في صبيحة أحد الأيام الماضية، تلك التي كادت أن تهلك روحي من كثرة التعب وثقل الأرق الذي ظل يلازمني لأيام.. وبينما أتناول فطوري في مزاج سيء، رحت أفتش بعيني على مجلة من المجلات الملقاة حولي، وثبت نظري على عدد ما، العدد الذي تربعت فيه قصتي وتوجت بالمركز الأول، أمسكت بالمجلة كأنني أمسكها لأول مرة، ثم قلبت فيها وجاءت الصفحة المزينة بقصتي، وجاء معها نفس الابتسامة الغير مصدقة عندما عرفت أن إحدى أحلامي قد تحققت.
منذ أن تعرفت بمجلة العربي ووقعت في حب موضوعاتها وأبوابها وخاصة باب "قصص على الهواء"، ورؤية هؤلاء الكتاب الشباب المحظوظين بفوز قصصهم في مجلة عريقة وغنية كالعربي، وأنا جُل حلمي أن أكون مثلهم، أرى قصة لي وبجوارها أسمي واسم بلدي، ولا يهم بأي مركز سوف أفوز، أكثر من أكون من ضمن الفائزين وحسب. يا له من حلم كان، ويا له من طريق شاق استمر لأكثر من عشرة أعوام قضيتهم بين التشبث والتخلي، بين الثبات والاختلال حتى حدث ما توقعت، وفي يوم ما توقفت كليا عن الكتابة لدرجة أنني رحت أقول أنني اعتزلت الكتابة! أي اعتزال هذا وأنا لم أحقق أي إنجاز بعد؟ لكن للأفكار السوداوية أحكام، وهكذا سلمت في موهبتي باكراً، لكن الضباب الذي كان يغشى عقلي وروحي قد زال مع مرور الزمن، فاستعاد قلمي مهنته رغم بطئه وكأن شيئاً لم يكن.
سنظل نسير بطريقة هزلية، يغلب عليها الاعوجاج والخروج عن المسار، وفي الوقت الذي سندرك فيه ايماننا بقوتنا، بالشيء الذي نبرع فيه، الشيء الذي نستطيع أن نشير إليه بقلب شغوف ونقول بكل ثقة هذا الشيء هو جزء من هويتي، وقتها فقط سنعود إلى الطريق، إلى تلك الرحلة التي تخبرنا بطريقتها أننا لم نخلق عبثاً، وأن وجودنا هنا هو بمثابة تأدية رسالتنا المطلوبة منا، وإلا لما وجد الله فينا الموهبة والقدرة على خلق عوالم وشخوص من مجرد نظرة عابرة على أحد الأرصفة لنسترق منها القصص كما نشاء، ولضم الألحان في عُقد ممتزج بعذابات الروح وبراحها الحالم ليكونون معا سيمفونيات خالدة في فضاء الموسيقى، وهذه اليد التي تطير بخفة كالريشة التي يرسم بها صاحبها ليخلد رسمه عبر القرون. والمواهب كثيرة ويبقى مصدر الإبداع والجمال واحداً ألا وهو روح الله التي يبثها في عباده لحكمة يعلمها وحده؛ فهنيئاً لكل موهوب وموهوبة.
وشكرا لله على هذه الإشارة اللطيفة التي لولاها لكنت غارقة كما أنا في أوحالي الباردة منتظرة أي بادرة فرح، رغم أن الفرح قد زارني أكثر من مرة العام الماضي عندما بلغني خبر الفوز في عدة مسابقات، ومرة في بداية هذا العام. لكن نحن بطبيعة الحال نميل إلى إخضاع أنفسنا لحالة من التشوش والكآبة، فلا نجاح نسعد به ولا فرح ينسينا مخاض الأيام البالية، اللهم إلا من لحظات معدودات في وقتها وانتهينا. تماما كما نفعل مع نعم الله الكثيرة التي نتذكر تبجيلها وقت الحاجة ثم سرعان ما ننساها!
وبعيداً عن الهجمات السوداوية تلك، إلا أننا أصبحنا نعرف الآن أن الأحلام تتحقق. سواء اليوم، غدا، بعد عام أو أكثر فسوف تتحقق، ليست بعيدة وليست مستحيلة كما نعتقد، لأن الأحلام جزء منا؛ مستحيل أن يضع الله حلما داخل إنسان دون أن يهبه ما يساعده على بلوغه. أفرحوا وافتخروا بنجاحكم وإياكم بالمقارنات، فقيمة النجاح تكمن في صعوبة الوصول، لأن الوصول ذاته قد يكون خادع. كأن يصل إنسان لهدف ما فلا رضا في نفسه ولا تواضع إلا الغرور، فتسقط قيمة وصوله من ثم يسقط هو في نظر من حوله، حتى يسقط هو تدريجياً.
-
Walaa Atallahكاتبة ومدونة مصرية.
التعليقات
أدهشتني قدرتك على التعبير عما يجول بخاطر الكثير منا .. فعلاً الكاتب ليس فقط مرآة نفسه بل أنه مرآة من حوله ..
أحسنتِ :)
رائع ذلك الشعور الذي ينبت كأنه ربيع في داخلنا عندما يتحقق حلم طالما تمنيناه وسعينا لاجله . .. شعور يجعلنا ندرك ان الأحلام ليست مستحيلة ونستطيع ان نخبر الآخرين بهذا بكل ثقة ...
اتمنى ان تحققي كل احلامكِ الصغيرة والكبيرة وأن يقودكِ شغفك بالكتابة الى أعلى مراتبها ومجدها .