الإلحاد...الجحود الأعظم! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الإلحاد...الجحود الأعظم!

  نشر في 26 يونيو 2022  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

إن وصف الإلحاد بالجحود الأعظم ليس من المبالغة في شيء ,فأي جحود أعظم من الجحود بالخالق و إنكار وجوده عز و جل خالق السماوات و الأرضين و الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى .

و إذا كان الإلحاد هو الجحود الأعظم فالملحد هو الجاحد الأعظم لكل نعم الله عز و جل الذي خلقه نطفةً ثم علقةً ثم مضغةً فكان بعد أن لم يكن شيئاً و الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد , لكن لا عجب و لا استغراب فالمخلوق الذي نتحدث عنه هو الإنسان رمز الجحود و النكران الذي قال عنه رب العزة أنه كان أكثر شيء جدلاً في قمة المبالغة اللغوية و هو الذي وصفه كذلك بعدة أوصاف منها العجلة و الظلم و الجهالة و القتور فلا عجب إذاً من مخلوق كهذا مهما فعل .

لكن مع ذلك فوسام التكريم الإلهي يرفعه فوق كل المخلوقات إذا قنت لعبادة الله وحده متبعاً أوامره و متجنبا نواهيه ففيه إمكانية الشيطان كما فيه إمكانية الملاك يكون أيهما أراد.

و الملحد هذا الإنسان الجاحد آية من آيات الله في حد ذاته ينبغي النظر إليها و التدبر فيها فالله عز وجل أعطاه هذه القدرة و هذه الإمكانية على أن يكفر به و ينكر وجوده و هو خالقه سبحانه و تعالى .

-الملحد و الأسئلة الوجودية الكبرى:

الأسئلة الوجودية الكبرى هي أهم الأسئلة التي يمكن أن يطرحها الإنسان فبها يعرف مركزه من الكون و الوجود و من خلالها يحدد قيمه و مثله وهي سؤال المصدر من أين جئنا ؟ و سؤال الغاية من وجودنا و سؤال المصير إلى أين نحن ذاهبون و ما هو مصيرنا؟ فبناء على أجوبة الإنسان على هذه الأسئلة تتحدد قيمه و أخلاقه و مثله , و منذ القدم كان لكل ديانة من الديانات وثنيها و توحيديها أجوبة على هذه الأسئلة تقترب و تبتعد من الحق لكنها كانت لها أجوبة على الأقل فتخرج المرء من دائرة العدم و العدمية إلى إطار المعنى و الغائية و كان لكل الأمم إجابة دون استثناء فلم يعرف التاريخ أمة ملحدة في التاريخ لا تؤمن بوجود إله .

و الشاهد هنا هو أن الملحد اليوم الذي يعتبر هذه الأسئلة ميتافيزيقية و غير علمية بل و غير ذات موضوع حسب الوضعيين المنطقيين فيجعلونها خارج الاعتبار المعرفي حتى , هو نفسه هذا الملحد لا ينفك يطرح هذه الأسئلة و هذا ملاحظ في كتابات كبار الملاحدة المعاصرين و على رأسهم ستيفن هوكينغ .

و هذا لمن أكبر الأدلة على أن هذه الأسئلة منغرسة و متجذرة في أعماق الإنسان مزروعة فيه زرعا لا يستطيع عنها انفكاكا و لو أراد فما يفتأ يبحث عن الغاية فيكون الإنسان بعد ذلك كما قال بعض الفلاسفة حيواناً ميتافيزيقياً.

-أصل الإشكال:

أصل الإشكال و الخلاف مع الملاحدة هو الإشكال المعرفي و المصدرية المعرفية و في بعض الأحيان مسألة الإمكان المعرفي من الأساس لدى بعض الطوائف الإلحادية, فماذا يعني هذ بالضبط ؟

يعتمد الملحدون على الحس كمصدر وحيد للمعرفة منكرين لباقي المصادر المعرفية و منكرين وجود واقع غير الواقع المادي المحسوس , فأنكروا و رفضوا العقل كمصدر للمعرفة في غالبيتهم عكس ما يشاع من الكون الإلحاد علمي عقلاني.

وفي استئثارهم بالحس كمصدر وحيد للمعرفة إشكال كبير فالحواس المجردة يمكن التشكيك فيها و نقدها من طرق مختلفة و بسهولة فالعين مثلا ترى السراب و تحسبه ماء و الأحول يرى الشيء شيئان و نرى الظل ساكنا لا يتحرك عكس حقيقته.

وفي تنكرهم للعقل و مبادئه الضرورية التي سيأتي الحديث عنها إشكال أكبر فعليها تنبني كل معرفة و دونها تستحيل العلوم و هذه المبادئ منها مبدئ السببية و مبدئ عدم التناقض و كون الجزء أصغر من الكل فإذا أنكرت أحد هذه المبادئ العقلية فلن تستطيع تحصيل معرفة و لا تقديم برهان فكل برهان ينبغي أن ينتهي إلى مبدأ لا يمكن البرهنة عليه مبدأ قائم بذاته يكون هو أصل الاستدلال و إلا فإن عملية طلب البرهان على كل برهان ستستمر إلى ما لا نهاية فوجب وجود حد تتوقف عنده هذه العملية .

يذهب الملاحدة مذاهب عدة و لا نقول أنهم كلهم ينكرون العقل و المبادئ العقلية لكن من ينكرونها هم اللذين يتبعون مبادئ الإلحاد و حدوده التي رسمها لنفسه .

لكن لماذا ينكر الملاحدة هذه المبادئ العقلية و المعارف الفطرية في الإنسان؟ و الجواب باختصار لأنها من أكبر الدلائل على وجود الله عز و جل حيت يتحتم على المؤمن بهذه المبادئ أن يجيب على سؤال من وضع و زرع هذه المبادئ في النفس البشرية دون أن تتعلمها و كذلك بالنسبة لوجود المبادئ العقلية بشكل منفصل عن البشر وجدوا أو لم يوجدوا فمثلا يمكن أن نقول في حالة فناء البشر من الكون هل هناك بشر فيكون الجواب لا عملاً بمبدأ عدم التناقض فهذه المبادئ إذن مستقلة عنا و هي ذات طبيعة خاصة و هو محل إشكال آخر للملحدين اللذين لا يؤمنون إلا بالوجود المادي فيتمتمون عندما يسألون عن هاته القيم المجردة المطلقة.

-الضبط الدقيق:

إن لمن أكبر الإشكالات التي تواجه الملحدين اليوم إشكال الضبط الدقيق في الكون (Fine Tuning) فباعتراف أكبر الملاحدة هذا الدليل هو الأخطر و الأقوى لدى المؤمنين , فما هو دليل الضبط الدقيق? .

يخبرنا العلم العلم الحديث أنه توجد مجموعة من المقادير في الكون مضبوطة بذقه متناهية سواء كانت ثوابت فيزيائية أو مسافات أو سرعات ,هذه المقادير و القيم إذا اختلت زيادةً أو نقصاناً ولو بنسب متناهية في الصغر لختل نظام الكون و الإستحال استقراره و بقائه مما يقلل فرص الصدفة المزعومة بنسب خيالية و يذكر هنا أن دليل الضبط الدقيق هذا كان هو سبب عودة أحد أشرس الملاحدة و زعيمهم في وقته (Anthony flew) إلى دائرة الإيمان ليكتب كتابه المشهور (There is God)

ينبغي الانتباه إلى معنى مهم عند النظر في قضية الإلحاد و هي كونه فكرا دخيا و أطروحة غير قائمة بذاتها فهي أشبه بالفيروس الذي يحتاج إلى جسم يعيش فيه تستحيل حياته دونه و هو الدين فالإلحاد فكرة قائمة على كونها النقيض للدين و المناكفة له و المماثل له و ليست قائمة بذاتها , و من تجليات هذه النزعة التماثلية اصطباغ الإلحاد بصبغة دينية و تبنيه البنى الدينية فللإلحاد اليوم كنائسه و أعياده و وعاضه و علمائه بل و أنبيائه فهو في النهاية فكرة قائمة على منافرة الدين لا تقوم وحدها.

-إلحاد أخلاقي؟

سؤال الأخلاق أحد الأسئلة التي تؤرق مضاجع أرباب الإلحاد و دعاته كبارهم و صغارهم منذ القدم سؤال يشكل معضلة تهدم الصرح الإلحادي من أساسه, والمشكلة الإلحادية مع الأخلاق تكمن في عجز النموذج الإلحادي على إنتاج منظومة أخلاقية و عدم قدرة هذا النموذج على تبرير الأخلاق من الأساس فالملحد بين مأزقين و خيارين أحلاهما مر فإما يقول بوجود أخلاق وجوداً موضوعيا مطلقا منفصلا عن وجود الإنسان فيخالف طرحه الإلحادي نفسه أو يقول بنسبية الأخلاق و يتوافق مع طرحه لكنه سيقع في مأزق أكبر و الخلاصة أن هنالك ملحدون بأخلاق لكن ليس هناك إلحاد أخلاقي كما يقال و عبر مفتي الملحدين في العالم اليوم (Richard dawkens) من خلال طرحه لمسألة الإبادة التي قام بها النازيون و قوله أنها خطأ و اعترافه بعدم قدرته على تبرير قوله هذا , فإذا كان الإنسان وسخ كيميائي كما يقول هوكينغ فلم تفضيل الإنسان بمعاملة خاصة !

-بؤس الملحد:

أدعو كل من يقرأ هذه الأسطر إلى تصور و تخيل مدى بؤس هذا الإنسان الملحد و وحدته و إن أظهر عكس ذلك و مهما انغمس في الشهوات و الملذات, و الملحد أو الإنسان الغربي عامة لفي حالة هرب مستمرة ,هرب من الأسئلة الوجودية التي تهز مضجعه هزا و تؤرقه و تتنوع أشكال هذا الهرب لكن أظهرها هو الانغماس العمل و حركية الإنسان الغربي عموما و فاعليته , و تخيل عزيزي القارئ مخلوقا أنكر خالقه ما أتعسها من حال و ما أقبحه من فعل .

-معضلة الشر:

المشكلة في مسألة الشر هاته هي أن الملحدين أغرقونا بتصريحاتهم و هجماتهم على الإيمان بحجة الشر و وجوده وهي في الحقيقة عكس ذلك حجة عليهم لا لهم فالملحد عندما يحدثنا عن الشر فإنه إذن يسعى و يرغب الخير القيمة الأخلاقية المطلقة و المغروسة في صميم الإنسان لا يستطيع عليها برهانا إلى وجود إله عليم قدير قال كن فكان, و معضلة الشر كما يسمونها حجة باهتة ضاحدة و مضلة شفافة استضل بها هؤلاء شمس الحقيقة الإلهية القاطعة فيقولون إذا كان الإله رحيما بمخلوقاته كما تقولون أيها المؤمنون فلم يدعها تعاني و تعذب و تظلم و ينكل بها في هذه الدنيا , تعالى الله عما يقولون فقد نزه جل جلاله نفسه عن الظلم( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) و في الحديث القدسي يقول جل في علاه { يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا} و هو القادر القاهر فوق عباده .

و في ديننا الإسلامي الحنيف من قال أن الحياة دار نعيم مقيم و خير مطلق و هناء بل وصفها الشارع الحكيم بعكس ذلك تماما , فهي دار البلاء و الكرب و الكبد ينساه المؤمن عند أول نسمة في جنان الرحمان , ودون شر كيف كان لنا أن نعرف الخير فالأشياء تعرف بضدها و دون شر كيف كان لنا أن نأوي اليتيم و كيف كان لنا أن نطعم القانع و المعتر و كل ما يحصل به عظيم الأجر من تصدق على الفقراء و زيارة للمرضى فأمر المؤمن كله خير كم قال رسول الله لكن هؤلاء الملحدين رضوا بالحياة و اطمأنوا بها و كرهوا مفارقتها و أرادوها صافية من كدر المرض و الفقر و الكبر حتى يقضوا منها وطرهم ...خسروا و خسر رهانهم


  • 1

   نشر في 26 يونيو 2022  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا