الطريق إلى "شراحيل" - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الطريق إلى "شراحيل"

  نشر في 24 ديسمبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .


إذا الطريق إنبسطت وإذا المدن انهدمت واذا الناس انتثروا واستكنوا واذا الصمت حمل نفسه وهام جاء جنود الرب

وأخفو الشمس حتى صار كل شيء سوادا...وأكلت النفوس ألسنتهم وخافو  واذا سألت نفسي بأي روح جبلت بهذه الأرض السوداء ،نظرت إلى عين الشمس التي لا أبصر   أكور جسدي على نفسي مسدلة  الجفن حتى أجدني في حوش جدتي أبعثر أوراق شجرة البرتقال وأتمسك بكل خيط شمس منفلت وهارب من الضلام.،متعرقة بشدة..نحتضن بعضا ونحترق خوف مما يختبئ تحت السرير الكبير ، سرير ذو رداء برتقالي فاقع اعتاد حمل اجسادنا الصغيرة الاربعة انا وبنات خالتي واختي في ليالي الشتاء بخشبه البني الصلب...تدفينا حكايات الكبار ونيران "الكانون"المستعرة.

هكذا تنتهي كل احلامي الآن ،جسدي يكون هنا معظم اليوم لكن في احلامي أنتهي هناك...لكن بحلم الامس كان هناك شيء مختلف لا اذكره..شيء مضيء.

استيقظ اليوم في الشهر الاخير من عام 2018،الكثير من منشورات  من قبيل إن كنت تحبني اترك شيء اذكرك به أو ماذا تعرف عني او ماذا تتمنى لي قبل نهاية العام....تعتريني السخافة احيانا أو الجمود او حتى الشفقة او اليائس لاترك تعليقا او إعجابا...فقط هو شعور ممزوج بالشفقة...ربما فقط في كل هذه الضوضاء اتمنى ان يتحقق جزء من احلامي ان تنطفى الاضواء كلها ان ينطفئ كل شيء حتى الانفاس المخلوقة ويعيش الكل بصمت أبدي.

في احلامي يستمر  الضلام لدقائق فقط ربما دقيقة غالبا لكنه يبدو أبديا ...أبديا مثلما تتبع السيارة  الطريق الى مدينة شراحيل، وكانها لا تنتهي اعلم فقط انني  هناك حين تنبسط الارض على طبيعتها بلا يد بشرية مخربة و.تتحول البنايات المرتفعة الحاجبة لنور الله إلى اشجار حرة تلطخ الافق بلون اخضر فاتر كزيت منسكب على المياه و تطفو روحها  كشبابيك تنفتح داخل رئتي....الأنفس الحزينة والمريضة التي اعتادت لعق رأسي وترك لعابها يسيل على كل جسدي تتحول في المقابل إلى ثمار...نطفة عارية تقابلها المعرفة وتمتص نور الحياة. وهناك أيضا ..دموع الناس، إنها  لا تتوقف أكثر عمق وارتواء و...احتواء ربما لحزني،.تتسرب الى كل شيء حي ترويه.

إلى كل قادم إلى هنا،إلى شراحيل  متتبعا الطريق واقعا او خيالا أو في أحد أحلامه، أنصحك بالتروي بغمس صدرك بالتراب وإستنشاق الهواء وإن كان  باردا، اسمح لثلجه ان يكتسح صدرك .

ستعلم أنك وصلت الى هناك حين يمتلئ أنفك برائحة فاضحة للتراب رائحة يألفها جسدك.

أدلي اقدامي العارية على التراب أتحسس ثمالته، هو مترنح كعشرينية رقيقة قبضت عليها الحياة بين يدي الموت، خيانة مرفوضة...هي ترقص بلا خوف بلا خجل مدفوعة بجنوح  وجمال نحو النهاية...أمرره بين أصابعي..أشعر به رطبا ،منتشيا حد التعب حد الجنون...حد الموت...

أطوف ببصري وأدفع به إلى مدخل البيت حيث ينتصب باب خشبي  بلونه  الأزرق القديم متقشر الالوان...أتعرق بشدة تحت شمس برتقالة ندية وأتذكر احلامي.

في بيت جدتي، الكثير من الغرف و "حوش" ،في الحوش سماء وشمس كلها في شكل الكون وجدران فاقدة اللون

. يقبل صدري تسعون عاما من الحب والكبر والذكريات التي لا تنتهي...كل شيء يصرخ بصمت هنا يصرخ محدثا بحكايته ...،حكاياتي كلها تخرس يلجمها جدار الحوش بجيره الأبيض المتسخ والحصائر الملونة والصور المعلقة والآواني الفخارية التي تفوقني عمرا وحتى قوة...ثم هناك ضفائر تبزغ من خلفي.

ألتفت لجدتي...اتخيلها من العجم ربما بسبب اسمها فقط...تشبه آلهة ب سبعة ثعابين مخضبة بالحناء...مشتعلةبلون البرتقال، يمتد ثعبان من رأسها  

يعض شفة السماء فتنزف نجوما وينتشر دم اسود في الارجاء...

يغوص "الحوش" في الضلام وأغوص أنا في العرق من جديد..هذه المرة ليس حلما ...هذه المرة الامر مختلف ...تتوهج هالة زرقاء  من إحدى الغرف تقودني الى حيث كان ينام جدي.،هذه المرة فقط مختلفة

الأناس هنا غير العالم هناك ،الثعبان نائم ،السماء تخيط فجرها بنفسها ..الصمت أعمق من الفجوة داخل صدري...أستعير من السماء يديها ومن الشمس خيوطها ومن ضفائر جدتي لونها وأخيطه.

كيف يمكن للكون أن يكون اكثر انسانية هنا؟أكثر رحمة وعطف؟

 بكل أنفاسه المتدفقة داخلي أنشطر إلى نصفين،

الانفصال الرهيب والعميق بين هذين العالمين داخلي انا فقط انا وحدي اعلم بوجود كلاهما لكني لا ادرك الأول حتى يسقط على رأسي الثاني فانسى أين تركت جسدي وأنا أقفز في حلمي من عالم إلى آخر،  هذا العالم بجبروته لا يمكن له سوى أن يتجسد بالأسود والأبيض ، درجات متتالية منه تصل اإلى الشفافية ...الشفافية المطلقة التي تحجب عن أعيننا تألم الله لحالنا.

تماما بنفس هذا الجبروت انسى تألم  الباب الذي عبرته...تألم  الجدار الطيني...شجرة البرتقال والليمون الأصفر...بنفس العمق أعلق في "حوش "منزل جدتي وأتدلى كبرتقالة حزينة حتى أخر رمق في الشتاء.

لكن هذا الحلم مختلف هذه المرة،أنا هنا حقا،  نور قبر جدي يضيء لي الطريق في وسط "الحوش" وينحصر في عيني ...لونه اسود وأبيض تماما كما يجب تماما مثل هذه الذكرى التي ترافقني.



   نشر في 24 ديسمبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا