ما الغريب الا غريب المبدأ
سميرة بيطام
نشر في 02 ديسمبر 2019 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
لا تروي كيف أغضبوك في قضية تعود الى صانعي الجدل لما نسجوا في قلبك سيلا من غموض ، لا تروي كيف لاموك في القرار فقررت أن الاقرار سيد القرار و لم تقل شيئا بعد كل هذا الاحتقار في الملام ، لا تروي ما أحزنك حينما آلموك في قوتك ليردوك قتيلا بغير قطرات دم ،هي حكاية القاتل اللعين الذي يغتال و يدين ، لا تروي عمن أكلوا معك ثم أداروا ظهروهم لما سخروا منك للرحيل ، لم تكن لتبكي لولا أن أراد جلادوك أن يسجنوك في قفص الوحدة و الظلام ، لا تروي كيف صليت آخر صلاة كانت ظهرا في مكتبك حتى تستعد في العصر للوداع ، كنت تعلم أن الأجل انتهى في هذا المكان و حتى تودعه بقداسة المبدأ و طهره صليت لله شكرا على ما حدث ، لا تروي كيف لم تجد شاهدا واحدا يدفي غربتك بالمواساة ، لا تروي كيف أردت الكلام أكثر فمنعوك ، لا تروي كل ما حصل لك لأنه لا أحد سيصدقك مادامت الحياة قست و خذلتك ، فممن سترجو التفهم و ممن ستطلب حقك و أنت صريع في دمك بلا دم ؟، كل شيء كان لعبة حيكت ضد شجاعتك ، ارحل بكرامة ، و في الغد ألف حكاية ستروى عنك .
أنت الغريب في المبدأ سكنت الوجع أنيسا في عبراته ، و جعلت من مبدئك ذاك القارب السائر بغير شراع لأنه واثق في المسار كيف لن يحيد، لا تروي فالروايات كثرت في هذا الزمان و لا أحد سيقرأ حكايتك ، أتركها ليوم يبكيك من فقدك فيحن الجذع للنخلة المنتصبة و يحن الزرع لزارعه ، فليس للبذرة لمن لم يغرسها نسب ، و ليس الغريب غريب الدار و لا المؤنس ،انما الغريب غريب المبدأ و الموقف ،فلا الأضحوكة تسترجع ندمها و لا الخذلان يستعيد بريقه ، قلتها لك لا تحك و اترك الأيام تفعل ما تشاء ، فغريب المبدأ سيعود و يصلي من جديد نفس الصلاة في نفس المكان و هذه المرة ليس ليستعد للرحيل مجددا و انما للبقاء ،لأن المبدأ ثابت من أوله .
دمت غريبا ما دام المبدأ فيك حي و صريح دائما ، فما تغني الغربة فاعلها ان لم يكن للمبدأ غمده ، كالسيف يتسلل ليقطع قول كل باطل عن صاحبه ، سيأتون ليشهدوا النور البهي و يرونه شعاعا يمسحون خدك شوقا لتكتمل الحكاية ،يا قطعة من جنة و الثلج يسكن قلبه ، انك على عهد الأولين سترعى سيرتهم ،أنبياء الله لك منهج و قصائد المبتلين لك درع و متسع ،يا ريحانة قلب تسللت خيفة غدر و طيش و نكد ،قولي لي كيف استعدت الغربة في حاضر صمتك و الكل حولك هارب ، و الفار من صدمة الحقيقة ليس بقادر على أن يراك و في قلبه ألف دمعة ، جميلة أنت في صفعتك قتيلا تردينه جريحا بغير قطرة دم ، أو ليس بالأمس طعنوا خنجرا في ظهرك فلم تسل قطرة دم هي نفسها وتيرة الرد الأسلم ، من جانبك أنت مسالم و ليس من جانبهم لأنهم صمموا في البدء على اغتيال المبدأ ،فكان الرد أعنف في عقر الدار الهش الأغر الخائر ،فلولا ثباتك على المبدأ في غربة لما استطعت أن تعيد له صراخ التحضر .
-
د.سميرة بيطاممفكرة و باحثة في القضايا الإجتماعية
التعليقات
رائع .. احسنتي اختي ... تحياتي لشخصكِ الكريم