و تضظرب سبل الحياة و تتصادم مصالح الناس، لذا فإن التربية هي قوام كل إصلاح و تصحيح ، و الإحساس بالمسئولية و العمل بها اساس كل نجاح ، و هنا الكل مسئول بلا استثناء ن فيعلم الكل بأنهم مسئولين امام رب العالمين عن انفسهم و عمن تحتهم من اهل و ولد و موظفين و خدم و مساعدين .
إذا كنت تغش لتكسب عرضاً زائلاً أو تصرف خيراً عن اخيك فاعلم أنك الخاسر الأوحد ، و إذا كان الله منعك من أن تغش غيرك ، فقد منع الكل أن يغشوك ، و اعلم أنك المستفيد من كل خصلة منعك الله عنها.
فليعمل كل واحد بمسئوليته و ليقم بواجبه و لتقم الحكومات بواجبها نحو التربية و ترسيخ مفاهم الأخلاق و منظومة القيم التي أرساها الإسلام الحنيف في القرىن الكريم و سنة الرسول الأعظم صلوات الله و سلامه عليه .