حين تتجول في أروقة موقع Goodreads ستبهرك تلك الأرقام المهولة لقراءات الكتب، ستجد من قرأ من خمسمئة إلى ستمئة كتاب! وستندهش من ذاك الكم الوافر والمتنوع من الكتب المقروءة، فتجد نفسك في هوة إحباط وغيرة وندم على وقت فراغ فوته دون أن تقرأ كتابا واحدا.. لكن بغض النظر عن الكيف وآلية القراءة إن كانت قراءة كاملة او مجرد تصفح سريع للكتب، فلنفترض انه ثمة من قرأ 500 كتاب كاملا من الدفة إلى الدفة ووعى محتوياتها وفهمها ، هل هذا وحده كاف ليصنع فارقا ؟!
لا أظن ذلك، الفارق الذي يمكن أن يحدث من كثرة القراءة سيكون فارقا معرفيا ويبقى أثره على المستوى الشخصي فقط، لكن على المستوى العملي المحصلة تؤول إلى الصفر مالم تكن ثمة منهجية لتوظيف المعلومات والأفكار المكتسبة في سياق تطبيقي واقعي ..
كثيرون هم أولائك القراء النهمون الذين ينكبون على الكتب ليل نهار، لكنك لا ترى منهم سوى الكلام، يلتهمون النصوص لينتجوا النصوص، يقرؤون فيتحولون آليا إلى متكلمين بارعين أو كتاب مبدعين، لكن المنجز الحقيقي الملموس غير موجود!
إنها مشكلة انحراف في الغايات، فنحن ننتقل من القراءة للاسفادة والتحسين إلى القراءة لمجرد القراءة، أو لتعلم فنون الكتابة والتدوين، إن كنت قارئا جيدا فهذا لا يعني بالضرورة أن تكتب أنت الآخر كتابا جديدا، وإن كنت مطلعا ممتازا على الشعر فهذا لا يعني بالضرورة أن تكون شاعرا !
القراءة ليست مجرد إطلاع، انها تحويل للمكتسبات المعرفية إلى تجارب عملية، وليست حلقة تنظير مغلقة تدور فيها المعارف والأفكار بين كتاب وقراء، دون أن يُسقط شيء منها على أرض الواقع ، فحينما تقرأ عن حماية البيئة مثلا فعليك أن تساهم في حمايتها ، لا أن تؤلف كتابا آخر عن التلوث ، وحين تقرأ عن سيرة أحد العظماء، فعليك ان تقتدي به لا أن تسود مقالا جديدا عنه!
جميعنا الآن نعي أهمية القراءة، لكن لا أحد يهتم بمرحلة ما بعد القراءة، من تصفية وتشرب للمعارف المكتسبة وتحويلها من طبيعتها النظرية إلى نموذج حي وواقعي، الأمر يتجاوز قضية الكم والكيف إلى مسألة التعلق الوجداني، بمعنى أن نعي ما نقرأه أن نحاول إيجاد منفذ عملي له في واقعنا لا أن نعبره عبورا سريعا ثم نسارع لنبهر العالم بأننا أخيرا قد قرأنا كتابا !
الحقيقة المرة هي أنه لا أحد منا بلغ مبلغ القراءة الحقة والمعنى الحقيقي لكلمة إقرأ التي أُمرنا بها، نحن نطلع فحسب، وإلى حين نفقه معناها الحق ونطبقه ستتغير أشياء كثيرة من حولنا ولو بثلة صغيرة من القراء الحقيقيين !
-
فاطمة بولعناناليوم حرف وغدا حتف
التعليقات
مقال رائع .