أشواق لا مرئية
رابطة الدم بالتراب
نشر في 12 أبريل 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
خلق الإنسان من تراب" حقيقة إلهية قبل أن تكون علمية"،تم الخلق قبل النزول للأرض،لا تسأل لما التراب لا نار السموم فذلك من علم الله ومن علم من يخشاه من عباده،فحديثنا هذا عن الرابطة الأزلية بين المستخلف والمستخلف فيها، قد تعتبرها علاقة اعتباطية أو علاقة الفائز الأخير.أقول لك لا تستعجل وتتسرع في الحكم كما استعجل الملائكة في حكمهم"فساد في الأرض والنسل وسفك للدماء".الطبيعة أم لمن لا أم له، الطبيعة كيان في ذاتها، هي الروح والنبع الصافي، ومعلمت ابراهيم وموسى ومحمد صلى الله عليه وسلم قبل الورد،واسأل أهل الحس والذوق الغير عاديين.
كنت سأبتدأ قصتي بكان يا مكان في قديم الزمان ولكن استدركت أمري حينما تذكرت أني سأتكلم عن مُجمِّعَتِهِما ومُعلِّمتِهما الأزلية أمُّ البدايات والنهايات؛ألا تعلم أن للزمان والمكان معلما؟؛وهذا مما علَّمتني فقالت لي مرة"عش اللحظة في تأملك وسرحاتك،وسِح في ودياني وجبالي مدركا بخِلقَتِك الغير عادية لحياة غير عادية.لا تنتظر مني أن أعطيك المفتاح فقد أعطاه لك رب الجمال والجلال بخلقك من طين وكل السر في الطين"
عاد في رحلة دامت يوما كاملا بليله ونهاره مع عائلته الصغيرة إلى منزلهم الريفي االقابع بين هضبتين شامختين متشابهتين كأنهما توأم خلق من بطن واحدة تحت جبال الريف وبين ضفاف الوادي؛تذكر أنه قد سمى الهضبة اليمنى بإسم لكنه نسيه،أما اليسرى فيكن لها كرها شديدا منذ أن سقط على وجهه ذات يوم بين خدودها؛،فهذا البيت كما لا تَعْلَمُ قبلَ أن يصبح ريفيا كان شاهدا على ذكرى النشأة ونعومة الأظافر،كانت طفولة صعبة؛قالها بتهكم لزوجته وهو يتأمل في السماء المتلبدة بالغيوم...فهو بعين حاله يرى أن سنينا ضاعت من حياته...أَوَكان من الضروري أن يُخلق طفلا ريفيا،ومن ذا الأب الذي يضحي بالحضارة ويتخد الأرياف ملجأ وسكنا؟...أسئلة تولدت في لحظة حنقه تلك...ولكن علينا أن نسأل كما سأل هو قبلا ما الدافع الذي يجعله يعود؟عجيب أمره أتعلم...لعلها رغبة زوجته الفاضلة أو لربما لشيئ اخر أعمق...حاول أن ينسى أو يدعي النسيان رغم أنه قد أحس أنه نسي كل شيء منذ أول خطوة خارج السيارة وأول زفرة،هكذا انتهت مراسيم الترحاب الخفية لليوم الأول كما لم يخطط من قبل كأنه حاول أن يصطدم بحائط فاصطدم بجبل...كانت ليلة هادئة صامتة إلا من نقيق الضفادع بجانب الوادي والذي شكل حيرة لدى طفلته الصغيرة فظنته عرسا من نوع اخر...عرس للضفادع...ترى ما شكل العروسة وهل في تقبيلها للعريس سيصبو أميرا؟؛ أنت تعلم كم واسعة هي مخيلات الأطفال...ألا تقاسمني نفس الحنين لمخيلتهم تلك ؟؛
استيقظ في الصباح الباكر على صوت الماشية المتوجهة نحو المرعى بأصواتها المتعالية حينا والخافتة حينا اخر،لو كان له سلطان لذبحها جميعا بدون رحمة ولا انتظار...مخربة حفلات...فهل جربت يوما أن يدخل ثغاء الماشية لأحلامك؟ يا له من إحساس...خرج مسرعا من المنزل لكنه وجد القطيع قد ابتعد كل البعد،فكر أن يعود لفراشه لكن شيئ ما في البستان قُدّامَه قد جذبه،بخطوات ثابتة مضى يتجول داخل البستان لأول مرة قبل زمان ويا له من زمان...وأخيرا فتح القفل وأضحت كل الموجودات تهلل بقدوم الغائب البعيد...ومن قال أن الأشجار والأحجار والأطيار لا تحن...زقزقة طيور وطنين نحل ودبيب نمل؛لأول مرة أدرك أن للنمل صوتا؛ وهديل يمام فوق شجرة الخروب، الجو ممتلئ بشتى أنواع العطور حتى أنه للحظة أحس بالإختناق من تراكمها وكثرتها؛رغم أني لا أظنه اختناقا بل احتراقا وذوبانا داخل هاته الدوامة؛مرّ على شجرة الكرز فسلم وردت السلام وعلى البرتقالة فردت السلام وحبات من الزهر زيادة،لم يترك شجرة ولا فتيلة إلا وسلم وحاول أن يسترجع شيئا بعيدا من الماضي لكنه لم يتذكر...حتى وصل عند أقدام شجرة الصفصاف العجوز والتي نسيت طعم الربيع منذ مدة غير قصيرة...منذ سقوط اخر ورقة لها منذ أعوام،جلس تحت ظلالها الواسعة فرفع رأسه نحوها مدققا النظر في التراسيم وشكل الأغصان المتموجة،تمدد بعد حين على البساط الأخضر بعد ابتسامة أتبعتها دمعة وصعوبة تنفس وألم في الصدر...احساس افتقده منذ موت أمه غير بعيد، تذكر حينها كل شيء...لا لم تكن بالبئيسة تلك الطفولة ولا الصعبة كما قال من قبل...تلمس التربة بجانبه وجمع بأصابعه كمشة من التراب فشمها بنهم واحساس...يا الهي لأول مرة يحس فتذكر مرة أخرى أنه حاول أن يصعد الصفصافة العجوز ذات يوم فظل جالسا بين أغصانها ينتظر الغروب وياله من غروب حينها...فأدرك أنه قد أحس من ذي قبل وأن عودته للأرياف لم تكن عبثا بل هي محبة من نوع خاص محبة التراب للتراب وحنين الإبن للأمه الأولى والرشفة الأولى من كأس الحب الأبدي لزواج أبدي، علاقة البداية والنهاية فمنها واليها نعود فكيف الملل في العيش بكنفها...هكذا كان يقول وبهاته الطريقة كان يفكر ويبدو أني قد قرأت هذه الأفكار وإرتشفت من كأس الحب والحنين ذاته،فهل تستطيع أن تفتح الطلسم وتستقي من نفس الكأس؟وهل ستحس بالقدارة كلما اتسخت ثيابك بالطين يا من صنع من طين؟