منذ ابتعادنا عن بعضنا و ذكراكِ تلاحقني كل حين ، و كأنّها ترغب بأن تشي للعالم حبنا الأعظم ، يزورني الحنين كل ليلة يتسلل لقلبي كــ نجوم السماء البارقة ، فيضئ تلك العتمة التي تسبب بها فراقنا المحتوم .
عدت اليوم لأزور حيينا القديم ، حين تعاهدنا فيه صغارا أنا وصديقتي أننا لن نفترق ، لكن على ما يبدو بأن عهود البقاء لا يكتب لها الدوام ، بطريقة لا اصدقها لم يشأ القدر أن نفي بوعودنا بالبقاء.
لكني رغم ذلك قد عدت اليوم كي اطمئن على ما نسجناه معا ، عدت لزيارة الحيّ الأول ذلك الحب الأبدي .
كيف لهذا المكان أن يحتفظ بتلك الذكريات رغم أنه على ما يبدو قد تغيّر عشرات المرات ، أين ذلك الخليط من الأطفال الذي كان يلوّن حيّنا القديم ، ما بالي أراه اليوم بائسا على غير عادته ؟
يا للغرابة ؟ كيف لعبق الماضي أن يظل منتشرا في الأجواء رغم أن سكانه قد تغيّروا مئات المرات، بحثت عن ذلك الحائط حيث نحتنا فيه أول حرفين من اسمينا لكن على ما يبدو أن أشعة الشمس قد محت كلّ شي ، من قلبي فقط تمكّنت من رؤية الأحرف ومن رؤيتنا معا ونحن نلعب ونزاحم الأولاد في لعبة كرة القدم .
شهقتنا حين تعثرت أقدامنا في الوحل ،ضحكاتنا ، نداءاتنا لبعضنا ، صوت خطواتنا والركض السريع ، يا الهي أسمع كل ذلك الان وانا واقفة في منتصف حيّينا القديم، أي ذكرى جميلة أفتقدها ، واي صديقة ضاع دربها وافترقنا ، في هذا الحيّ كانت لي حياة بألف حياة .
أين ذلك الممر الضيق ؟ قد كان صغيرا بما يكفي ليحتفظ بأسرارنا وحكاياتنا ، كان مليئا بالأعشاب ينتهي الى عالم واسع ، ما زال ذلك المكان الفسيح يلاحقني بين حلم و آخر ، وحدها ذكريات الطفولة تبقى في صميم القلب والروح ، وما عداها من أيام لاحقة لا تعدّ أكثر من كونها ذكريات عابرة ، كـ طيف يزورك، يعبث بك ثم يرحل .
يتراءى لي أن أصحاب هذا الحيّ اليوم مشغولون بأمور كثيرة يمشون بخطوات مجبرة أو هكذا خيّل اليّ و أنا أراهم يعبرون بجانبي ، أغمضت عيني رغبة بتجاوزهم و أملا في استدعاء أصحاب الحيّ الذين عهدتهم ..
و بعد فراق عشر سنوات كان لابدّ لكل منّا أن يتغيّر ، أنا ، صديقتي ، والحيّ الذي كان يجمعنا، عدت أدراجي إلى طريق لست أدريه ، وما زالت تلك الأصوات عالقة في أذني والى هذه اللحظة .... أنا اسمعها .
-
creator writerJ.A
التعليقات
دام ابداعك
وما عداها ..ذكريات عابرة .. حتى تلك الذكريات العابرة ... ما زالت موجودة .. لكونها طيف ... يعبث بنا ثم يرحل .
دام ابداعك سيدتي الفاضلة...
غضبنا..ولحظات وداعنا.