من المشاكل الموجودة في المجتمعات الإنسانية منذ زمن بعيد هي مشكلة الحق المطلق و الخطأ المطلق ، بمعنى آخر أننا اذا قدمنا رأيا في موضوع من الموضوعات نعتقد أنه الرأي الصحيح الوحيد ( الحق المطلق ) و أي رأي يخالفه كليا أو جزئيا فهو حتما خاطئ ( الخطأ المطلق ) .
هذه أحد المشاكل التي كانت تعاني منها أوروبا في العصور الوسطى - عصور ما قبل النهضة - فالكنيسة آنذاك لا تسمح لأي كان بمناقشتها و لذلك توصف تلك الفترة في أوروبا بعصور الظلام و التخلف ، لان الفكرة الواحدة الجامدة أي الغير متجددة حتما تجر المجتمع للتخلف فهي لا تواكب تطورات الزمن ، و بالمقابل نرى أن النبي محمد ( ص ) و بالرغم أنه "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" ( النجم : 3-4 ) ، أي أن جميع آراءه و افكاره و معتقداته صحيحة إلا أنه كان يسمح لتعدد الآراء و خير مثال لذلك هي حادثة الخندق ، و هي فكرة الصحابي سلمان المحمدي ، فهو لم يقل إني معصوم و كل أقوالي صحيحة ولذلك لا حاجة لآرائكم و مقتراحتكم - بالرغم من أن ذلك صحيح أي أن جميع أفكاره و معتقداته صحيحه - و هنا تظهر عظمة النبي محمد (ص) في سماع جميع الآراء و احترامها بل و مناقشتها كذلك .
بما أننا ندعي أن النبي هو قدوتنا ، فلماذا لا نقتدي به ، لماذا نظن أن رأينا هو الرأي الوحيد الصحيح و جميع آراء الآخرين خاطئة ، متجاهلين أن الحق و الخطأ نسبي أي ربما تكون فكرة ما صحيحة وبعد مئة سنة يثبت العلم عدم صحة هذه الفكرة ، مثال بسيط ، كانت فكرة كروية الأرض فكرة خاطئة تماما في زمن من الأزمان و بعد ذلك أثبت العلم صحتها .
لذلك أدعوا نفسي وأدعوكم لسماع جميع الآراء و عدم استصغارها مهما كان قائلها صغيرا كان أم كبيرا ، عالما كان أم جاهل ، فليس هناك حق مطلق أو خطأ مطلق ، كل شيء نسبي ، هناك حكمة إغريقية تقول " كل شيء يتغير في الحياة إلا قانون قانون التغيير نفسه " و كما قال د.علي الوردي " الأفكار كالأسلحة تتبدل بتبدل الأيام ، والذي يبقى على آرائه العتيقة هو كمن يريد أن يحارب حامل الرشاش بسلاح عنترة بن شداد ! "
عمار العود
-
Ammarعمار محمد علي ، طالب جامعي محب للعلم