-أهلاً صديقتي..
كيف حالك؟
أنا.. أنا أعلم..
أعلم إنك تحتضرين بالداخل..
و لكني أشتقت لإراك على كلاً..
لمَ الصمت؟
نعم نعم فهمت..
...
(لحظات من الصمت في مقابلها تعني دهور من الحديث و لكني لا أقوى على نوبات الذعر التي تتملكني كلما ضاق صدرها بوجودي و الحق يقال لا يضيق بي وحدي و لكنها لا تشتهي التواصل مع أحد، يجب إن أنهي ذلك سريعاً)
...
-لا أستطيع معرفة الوقت، أساعتك معطلة؟
(رغم عيناها الجامدتين إلا أنني أراها تستنكر ذاك السؤال البديهي بالنسبة لحالها)
-معذرةً، تذكرت.. أنتي لا تؤمنين به... أقصد الوقت..
...
(يجب أن أنزع نفسي من ذاك الكرسي الرخيم..
يجب أن أبتعد عن كل تلك التشوهات السوية بداخلي!!)
...
-على كلاً.. لن أقدر على البقاء طويلاً هاهنا..
(أغادرها بعد وضع يدي على يدها المهترئة المجعدة)
...
أنظر إلى ساعة الحائط ... ياللهول طالت تلك النوبة اليوم ...
(أنا خائفة إنها تزداد قوة... إنها تزداد أحتضاراً في الداخل)
...
لا يتعلق الأمر بالحياه إذن .. لا يتعلق الأمر بالموت.. لا يتعلق الأمر بالحزن أو حتى بالسعادة...
إنه.. إنه ذاك الفراغ المحيط بعالمنا، محيط بكوبنا، بكوننا..
إنه ذاك الفراغ المحيط بنوايا الذرات و بالذرات و بالجزيئات..!
إن الجميع في غفلة عن كوننا محاطين بالعدم!
..
علمت عندما كنت فالسابعة عشر من عمري أن الفيزيائين أطلقوا عليه أسم الاثير..
أنهم غير قادرين على تصديق ذلك.. نحن محاطين بالاثير إذن.. هيهات ،، نحن محاطين بالعدم..!
...
ياللهول.. أنا مليئة به، أنا مليئة بالفراغ!
....
ذات يوم..
كنت أسير حانقة بلا غاية محددة..
لا شئ على ما يرام، لا شئ يجعلني أقل أحتضاراً مما أنا عليه..
و على حين غرة رأيت ذاك العجوز المقوس يقف أمام لوحته،، لوحته ذات الرتم الموسيقى العذب.. نعم، كانت تفوح منها رائحة الموسيقى!
جلست طويلاً اتأمل عذوبتها و وحشتها!!
نعم كانت رقيقة و موحشة،، جميلة و ذميمة..
، ووجدتها تتحول إلى مسخ ممزق ثم إلى طفل خجول، و إلى بيوتاً دافئة في قلب غابات خضراء تحيطها اليراعات و إلى و إلى.. .. و مرت الدقائق، الساعات، السنين، القرون و أنا مأخوذة بصدق و بساطة و تعقيد هذه اللوحة السوداء،، قاطع تأملاتي بصوته الرخيم..
-هل أعجبتك؟
-اومأت بالموافقة.. كدت أبوح له بما أراه و لكني ترددت لحظة ثم نظرت له لأرى عيناه الفارغتان لا تأبه لأمري... أبتسمت و حييته ثم رحلت..
أعتقد أنني حينها عرفت أن الأمر لا يتعلق بكل تلك البديهيات المسلمة في حياتنا.. أنه يتعلق بما لا نأبه لأمره..
أنه يتعلق بذاك السكون الكوني..
أنه يتعلق بذاك.. ذاك اللون الاسود في لوحة العجوز المقوس..