Dr. Strangelove..لأن كوميديا السياسة أكثر رعبا مما تتصور - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

Dr. Strangelove..لأن كوميديا السياسة أكثر رعبا مما تتصور

الحرب الباردة بنظرة كوبريك السينمائية

  نشر في 27 نونبر 2017 .

يمكنك أن تحب أو تكره سينما كوبريك,ولكنك لن تستطيع أن تخرج أفكارها من رأسك!

تبدو كطاولة بوكر فيجلس الرئيس الامريكي و السفير السوفياتي و الجنرالات يلعبون البوكر للمقامرة 


يتحدث الفيلم الصادر عام 1964عن فترة صراع القوى العظمى فى أوج الحرب الباردة بعدما وضعت الحرب العالمية أوزارها ويستند فيها الى رواية "red alert" التى كتبها بيتر جورج،يسخر فيه مخرج وكاتب العمل أحد الأساطير السينمائية ستانلى كوبريك من أبطال هذه الفترة التى كان فيها العالم على شفا النهاية.

الفيلم يقدم حبكته كاملة بدون إهدار للوقت،عميد القوات الجوية "جاك ريبر" قد أخذ قرارا بالفعل بضرب قنبلة نووية على مواقع عسكرية سوفيتية ويبدأ فى إغلاق الثكنة العسكرية ويقطع الاتصالات التى قد تصل من البيت الأبيض او القيادات العسكرية ذات المستوى الأعلى،الأمر لا يتوقف هنا بل أنه يعطى أوامر لجنود الحراسة بالاشتباك المباشر مع زملائهم من الجنود من ثكنات أخرى,وينتقل الفيلم بين طرفين أخرين،الأول غرفة اجتماعات التى يترأسها رئيس الجمهورية ويتواجد بها أكبر قيادات الدولة لإيجاد مخرج للأزمة التى ستؤدى لحرب نووية ستقود البشرية للفناء وبوجود الرئيس السوفييتي نفسه على الهاتف وسفيره في نفس القاعة،والطرف الثانى،الطائرة الأمريكية التي ذهبت فى طريقها لاقتحام الأجواء الروسية محملة بالرأس النووى.

السخرية هى الحل

كوبريك الذى عرف عنه مناهضته لمؤسسات الحرب يوظف كل شئ للسخرية من هؤلاء جميعا،فيفتتح مقدمة الفيلم بجملة:“إن قوات الجو اﻷمريكية تؤكد أن إجراءات الحماية لديها تمنع وقوع مثل هذه اﻷحداث المذكورة في الفيلم! كما نؤكد أن الشخصيات الموجودة في الفيلم لا تمثل أي شخص بعينه حيا أو ميتا!”

فى حين ان الهدف من الفيلم بأكمله هو عرض أن هذه اﻷحداث ممكنة التحقيق,فلا يوجد ما يضمن ان العالم لن يجد "جاك ريبر" يوما ما كما لا يمكن التاكيد ايضا على ان عدم حدوث مثل هذه الحوادث حتى الأن انه ضمان على استحالة حدوثها لاحقا وربما حتى لو كانت قابلية حدوث ذلك مستحيلة فتخيل مدى سخف فكرة ان كل هذه القوة يتحكم بها هؤلاء,تصطحبك الكاميرا بعد ذلك في جولة سريعة للثكنة عسكرية مدون عليها شعار "السلام هو مهمتنا" مع مزج صوتى ممتاز لأصوات الرصاص فى الخلفية فى تناقض فج لعرض مدى سخف العبارة,ينتقل الفيلم الى الطرف الثانى هنا رئيس الجمهورية الذى يحاول تقدير الموقف لكنه لا يدرى القرارات التى وافق عليها من تلك التى رفضها،ووزير الدفاع الجنرال"باك" الذى تتصل به عشيقته خلال محاولتهم انقاذ ما يمكن انقاذه لتطلب منه ان يقول لها "احبك" الان-ويفعل ذلك فعلا- ومرورا بلحظة دخول السفير السوفيتي للقاعة تلبية لدعوة الرئيس وقبل دخوله القاعة يشتبك معه الجنرال "باك " لأنه لا يمكن لشخص كهذا أن يتواجد في مكان بهذه الخصوصية قبل أن يرد عليه الرئيس بجملة سيريالية عظيمة "عفوا أيها السادة، لا يمكن أن تتشاجروا هنا..الشجار ممنوع فنحن في قاعة حرب".

حتى الرئيس الأمريكي نالا قسطا جيدا من السخرية وهو يخاطب الرئيس السوفييتي ليتنازعا سويا في الهاتف من منهم منزعج أكثر من الاخر ومن منهم يعرب عن أسفه أكثر فى ايضاح ممتاز لمدى سخف الساسة فى تعاملهم مع الكوارث ومحاولات تبريرها وينتقل الفيلم للطرف الأخير وهم هؤلاء الطيارين الذين يحلقون بسلاح سيقضى على الوجود البشري على أنغام موسيقى وطنية ويتحدثون مع بعضهم عن أنهم بلا شك جنود أكفاء لأنهم جديرون بثقة عظيمة ان تذهب مسؤولية كهذه إليهم دونا عن أقرانهم الذين من المؤكد أن منهم من هو أكثر خبرة،والحقيقة أنهم ليسوا سوى مجموعة حمقى ستودى بالجنس البشري للفناء ظنا منهم أنهم يؤدون الواجب.

الواقعية تحكم

هناك قاعدة أن أي نكتة مهما كانت درجة ردائتها او سخافتها ستصبح جيدة إذا كانت عن شخص لا يمكنك ان تتحدث عنه او تسخر منه.الأفلام المشابهة تتخطى مرحلة السخرية وتصل إلى درجة الهزل وتتحول السخرية التى كان غرضها توصيل فكرة ما الى مجرد نكتة سخيفة تتردد لتفقد رونقها تباعا.فعلى الرغم من سخرية كوبريك اللاذعة من كل هؤلاء الا أنها لا تخلو من رسم واقعى جدا ومبهر لهذه الشخصيات,الأمر الذى يسعى اليه الفيلم من البداية هو التساؤل المنطقى الذى يجب ان يقفز لرأسك بعد المشاهدة لماذا قد لا يحدث شئ كهذا ولماذا قد يتم التعامل مع هذه الشخصيات أنها مجرد خيال وليست صور لساسة وعسكريين يتحكمون فى مصائر الملايين بقرارات يوميا؟!وهو ما يجعل الفيلم استثنائيا..أو ربما مرعبا!!

فالجنرال "باك" يظهر كرجل عسكري تقليدي يرفض تماما الاعتراف بخطأ أحد رجاله فقط لأنه عسكرى مثله وربما يجدر الاشارة هنا الى ان الخطأ هو اعطاء أوامر بحرب نووية ويستخدم كلمات مثل "يبدو" و "ربما" ويستند فى كل كلامه الى التقارير التى لا يصدق سواها,والعميد "جاك ريبر"هو أحد هؤلاء الذين تواجههم يوميا ممن يأخذون شعارات الفخر الوطنى والاعتزاز لمستوى متقدم وتقوم ببناء كل أفكارها على هذا الشعارات المفرغة لتتحول تلك الثرثرة عن الوطنية لقناعات راسخة لشخص مفتون بقوته الغير موجودة ورأيه الساذج ليرى نفسه متفوقا على العالم أجمع,وربما رئيس الجمهورية الذى يهتم بتبرير ما حدث للناس أكثر من تبعات ما حدث نفسه فى صورة مألوفة تماما عن الساسة بمختلف توجهاتهم.

حلول خارج الصندوق؟

يخاطب الجنرال "باك" الرئيس الأمريكي ويقول له أنه من المؤكد أن الرد الروسى سيكون قاسيا و"يبدو" ان اعتراض الطائرة أصبح أمرا صعبا فالأفضل هو مضاعفة الهجوم لا محاولة ايقافه وعلى أسوأ التقديرات لن يموت أكثر من 20 مليون مدنى أمريكي وهذا "يبدو" أفضل بكثير من قتل مئات الملايين,ليرد عليه الرئيس "لن أدخل التاريخ كأعظم قاتل جماعي منذ أدولف هتلر"..ويظهر هنا قوة الحوار حينما يعطى الجنرال الذى أراد قتل 20 مليون مدنى للرئيس درسا أخلاقيا ليقول له "سيدي الرئيس ربما من اﻷفضل أن تهتم بالشعب اﻷمريكي بدلا من اهتمامك بصورتك الشخصية على كتب التاريخ"..قد يختصر هذا الحوار الكثير مما قد كنت تتمنى أن تعرفه عما يدور فى الغرف المغلقة بين كبار الساسة ولربما من الأفضل الأن ألا تتسائل عنه ثانية.

يتيقن الجميع أن ايقاف الطائرة أصبح رفاهية غير متاحة,ليقترح أحد الحضور وهو الدكتور سترينجلوف بفكرة وهي اصطفاء مجموعة من البشر من كل اﻷجناس واﻷعراق بناء على قوتهم الجسدية وذكائهم العقلي والنساء على أساس صفاتهن الجنسية ثم إلجاء هذه المجموعة إلى خندق تحت الأرض حتى اختفاء كل اثار الحرب النووية ليعودوا بعدها ويبدأوا فى بناء الكوكب من جديد..سرعان ما يعجب الجنرال "باك" بهذه الفكرة لا سيما حينما يعرف ان نسبة كل رجل هناك ستكون عشرة نساء قبل ان يقدم الفيلم أخر سخرية له من السفير الروسي والرجل يحاول تصوير أركان غرفة الاجتماعات السرية وما يظهر على الشاشة فى محاولة لتسريب بيانات عن العدو الأمريكي حتى وان كانت هذه المعلومات لن تفيد فى شئ فالكوكب كله سيفنى ,وينهى كوبريك فيلمه الذى ترشح ل4 جوائز أوسكار-وخسرهم جميعا- على أشهر أغنية فى الحرب العالمية الثانية "سنتقابل مجددا" للانجليزية فيرا لين.

سيطرة أم أفكار؟

استحدث الفيلم شخصية دكتور سترينجلوف والتى لم تتواجد فى رواية الكاتب بيتر جورج "red alert" وتظهر الشخصية غريبة على الصعيد الجسمانى والحركي ويلمح فى الفيلم أنه أحد العلماء النازيين الذين شرعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي فى استخدامهم بعد الحرب لانتاج أسلحة أشد فتكا واكثر تاثيرا,يشير الفيلم الى حقيقة يتم التغاضى عنها بل وتهميشها أحيانا وهى أن الصراع السياسي ليس سوى مجرد صراع قوى واستعراض غرضه الأوحد السيطرة والهيمنة وهو أبعد ما يمكن عن صراع الأفكار ويعرض ذلك بمنتهى العبقرية بأن دول الحلفاء التى أسقطت النازية وهاجمت كل ما نشرته من أفكار عن الانتخاب الطبيعي واصطفاء البشر بدعوى العنصرية والتمييز بين فئات البشر ستقوم بتطبيق نفس الفكرة بدون أدنى تردد حينما تجبر على ذلك ولربما تعاملت مع شعوبها بنفس نظرية الجنرال "باك" أن 20 مليون قتيل أفضل من 100 مليون وكأن الخيارات المتطرفة هى المقبولة فقط,ربما فطن الساسة ان تقبل العوام والمواطنين لمثل هذه الافكار سيكون مرا وسخيفا فلا أحد يريد ان ينظر ابعد من قدميه ليرى نفسه جزءا من صراع يشارك فيه لترجيح كفة فئة على الأخرى دون ان يجنى شيئا لذلك لا بد من ايديولوجيات وافكار ومعتقدات تغلف هذه الحقائق حتى لا يشعر أحد بمدى سوء وقبح العالم من حوله,يجب أن يظل الناس مقتنعين تماما أن للصراعات الكبيرة أسباب مبعدية وأبعاد ميتافيزيقية وأن التفسير لا يجب أن يكون سهلا وأنه لا ينبغى للفرد أن يدرك حقيقة كونه مجرد جزء من كيان اكبر يتم فيه استخدامه كوسيلة للهيمنة ومجرد رقم قد يصبح من ضمن احصائية قدرها 20 مليون او واحد ممن هم على متن الطائرة وهم يسوقون الموت بالمعنى الحرفى لا المجازى حسبما تقرر اللعبة أن تضعك,وربما أيقن كوبريك أن عرض نفس هذه الحقيقة التى أخفاها الساسة سيكون لها نفس التأثير القبيح فاختار ان يغلفه ويصيغه بالكوميديا والسخرية حتى لا يشعر أحد بمدى سوء ورعب هذه الحقائق..ولكن حتى كوميديا السياسة تظل مرعبة..ربما أكثر رعبا مما تتصور.


  • 2

   نشر في 27 نونبر 2017 .

التعليقات

Salsabil Djaou منذ 6 سنة
مقالك رائع لقد جعلتنا نفهم سيناريو الفيلم وكاننا تابعناه ،من الافكار ،الى الممثلين ،الى التعليق على الاحداث،الى وجهة نظرك،فعلا كوميديا السياسة مرعبة تماما كرعب سياسة الواقع ،كنت فنانا بمعنى الكلمة في هذا المقال دام قلمك.
1
أحمد طلعت
شكرا جزيلا :)

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا