لماذا من الخارج؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

لماذا من الخارج؟

..!؟

  نشر في 23 شتنبر 2022  وآخر تعديل بتاريخ 03 أبريل 2023 .

لا يخفى على أحد وجود كثيرٍ من الشابات والشباب المعارضين اليوم في الداخل "السعودي"، ولا يخفى كذلك حجم التطلّعات والآمال التي يرسمونها حيال إمكانيات إحداث تغيير ما أو حتى قيام ثورة شعبية عارمة تُسقط نظام بن سعود المجرم وتقتلعه من أعمق جذوره. ولكن لا ينبغي أن نتجاهل أن ذلك العدد ليس كبيرا مقارنة بالشعب نفسه، وإنما هو كبير مقارنة بما كان عليه الوضع سابقا، حيث كان من النادر أن تجد شخصا ما معارضا ويصرّح بذلك من داخل ما يُسمّى بـ"السعودية".

لقد بدأ الوعي يزداد دون أدنى شك، ولكن هو ازدياد بطيء ومتعثّر ومحصور في فئة معيّنة، هي تلك التي لم تعد تحتمل السكوت ولا البقاء في بلد لا يملك الإنسان فيها حق اختيار أتفه وأبسط أمور حياته تفاهة وبساطة، بل ولا يُسمّى الإنسان إنسانا في مثل تلك البلد التي تضيّق على شعبها القيد كل يوم أكثر من اليوم الذي قبله.

لقد انفجرت تلك الفئة -القليلة- الثائرة، منهم من انفجر وهو لا يزال داخل البلد ولم يسعفه الوقت والظروف للهرب والنجاة أو أنه قرّر البقاء تحديا للنظام وعنادا له، ومنهم من انفجر داخل البلد كذلك ولكن استدرك نفسه قبل أن يقع في قبضة النظام الطاغوتي المستبد ولاذ بالفرار نحو بلاد توفر له حق اللجوء والحماية والحرية.

لا شك في أني كنت ممّن انفجروا في داخل ذلك البلد وممّن عبّروا عن آرائهم بكل شجاعة وجرأة "وتهوّر" وبين أشد الناس تطرّفا في الانبطاح والتملّق للسلطة، إلا أن الظروف والوقت وتوفيق الله سمحت لي بالفرار قبل أن تقع الأنظار عليّ. واليوم ها أنا ذا قد وصلت لبلد يوفّر لي حق الحماية، والحرية الكاملة في ممارسة نشاطاتي الفكرية والحقوقية والسياسية. ورغم أني في أول أيام حياتي الجديدة هنا إلا أني استطعت إنجاز الكثير في بضعة أشهر لا غير، لقد استطعت بفضل من الله، وبالحرية المتاحة ليّ كتابة كتابين على الأقل والكثير من المقالات والرسائل التي نشرت فيها رؤيتي وأفكاري وطروحاتي حول التغيير والتجديد بكل مستوياته؛ الدينية، السياسية، الثقافية، الحقوقية، المجتمعية..إلخ. لقد تمكّنت من الكتابة والعمل بذهن أكثر اتزانا وصفاء ممّا كنت عليه في المهلكة حيث كنت لا أنام الليل ولا يهنأ لي بال في أي شيء. ففي أي لحظة قد أكون ضحية جديدة للنظام المستبد الغاصب الذي راح ضحية بطشه ووحشيته عشرات آلاف الأبرياء والضحايا..

وما أكثر أولئك الذين تم اعتقالهم لمجرّد تغريدة بريئة هنا أو كلمة عفوية هناك عبّروا فيها عن رأي من آرائهم حول قضية من القضايا اللامحدودة في مهلكة بن سعود الغاصب والمحتل. ولهذا كان واجبا عليّ أن أكتب مقالي هذا لأوضح فيه حقيقة الوضع الذي لا يخفى على أحد، وكرسالة كذلك لكل المناضلين والمناضلات في الداخل؛ أن اخرجوا وهاجروا ففي ذلك خير لكم/ن وخير لأهداف النضال ذاته والقضايا التي من أجلها تسعون وتعملون، كما ستستطيعون من الخارج إنجاز ما لم تستطيعون عليه من الداخل.. وقد يعترض على كلامي هذا الكثيرين! واعتراضهم ذاك سيكون مبنيا على قصر نظر لديهم وأنانية فائقة لكل الحدود..

لماذا تريد للنشطاء والناشطات في الداخل الخروج والهجرة بدلا من دعمهم/ن ومساندتهم/ن على استنهاض الشعب وتثقيفه وتوعيته وتشجعيه على الثورة والمطالبة بإسقاط النظام بأكمله أو على الأقل بتسوّل بعضٍ من الحقوق المسلوبة من قِبله؟

بداية لنتفق على هذه الحقيقة الموجعة ولكن الصادقة كذلك وهي: أن الشعب لن يتحرّك إلا إذا شعر أن تحرّكه لازم وواجب ولا مفرّ منه. وتلك اللحظة التي يشعر فيها بأن تحرّكه قد صار ضروريا لم تأتِ بعد؛ هذه حقيقة يجب بلعها واستيعابها من قِبل كل من يظن الثورة مسائلة شهور أو أيام قليلة، فالثورة لا تندلع إلا بعدما تتحقّق أسباب وشروط اندلاعها، وأوّلها تحقّق الوعي اللازم بضرورة الثورة وتغيير النظام القائم وسحقه من جذوره. بينما شعبنا لا زال إلى يومنا هذا وإلى سنوات -قليلة أو كثيرة- قادمة مغيّب بالكامل، ولا يؤمل منه خير أو حراك على الإطلاق وخاصة أبناء الجيل الذين أعمارهم من الـ٢٠ فما فوق وهو الجيل الذي لا أستهدفه في كل ما أكتب وكل ما أنشر؛ فذلك الجيل صار "مشوّها" ومدمّرا لأبعد الحدود والتخيّلات، وهو أكثر ما برع فيه نظام بن سعود على مدى قرن من الزمان.. تتفيه العقول وتشويهها إلى أبعد الحدود إمكانا.

إن الجيل الذي يُؤمل منه التغيير الحقيقي الذي به سيقتلع النظام من جذوره ويسحق كل قياداته ورموزه، بل ويجعل بقية الشعب الذين قلت لا أمل فيهم/ن ينضمون له -كخيار وحيد- في ثورته وسعيه نحو النهضة والحرية والتغيير والنجاة، هو ذلك الجيل الذي لا زال أبنائه وبناته دون الـ ١٨ عاما.. وهو الجيل الذي ينبغي أن نعمل عليه بالتثقيف والتوعية الغزيرتين على كل المستويات والأصعدة -ولعل أهم تلك المستويات هو ما يتعلّق بالشأن الديني والفكري- باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي نرسل عبرها أفكارنا ومقالاتنا وكتبنا ورسائلنا المتنوّعة التي تدور كلها حول التنوير الفكري بكل مستوياته وأشكاله؛ السياسية والدينية والثقافية والمجتمعية والاقتصادية..إلخ، فبالتنوير والإقناع والحوار والنفس الطويل يتحقّق التغيير والنهضة والتجديد، وما عدا ذلك ليس سوى ضحكٌ واستخفافٌ بالعقول.

الثورة التي لا تُبنى على وعي حقيقي تحرري يقوم على أسسٍ غزيرة تحترم وتقدّس حقوق الإنسان -ذكرا كان أو أنثى- وحرياته وكرامته واستقلاليته وفردانيته، فلن تكون ولن تحقّق أكثر من فوضىً عارمة تُخلّف وراءها مزيدا من الخراب والتراجع والانحطاط والتخلّف على كل المستويات والأصعدة.

ولذلك أقول؛ ينبغي على كل نشطاء وناشطات الداخل أن يهاجروا في أقرب وقت ممكن، وأن يعوا ويدركوا أن التغيير لا يأتي في يوم وليلة وأن الوعي الذي أصابهم ليس بالضرورة أصاب غيرهم، وأن الشعب لن ينهض من أجل معتقل هنا أو مظلوم هناك، بل سينهض عندما يشعر بضرورة وإلزامية ذلك النهوض. ولن يشعر بتلك الضرورة والإلزامية ما لم ننشئ نحن "المعارضة التحررية العلمانية الديموقراطية " جيلا جديدا قائما على مبادئ جديدة ووثيقة وعقيدة منفتحة وفريدة يُحترم فيها الإنسان لكونه إنسانا وحسب لا من أجل أي شيء آخر، ويكون الدين فيها شأنا شخصيا بين الإنسان وربه فلا يُقحم فيما لا يعنيه ولا يُستغل لخدمة كارهيه.

إن وجود النشطاء والناشطات التنويريين والتنويريات اليوم خارج البلاد هو أمر في غاية الضرورة والإلحاح، فتأثيرهم/ن من الخارج سيكون أبلغ وأقوى منه في الداخل.. لماذا؟ لأن تأثيرك في الداخل سيكون محصورا بأشخاص معيّنين تعرفهم، إذ أنه يستحيل أن تخرج مثلا لتقول رأيك حول ضرورة التحرر والتغيير بصراحة ووضوح داخل المهلكة ثم تسلم بعدها من الاعتقال أو القتل وتستمر في بث أفكارك وآرائك كل يوم!! ولذلك فلا ملجأ من الهجرة إلا إليها، وليعلم كل من هو مُقبل على خطوة الخروج من المهلكة أن الحياة في الخارج تستوجب همّة وعزما وقوة، وفي ظني أن صاحب/ة القضية والرسالة لن يجد في حياة الخارج صعوبة أو مشقّة طالما الحرية والكرامة أسمى ما يطلب وينشد.

ختاما أقول: أنا لست مثبّطا للعزائم والهمم، ولست ممّن يقلّل من جهود غيري، غير أني حريص كل الحرص على حياة كل شخص، سواء أعرفه أو لا أعرفه.. أنا لست متشائما أو مُحبطا، بل واقعي ومنطقي وأدرك أن التغيير يأتي على مُدد ليست بقليلة وبجهود وأفكار وحوارات وكتابات غزيرة وكثيرة وعميقة وفريدة، كما أني أدرك جيدا أنه إذا ما كثّفنا جهودنا نحن "المعارضة التحررية العلمانية الديمقراطية" في جبهة واحدة تستهدف خلق جيل كامل من خلال التثقيف والتوعية والحوار والإقناع والنشر والكتابة والتأليف والإخراج والتصميم والتمثيل والرسم والغناء وووإلخ، أدرك تمام الإدراك أنه إذا ما فعلنا كل ذلك بعزم وإخلاص واستمرار لعقد من الزمان على الأقل، فإن طوفان التغيير والنهضة والتجديد لا محالة آتٍ وقادم، وتأثيرنا سيكون ساحق وغالب على تأثير كل إعلام ودعايات نظام بن سعود الغاصب.

المرحلة التي نحن فيها الآن تحتّم علينا العمل من الخارج بالتثقيف والتوعية وبالأعمال الاحتجاجية الكثيرة والمتنوّعة، حتى نصنع ونصقل جيلنا الذي به سيُخلق التغيير ويُمكّن.

هذا رأيي وهذه رؤيتي ورسالتي؛ أقولها لكم/ن -أنتم/ن نشطاء وناشطات الداخل- بحب وإخلاص وصدق، آملا أن تتقبّلوها وتعوا وتدركوا مضامينها تمام الوعي وكمال الإدراك، وأن تعملوا بها -بعد الاقتناع بها- دون تردد أو تأخّر… أقول قولي هذا والسلام.



   نشر في 23 شتنبر 2022  وآخر تعديل بتاريخ 03 أبريل 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا