إن تبادل الآراء والتحاور بين المدونين والمتدخلين في المواقع الاجتماعية،من العوامل الأساسية المساهمة في تثقيف عقول أصحابها وتنويرها من حيث تناولها غالبا لموضوعات تتسم بالجدية وسمو المحتوى،وتتقيد بالرؤية الموضوعية والطرح الناضج المتبصر،سواء تعلق الأمر باقتراح فكرة أو إبداء ملاحظة أو مساءلة افتراضية،أو تفسير ظاهرة ونقدها في محاولة جادة للإطاحة بها،والنيل منها بأحكام منطقية غير جزافية.وهذه الموضوعات تتصل في مجملها بنظرة من يذكرها إلى ذاته،ورؤيته للعالم الخارجي وعلاقته بغيره من الناس المحيطين به على المستوى الأسري والاجتماعي والإنساني.
غير أن المتحدث وهو يبدي آراءه ووجهات نظره الخاصة حول الدين مثلا أو السياسة أو الحياة بصفة عامة،يحس في الكثير من الأحيان بضغوطات وإحباطات وموانع تسعى إلى قمعه،والحد من حرية تعبيره وتقييد اختياراته وقناعاته الفكرية بضوابط ذاتية،ومواقف إكراهية وإجبارية تضرب عرض الحائط بمبدإ الموضوعية،والتفكير الإرادي وبمشروعية التنوع الثقافي واختلاف الرأي المنافي لعقلية القطيع والإمعية.
إن مجتمع المعرفة يقوم أولا على استبعاد المسلمات الفكرية الاستبدادية٬وينادي في المستوى الثاني بإبداء المعارضة والمواجهة العقلية،والنظر في الأفكار والآراء المختلفة من وجهة خاصة ومستقلة،لأنه يؤمن بعدم وجود أي تصور ــــ كيفما كانت درجة تفكير صاحبه وطاقته العقلية ــــ ـمزود بمصداقية عالية،وبحتمية يقين راسخ لا يعتوره الشك،أو إعادة النظر في كليته أو بعض مضامينه،إلا أن يكون هذا المبدأ صادرا عن الذات الإلهية.
فمن المفروض إذن بذل الجهد الفكري في مناقشة آراء المدونين والمشاركين بوجهات نظرهم عبر المواقع الاجتماعية،والتأمل فيها ومساءلتها ولو كانت مألوفة وبسيطة،لأنه من الممكن الخلوص منها إلى حقائق أكثر صدقا وصوابا وفائدة.في حين يعتبر قبول الأفكار كمسلمات يقينية أو محاولة إقصائها دون مبرر أو استدلال منطقي معقول من الأسباب الجوهرية لتعطيل حركة التفكير،ومحق قدرة الإبداع والخلق،وبالتالي انغلاق مسام ومنافذ الإصلاح وانسداد فجوات التغيير والارتقاء...
لكن تفحص أقوال المتحدثين والمدونين وإثارة ردود الآراء المؤيدة أو المناهضة لا يكون بالمجاملة أو المعارضة المجانية،أو السب واستعمال الأسلوب السوقي البديء،بل بإخضاع الرأي المعاكس والمحتج الداحض لميزان العقل الراجح،والدليل المشهود بصحته دينيا أو تاريخيا أو فلسفيا أو علميا...إلى جانب الانفتاح على أقوال الآخرين برحابة صدر،واستساغة النقد البناء الموضوعي،والاقتناع بمشروعية تعدد الآراء واختلافها،والاعتراف بخصوصية الثقافة وتميز كل شخص عن الآخر بنوع من التفكير الحر وبأسلوب التعامل مع قضايا الناس،والحياة في ظل الاحترام المتبادل والوعي بأن تجاوز النظرة السطحية وزحزحة الثوابت،والخوض برزانة وتبصر في المواضيع المسكوت عنها،والتشبع بالنظرة المجردة من الخلفيات الحاقدة والرافضة للآخر من أوجب الشروط الكفيلة بتصالح الفرد مع نفسه وتقوية علاقته بالآخرين.