تحت وابل من الرصاص والقنابل تتساقط تباعا بالقرب منه ، ويداه ترتجفا و جسده يتصبب عرقا من شدة الخوف ،يسأل نفسه مرارا وتكرارا ماذا يفعل في هذا المكان ، حيت يتربص به الموت في كل لحظة.
ينظر حوله ولا يجد سوى الدمار والجثث منتشرة في كل مكان.ثم أغمض عينيه للحظات يتذكر فيها كيف كان هذا المكان في أخر زيارة له قبل سنوات حيت يدب بالحياة ، والأطفال يراقصون الكرة في هذا المكان بالذات ،و مجموعة من الشيوخ جالسين تحت ظلال أشجار إحدى الحدائق التي لا تبعد عن هذا المكان سوى عدت أمتار. وطفل صغير يطعم قططه ،يتذكر كل هذه الأشياء وعيناه تتغرغر بالدموع حيت أن الأطفال في هذه اللحظة لم يعودوا يستطيعون أن يجدوا مايأكلون فما أدراك بأن يطعم القطط. وأن هذه الارض لم تبقى فيها سوى الذئاب البشرية التي تسفك دماء الأبرياء .
لم يستطع أن يتمالك نفسه من شدة هول الصدمة وسقط إلى الأرض وشرع في الصراخ لكنه يعلم جيدا أن صراخه لن يجدي نفعا فكم من أطفال ونساء وشباب صرخوا صرختهم الأخيرة لكن صراخهم لم يحرك ساكنا في القلوب.
بدأ يستعيد قوته شيئا فشيئا، وتذكر أنه هنا لنقل الحقيقة التي قل من يريد أن يراها في هذا الزمان. وحمل عدسة التصوير في يده ،ووقف ليكمل طريقه وليوفي بوعه لذاك الصغير الذي سأله مند اليوم الأول الذي حل فيه هنا: أرجوك قل لي متى سوف يتوقفون عن قتلنا !!
لم يستطع يومها أن يجيب على سؤال ذاك الصغير لأنه لا يعرف الجواب لكنه على يقين من أن الله عز وجل يمهل ولا يهمل .فعانقه بكل قوة وقال سوف أضل على هذه الأرض وأفضح يوما بعد يوما هؤلاء الأوغاد الذين شردوكم، وسلبوا منكم الحياة إلى أخر يوم في حياتي .ولو كان بإمكاني أن أغير شيئا في هذا العالم لأعدت إليكم ولو جزءا صغيرا من كرامتكم.
لكم كل الحق لكي تعيشوا في سلام مثل غيركم لكنني لا أستطيع حتى أن أحميكم من الطغاة ،فأنا ليست جنديا وليس لي سلاح. وسلاحي الوحيد آلة التصوير التي أحمل بين يدي، وهمي الوحيد أن تصل الحقيقة لمن يتجاهلها تارة ، وينفيها تارة أخرة .ولمن يعيشون حياتهم دون أن يحركوا ساكنا ويغضون الطرف كل يوم عن ما يحدث بجوارهم من جرائم في حق الانسانية.فها هو مازال يوفي بوعه ذاك فقط لأن قلبه مازال ينبض بالحياة.