إنتحار فني 5 - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إنتحار فني 5

  نشر في 13 غشت 2021 .

لم ينظر إلي حتى .

حملت هاتفي من فوق الطاولة و وقفت من مكاني مغادرا .

وقف فاليريو بدوره و أمسكني من مرفقي ، و اعتذر مترجيا مني البقاء

جلست ، أنظر إليه قائلا :هذا ليس فاليريو الذي أعرف .

ما الذي يحدث معك .

أهي والدتك ؟

أشار بحركة من رأسه نافيا ..

بالكاد استطاع أن يتحدث ، كان يسحب الكلمات من بين شفتيه كمن يسحب الماء من بئر عميقة .

قال بكلمات مقتضبة:لقد تركتني .

ابتسمت بوجهه و الدهشة تحيطني :كاميليا ، هذا غير ممكن .

لم أتوقع إطلاقا أن يحدث هذا بينهما ، لقد كانا ثنائيا رائعا ، متنغاما إلى أبعد الحدود

يتشاركان حبهما للرسم.

كانت كاميليا تدرس بالمعهد العالي للفنون الجميلة ،كانت فتاة موهوبة جدا، تجيد العزف على مختلف الآلات الموسيقية ،إضافة إلى براعتها في التصوير و حبها الكبير لكل ما يتعلق بالفن .

لم أعرف لحد الآن سبب فراقهما ، سألته قائلا: هل تشاجرتما ، هل أغضبتها في شيء ؟

ليست كاميليا التي تفعل ذلك ، فقد كان فاليريو يذكرها في كل حديث و يصورها لي في صورة ذلك الملاك الطيب

فما الذي تغير في الملاك اليوم ؟

بقي صامتا لبرهة ،يحرك بأصابعه المزهرية ببطء ، و كانه يحرك الذكرى معها ..

كان عاجزا عن الحديث في الأمر .

بكلمات أحاول مواساته، زرع امل بأراضيه القاحلة .

قلت له : هذا مجرد شجار عابر،مثلما يحدث بين كل حبيبين ، سوف تتصل بك مجددا لا تقلق

إمنحها بعض الوقت فقط .

لقد كنت بتلك اللحظة أحاول اقناعه بأشياء لم أستطع ان اتقبلها سابقا، ندبات تركتها تلك التي داست على قلبي ذات يوم و مرت ، دون ان تلتفت خلفها .

لا تسلم قلبك لأنثى تجيد التمثيل ،سياتي يوم و ستضع مشهد نهاية لقصتكما ،ستقتلك فوق الخشبة و تغادر ببساطة وكان شيئا لم يحدث  ..

رن هاتف فاليريو فجاة ...

حمله من جيب سترته بسرعة و كله أمل في أنت تكون هي ..

عادت إليه الحياة بعدما كدت ان اجزم أني أجالس كرسيا من كراسي المطعم

كاد الفضول يقتله حين رأى اسمها يعتلي علبة الرسائل ..

قال إنها هي ، كاميليا ..

فتح الرسالة ،بحماس طفل يفتح هدية عيد الميلاد ، بكل سعادة فتحها . 

صمت لبرهة .

تغير وجهه فجأة ،و كأن عاصفة ما ضربت أركانه، قلت انه سيسقط هنا ..

فاليريو ، فاليريو .

ماذا حدث ..؟

بقي صامتا ينظر إلي بنظرات مرتبكة و خائفة ،وكانه تعرض لحادث ما

وما الحب الى سلسلة حوادث ،الفرق الوحيد هو ان حوادث الحب تحدث بداخلنا تكسر قلوبنا و تطفيء شعلة الحياة بارواحنا فنعيش في غياب نصفنا الآخر اجسادا فارغة لا غير.

كنت ارى الفقدان حاضرا في عينيه ..

هي نفس النظرات التي لمحتها في عيني أختي ياسمين ذات يوم .

لم يفقد عائلته، لقد فقدها ..

همس بكلمات بالكاد فهمتها لقد رحلت.

حمل هاتفه مجددا وراح بسرعة يبحث عن رقمها ..

اتصل بها و كانت خيبته اكبر و اكبر ..

مغلق .

غيرت عنوانها ، و أنهت الكارثة باغلاق النافذة الوحيدة للتواصل معها .

بصوت مبحوح قال بعد أن قلت أنه لن يتحدث إطلاقا ..

هاتفها مغلق هاتفها مغلق ،تبا .

ضرب هاتفه على الطاولة بقوة،جعلت معظم من بالمطعم يوجه أنظاره نحو الزاوية .

رفعت يدي معتذرا للجميع و مطمئنا ..

نهض فاليريو من مكانه على عجل ، اخذ مفاتيح سيارته من على الطاولة و خرج مسرعا

استوقفته فاليريو انتظر ..

إلى أين ..؟

لم يصغي إلي و واصل طريقه إلى الخارج

وضعت ورقة نقدية على الطاولة و اعتذرت من السنيورة فالنتينا ،حملت هاتفه الذي نسيه فوق الطاولة و لحقت به ..

حرجت من المطعم أحث الخطى

و لكني لم أستطع اللحاق به ،أدار المقود و أقلع بسرعة جنونية ناديته و أشرت بيدي ملوحا،لم يكن يصغي إلي، كان غائبا تماما ..

يا إلاهي أي يوم هذا ..

نظرت بهاتفه صدفة كانت الرسالة التي ارسلتلها كاميليا ماتزال مفتوحة ، لم اكن احب التلصص على حياة الاخرين ، اطلاقا لم اكن من الفضوليين ..

وقعت عيني فجاة على الرسالة ..

في رسالة قصيرة ، تستحي من أن ترسلها لأحدهم ، ماذا إن كان حبيبك .

قالت له ،آسفة جدا على كل ما حصل بيننا ، آسفة بشأن كل ما تسببت به لك بالأمس

سنغادر إيطاليا اليوم ،ربما لن نلتقي مجددا اعتني بنفسك ..

كاميليا .

يا الاهي اي نهاية هته ،لقد كسرت قلبه

كان فاليريو يحبها كثيرا ، يمتليء بوجودها،يُحتضر في غيابها 

كيف استطاعت فعلها و بهته الطريقة

بقيت بجانب الطريق أنظر الى حركة السيارت تمر أمامي ، انظر الى الحياة و أقول لماذا كل هذا العبث ، لماذا نتعلق بالراحلين دائما ،ندمن الأشخاص الخطأ .

ربما كان علينا أن نقف بالمحطة ونلوم القطار و الطائرة ،و كل شيء أثث لكلمة إسمها الرحيل .

الراحلون لا يعودون ،يأخذون بحقائبهم قلوب الآخرين و أجزاءا من أرواحهم و يغادرون ليبعوها بمدن نسيان أخرى

لقد فهمت الآن لماذا اعتذر فاليريو و غادر مبكرا معرضي بالأمس .

كانت كاميليا السبب .

لم تكن شقتي بعيدة عن المطعم كثيرا ، رغم أني لم آكل شيئا منذ الصباح سوى فنجان قهوة إلا أني لا أرى عودتي إلى المطعم أمرا صائبا

أحس بقليل من الجوع ،و ربما آن الاوان لأعود إلى شقتي و أطهو لي شيئا ، و انتظر عودة ذلك المجنون او سماع أخبار سعيدة منه ،فلم أستطع فعل شيء ، و لا أنا قادر على تغيير شيء في معادلة الفراق .

فشلت في السابق ، ولا أريد أن أعيش هته التجربة مرة أخرى .

بالمساء

فتحت عيني و كان ضوء الغروب البرتقالي المحمر ينعكس فوق كل شيء بشقتي،يحمل الريشة و الالوان ، كفنان محترف يصور بجدران شقتي  لوحة انطباعية و مشهدا جميلا و دافئا .

نظرت إلى الساعة بالحائط ، يا إلاهي كيف استطعت ان أمضي كل هذا الوقت نائما .

ربما كانت ليلة الأمس السبب ، فبعد ان اخذت غداءا خفيفا ، أحسست بتعب يغلفني و يسيطر على أطرافي .

أخذت قيلولة ، ولكن يبدو انها كانت سباتا طويلا و ليس قيلولة و حسب .

تفحصت هاتفي ، لم يتصل فاليريو ، و لم يأتي ليأخذ هاتفه .

لم أجد طريقة أخرى للسؤال عنه .

اخذت حماما خفيفا ..

استلقيت فوق الاريكة ، حملت هاتفي و اتصلت بوالد فاليريو .

قال أنه كان يظن انه برفقتي ،و لكن تبين أنه لم يعد إلى المنزل بعد .

يا ترى أين أنت ...

غادرت الاريكة بتكاسل بعد أن ارتحت قليلا

شغلت التلفاز لأستأنس به ، و اتجهت نحو المطبخ لأحضر وجبة تناسب هذا المساء

خطر في بالي أن أطلب بيتزا من مطعم السنيورة فالنتينا ، و لكني فكرت مليا و قررت أن أحضر البيتزا على الطريقة العربية ،تلك الخبزة الكبيرة التي نملؤها بكل ما نملك بالثلاجة من خضار ،بصل و طماطم و فلفل أخضر و لحم مهروس و بيض مسلوق و جبن و سمك معلب و الكثير من البهارات التي نضيفها إلى وصفتنا ، لقد كنا نتجاوز تلك المقادير التي تعتمد في صناعة البيتزا هنا ، نضربها عرض الحائط و نتمرد على كل شيء لنحضر لنا بيتزا بملامح أخرى ، لهذا رأيت بهذا المساء أن أحضر البيتزا على طريقتي ، فقد سئمت من الأكلات الجاهزة .

كنت مشغولا في قتل الدقائق بمطبخي ، أستمتع بالطبخ كالعادة ...

جهزت طاولتي بالشرفة و زينتها بالشموع و خيوط الأضواء الملونة ..

كان احتفالا غير مقصود ،ببداية نجاح ربما

كنت لوحدي ، وتمنيت لو كان فاليريو هنا ليعطيني رأيه في البيتزا خاصتي ..

و لكن ، حتى و لو كان هنا فأي مزاج سيسمح له بأكل البيتزا او إبداء رأيه ..

لا بأس ،سأدعوه يوما ما.

أما الليلة فكان مقدرا لي أن أحتفل لوحدي .

استمتعت بطعم البيتزا ،فلم أذكر أني حظيت في هته المدينة بيبتزا بهذا الطعم من قبل ، تذكرني بالبيتزا التي كانت تعدها أمي .

جليت الصحون و حضرت كوب شاي لأسترخي .

فتحت الحاسوب لألقي نظرة على بريدي الإلكتروني كما اعتدت كل يوم .

رسائل كثيرة لم أقرأها ، و لكنها غير مهمة لمحت بالاعلى رسالة جديدة ،كانت بهذا اليوم و على الخامسة مساءا ، كنت نائما حينها .

كان إسم المرسل إيفا ..

آه تذكرت ، لدي موعد بالغد كدت أن أنسى .

لولا رسالتها هته .

قالت فيها :طاب مساؤك ،أظن أنك تذكرتني ،صاحبة الزيارة الصباحية المفاجئة

لقد حددت مطعما مناسبا لنلتقي ، ستجد العنوان في هذا الرابط بالأسفل ،

سيكون الموعد بالعاشرة صباحا ،دمت بخير ،إلى اللقاء

ضغطت على الرابط ، وقادني مباشرة إلى مطعم السنيورة فالنتيا ، كان الأقرب إلى شقتي .

ضحكت لغرابة هته الصدفة ،قلت بنفسي بعد الضجة التي أثارها فاليريو اليوم كيف يمكنني أن أدخل المطعم مجددا ..

بالصباح إستيقظت على صوت المنبه ،الثامنة و عشر دقائق ، غسلت وجهي ،حضرت كوب شاي ، مررت بالثلاجة أخذت بعض الجبن و حبات زيتون أسود ، و في صحن صغير وضعت ملعقتين من العسل ، رغم اني نادرا ما كنت أجد القدرة على اعداد فطور مناسب و صحي .

دائما ما كنت اكتفي بكوب شاي او قهوة .

ارتديت ثيابي التي تعبت في انتقاء ألوانها بالأمس ،وضعت حاسوبي بالمحفظة ،قلت أني قد أحتاجه لغرض ما .

تعطرت قبل أن أغادر شقتي ، و ألقيت بنظرة متفحصة على نفسي بالمرآة ، إن كنت قد نسيت شيئا .

كنت جاهزا للمغادرة .

أغلقت باب شقتي ،نظرت إلى الساعة بمعصمي ،إنها التاسعة و تسع و أربعون دقيقة .

يبدو أني لن ألحق على الموعد بالوقت المناسب .

أخذت سيارة أجرة بالرغم من قرب المطعم

اردت فقط أن اتجنب أي طاريء قد يصادفني بالطريق ، فهذا الموعد يعني لي و لمسيرتي الفنية الكثير الكثير .

موعد ثمين لا يستحق أن أتأخر لحظة عنه 

يتبع ...

#موساوي عبد الغني ♤


  • 3

  • Abdelghani moussaoui
    أنا الذي لم يتعلم بعد الوقوف مجددا، واقع في خيبتي
   نشر في 13 غشت 2021 .

التعليقات

Fatma Alnoaimi منذ 3 سنة
"الراحلون لا يعودون ،يأخذون بحقائبهم قلوب الآخرين و أجزاءا من أرواحهم و يغادرون ليبعوها بمدن نسيان أخرى"

يرحلون ولايبقى لنا سوى وجع خفي يسرق البهجة من ملامحنا.

عشت معك تفاصيل الحكاية بجمال مافيها من تمكن في السرد وشد القارئ حتى أخر كلمة.
بإنتظار تفاصيل الموعد الثمين.

وفقك الله ورعاك .
3

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا