مشهد (1)
المكان : شقة سكنية في وسط القاهرة – مصر
الزمان : الوقت الحالي
يجلس الأستاذ رأفت قاسم في غرفة المعيشة برفقة إبنه أحمد يشاهدان أحد برامج (التوك شو) الذي إستضاف فيه المذيع ضيفين أحدهما مؤيد للنظام و الآخر معارض له , يشتعل البرنامج و يشتعل معه النقاش بين الأستاذ رأفت المؤيد للنظام و إبنه المعارض له , يتهم الأب إبنه بالإندفاع و الطيش فيما يتهم الإبن أباه بالرضوخ و الخضوع .
ربما يكون هذا المشهد متكرراً في الكثير من البيوت العربية و غالباً ما ينتهي الأمر بأن يترك أحدهما الغرفة للآخر و هو يتعجّب من الآخر , لكن ما سبب هذا الصراع ؟؟
إذا أردنا أن نعرف الإجابه فعلينا أن نعود بالزمن مرتين لنرافق كل منهما في فترة مراهقته ...
مشهد (2)
المكان : ميدان التحرير – وسط القاهرة
الزمان : ستينيات القرن الماضي
يسير المراهق رأفت قاسم ذو الستة عشر عاماً في الميدان و هو يشاهد صور الرئيس المنتشرة في كل مكان , فقد مرّ موكب الرئيس البارحة بالميدان و تزاحم الناس لرؤيته . يدعو رأفت للرئيس بخير فهو القائد الملهم الذي أنقذ البلاد من براثن الملكية الفاسدة و الإحتلال الغاشم و وحّد الأمة العربية , و يتعجّب من الأشخاص الذي يعارضون الرئيس و يتهمونه بإتهامات سخيفة مثل الديكتاتورية , ألا يرون كيف أننا نعيش في رَغَد من العيش أفضل من الكثير من دول العالم , صحيح أن رأفت لا يعرف ما يدور في العالم الخارجي فلا يوجد ما يصله بهم لكنه متأكد من ذلك , ألا يرون الإنجازات التي قامت بها مصر و يتحدّث عنها الإعلام الحكومي يومياً في التليفزيون و الجرائد .
يستمر رأفت في السير و يُمنّي نفسه بمستقبل باهر , فها هو أتمّ المرحلة الثانوية و على أبواب الدخول للجامعة , يحلم رأفت كباقي شباب جيله بالإنتهاء سريعاً من المرحلة الجامعية ثم التعيين في وظيفة حكومية بعد التخرُّج حيث المرتب الثابت و بعد ذلك يتزوّج و ينجب أطفالاً , يحلم بحياة هادئة .
و يستمر رأفت في السير ...
مشهد (3)
المكان : ميدان التحرير – وسط القاهرة
الزمان : أغسطس عام 2011
يسير المراهق أحمد ذو الستة عشر عاماً في الميدان الذي إمتلأ بصور الرئيس المخلوع و هو في قفص الإتهام , يشعر أحمد بالفخرو الحزن في آن واحد : الفخر لأنه و أبناء جيله إستطاعوا خلع الرئيس و محاكمته , و الحزن لأن مسار الثورة بدأ يسير في إتجاه لا يبشّر بخير لكن أياً كان مصير الثورة فأحمد سيظل على وفاء لها طوال العمر , فهي من جعلت لحياته معنى فقد كان ضائعاً وحيداً قبلها لكنها حين جاءت و نزل الشوارع وجد الكثيرون مثله ضائعين تائهين يبحثون عن بعضهم البعض حتى وجد الملايين ممن يشبهونه و من هذه اللحظة تغيّرت حياته و أصبح لها معنى .
يتصفّح أحمد الإنترنت من خلاله جهازه المحمول أثناء سيره فهو يحب أن يعرف أخبار العالم من حوله , فأحمد يحلم مثل باقي أبناء جيله بالسفر حول العالم و التعامل مع شعوب مختلفة , و تطبيق الديمقراطية في مصر , و تأسيس عمل خاص بيه , يحلم بحياة ملئية بالإثارة .
ربما تتضح الأمور قليلاً الآن , جيل عاش منذ الطفولة حتى الشيخوخة يستمع للإعلام الحكومي الذي يمجّد الحاكم ولا يعرف ما يدور حول العالم و ليس لديه أي رغبة في التغيير بعدما بلغ هذا العمر فهو يريد أن ينهي حياته بهدوء كما عاشها بهدوء طوال عمره , و جيل آخر عاش التغيير منذ أول لحظة في حياته في كل شيء حتى في ألعابه و هو يرى الشباب في مثل عمره في باقي الدول ينعمون بحياة مثيرة جميلة على عكس ما يعيشون هم و هذا الجيل يعتبر التغيير هو روحه و حياته كلها و ليس لديه رغبة في التخلّي عنه .
لا أستطيع أن أقول (الحل هو كذا) لأن هذا الحل متروك لكل فرد أن يختاره , لكن ما أستطيع قوله هو أنه لا يجب أن نضع أنفسنا في موضع إختيار بين أهلنا و أحلامنا ...
-
عمرو يسريمهندس مصري يهتم بقراءة التاريخ وسِيَر القدماء. أرى أن تغيير الحاضر، والانطلاق نحو المستقبل يبدأ من فهم الماضي.