بين جيلين - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بين جيلين

  نشر في 29 أبريل 2016 .

                                                                      مشهد (1)

المكان : شقة سكنية في وسط القاهرة – مصر

الزمان : الوقت الحالي

يجلس الأستاذ رأفت قاسم في غرفة المعيشة برفقة إبنه أحمد يشاهدان أحد برامج (التوك شو) الذي إستضاف فيه المذيع ضيفين أحدهما مؤيد للنظام و الآخر معارض له , يشتعل البرنامج و يشتعل معه النقاش بين الأستاذ رأفت المؤيد للنظام و إبنه المعارض له , يتهم الأب إبنه بالإندفاع و الطيش فيما يتهم الإبن أباه بالرضوخ و الخضوع .

ربما يكون هذا المشهد متكرراً في الكثير من البيوت العربية و غالباً ما ينتهي الأمر بأن يترك أحدهما الغرفة للآخر و هو يتعجّب من الآخر , لكن ما سبب هذا الصراع ؟؟

إذا أردنا أن نعرف الإجابه فعلينا أن نعود بالزمن مرتين لنرافق كل منهما في فترة مراهقته ...


                                                                    مشهد (2)

المكان : ميدان التحرير – وسط القاهرة

الزمان : ستينيات القرن الماضي

يسير المراهق رأفت قاسم ذو الستة عشر عاماً في الميدان و هو يشاهد صور الرئيس المنتشرة في كل مكان , فقد مرّ موكب الرئيس البارحة بالميدان و تزاحم الناس لرؤيته . يدعو رأفت للرئيس بخير فهو القائد الملهم الذي أنقذ البلاد من براثن الملكية الفاسدة و الإحتلال الغاشم و وحّد الأمة العربية , و يتعجّب من الأشخاص الذي يعارضون الرئيس و يتهمونه بإتهامات سخيفة مثل الديكتاتورية , ألا يرون كيف أننا نعيش في رَغَد من العيش أفضل من الكثير من دول العالم , صحيح أن رأفت لا يعرف ما يدور في العالم الخارجي فلا يوجد ما يصله بهم لكنه متأكد من ذلك , ألا يرون الإنجازات التي قامت بها مصر و يتحدّث عنها الإعلام الحكومي يومياً في التليفزيون و الجرائد .

يستمر رأفت في السير و يُمنّي نفسه بمستقبل باهر , فها هو أتمّ المرحلة الثانوية و على أبواب الدخول للجامعة , يحلم رأفت كباقي شباب جيله بالإنتهاء سريعاً من المرحلة الجامعية ثم التعيين في وظيفة حكومية بعد التخرُّج حيث المرتب الثابت و بعد ذلك يتزوّج و ينجب أطفالاً , يحلم بحياة هادئة .

و يستمر رأفت في السير ...


                                                                     مشهد (3)

المكان : ميدان التحرير – وسط القاهرة

الزمان : أغسطس عام 2011

يسير المراهق أحمد ذو الستة عشر عاماً في الميدان الذي إمتلأ بصور الرئيس المخلوع و هو في قفص الإتهام , يشعر أحمد بالفخرو الحزن في آن واحد : الفخر لأنه و أبناء جيله إستطاعوا خلع الرئيس و محاكمته , و الحزن لأن مسار الثورة بدأ يسير في إتجاه لا يبشّر بخير لكن أياً كان مصير الثورة فأحمد سيظل على وفاء لها طوال العمر , فهي من جعلت لحياته معنى فقد كان ضائعاً وحيداً قبلها لكنها حين جاءت و نزل الشوارع وجد الكثيرون مثله ضائعين تائهين يبحثون عن بعضهم البعض حتى وجد الملايين ممن يشبهونه و من هذه اللحظة تغيّرت حياته و أصبح لها معنى .

يتصفّح أحمد الإنترنت من خلاله جهازه المحمول أثناء سيره فهو يحب أن يعرف أخبار العالم من حوله , فأحمد يحلم مثل باقي أبناء جيله بالسفر حول العالم و التعامل مع شعوب مختلفة , و تطبيق الديمقراطية في مصر , و تأسيس عمل خاص بيه , يحلم بحياة ملئية بالإثارة .


ربما تتضح الأمور قليلاً الآن , جيل عاش منذ الطفولة حتى الشيخوخة يستمع للإعلام الحكومي الذي يمجّد الحاكم ولا يعرف ما يدور حول العالم و ليس لديه أي رغبة في التغيير بعدما بلغ هذا العمر فهو يريد أن ينهي حياته بهدوء كما عاشها بهدوء طوال عمره , و جيل آخر عاش التغيير منذ أول لحظة في حياته في كل شيء حتى في ألعابه و هو يرى الشباب في مثل عمره في باقي الدول ينعمون بحياة مثيرة جميلة على عكس ما يعيشون هم و هذا الجيل يعتبر التغيير هو روحه و حياته كلها و ليس لديه رغبة في التخلّي عنه .

لا أستطيع أن أقول (الحل هو كذا) لأن هذا الحل متروك لكل فرد أن يختاره , لكن ما أستطيع قوله هو أنه لا يجب أن نضع أنفسنا في موضع إختيار بين أهلنا و أحلامنا ...


  • 14

  • عمرو يسري
    مهندس مصري يهتم بقراءة التاريخ وسِيَر القدماء. أرى أن تغيير الحاضر، والانطلاق نحو المستقبل يبدأ من فهم الماضي.
   نشر في 29 أبريل 2016 .

التعليقات

السرد فى شكل قصة قصيرة ممتع جدا
1
عمرو يسري
شكرا ...

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا