أدغال الصمت
خطوات العظمة الصغيرة
نشر في 11 شتنبر 2021 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
بسلاسة و يسر تتسرب منا الأحداث دون أن نعيها أو أن ندرك كنهها ومغزاها ..وبنفس تلك السلاسة نضطر للتوغل مرة أخرى في أحداث تمضي بنا إلى أبعد الحدود تطرفا وإغرابا ..
لنجد ذلك الإنسياب الهادئ قد غير من ذواتنا و جدد فينا ملامح نكون نحن أول المنكرين لها ،إذ لم يصح في أذهاننا و وعيينامن ذلك التغير شيء ..
بكل تكتم وتستر تمضي شخوص من بيننا،تخترقنا وتجتازنا رغم كل ذلك الصخب الذي نحدثه وتلك الفوضى التي تظهر في تصرفاتنا وكأننا نوهم أنفسنا بالسيطرةعلى ذواتنا أو ربما حتى على بعضنا فإذا بنا لا نحتسب من أبصارنا وأسماعنا إلا ما يزعجهاأو ينشز عنهامن بين مألوفاتها لتباغتنا على صفحات التاريخ والأمجاد تلك الأحداث والشخوص الهادئة الصامتة.
من بين كل محطات الحياة و تلك الأوقات التي تستوقفنا مرات لنراجع ضمائرنا ونجدد مبادئنا ونرسخ عقائدنا أيها تلك التي تنطلق منا تلك الأحداث والشخوص ..أو تلك اليالي والأيام والساعات التي لا تنفك تنحت فينا و منا صوراً و أشكالا نألف منها و ننكر ، أيهاالتي نحتت تلك الصناديد العظام حتى قارعت كل الخطوب وهزمت كل الظلمات.
ذلك الهدوء المنساب و تلك الخيالات والظلال المتسللة بالرغم من أنها لم تكن لتقارن بصخبنا وفوضانا العارمة إلا أنها هي التي تحمل كل تضاريس حياتنا وكل أعمدة حضاراتنا و لولاها لما تفتق فينا ومنا شيء مما نتفاخر به أمام أنفسنا ..لكن ما بالها هادئة صامتة ؟ألأنها تعلم ..تعلم الطريق والمسير والتوقيت ،لا يعتريها ذلك الشك الهادم و لا تلك التساؤلات القاتلة فتمضي مستيقنة بالوصول أم أنها لا خيار لها فهي مدفوعة بالإضطرار ولا تمتلك فرصة للتنحي أو التقهقر و لا تبالي إلى أين أو متى ستصل ،لو كانت سبل العظمة كذلك ..ليتها كانت كذلك ،ليتها كانت غريزة فطرية أو ضرورة طبيعية تجبرنا عليها الطبائع والغرائز فنتحرك لها دون نزعات التساؤل والإرتياب التي تضعضعنا و توضع خلالنا مع كل خطوة نخطوها ..لعلها كذلك لكن بغير هاته النظرة ،فالطبائع والغرائز هي التي جرتنا إلى تلك الفوضى العارمة وألجأتنا إلى ذلك الصخب المريع فقذفت منا كما تقذف القوى النابذة الأجسام المادية أسمى الشخوص وأعظم الحوادث إلى أعلى وأسمق القمم ،ولا يزال ما فينا من فوضى وصخب يقوى و يزداد ليعلو بتلك وأولئك فلا يبقي إلا على حثالتنا وغثائنا تصارع وتتكالب لتعبرها في سلاسة وهدوء مهيب تلك الشوامخ والصوامد، فإذا استقرت على صفحات التاريخ المنيف لمعت وبرقت ..فإذا بنا ننتبه لها لا نملك إلا أن نتراءآها كالكوكب الدري و نتساءل ما بالها لم تعلق فيما علقنا فيه ولم تجترفها سيول الغثاء والحثالة كما فعلت بنا أو أنها ليست منا أو كمثلنا .
ولأن نقاءها باهر وصفوها لا يتعكر لم تنكر لنا فضلا وإن كان ليس لنا فيه يد فأقرت به ومدت لنا يدا تجتلينا بها من تلك الدناءة وتطهرنا بها من ذلك الرجس ونسبت لنا ما هو لها وسمتنا بما تسمت به ورفعت لنا مكانا من مكانها ووضعتنا على قمة علت لها وسمقت بها فها نحن نشاركها السمو والفخر وتصفنا ملاحمها بالعزة و النصر.