وأنا أفتح مصحفي على صفحة تبتدأ بعد بسم الله الرحمن الرحيم:

"قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى" الآية 126 من سورة طه، سألت نفسي مباشرة ترى لماذا نزلت هذه الآية وعلى من نزلت وما المناسبة ، فعدت الى التفسير فوجدت بن كثير يذكر أنه لما تم الاعراض عن آيات الله وتم التناسي والاغفال عنها ، سيتم نسيان بن آدم ،لأن الجزاء من جنس العمل، وهو ما يستشفه المؤمن من فهم عميق لمعنى هذه الآية أن كلام الله له قيمة كبيرة جدا وأن له وزنا وثقلا ومكانة حين نزل، والمفروض أن يتذكره الذاكرون ليفهموا معانيه العميقة ويطبقونها في حياتهم وتفاعلاتهم ومشاركاتهم الاجتماعية مع غيرهم، وبالعودة لبعض أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في نفس السياق نجد قوله "ما من رجل قرأ القرآن فنسيه الا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم".

وعن بن عاشور في معنى هذه الآية أن الرسالة كانت موجهة لابن آدم وذريته باتباع رسل الله و الوحي الإلهي وبذلك يعلم أن طلب الهدى مرتكز في الجبلة البشرية حتى قال كثير من علماء الإسلام :

ان معرفة الاله الواحد كائنة في العقول أو شائعة في الأجيال والعصور، ما يعني أن معرفة الله تكمن في فهم كلامه ،لأن فهم الكلام شرح لعظمته المتجلية بأسمائه الحسنى ، وكل اسم يحمل من الدلالة ما يجعل الله سبحانه وتعالى الاله الأوحد المستحق للعبودية وبالتالي الاستقامة له كلية جوانحا ومشاعرا و اقبالا عليه في السراء والضراء، في اليسر والعسر، في الغنى وفي الفقر، وفي دلالة الخوف من الله ترتيب آخر مغاير تماما لمعنى لخشية ،لأن الخشية في اللغة معناها الخوف مثل ما ورد في تعريف مهجة ثابت محمد حكمي في مقال بعنوان : الخشية من الله وآثارها ،أين وضح الفرق بين الخوف والخشية أن الخشية أخص من الخوف ،لأنها انقباض وسكون والخوف حركة ، فلماذا علينا بخشية الله وهل هي حكر على صنف من الناس وهم العلماء مصداقا لقوله تعالى :

"انما يخشى الله من عباده العلماء" الآية 28 من سورة فاطر ، ربما لأن مسألة العلم هي مسألة توفيقية في الفهم الدقيق لمضامين العلوم بما فيها القرآن أو ربما لأن العلماء أكثر الناس علما وبالتالي علمهم يوصلهم لمعرفة الله المعرفة الحقة وبالتدريج ، لأن المؤمن كلما زاد في العلم تربت لديه ملكة الخاصية والاصطفاء والتمكين، فالله كريم يجازي عبده على درجة التقرب منه وعلى نية حب الله والارتماء بالدعاء فرارا من قدره وطلبا لقدر أفضل، والخيرة كلها فيما اختاره الله.

لكن وما نلاحظه من تدهور في استمرارية الأمة الإسلامية على نسق التوحيد والالتفاف حول تقرير المصير المشترك بعيدا عما فرضته الهيمنة العالمية التي فككت الانسجام التام فيما بين المسلمين كونهم قوة مستقبلية ان هم أحسنوا التوظيف الجيد لكلام الله الداعي الى الوحدة ونبذ الفرقة ،الا أن واقع الحال لدى العرب خاصة يوحي بهشاشة الرابطة فيما بين الدول العربية وإعادة ترميم هذا التفتت انما يكون بالفهم الصحيح لبنود القرآن ونبذ كل أشكال الفتنة والتفرق تحت غطاء المذهبية وما شابهها من صور الانضواء تحت عنوان التفرقة والشتات.

ان الخشية من الله باتت مطلبا ضروريا لابد من العمل به واستحضار عظمة الخالق في ظل أزمات عالمية من حرب وظواهر طبيعية مدمرة للأرض وللبشر وللحيوان كالاعصار والطوفان والأوبئة التي خلفت الخسائر والارباك التحليلي لمآل الأمور مستقبلا، لذلك وجب على المؤمن أن يعود الى الله ليصحح مساره ان ما شابهه ضعف أو تردي في وتيرة التعامل مع مستلزمات الحياة الصعبة اليوم أو فيما يخص ضمان نجاته من الأزمات المقبلة والتي لا شك ستغير سيرورة العالم نحو منح فرص لدول أخرى لقيادة العالمية وسنتأثر لا محالة بهذا التحول لأننا لا نملك العدة اللازمة للظهور بمظهر القوي ولا الزاد الكافي لمجاراة من يملكون قواعد إدارة اللعبة العالمية، ضف الى نسق المعاملات اليومية فيما بين البشر وجب ضبطها اليوم بما يكفل للأطراف سلامة الصدر والقلب والعقل في ظل طغيان الظلم و الفساد والتفاوت الطبقي فيما بين الأفراد ، فظهرت بذلك النزعة الفردية محاولة التملك والتفرد في الامتيازات ضاربين عرض الحائط حقوق الغير ، ومن هنا تبدو قيمة الخشية من الله في تحريك مهجة احترام الغير وعدم أكل مال اليتيم و تقدير الزوجة والرأفة بالأولاد..فمن طبيعة الحياة أن تقسو وخشية الله نجملها بالتيسير وبالصبر واليقين وحسن الظن في الله.