غير بعيد عن مجموعة من هواة الصيد الليلي وسكون ليل لايكسر صفوه غير هدير الامواج المتلاطمة على حافات الصخور ، كانت الطبيعة ترسم اجمل لوحاتها ليلة مقمرة و صيادون من هواة العزلة متناثرون بين جوانب الصخر كل يناجي قصبته ليس طمعا في صيد وفير وانما انسيابا مع لحظة السلام التي يؤلفها السكون والانتظار.
بدوت تائها وانا احاول رسم معالم الافق في هذا الزخم من السكون حتى بادرني درويش بكوب شاي ساخن ، وفي يده الاخرى قارورة زجاجية تتوسطها ورقة ،استحكم فضولي ولم البث ان سألته عن ماهية مايحمله .
فقال : هذه خاطرتي ،رسالتي إلى اليم ،اناجيه و لا انتظر جوابا ،لكني اعلم يقينا انه سيحمل رسالتي هاته الى برما او ستظل حرة طليقة في هذا المحيط بدل الاسر الذي عاشته بداخلي،انها رسالة لي ،لذاتي لك ولغيرك.
فقلت : اما لي بقراءتها.?
درويش :
وبعد ،
لقد اكتفيت منك ، ومللت غيابك الذي يملأ فراغ وجودي ، كلما هممت بالنسيان حين اغمض جفني اجد ذكريات عهد قطع في حضرة شقائق النعمان حاضرة امامي تقودني الى الاستيقاظ والمثول امام عدالة المحال حين امسك بيدك في سراب العدم الذي يرسمه غيابك...
لآريد اي شيئ غير فسحة من النسيان اختلي فيها بنفسي دون ان تكوني الوسيط بيننا فلا انت نطقا اسمعت ولا صمتا لزمتي .. سادع كل شيئ هنا حتي نفسي لن آخذها معي ادعها لك افعلي بها ما بدا لك اما المكان فسادعه شاهدا على رفوف الماضي يعلوه غبار الانتظار و سارحل فارغا فارغا مني و منك كقطعة قش في مهب الريح.
هكذا يهمس سكون الليل لعيون ترى في ملامح الجميع صورة حبيب رحل تاركا على شاهد قبر المحب وان عاش صك وصال كتبته القلوب ،تحمله الرياح في كل حين وكلما اشتد الشوق رسمت بحنينها اجمل الجداريات على الرمال ،ومهما قسى الصخر فلا بد ان تلينه الرياح .
اما انت ايها اليم ،فلا تكن كغيرك من الرسل ،فانا لا اريد لهاته الرسالة وجهة فلا بر تنشده ،سقها الى المحيط ودربها على الانسياب وكتابة اجمل الاعذار في لوحة النسيان ، لا تعدها لي ولا تأخدها دعها تمضي كما مضت بي وبك الايام.
والسلام .
درويش
فقلت : ا حب قديم هذا ؟
درويش : الحب لا يَقدُم و لايجدُّ ،فلا زمن هنالك ولامكان ،يمضي كالرياح ولايبقى منه غير القصائد و الرسائل لنفهم عقد العيش الذي يفرض علينا احيانا ان نكون الصخرة الوحيدة المتماسكة و ان انهالت عليها الفؤوس ،فالقلب كالعنقاء كلما احترق ،انبعث من ركام الرماد باسطا جناحيه ليحلق عاليا وهذه هي الحياة ،اليس كذلك ؟
فقلت : بلى هو كذلك ! ومضى درويش كغيره في عقر خيالي بعدما اهداني رسالته التي صاغت خاطرتي.