عقــل عيــال ! ..
فلا تقل : دعه لا شأن لنا به , هو مخلوق بدائي لن يستطيع أن يمنحنا المفيد , مجرد " عقل عيال " , وإن قلت ذلك يوماً فاحذر , عليك أن تعيد حساباتك مرة أخرى ..
نشر في 07 ماي 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
مرت سنوات عدة ولا يزال لقب " طفل " يبعث في نفسي الضجر , مهما عدى من العمر سنوات توحي بتقدم عمري وتفتح عقلي وإزدهاري إلا أن هذا اللقب لا يزال قائم في ذهني يأبى أن يفارقه وإستقراره يجعلني أتألم مما ترسخ في ذهني عنه ..
كانت كلمة بسيطة في محتواها , حروفها قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة , لابد وأن نمر بها كمرحلة عمرية اساسية في مشوار حياتنا , مرحلة تخلو من الفكر العنيف المضطرب أو الفلسفة القوية التي لا يُشكك فيها أعظم فلاسفة الكون , خلت من كل هذه المظاهر التي تدل على عُمر متقدم وخبرات عديدة قد شكلت شخصية وعقلية فاذة ..
لم تحتوي تلك المرحلة الأولية في عمرنا إلا على : اللهو , واللهو واللهو أيضاً !! , قليلاً من النوم قد يضر في تلك المرحلة فهو عدو الطفل الأوحد الذي يسلبه من لهوه ومرحه الذي لا يمل منه لحظة , بل يجد فيه عالمه الأصلي بعيداً عن أعين البشر , هؤلاء البشر الذي لم ير منهم من يستحق أن يمضي معه تلك المرحلة , فكيف له أن يجد ذلك وهو لا يرى منهم إلا الإستهزاء به كونه لا يفقه شئ وعقله لا يزال قيد التكوين , فليس له أي قدرة على إبداء رأيه في ملبس الأخت ذات الثلاثون عاماً في تنزهها مع الزوج المستقبلي , كيف له أن يختار له فستاناً وتترك له زمام الأمور , حتماً سيجعلها كالبلياتشو أمامه فلا داعي من رأيه , دعه يكبر أولاً ثم يقل رأيه كما يحلو له !!
كيف له أن ينتقي رفقه أخيه ويختار له الصحبة التي يجدها جيدة ولا تُشكل عليه خطراً حتى وإن كان الخطر بوجهه نظره هو سلب سندوتشاته المدرسية ؟! , من سيُدرك هذا !! , من سيُدرك أن هذا الطفل وبرغم سنه قد يعطي أهم الآراء وأفضل التعليقات وأدق الحلول التي غابت عن أذهاننا لساعات وايام واستطاع أن يوهبنا إياها في لحظة لمجرد أننا أطلقنا له العنان ليتحدث مثله كمثل السيد الذي على وشك إتمام من العمر نهايته , كلما تذكرت جملة " عقل عيال " وقفت ساكنة يتدفق الدم من عروقي في غليان !! .. كيف لهذا العقل أن يكون محل سخرية وهو منبع الفكر والفلسفة ..
فكر معي الآن وقرر : هل سألك طفل يوماً ما عن كيفية بداية الحياة ومن أين جئنا ؟ حتماً قد سألك هذا يوماً ما ووقفت أنت أمامة مكبل الفكر لا تقوى على التفوه بكلمة وإن كان عقلك ناضجاً بما فيه الكفاية ليجد إجابة على هذا السؤال البسيط بالنسبة له ولكنه لم يجدها مع الأسف ..
هذا هو الطفل و " عقل العيال " ! , إنه السر كله والمعنى الحقيقي يستتر في هذا العقل الصغير في الجسد النحيل الذي ينتظر أن يُبدل أسنانه ويزيد طوله يوماً بعد يوم , قد إنتصر عليك بذكاءه وفظنته وفطرته البريئة ذات الفلسفة العظيمة .
ما عليك الآن إلا أن تدعه حراً وأطلق له عنان فكره وتخيله ليشكل عقل وفكر واعي ليقود به الكون , فخلال تشكيله لعقله ستجده يشكل عقلك أنت الآخر كذلك ..
فلا تقل : دعه لا شأن لنا به , هو مخلوق بدائي لن يستطيع أن يمنحنا المفيد , مجرد " عقل عيال " , وإن قلت ذلك يوماً فاحذر , عليك أن تعيد حساباتك مرة أخرى ..
التعليقات
اتفق معك في هذه المقولة
ان للأطفال حقا فلسفة و رؤية لما يدور حولهم بل واحيانا يلهموننا نحن الكبار الي افكار لم تكن لتتفجر لولا انهم طرحوا
ونصحتى اياك ثم اياك الاستخفاف بعقول الصغار ( فقد ينتصر عليك بذكاءه وفظنته وفطرته البريئة)