في أوقات الفراغ و خلال فترة الحجر الصحي بشكل خاص، يسارع أغلب الناس إلى قنوات الأفلام و تطبيقاتها المتعددة كيوتيوب و ال Netiflix مثلا و إلى المحطات الفضائية و مسلسلاتها الرمضانية، لتمضية الوقت و الترفيه عن أنفسهم من أخبار العالم و مآسيه كالحروب و الكوارث و الأمراض كالكورونا و غيرها. يمكننا القول أنهم يحاولون بشتى الوسائل الهروب من المشاعر السلبية المصاحبة لأعداد الموتى و أخبار الإصابات والحزن و الأسى أو الخوف حتى، و هو أمر طبيعي و مشروع.
و لكن مما قد لا يعرفه الغالبية العظمى من مدمني ال Netiflix و غيرها، أن ما يعتبرونه ترفيها و ما يعتقدونه مهربا و ملاذا من المشاعر المتدنية هو بالذات ما يزيدها تدنيا و انخفاضا دون علم منهم !
و لنشرح الأمر أكثر، إذا لاحظتم معي قليلا، فإن أغلب الأفلام التي تقدمها لنا هوليود و Netiflix و غيرها من المنصات الترفيهية أو ألعاب الفيديو الألكترونية تكون ذات محتوى عنيف و عنيف جدا في بعض الأحيان. إنها تأخذ المشاهد في رحلة مع الموت و الضرب و الخطف و القتل و التشنيع و ما إلى هنالك...و تعده بحصة وافرة من مشاعر الحزن و الأسى و توتر الاعصاب دون أن يحرك ساكنا ! لا بل إنه في الوقت ذاته يتلذذ بذلك و يتمتع به، لا بل يأكل البوشار و البطاطا المقلية أيضا !
إنه تخدير ذكي..تخدير يتم فيه تلقين المشاهد ما يراد تلقينه و حشيه بما يراد له أن يحشى به و هو بكامل رضاه و سعادته ! فالشخص الذي يرى مشاهد الموت و الدم حاضرة أمام عينيه لا يعلم أن في داخله تتحرر مشاعر عارمة من توتر الأعصاب و الألم و الخوف، أكبر بكثير مما يحرضه خبر يمر على شاشات الأخبار يتحدث عن موتى معلومين غير منظورين !
و مما لا يعلمه أغلبنا، أن عقولنا الباطنة تعمل بنظام التلقين و التكرار، فكلما كررت الأمر ذاته أو الصورة ذاتها مرارا و تكرارا ترسخت تلقائيا في عقلك اللا الواعي و باتت هي التي تسيطر عليك و تسير خياراتك بشكل لا شعوري في أوقات حياتك المتعددة. إنها الطريقة ذاتها التي تكتسب بها العادات و المهارات المختلفة. فإذا كنت عزيزي القارئ تشاهد يوميا أخبار و مشاهد الحزن و الأسى فإنك ستصبح و بشكل تلقائي و لا شعوري أميل لأخبار الحزن و الأسى و غيرها مما تحفزه من مشاعر سلبية كالاكتئاب و القلق و التوتر مثلا . هذا ما يسمى بالبرمجيات! فنحن من خلال تلقيننا لما نتلقاه منذ طفولتنا و على مر الزمن، نصبح مبرمجين، نتصرف موجهين تبعا للبرمجيات و التعليمات التي خضعنا لها.
و كما يتميز عقلنا الباطن هذا، الذي يعمل بنظام التلقين و الامتصاص أنه لا يميز بين الحقيقة و الخيال، فبإمكاننا تلقينه ما نشاء في الفترات التي ينشط بها، حتى و لو يكن هذا الشيء حقيقيا. و عقلنا الباطن من خلال التكرار يتبنى ما تم تلقينه به و يتعامل معه على أنه حقيقي، لا بل و يستجيب على ذلك بردات فعل أيضا !
و لنفهم الموضوع أكثر، لاحظوا معي عندما تحلمون بكابوس، كيف تستيقظون في منتصف الليل و أنتم تتعرقون و تكزون على أسنانكم، و نبضات قلوبكم تهرول مسرعة في جوفكم الصدري، لكأنها في ماراثون لعدائي الدرجة الأولى حول العالم ! هذا الأمر يحدث أيضا عندما تشاهدون مشهدا عنيفا، تقوم أجسادكم بالاستجابة على هذا المشهد و القيام بردات فعل و تستدعي مشاعر داخلية كما لو كنتم تعيشون هذا المشهد حقيقة في الواقع ! فتخيلوا معي يا أصدقائي ماذا يحدث داخل أجسامنا و ماذا نلحق بها من أذى عندما نتلذذ من الخارج و ننوم مغناطيسا من الداخل جراء أفلام العنف و الإثارة و الآكشن إذا صح التعبير...
إننا جميعا بحاجة لمن يوقظنا من هذا التنويم لندرك حقيقة ما يحل بنا و نستطيع الاختيار بعد ذلك:
هل حقا نود البقاء في حالة الخدران و الأسر هذه أم نريد كسر قيودنا الفكرية و إعادة امتلاك السيطرة على عقولنا و مشاعرنا و حياتنا ؟
و لكم حرية الاختيار...